مؤتمر حركة النهضة: الحقائق الخمس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكن القول،دون مبالغة سافرة أو تملّق كاذب، إنّ مؤتمر حزب"حركة النهضة" قد مثّل أهمّ حدث سياسيّ في صائفة هذه السنة بالبلاد التونسيّة.و ما رافق هذا المؤتمر من إعداد مادّي،ومن كثرة عدد الضيوف قد ذكّر بمؤتمرات سابقة عقدها،على مدى خمسين سنة من الحكم،الحزب الاشتراكي الدستوري و"التجمّع الدستوري الديموقراطي".إذ جاء هذا المؤتمر ليؤكّد عادة تأصّلت في تونس. وهي سعي كلّ حزب حاكم إلى تحويل مؤتمره إلى حدث وطني تتجنّد له مؤسسات الدولة والإعلام بما أنّه،بشكل من الأشكال، يعطي صورة عن مستقبل البلاد السياسي على المدى القصير أو البعيد.ويمكن حصر نتائج هذا المؤتمر في نقاط خمس:
النقطة الأولى:القطع مع المبايعة
برز في مؤتمر حركة النهضة مناضلون من الجيل الثاني والثالث يريدون القطع مع عقلية المبايعة وتأبيد"الشيخ" قائدا ومعلّما أوحد يمسك بيده كلّ مفاتيح الحركة. وعبروا من خلال النقاشات العلنيّة أو في الكواليس عن الرغبة في ضخّ دماء جديدة تدفع بهذه الحركة التي أصبحت حزبا حاكما إلى الأمام،وتركّزها رقما صعبا في معادلة الحكم بتونس في قادم الأيام. وليس أدلّ على هذه العقلية الجديدة التي ترفض الخضوع من حصول الشيخ راشد على نسبة 70%من الأصوات ما يعني أنّ قرابة 400 مؤتمِر من حزب حركة النهضة لم يصوّتوا له.و هذا في حدّ ذاته مؤشّر على تغيّر السلوك السياسيّ عند الناخب "النهضوي" الذي عرف عنه الانضباط،والالتزام بقرار القيادة. ويبدو أن التجديد للشيخ "راشد" كان مشروطا،ومؤقتا. لأنّ مدّة الرئاسة حُصرت في سنتيْن بدل أربع سنوات.ولعلّ في ذلك تمديدا بغاية ترتيب البيت،والاستعداد لمرحلة ما بعد "راشد الغنّوشي".فهل يكون هذا المؤتمر حركة نبيلة لتوديع مؤسّس الحركة الذي قال عند عودته من المهجر إنّه لن يترشّح لرئاسة الحركة، وإنّه سيتفرّغ للنشاط الفكري والدعويّ؟؟؟
النقطة الثانية:مبدأ الشراكة في الحكم
أكّد البيان الختامي للمؤتمر أن البلاد تحتاج"إلى نظام حكم مؤسّس على عقد سياسي يدعم بناء التوافق والائتلاف".ويُفْهَمُ من هذا الخطاب أنّ "النهضة" ماضية في تعزيز تحالفاتها مع القوى السياسيّة للبحث عن نظام حكم"تشاركيّ".لكن يبقى السؤال هل "النهضة" لا تريد أن تحكم بمفردها أم لا تستطيع؟ هل هذا الخطاب موجّه إلى الخارج لطمأنة شركاء تونس على نظام الحكم؟ ما فائدة أن يتحالف حزب كبير مع أحزاب صغيرة يحرّكها كالدمى دون أن تكون شريكا فاعلا في الحكم؟هل يستطيع "حزب المؤتمر" أو "التكتل" الآن أن يمرّرا مشروعا أو تصوّرا لا ترضى عنه النهضة؟هل تريد "النهضة" من خلال التأكيد على الائتلاف والتوافق أن تعبّر عن تمسّكها بما كانت قد التزمت به لأطراف خارجية قبل أن تمسك بدواليب السلطة؟ هل سيتواصل مسلسل هيمنة حزب على الساحة وبحثه،في الأثناء، عن شركاء يأتمرون بأمره لا حول لهم ولا قوّة.؟؟
النقطة الثالثة:تساوي شرعية السجن والمهجر
علت أصوات داخل حركة "النهضة" تدعو إلى أن يكون سجناء "بن علي" هم أحقّ بالمناصب من أولئك الذين قفزوا من السفينة قبل غرقها،وفروّا إلى الخارج.لأنّهم عاشوا غربة "مترفة" ولم يعرفوا سجون "بن علي" وحفلات تعذيبه.ورغبة في لمّ الشمل والاستعداد للاستحقاقات القادمة فصل المؤتمر في الأمر. ونوّه بالجهود الني بذلها المبعدون والمهجّرون في المحافظة على الحركة التي كاد نظام "بن علي" أن يسحقها ويُبيدها.وجاء في البيان الختامي أنّ الذين فرّوا من الجحيم كان لهم الفضل في تقديم الإعانات إلى الأسر التي كان عائلوها في السجن يسومهم "بن علي" سوء العذاب.فهل احتاج هذا الصراع المتأجّج بين السجناء والمهجّرين حول الشرعيّة إلى قول فصل من المؤتمِرين؟وهل يمكن لهذا التنويه أن يذيب جليد الاختلاف بين مَنْ اكتوى بنار السجن ليجد نقسه مبعدا بغطاء انتخابيّ،وبين من احتمى بالضفة الغربية للمتوسّط وعاد ليسجّل حضوره بقوّة في حركة النهضة،وفي مرحلة الحكم الجديدة؟؟
النقطة الرابعة:نجوم صاعدة وأخرى آفلة
لكلّ مرحلة رجالها. هكذا هي سنّة التاريخ ولن تخرج النهضة عن هذا النهج. ويمكن القول إنّ هذا المؤتمر أشّر لخروج "مشرّف" للشيخ "عبد الفتاح مورو" في انتظار أن يعقبه المؤسّسون الآخرون في المؤتمر القادم بعد سنتيْن، لتنطلق الحركة بتصوّرات جديدة تقتضيها طبيعة المرحلة التي أصبحت فيها سيّدة نفسها،ومتحكمة في المشهد السياسي التونسي بعد أن كانت مقموعة،ومحصورة تعقد مؤتمراتها في السرّ. وما حصول الشيخ"مورو" على أصوات ضعيفة في انتخابات رئاسة المؤتمر إلاّ تأكيد لانفصام شعرة معاوية التي تربطه بالحركة. فهل يمكن القول مستقبلا إنّ القطيعة بين مورو والحركة قد تأكّدت؟
وممن تراجعت شعبيتهم في هذا المؤتمر"لطفي زيتون" الذي غزا الشاشات بتصريحاته،وبسخريته من المعارضة التي ينعتها بأنّها من جماعة صفر فاصل. ولم يَدُرْ بخلده أنّه سيجد نفسه في وضع مَنْ سخر بهم في مؤتمر النهضة الأخيرة.فهل أشّر المؤتمر إذن لرحيل الشيخ "عبد الفتاح مورو" عن الحركةو "لطفي زيتون" عن التشكيلة الحكوميّة؟؟
وفي المقابل يبدو أن الرجل الثاني في حركة النهضة هو السيّد"الصادق شورو" الذي حصل على أعلى نسبة أصوات في انتخابات مجلس الشورى. ومن المعروف أن "صادق شورو" ينتمي إلى المحافظين،وإلى تيار المتشدّدين في حركة النهضة، وقد خلّف تدخّله في المجلس التأسيسي جدلا كبيرا عندما دعا إلى تطبيق آية كريمة على المعتصمين الذين يقطعون الطرقات.فهل بصعود نجم الصادق شورو"مانديلا " الحركة الذي قضى سنوات طويلة متنقّلا بين سجون "بن علي" قد مال المؤتمرون من حركة النهضة إلى تغليب الشرعية السجنيّة"؟؟ وإلى جانب "الصادق شورو" يبدو أنّ رجل المرحلة القادمة في حركة النهضة هو "العجمي الوريمي" الذي يمسك بالشأن الثقافي والفكري داخل الحزب.فهل أشّر المؤتمر لظهور العجمي الوريمي قائدا جديدا للحزب في مستقبل الأيام بعد أن آثر التواري والتخفّي وعدم التلهّف على الحقيبة الوزاريّة؟؟
النقطة الخامسة:تأكيد دور الاتحاد العام التونسي للشغل
عرفت العلاقة بين حزب حركة النهضة والاتحاد فتورا انتهى إلى توتّر عبّرت عنه التصريحات الناريّة من هنا وهناك. وبدا واضحا أنّ حركة النهضة تحمّل الاتحاد مسؤولية عرقلة جهود الحكومة لتحقيق أهداف الثورة !!ولكن نصّ البيان الختامي لحزب حركة النهضة على أن الاتحاد منظمة وطنية عريقة وشريك اجتماعي لا غنى عنه.فهل هي قناعة وصلت إليها الحركة أم تكتيك سياسيّ مرحليّ؟ وهل اهتدت أخيرا إلى أنذ الاتحاد وفعاليات المجتمع المدني من روافد الحوكمة الرشيدة التي تقطع مع التغوّل والاستبداد؟؟ هل في البيان دعوة ضمنية لأنصار الحركة كي ينخرطوا في هذه المنظّمة،وأن يقوموا باحتوائها عبر الانتخابات؟؟
إنّها نقاط خمس تبدّت من خلال مؤتمر"حركة النهضة" بعد أن تواضع التونسيون على خمس أخرى هي:مدنيّة الدولة/الديمقراطية/الحريّة/العدالة/المساواة/