فضاء الرأي

الطائفية السياسية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

استوقفتني عبارةٌ قالتها أصالة نصري، في لقاء مع طوني خليفة، في برنامج "زمن الإخوان" حين سألها عن اتهامها بالطائفية، إذ قالت إنها من سنوات قليلة، فقط، عرفت بطائفتها، وأنَّ أصدقاءها كانوا يظنونها مسيحية...

وما ينطبق على أصالة يشترك فيه كثير من العرب، وأهل المنطقة من غيرهم، ليس بالضرورة، حرفيا، ولكن بما يدل على أن الانتماء الطائفي لم يكن محركا سياسيا لهم، ولا حتى الدين كان مصدرا للآراء السياسية، حتى في لبنان الذي أُسس نظامُه السياسي على الطائفية، إنما تغذت هذه الطائفية من الصراعات السياسية.

فمن المعروف أن المنطقة العربية، شهدت في فترة النضال ضد الاستعمار، وفيما بعد (الاستقلال) نشوءَ أحزاب إيديولوجية، أو قومية، أو وطنية، وكل هذه فوق الانتماء الطائفي، شيوعية، كانت، أم بعثية، أم عروبية، أو حتى على مستوى الوطن الواحد.

وأما الأحزاب المرتكزة إلى مرجعيات دينية فكانت تنادي بــــــ"مشروع الأمة" الذي ينضوي تحته كلُّ القوميات والعرقيات والطوائف، والمذاهب.

كانت هذه الانتماءات الأرحب، أمميةً، أو قوميةً، أو وطنيةً، تجاوبا مع معطيات سياسية، أو فكرية، عالمية، أو عربية، فقد راجت الأفكارُ الماركسية، ثم الديمقراطية الغربية الليبرالية، كما كانت الأحزاب القومية العربية ردَّ فعل على أحزاب طورانية تركية، وكان انفراطُ عقد الدولة العثمانية، ووقوعُ كثيرٍ من البلدان العربية تحت الاستعمار المباشر، أو غير المباشر، من الأسباب التي أيقظت النزعاتِ القومية والوطنية التي لم يكن له صوت يُسمع في ظل الرابطة الإسلامية التي كانت تتخذها الدولة العثمانية..

تناقض المواقف السياسية في الطائفة الواحدة:
ولا نزال نرى في الطائفة الواحدة، والإثنية الواحدة تبايناتٍ تصل إلى حد التناقض، وممكن أن نمثل على ذلك ببعض الأحزاب اللبنانية، على الطائفية، والأحزاب الكردية، في العراق، مثالا، على البعد الإثني...

ففي لبنان نجد المسيحيين الموارنة موزعين بين اتجاهين سياسيين متناقضين، في لحظة تاريخية حاسمة تمر بها المنطقة، والمخاوف التي تواجه (الأقليات)..فالقوات اللبنانية، بزعامة سمير جعجع ضد نظام الأسد، ومع الثورة عليه؛ لإنهائه، والتيار الوطني الحر، بزعامة ميشال عون، مع النظام حتى آخر رمق..وقد كان الأخير، في زمن مضى عدوا لدودا لنظام الأسد.

وكذلك الدروز يشهدون انقساما واضحا بين أتباع وليد جنبلاط المناهض للنظام في سورية، وأتباع وئام وهاب المناصر للأسد.

وفي العراق نجد مسعود البرازاني، وحزبه "الديمقراطي الكردستاني" مع الثورة ومائلا إلى تركيا، وحزب جلال الطالباني" مع رئيس الوزراء، نور المالكي، وأمْيَل إلى إيران، في مواجهة الثورة في سورية...

وهذا الانقسام حول أمر كالتغيير العميق الذي يطال سورية، والمنطقة بأسرها، مؤشرٌ لا يمكن الاستهانة به؛ ذلك أن الكل يدرك حجم الانعكاسات على التوازنات، والوضع الإقليمي الجديد الذي سيتشكل....فلو كان الانتماء الطائفي، و(قريب منه العرقي)، هو الحاسم وحده، لما تأخر أثرُه في هذا المنعطف الخطر.

والحاصل أن عامة الناس ليسوا مُؤطَّرين تنظيميا، ولا يمثل الدينُ، لهم مرجعية سياسية، وبعض الناس من أصحاب الفكر اللاديني، لا يكاد يمثل الدينُ لهم مرجعيةً على الإطلاق.
والطائفة، كالسنة، أو الشيعة، مثلا تنطوي على انتماء ديني، في الأساس، فما الذي حدث حتى صرنا نسمع علمانيين طائفيين، وفنانين، ومطربين، طائفيين؟!

من الواضح أن الكل صار يستشعر الحاجة إلى الغطاء الطائفي، بعد أن أصبحت الطائفية أداة مهمة من أداوت الصراع، ومبعثا من بواعثه.

فهل هذا الانبعاث الطائفي ذاتي، أم سياسي توظيفي؟

بعد أن تراجعت الأحزابُ غير الدينية، من ماركسية، يسارية، وديمقراطية علمانية، والقومية العربية، والبعثية؛ لأسباب معروفة، من الإخفاقات الخارجية والداخلية، تقدمت الأحزابُ الإسلامية؛ لمَلْء الفراغ، وقد يقال إن هذا الانتشار للفكر الديني يمهد للطائفية، ويغذيها.

بالطبع قد يكون للمد الديني أثرٌ، أو إسهام، في تغذية روافد الطائفية، حين ينحو مناحي تاريخية، مذهبية، ولكن هذا التأثير هو تأثير سياسي، في حُمَّى السعي للسلطة السياسية، أو الاجتماعية، فالمناقشات الضيقة التي تخاض من قبل متحمسين ومتشددين في هذا المذهب، أو ذاك ما كان لها أن تطغى على المجتمع، لو أن الصراعات السياسية ظلت تدور بأدوات اجتماعية، أو اقتصادية، صريحة، مثلا.

لكن فشل الدولة القومية، وما سميت بالدولة الوطنية، ما بعد الاستعمار، أدى إلى تراجع الهموم المُوِّحدة؛ فاستعيد الخطاب الطائفي؛ ليظل الصراع سياسيا، في الأغلب، ولكنه أكثر ضيقا، وأكثر تخفيا؛ فأين العرب اليوم، من أيام عبد الناصر والخطاب القومي؟!

ثم أدى فشلُ، أو تعثرُ الصيغ للدولة الحقيقية الجامعة إلى تنبيه الانتماءاتِ الأضيق؛ فأصبحت الطائفةُ ملاذا للإنسان العادي؛ لنيل الاعتراف والتقدير به، ( وهذا بعدٌ معنوي اجتماعي) وللحفاظ على مكتسباته، ومصالحه، (وهذا بعدٌ اقتصادي) ومثارا، أو أداة للسياسي ولبعض النظم التي أحست بافتقادها الشرعية الشعبية.

وفي هذا السياق يأتي توصيفُ المذيعة السورية، علا عباس، للنظام الذي أعلنت انشقاقها عنه بأنه: "يحاول إيقاظ وحش الطائفية" لدى الطائفة العلوية. وقولها إن "الشعب السوري بقي حوالي 40 عاما ينتظر اكتمال مواطنيته، التي كان النظام، ولا يزال حريصا على سلبها منه، لمنع انتقالنا كشعب إلى دولة الحريات". ولفتت إلى أن 40 خريفا انقضت والنظام يتغول في شرخ إنسانيتنا، ويتفنن في رصد الخلل فينا، وها هو اليوم يعيد توليد آليات وأساليب استبداده، مستخدما الجزء المضلل من الشعب السوري، ومستعملا إياه كحاضنة أساسية لتنفيذها، مستغلا العوامل النفسية والاجتماعية لإيقاظ الوحش الطائفي أو الأقلوي من ثباته"".

ولا يزال الناسُ يُكْبِرون تلك المواقف الجامعة التي رفضت التماهي مع المشاريع الاستعمارية، ومنها رفض الشيخ صالح العلي، قائد الثورة السورية، ضد الفرنسيين، في جبال اللاذقية العرض الفرنسي بدولة علوية.

بطبيعة الحال لا يمكن إنكار البعد الطائفي، وكمونه، والترسبات التاريخية؛ الناتجة عن الصراعات الطائفية، والاضطهاد الذي كان يزيد في فترات ضعف السلطة المركزية، والتهميش والحرمان، وجراء عوامل التعصب، والجهل، وانغلاق البيئات السكانية، وسواها، ولكن من المؤكد أن العوامل الخارجية، (كما كان من فرنسا إبان انتدابها على سورية) والبنية السياسية للدولة، والصراعات السياسية هي الأكثر توظيفا للطائفية، والأوضح تحريضا بها، وعليها.

يقول نيكولاس فان دام في كتابه:" الصراع على السلطة في سوريا" :" أما بشأن تأثير الصراع على السلطة في سوريا فإن الطائفية كانت محصورة، فيما مضى، على صفوة السياسيين البعثيين وجهاز حزبهم، إلا أنه في النصف الثاني من السبعينات احتوت هذه الظاهرة قطاعات أوسع، ونتيجة للاغتيالات الطائفية وبعض عوامل أخرى، ومن جراء التأثر بالحرب الأهلية الطائفية التي تفشت في لبنان، منذ 1975م فإن الطائفية، فقط، في جهاز حزب البعث والقوات المسلحة، والهيئات الأمنية الأخرى، ولكنها أثرت في الجزء الأكبر من المجتمع السوري. بالتالي فإن القوات المسلحة أصبحت مهددة بالانقسام، طائفيا، إلى درجة أكبر مما كانت عليه، فيما قبل، وأصبحت البلاد في خطر الانزلاق إلى أهوال الحرب الأهلية".

فالطائفية، والانغلاق الطائفي حالة سلبية لا تقوم في الأوقات الطبيعية، حيث الثقافة التي تحترم المواطن، بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى، وهي انتكاسةٌ إلى الوراء، إلى مراحل الضعف، والخوف..والطائفية حين تُستغل سياسيا تصبح ابتزازا رخيصا للحصول على السلطة، أو الاحتفاظ بها، وكثير ما يكون أتباعُ الطائفة، أنفسهم، من أبرز ضحايا زعمائهم من الطائفيين السياسيين.
o_shaawar@hotmail.com.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الى السيد اسامة عثمان
وائل -

انا سوري و من الطائفة العلوية (بحكم الولادة لا القناعة). انا معارض للنظام السوري حتى من قبل هذا الحراك الحالي. قناعتي الدائمة كانت ان النظام السوري هو طائفة بحد ذاته تضم كل المنتفعين من سنة وعلويين ودروز ومسيحيين واكراد واسماعيليين...الخ. للاسف الحقد الطائفي في سوريا بقي في القلوب بعد احداث حماة في الثمانينات وطفا الى السطح حالياَ بين سنة يريدون الانتقام وعلويين التفوا حول النظام لخوفهم (المبالغ به) برايي من مذابح تكفيرية قادمة.النظام شجع خوف الاقليات عموماَ من التعامل المعارضة (الوهابية بزعمه) ونجح لحد كبير باستقطاب او على الاقل تحييد الكثير منهم.بكل الاحوال وبصراحة لاأرى حالياً ان المعارضة على الارض تملك من الوعي والارضية الشعبية ما يمكنها من كبح المتطرفين من جميع الاطراف. املي هو عدم الانزلاق للاسوء وعاشت سوريا حرة ابية.

إلى من يهمه الأمر
ن ف -

أعتقد أن القضاء على الطائفية يمكن أن يتمّ بقرار سياسي. لتبسيط البسيط وتوضيح الواضح أقول: إن الحكومة يمكنها أن تصدر قانوناً تعاقب بموجبه مًنْ يُثير نغمة الطائفية حتى يصبح الأمر ((ثقافة)) لدى العامة. وقتذاك يصبح العمل أو الإبداع هو المعيار الحقيقي للتمييز بين بني البشر. أقول قولي هذا واستغفر الله لكم فقط! بالمناسبة، تتمتّع أصالة، التي تعرّفت على صوتها منذ أشهر معدودة، بصوت مميّز ومساحة صوتية واسعة وقدرة على الأداء يندر وجودها في العالم العربي.

الى السيد اسامة عثمان
وائل -

انا سوري و من الطائفة العلوية (بحكم الولادة لا القناعة). انا معارض للنظام السوري حتى من قبل هذا الحراك الحالي. قناعتي الدائمة كانت ان النظام السوري هو طائفة بحد ذاته تضم كل المنتفعين من سنة وعلويين ودروز ومسيحيين واكراد واسماعيليين...الخ. للاسف الحقد الطائفي في سوريا بقي في القلوب بعد احداث حماة في الثمانينات وطفا الى السطح حالياَ بين سنة يريدون الانتقام وعلويين التفوا حول النظام لخوفهم (المبالغ به) برايي من مذابح تكفيرية قادمة.النظام شجع خوف الاقليات عموماَ من التعامل المعارضة (الوهابية بزعمه) ونجح لحد كبير باستقطاب او على الاقل تحييد الكثير منهم.بكل الاحوال وبصراحة لاأرى حالياً ان المعارضة على الارض تملك من الوعي والارضية الشعبية ما يمكنها من كبح المتطرفين من جميع الاطراف. املي هو عدم الانزلاق للاسوء وعاشت سوريا حرة ابية.

جيبك جيبي وجيبي جيبي
معاوية -

خلط الأوراق لعبة تتقنها الأقليات، كمّن يملك قرشاً وحداً وآخر يملك عشرة،فلنخلط ونتقاسم. مقلب شربناه في عهد عبد الناصر وقوميته المزعومة فوصل حافظ أسد الى السلطة وعانينا ما عانيناه من محن وقتل ونهب وتهجير وتدميرللوطن والشعب سنذكرها لأولادنا حتى لا تتكرر لأن فيها حماية للوطن وأقلياته بشكل خاص. الحماية والفلترة أيضاً موجودة في الغرب ومقوننة وتحت رقابة شديدة إن لم نقل رهيبة . أما أصالة فلم تقل سوى الأصالة كأي مواطن سوري شريف.

لا احب آصاله
قاسم -

لا احب صوت أصالة يبدو لي زعيق وكأنه اطار سياره لتعمل فرام

جيبك جيبي وجيبي جيبي
معاوية -

خلط الأوراق لعبة تتقنها الأقليات، كمّن يملك قرشاً وحداً وآخر يملك عشرة،فلنخلط ونتقاسم. مقلب شربناه في عهد عبد الناصر وقوميته المزعومة فوصل حافظ أسد الى السلطة وعانينا ما عانيناه من محن وقتل ونهب وتهجير وتدميرللوطن والشعب سنذكرها لأولادنا حتى لا تتكرر لأن فيها حماية للوطن وأقلياته بشكل خاص. الحماية والفلترة أيضاً موجودة في الغرب ومقوننة وتحت رقابة شديدة إن لم نقل رهيبة . أما أصالة فلم تقل سوى الأصالة كأي مواطن سوري شريف.

الطائفة اولا
غيث -

دولنا اسست على الطائفية. اقليات. تتحكم في الاكثريات استخدم موضوع المواطنة كسلم للوصول الى السلطة من جهة الأقليات على اعتبار اننا كلنا مواطنين وعندما أمسكوا بمفاصل الدولة قربوا جماعتهم والسقط من الأكثرية وسيطروا وقمعوا كل صوت فلما ثار الشعب استخدموا ضده الإبادة ؟!!

طواءفك حافر لايحك ولايصك
ع/عطاالله -

؛التجارة علم في شعب اذا أشرف عليها فنان صارت حربا بين الشركات الأمنية وصناديق التأمينات.بين الشركات الصناعية الحالية ضهرت طائفة صوناكوم وسونلاك وغيرهماعملاقتين في منتوجاتهما النهائية ومازالتا تتنازلان لغيرهما ولقد تلتحق بهما طوائف الطاقة الهائلة بتسييرهما الغنيمي.

الطائفة اولا
غيث -

دولنا اسست على الطائفية. اقليات. تتحكم في الاكثريات استخدم موضوع المواطنة كسلم للوصول الى السلطة من جهة الأقليات على اعتبار اننا كلنا مواطنين وعندما أمسكوا بمفاصل الدولة قربوا جماعتهم والسقط من الأكثرية وسيطروا وقمعوا كل صوت فلما ثار الشعب استخدموا ضده الإبادة ؟!!