واقع الإعلام المرئي في العراق بعد التغيير عام 2003
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بداية أفترض أن صدام حسين جاء إلى ضاحية "فوربورغ" في هولندا حيث أقيم أنا، وذهب إلى بلدية الضاحية. وقال لأحد الموظفين أنا إسمي صدام حسين وأريد أن أصبح رئيساً للبلدية. الموظف سوف يبتسم ولا يساوره الشك في أن المراجع مصاب بلوثة عقلية. فيداعبه بالقول عليك أن تتقدم بترشيح نفسك وإذا كان أبناء الضاحية يريدونك فسوف تفوز برئاسة البلدية. يصر صدام حسين على موقفه. يتدخل الموظف الذي يعمل إلى جانب زميله ويداعبان صدام حسين ويضحكان ثم يطلبان منه المغادرة لأن الوقت هو للناس ولا يجوز العبث فيه. يرفض صدام حسين ويصر أن يصبح رئيساً لبلدية فوربوغ. الموظف يتصل برئيس البلدية بمكتبه في الطابق الثالث من البناية. ينزل رئيس البلدية ويدور الحوار بينه وبين صدام حسين ويشرح له طريقة الوصول إلى رئاسة البلدية وهو الآخر لا يساوره الشك في أن المراجع مصاب بلوثة عقلية. يطلب منه المغادرة. لكن صدام حسين يصر على موقفه فيتصل رئيس البلدية بالشرطة. يأتي إثنان الشرطة ومعهم مصور من أحدى القنوات التلفزيونية وغالبا ما تكون القناة السادسة. فيسألون صدام حسين ويشرحون له طريقة الإنتخابات كي يصل إلى هذا المركز لكن صدام حسين يصر على موقفه ويرفض المغادرة. يمسكه الشرطيان من يده ويخرجونه ويقتادونه بعيداً عن مقر البلدية. ويكون المصور قد صور المشهد وسجل الحوار وكيف إقتيد صدام حسين خارج مقر البلدية. تعرض القناة التلفزيونية المشهد ويكون موضع ضحك وحديث الناس في مكاتبهم وبيوتهم، وبعد ذلك يكون الحدث موضع لهو بعد أن يعود الناس إلى منازلهم لتناول طعام العشاء مع كأس من النبيذ على ضوء الشموع وكلهم يتحدثون عن شخص مصاب بلوثة عقلية يريد أن يصبح رئيساً لبلدية فوربورغ بدون إنتخابات وبمجرد رغبة شخصية!
صدام حسين هذا لم يصبح رئيساً لبلدية فوربورغ بل أصبح رئيساً للعراق، بكامل ثرواته وبكامل تراثه وتأريخه. لم يصبح رئيسا فحسب بل أقام الحروب نيابة عن المنطقة وهدر ثروات العراق، وصار الناس يخرجون بالملايين لتحيته والهتاف بحياته. واليوم وبعد رحيله غير مأسوف عليه إذا صعدت في سيارة تاكسي في أحد بلدان المغرب العربي وسألك من أي بلد أنت وتقول له أنا من العراق سيقول لك رحم الله الشهيد صدام حسين وقد لا يدفعك أجور النقل، أما إذا قلت له كان صدام حسين مصاباً بلوثة عقلية، فسينزلك من سيارته هذا إذا لم يضربك!
لماذا ضحك شعب هولندا من صدام حسين وزغرد شعب العراق وشعوب المنطقة لهذا المصاب بلوثة عقلية؟! يعود السبب في ذلك إلى تدني الوعي وإلى تدني القيمة الجمالية لدى المواطن العراقي والعربي، ورقي الحس الجمالي لدى أبناء الغرب في رفضهم لمجنون يقود بلدية صغيرة وقبول العراقيين والعرب في أن يتسنم رئاسة الوطن والمنطقة العربية والإسلامية ويقوده ويقودهم إلى الخراب والناس لا تزال تترحم على روحه في بعض بقاع المنطقة وحتى في العراق!
للإعلام دور كبير في تكوين الفرد على إتخاذ الموقف الصحيح والواعي.
لعب الإعلام ويلعب دوراً سلبياً في حياة العالم وشعوب المنطقة وفي العراق موضوع حديثنا هنا وموضوع هذه المحاضرة. فالإعلام ومنذ المخطط الذي رسمه أتباع الدكتاتور في ضرورة تسخير الإعلام لإلغاء العقل العراقي وإتباع سياسة قطع العراق عن ماضيه وتراثه وتأكيد قيم جمالية جديدة للمتلقي العراقي وفق ما أطلق عليه سياسية علم الجمال البعثي!
واليوم هناك عدد غير قليل من مسؤولي الإعلام السابقين في عهد الدكتاتور يعبثون في السياسة الإعلامية والثقافية في العراق إلى جانب الفئة الحاكمة المتسلطة والأكثر إيغالاً في تهديم القيمة الجمالية للحياة ما ينعكس سلباً على تدني القيم الجمالية لدى المواطن وبالتالي لدى المجتمع العراقي الذي لا يستطيع تشخيص مرض إجتماعي لدى حاكمه بل ينظر إليها كراع للأغنام.
مرة وخلال معارضتنا لنظام الدكتاتور العراقي وكنا في رابطة الكتاب والصحفيين والفنانيين الديمقراطيين العراقيين في بيروت، أرسلنا وفداً للكاتب الفلسطيني الساخر "أميل حبيبي" الذي إشتهر بروايته "سعيد أبو النحس المتشائل" وعاتبناه على عدم إتخاذ موقف معلن من الدكتاتور في العراق وموقف معلن لمساندة رابطتنا وشعبنا العراقي المنكوب. فسأل أميل حبيبي أعضاء الرابطة "إذا سقط صدام حسين فمن هو البديل؟" أجابه أحد أعضاء الوفد "نحن البديل" فقال لهم "أميل حبيبي - ما أنتو أيضا عراقيين!" ضحك أعضاء الوفد وأعتبروها مزحة ونكتة. توفي أميل حبيبي رحم الله. كان جوابه نكتة حقا، لكنها نكتة مرة.. مزحة سوداء! لم ندرك عمقها في حينها وإعتبرناه ضمن سخريته التي عرفناه بها في "سعيد أبو النحس المتشائل"!
الناس الذين زغردوا لصدام حسين هم نفسهم الذين خرجوا إلى الشوارع يضربون على رؤوسهم ويصبغون وجوههم بالطمى بسبب موت الملكة "عالية" كي يثبتوا مواساتهم للملك الصغير فيصل الثاني المعظم بسبب وفاة والدته. وهم نفسهم الذين زغردوا لعبد الكريم قاسم لأنه أنهى نظام الملك فيصل الثاني المعظم بعد الرابع عشر من تموز عام 1958. وهم نفسهم الذين ساروا بمسيرة يوم واحد آيار عام 1959 أمام وزارة الدفاع العراقية عندما بدأت المسيرة في الساعة السابعة صباحا ولم تنته في الثانية عشرة ليلاً يستعرضها عبد الكريم قاسم بين الفينة والآخرى. هم نفسهم الذين مشوا قبل عام من كتابتي لهذه المحاضرة بتوجيه من "التيار الصدري" حيث بدأت المسيرة أيضا في الساعة السابعة صباحاً ولم تنته في الثانية عشرة ليلاً وبملابس موحدة ونحن نعيش حقبة إيديلوجيا دينية ليست قائمة على الفكر الديني فحسب، بل هي قائمة على إلغاء العقل وترسيخ الخرافة كحقيقة موضوعية بدلا من العلم وكشف الواقع الإجتماعي أمام عين المتلقي وتقديم البرامج التي من شأنها ترسيخ القيمة الجمالية لدى الفرد الواحد وبالتالي لدى المجتمع العام الذي بإرتقاء تلك القيم الجمالية ستجعله يضحك ويرفض أن يتحكم في مصيره مستقبله شخص مصاب بلوثة عقلية سواء كان هذا الشخص هو الدكتاتور الحاكم أو رجل الدين الحاكم في السلطة أو في خارجها، الأمس واليوم وغداً. والإرتقاء بالحس الجمالي الذي يقود الإنسان إلى العيش السوي ويكون الواقع لديه نظيفاً خالياً من اللصوص والقتلة والمزورين، مزوري التاريخ ومزوري الشهادات ومزوري والواقع المعاش، فيتأسس مجتمع يعرف فيه المواطن وفي بلد الثراء، أين وكيف يعلق اللوحة الفنية التشكيلية على جدار منزله ويعرف أن يختار الفيلم الجميل الذي يشاهده ويعرف كيف يتناول الطعام وفق طقوس هادئة وجميلة ويعرف أن يستقبل المعلومة والإعلام والخبر والبرنامج بوعي وليس كحقيقة مسلم بها، وبالتالي يعرف كيف يختار من يمثله في مجلس النواب.. البرلمان!
الإعلام وسيلة خراب الوطن!
يوم سقط نظام الدكتاتور الأرعن في العراق دخل "بريمر" ممثل الحكومة الأمريكية للعراق لتنفيذ مخطط التدمير للوطن العراقي أو بالأحرى لإستكمال عملية تخريب الوطن العراقي. وسأحدثكم عنه بالوقائع والأرقام المتوفرة لدي أو التي سعيت للحصول عليها بنفسي. وهذه مؤامرة أو هي إستكمال لمؤامرة على شعوب المنطقة ومنذ فترة يجري الإختبار على إبادة الشعب العراقي وكل المؤشرات تؤكد ذلك والتفاصيل كثيرة وكثيرة جداً على كل الصعد التعليمية والصحية والثقافية والإعلامية والإقتصادية. وقد لعب الإعلام في المنطقة وتالياً في العراق دوراً خطيراً في هذا المجال، وتلعب فضائيات عربية وتساهم في ذات الإتجاه.
من أولويات السياسة التي إتبعتها القنوات الفضائية العربية هو إسقاط نظرية المؤامرة. أنها وعبر برامجها وبشكل مكثف كانت تعمل على تسخيف فكرة المؤامرة. فلا يوجد إستعمار يتآمر على شعوب المنطقة. ولا توجد إسرائيل تعمل على تفكيك منظومة الواقع السياسي العربي والإسلامي، وإن كل الذين يتحدثون عن المؤامرة هم من كلاسيكي السياسية ومن ديناصوراتها. حتى بات الحديث عن المؤامرة حديثا مخجلا ومحرجا عند القاصي والداني ويخاف السياسي والمثقف الحديث عن المؤامرة.
الإعلام في تاريخه وقع منذ عام 1897 تاريخ إنعقاد مؤتمر بال الصهيوني في سويسرا وحتى اليوم تحت هيمنة الفكر الصهيوني فهم يسيطرون على وسائل الإعلام في العالم ويسيطرون على الأقمار الإصطناعية وعلى شبكات الإنترنت. وهم من خلالها يتآمرون على شعوب العالم وعلى شعوب منطقتنا الثرية بالنفط والزئبق الأحمر والكبريت والتاريخ التليد. كما يسيطرون على المال من خلال المصارف وتحويل المنطقة إلى منطقة إستهلاكية ومن خلال كازينوهات القمار المنتشرة في أنحاء العالم. فأمتلكوا الميديا والمال الأداتين الأكثر تأثيراً في الحياة الإنسانية.
المؤامرة موجودة في كل جانب من جوانب حياتنا. عائلة تتمنى أن يقترن إبنها ببنت الجيران فإنهم يدعون الجيران لفنجان قهوة أو "أستكان شاي" ويطيلون الحديث عسى أن يستميل الشاب للفتاة والفتاة للشاب ويحصل الإقتران. هذه مؤامرة! نعم.. مؤامرات في المؤسسات ومؤامرات في الزراعة ومؤامرات صغير وأخرى كبيرة.. وبريمر نفذ أخطر مؤامرة على العراق في شتى المجالات ومنها المجال الإعلامي. حيث نجح في تحقيق عملية خراب كارثية في الوطن العراقي سواء من خلال الدستور العراقي أو من خلال طبيعة الحكم والحاكمين وطبيعة الإيديولوجيا السائدة أو طبيعة التكوين القومي والعرقي والطائفي في العراق. أو في حل المؤسسات ومنها مؤسسة الجيش ومؤسسات الإعلام وغيرها من مؤسسات البنى التحتية للمجتمع العراقي.
فما هو شكل المخطط الخارجي على العراق في مجال الإعلام؟
في البداية قام بريمر بزخ المال وبشكل غير معقول في المجال الإعلامي فنشئات أكثر من عشرين فضائية عراقية تشكل الأطياف وكانت في أغلبها فضائيات ذات طابع ديني وعرقي وطائفي. فتحولت الحسينيات والجوامع إلى قنوات فضائية. كان يأم الحسينية خمسين أو مائة شخص. اليوم يأم كل حسينية الملايين من خلال شاشاتها التلفزيونية. وإلى جانب هذه الحسينيات الفضائية وكذلك الجوامع قام بريمر بتأسيس فضائية شبه رسمية تابعة بشكل غير مباشر للدولة هي "القناة الفضائية العراقية" مستخدماً المتآمر بريمر المال العراقي لأضاعته في الخرافات الإعلامية والمساهمة في تدمير الحس الجمالي والقيم الجمالية لدى المتلقي العراقي حتى يتحول بالضرورة إلى رقم في قطيع من الأغنام يقودها رعاة مرضى وملتبسين في حياتهم الأخلاقية والسلوكية.
على المستوى المادي:
أقرأ لكم بعض الفقرات من تقرير كتبه السياسي والإقتصادي رئيس حزب المؤتمر الوطني "أحمد الجلبي" موجه إلى عضو الكونغرس الأمريكي "السيناتور أرنولد هيل وإلى أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي الذي وصفه بالموقر" وهذا التقرير مكتوب بالإنكليزية طبعا ومترجم من قبل المؤتمر الوطني ومطبوع على أوراق حزب المؤتمر الوطني وعليه شعار المؤتمر وكتب عليه "تقرير محدود التداول" يقول التقرير:
"لقد أنفق المسؤولون العسكريون الأمريكيون والمتعاقدون معهم من الأمريكيين والعراقيين واللبنانيين مئات الملايين من الدولارات على الإعلانات الساذجة والكتيبات عديمة الجدوى والفترات الإذاعية والتلفزيونية مدفوعة الثمن خلال السنوات الست الماضية بدعوى تلميع صورة الجيش الأمريكي وتهميش المتشددين والترويج للديمقراطية ورعاية المصالحة، كما أعتبرت تلك الإعلانات باهضة الثمن كجوائز ترضية لوسائل الإعلام المعادية للوضع العراقي الجديد متوهمين بأن مثل هذه التصرفات ستجعل من تلك الوسائل أصواتاً معارضة لتنشيط الديمقراطية في العراق".
يدرج التقرير بعض المعلومات المالية المستعملة "والتقرير في مجملة وتفاصيله خطير جدا" يدرج التقرير ما يلي:
"... وفي سنة 2004 أنتشر فن تغطية الفضائح والتعسفات التي جرت في سجن أبو غريب ومجابهة ردود الفعل الغاضبة والمتمردة، فقد رعت ومولت لجنة العقيد - هيلميك - مشروعات علاقات عامة مكلفة للغاية من أجل تحسين صورة القوات الأمريكية. وأحد هذه المشروعات ما كان يسمه وقتها بمجموعة - لنكولن - الموجودة في - إرلغنتون - التي تعرضت للهجمات والإنتقادات اللاذعة لأنها دفعت في العام 2005 ما مجموعه 25 مليون دولاراً لعدد كبير من الصحف العراقية لنشر القصص المفبركة والمكتوبة من قبل ضباط الجيش الأمريكي. وقد أطلق ذلك المشروع الترويجي حملة أعتقد وقتها المسؤولون العسكريون بأنها مصممة بطريقة دقيقة لكي تظهر معها تلك المقالات والقصص وكأنها مبادرات عراقية من وحي كتابها (....) كما أن البروبغندا التي صدرت مجموعة تسمى نفسها جمعية عراق الغد أصبحت مباشرة ومفضوحة في كل مكان. ويقول الموقع الإلكتروني - المتصف بالمكر - للجموعة بأنه (مستقل وليس منظمة حكومية، ويضم عدداً من الأكاديميين ورجال الأعمال، والناشطين والذين يشتركون في الإعتقاد الراسخ بالحرية والقدم لكل شعب العراق) ولا يضع الموقع أسماء لأعضاء أو عنوانا للإتصال به، سوى عنوان بريدي عام على الإنترنت (...) وحسب مايكا همرسفيلد أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، فإن تلك الحملات تتعرض للسخرية في العالم العربي، وأنها تتميز بالسذاجة والمباشرة وتشبه إلى حد ما الصوت المحدود الذي كانت تمثله دعاية صدام وماكنته الإعلامية الخاصة، وتظهر إحدى الحملات التلفزيونية التي أنتجت عام 2004 تحت عنوان يمضون ونبقى التي تصدر عن مجموعة عراق الغد، والتي كلفت وحدها ما يقرب من النصف مليون دولار تظهر خطا طويلا من العربات العسكرية الأمريكية وطائرات الهليوكبتر تختفي في الأفق ومجموعة صغيرة من الأطفال العراقيين يراقبون كما لو أن قوة عسكرية تختفي، ولثوان معدودة قليلة، فإنهم يظهرون حذرين، وبعدها يضحك الأطفال ويبدأون بلعب كرة القدم. (...) ولعل ما ينطبق على تجربة عراق الغد يتجلى أيضا في تجربة جريدة الصباح الجديد بعد أن شجعت مجموعة العقيد - هيلميك - أحد الصحفيين (...) على الإنشقاق من جريدة الصباح وتأسيس جريدة منافسة سرعان ما تحولت بدورها إلى بوق للحكومة وبعض المتنفذين من الأحزاب الحاكمة. لقد مولت المجموعة الصحفي المذكور بربع مليون دولار دفعت له على شكل إعلانات بعد سيطرة الحكومة عليها (...) وعمدت اللجنة في العام 2004 إلى إطلاق حملة إعلامية كبيرة لإنتاج مئات المواد الإعلانية المباشرة والساذجة والتي تنتج وما تزال في بيروت بواسطة شركة وهمية للإنتاج الإعلامي أسسها عجالة صهر رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي اللبناني الجنسية وحولت اللجنة المذكورة إلى حسابها ما يقرب من المائة وخمسين مليون دولاراً دفعة واحدة على الرغم من أن تلك الشركة لم يمض على تأسيسها أكثر من ثلاثة أسابيع وفق عقد بين اللجنة والشركة المذكورة أمده خمس سنوات أنتهت في 26 مارس آذار الماضي، إلا أن الغريب في الأمر أن اللجنة قامت من جديد بدفع خمسة عشر مليون دولار للشركة في شهر فبراير - شباط الماضي أي قبل إنتهاء مدة العقد بشهر واحد فقط الأمر الذي من شأنه أن يثير الشكوك في صدق النوايا وصواب السلوكيات التي تنتجها لجنة الإعلام والحرب النفسية.
"إنتهت الفقرات المأخوذة من التقرير"!
هناك معلومات لم يتطرق إليها التقرير، منها أن الشركة الوهمية المتأسسة في لبنان قامت أيضا بتوقيع عقد مع شبكة الإعلام العراقية وقناتها العراقية بشراء أفلام كرتون تبلغ قيمتها ستة وتسعين مليون دولار على مدى عام وعلى مرحلتين كل مرحلة تنتهي بعد ستة شهور من توقيع العقد. وقد إستقال مدير القناة ومساعده بعد أن أعلنا رفضهما لتوقيع العقد لأن مبلغ أفلام الكرتون لا تتجاوز المائة ألف دولار. ولكن تم توقيع العقد مع الإدارة التي حلت محل المدير المستقيل. وفي المرحلة الثانية رفضت الشركة الوهمية في لبنان إستمرار تنفيذ العقد وطلبت ستة وتسعين مليون دولار أخرى وهو مخالف للعقد ولكن العقد تم توقيعه بمكالمة من رئيس الوزراء الأسبق إلى القناة العراقية.
فيما يتعلق بما يسمى عراق الغد. فإنني كتبت مقالة عنوانها "مفتاج الأمان في خزائن الإعلان" وطلبت فيها أن يتم الإعلان عن هذه المؤسسة وموقعها وعنوانها حيث كان يكتب في نهاية الإعلان تعبير "لعيون العراق فتح عيونك" وتحتها عراق الغد دون أن يذكر فيما إذا كان عراق الغد مؤسسة أو شركة. بعد ثمان وأربعين ساعة من نشر المقال ألغيت جملة "عراق الغد" من كافة الإعلانات في شاشات التلفزة، وإختفى إسم الجهة المنتجة.
"عراق الغد" هي الجهة المكلفة بإنتاج الإعلانات بعنوان "لعيون العراق فتح عيونك" صرف لها عام 2008 مائتي مليون دولار لإنتاج الإعلانات. وورد في تقرير السيد أحمد الجلبي الموجه للكونغرس وصف لإحد الإعلانات عن الأطفال الذين يلعبون كرة القدم.
هنا أود أن أورد مثالين من الإعلانات التي أنتجتها هذه المؤسسة غير المعروفة العنوان، الأول وهو إعلان نفذ في دمشق من قبل شركة إعلانات يملكها إبن عبد الحليم خدام بعد التغيير السياسي في العراق مباشرة. والإعلان هو عبارة عن تظاهرات تخرج من شارع الرشيد ومن أزقته الفرعية لمجموعتين متقابلتين يفترض إحدى المجموعتين من الشيعة والثانية من السنة وهم بقصد الإقتتال فيخرج من كل مظاهرة طفل ويلتقي الطفلان ويتعانقان وبعدها يتقدم قادة الفريقين فيتعانقان. أولا، لم يكن الإقتتال ولا الخلاف قائما بعد سقوط النظام وكان العراق قد بدأ بلملمة جراحه، لكن الإعلان هو الإيحاء والتعميق لبدء الصراع الطائفي. وقد نفذت التظاهرات بنفس طريقة مشهد المظاهرات في فيلمي "بيوت في ذلك الزقاق" نفذ بذات الطريقة وبذات الزوايا.
الإعلان الثاني هو في بداية التفجيرات والعمليات الإنتحارية. ويمثل الإعلان شخص يقود سيارة ملغومة وقد شد يديه بمقود السيارة بالسلاسل وهو بقصد تفجيرها وبعد التفجير نسمع نشيد موطني وبالتحديد المقطع الذي يقول "نقتدي من الردى ولن نكون للعدا كالعبيد"! الإعلان هو مباركة للشهادة في سبيل الوطن وحافز يقوي رغبة الآخرين بالعمليات الإنتحارية.
صرف على مثل هذه الإعلانات التي لا يكلف الإعلان الواحد أكثر من عشرة آلاف دولار عشرات الآلاف من الدولارات حتى وقع أحد العقود بمبلغ ثلثمائة وخمسون ألف دولار في دبي مع أحدى مؤسسات الإعلان اللبنانية!
عن هذه الإعلانات تم صرف مائتي مليون دولار، وفي ندوة مع وكيلة إحدى الوزارات سأل المذيع وكيلة الوزارة لماذا يصرف مثل هذا المبلغ الكبير على الإعلانات التي لا يتجاوز ثمنها بمجموعها بضعة مئات آلاف الدولارات تجيب قائلة "رجال اللي يعبٌي بالسكلة رقي!" بمعنى الشاطر هو من يتدبر أمرة بالحصول على هكذا مبالغ وهكذا عقود! ما يعني أن السرقة هي إمتحان الرجولة!
هذه الإعلانات ينبغي أن تبث وأن تبث عبر قنوات لها مشاهدين. فتم إختيار عشر قنوات أساسية يبث من خلالها الإعلان. أغلب هذه القنوات هي قنوات معادية للنهج السياسي والديني للعراق ولذلك فإن الإعلانات يكتب عليها أثناء البث "مادة إعلانية" وهذا يعني أن القناة التي تبث الإعلان لا علاقة لها بمضونه! تماما مثل ما كان يكتب على إعلانات الخمور والسكائر قبل أن تمنع الأمم المتحدة نشر الدعايات عن السكائر والخمور في وسائل الإعلام.
إن سعر العشرين ثانية من البث في نشرة أخبار ما بعد الظهر، والعشرون ثانية هي المدة المتداولة للإعلان. السعر هو 225 دولاراً للعشرين ثانية.
سعر العشرين ثانية خلال نشرة الأخبار الرئيسية هو 562 دولاراً
سعر العشرين ثانية لنشرة أخبار آخر الليل هو 225 دولاراً
وهناك سعر للعشرين ثانية لثلاثة عروض في اليوم وفي نشرة الأخبار للإعلان الواحد على مدى شهرين ويسمونه السعر التشجيعي وهو ستون ألف وسبعمائة وخمسون دولاراً للعشرين ثانية ولثلاث مرات بث في اليوم وعلى مدى شهرين!
راقبت قناة العربية في نشرة أخبار ما بعد الظهر من الساعة الخامسة حتى الساعة السادسة من مساء يوم الأحد المصادف الثامن عشر من شهر يوليو \ تموز 2009 فشاهدت النشرة وسجلت طبيعة الإعلانات وزمنها. وقد تم في النشرة بث عدد من الإعلانات العراقية وغير العراقية. ومع سذاجة مضمون وشكل الإعلان العراقي الذي يحمل توقيع "عراق الغد" في نهايته، فإن القناة خلال بثها للإعلانات فإنها تبثه كما هو، ولكن عندما تبث الإعلان العراقي فإنهم يكتبون على الشاشة جملة "مادة إعلانية" وهذا التعبير لا يستعمل إلا إذا كانت المادة التي تبث هي مادة مضرة بالصالح العام ولا يصح الإعلان عنها. والأعلانات هي ضد الإرهاب!
في هذه النشرة الأخبارية التي مدتها نصف ساعة مضافا إليها نصف ساعة نشرة إقتصادية ثم بث سبع إعلانات عراقية مكتوب عليها"مادة إعلانية" وهي بالشكل التالي:
1 - إعلان مدته دقيقة وعشرون ثانية 2 - إعلان مدته 40 ثانية 3 - إعلان مدته 60 ثانية 4 - إعلان مدته 40 ثانية 5 - إعلان مدته 40 ثانية 6 - إعلان مدته 60 ثانية 7 - إعلان مدته 40 ثانية. " يلاحظ أن مدة الإعلانات مضاعفات العشرين ثانية".
ولو جمعنا أسعار بث هذه الإعلانات التي يدفع العراق ثمنها نقداً عبر الشركة الوسيطة ووفق أسعار نشرة الأخبار بعد الظهيرة فإن مجموع ما يدفع لهذه الإعلانات سبعة وستين ألف وخمسمائة دولار للمرة الواحدة في النشرة الواحدة!! ولو إفترضنا بأن هذه الإعلانات بإعتبارها إعلانات دائمة وحسبناها ضمن السعر التشجيعي ووفق مدة الإعلان غير النظامية التي ينتج بها العراق إعلاناته فإن العراق يدفع للقناة الواحدة لهذه الإعلانات السبعة وعلى مدى شهرين حيث المدة الإعلانية لهذه الإعلانات السبعة 400 ثانية أي بزيادة على المدة النظامية للإعلان مدتها 260 ثانية خارج الوقت النظامي للإعلان، فإن العراق يدفع كل شهرين للإعلانات السبعة لثلاث مرات للبث للإعلان الواحد وبالثواني المذكورة ما قيمته مائة وإثنان وثمانين ألف دولاراً للقناة الفضائية الواحدة وعلى حساب ميزانية السنة فإن كل قناة يدفع لها فقط في فترة نشرات الأخبار مليون ومائة الف دولار. هذا فقط ضمن ثلاث نشرات أخبارية علما بأن الإعلانات العراقية تبث في نفس هذه القنوات ضمن البرامج الترفيهية والمنوعات الغنائية. وهذا يضاعف الأرقام كثيراً. بحيث يدفع للقناة الواحدة عشرات الملايين من الدولارات. ولا ننسى أن بين المنتج والموزع وبين الموزع والمستفيد الاخير ثمة نسب من قيمة هذه الإعلانات سواء في مرحلة الإنتاج أو في مرحلة التوزيع.
القنوات الفضائية العراقية
توجد في العراق 26 قناة فضائية منها أربعة وعشرين قناة دينية ومن القنوات الدينية أربعة عشر قناة شيعية. وسبعة قنوات سنية وخمس قنوات كوردية. يمكننا من خلال طبيعة هذه القنوات معرفة النهج الفكري لعموم الإعلام المرئي في العراق. كما توجد قنوات إيرانية كثيرة تبث باللغة العربية من إيران ومن بيروت موجهة للعراق والمنطقة وهي ذات طابع شيعي.
يلاحظ عدم وجود قناة واحدة ذات نهج تقدمي يساري أو ليبرالي وطني عراقي! وهي ظاهرة تستحق الإنتباه وأيضاً تستحق الأسى والحزن والخيبة!
القنوات الدينية في العراق تقدم كل ما من شأنه المساهمة في تغييب العقل والمنطق، وتعتمد قصة الإمام الحسين وملحمة الطف موضوعاً دائماً متشعب المسارات لإثارة المواطن بحكايات خرافية وخلق قتلة إفتراضيين للحسين وأهله وأنصاره هم غير القتلة الحقيقيين من أجل إثارة النعرات الطائفية وشق وحدة الصف الإسلامية والوطنية وإستعمال الألفاظ البذيئة في وصف الأعداء الإفتراضيين فيما الحسين نفسه في وداعه لأهله قبل إستشهاده قد قال لهم " يا أهل بيتي، إن الله حافظكم وحاميكم. أوصيكم أن لا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم".
وبدلاً من أن ينصح رجال الدين الناس إلى شتل فسائل النخيل لإنعاش العراق بديلا عن النخيل التي أحرقها الدكتاتور في الحرب وبدلا من أن ينصحوا العراقيين تنظيف مياه العراق من التلوث تعبيراً عن عطش الحسين فإنهم يعتلون المنابر لتلاوة حكايات ليس لها وجود، ولها عداء مع الفن والثقافة وبشكل خاص الثقافة الموسيقية. بل أنها تغيب الحقائق التاريخية وطبيعة القتلة الحقيقيين للأمام الحسين وإيجاد قتلة إفتراضيين وترسيخ العداء في المجتمع العراقي الطيب. كما أن البرامج التي تقدمها هذه القنوات تساهم هي الأخرى في تغييب العقل وإستغفال المواطن. والتفاصيل كثيرة وكثيرة جداً. هذه القنوات ممولة من خارج العراق!
وبدلا من أن تشكل القناة العراقية بديلا لهذه القنوات فإنها وقعت تحت هيمنتهم وأصبحت هي الأخرى قناة دينية أكثر سلفية وتخلفاً من تلك القنوات الدينية.
القناة العراقية
إن القناة العراقية عندما تم إنشاؤها فهي على غرار فكرة البي بي سي البريطانية أن تمول من قبل الدولة ويكون نهجها مستقل يديرها مجلس إدارة ينتخب من بين إعضائه مديراً ولها منهج واضح وتمثل كل أطياف العراق السياسية والدينية فهي قناة لكل العراقيين بغض النظر عن إنتمائهم الديني أو السياسي. لكن الذي حصل هو التالي.
تأسست القناة العراقية في البداية بميزانية مفتوحة يتم الصرف عليها مباشرة من قبل الحكومة المؤقتة وبأمر وإيعاز من "بريمر" نفسه. ثم تأسست القناة بشكل مستقل بميزانية قدرها تسعة وثمانين مليون دولار. ثم بسبب إكتشاب فساد أخلاقي ومالي تم تخفيض ميزانيتها إلى تسعة وسبعين مليون دورلاراً. وكانت القناة تعتمد على نشرات الأخبار وملء الفراغ بالبرامج الجاهزة وإنتاج بعض البرامج المحلية البسيطة. يبلغ عدد منتسبي القناة أربعة آلاف وخمسمائة منتسب منهم أسماء حقيقية ومنهم أسماء وهمية تم تعيينهم من قبل رؤوساء المليشيات وهم لا وظيفة لهم ويستنزفون من ميزانية القناة أربعة وخمسون مليون دولاراً في السنة. فيما قناة الجزيرة تأسست بخمسة وثمانين منتسباً قبل أن تتوسع في قنواتها ولكنها لم تتجاوز بعد الخمسمائة منتسب لعدد من القنوات المتخصصة للوثائقيات وللإطفال وقناة باللغة الإنكليزية. كما تأسست الآن قناة جديدة إسمها الميادين وهي أفضل بما لا يقاس من القناة العراقية وعدد منتسبيها ثلثمائة وعشرين منتسباً بضمنهم المراسلين في العالم. وبسبب عمليات النهب والمافيات في مضاعفة ميزانيات الأعمال الدرامية والبرامج والعمولات في شراء البرامج الجاهزة كثيراً ما يحصل العجز في الميزانية وتتم تغطيته بقرار من رئيس الوزراء.
أبسطمثال في شراء مسلسل "ألإمام الباقر أمام الفقهاء"،تم شراؤه من قبل احدى الفضائيات بمبلغ تسعمائة الف دولار،فيما قيمته لشهر رمضان ثلثمائة الف دولار وفي حال تم شراؤه بعد رمضان فإن سعره مائة وخمسون ألف دولار. كما تمت إحالة أعمال درامية هزيلة لشركات يمتلكها المدراء بإسماء أقربائهم. وتجري عمليات النهب علناً. ولقد حدثت فضيحة شراء مسلسل فرقة نجيب عطا الله حيث تم شراؤه بمبلغ خمسمائة ألف دولار ولم يتم فحصه وبعد مشاهدته وجدوا فيه مشاهد تعترض عليه الرقابة الدينية فتم حذفها وتم بث المسلسل بعد منتصف الليل حتى لا يراه الناس!
لقد قدم أحد المخرجين للقناة سيناريو لبحث أخطر ظاهرة في العراق وهو ظاهرة المخدرات حيث ترتبط ظاهرة تخدير الشباب بظاهرة الإرهاب، فالقتلة الذين ينفذون تصفية الطاقات الإبداعية هم شباب مخدرون يتقاضون خمسة آلاف دولار عن كل ضحية ويمكن إستئجارهم من قبل أية فئة تريد تصفية المبدعين أو المشاركة في عمليات التفجير وهذه المخدرات لها مافيات بين بلدان كثيرة في المنطقة. والسيناريو والمخرج يريد متابعة هذه الظاهرة ومسارها وتأثيرها على الوطن، ولكن السيد المدير الإسلامي والمنظر للفكر الإسلامي يفضل شراء مسلسل أمام الفقهاء ومسلسل فرقة عطا الله بأسعار غير طبيعية وتقدم أفكاراً غير واقعية لأن المطلوب ليس إيقاظ المجتمع بل المطلوب تخدير المجتمع وتقديم مثل هذه المسلسلات هي مساهمة في عملية تغييب العقل وتغييب الوعي.. هكذا يدار الإعلام في العراق من قبل لصوص ومرتزقة هدفهم المساهمة في تدمير الوطن العراقي. وها هي وثيقة شراء مسلسل محمد الباقر أمام الفقهاء أمامكم وها هو مسلسل فرقة عطا الله يدفعون مئات الآلاف من الدولارات حتى دون أن يشاهدوا ماذا في ذلك المسلسل ليكتشفوا بعد شرائه وجود مشاهد لا تتناسب والفكر الديني فيحذفونها ويعرضون المسلسل بعد منتصف الليل حتى لا يشاهده أحد. فأين مجلس الوزراء وأين البرلمان وأين لجنة النزاهة من هذه المهازل، أم أن ما يحصل هو المطلوب في هذا الوطن المستباح؟
إنني لا أريد الخوض في التفاصيل لأن الشيطان يكمن في التفاصيل ولو أردت الخوض فيها فإنها تحتاج إلى مجلدات لكننا نتحدث هنا عن بعض الظواهر التي تقود إلى خراب الوطن.
أصبحت قناة العراقية منذ تأسيسها وحتى الآن ملجأ للفساد بكل أشكاله وصارت تمثل شكل السلطة وهي إنعكاس للواقع الفاسد في الدولة العراقية الذاهبة نحو الجحيم، ليس جحيمها فحسب بل جحيم العراق الذي يلعب الإعلام العراقي بمجمله دوراً خبيثاً في إنجاز المؤامرة بوعي أو بدون وعي، وعلى أغلب الظن... بوعي كامل!
تبدأ كلفة تأسيس الفضائية في شكلها البسيط بعشرة ملايين دولار وتصل إلى أكثر من مائتي مليون دولار في القنوات العملاقة مثل قناة الأم بي سي أو قناة أبو ظبي أو القناة الجديدة "قناة العرب" التي ستبدأ البث قريباً.
كل الفضائيات معروفة التمويل وبشكل خاص التمويل المنظور، وهناك قنوات عربية لها واردات غير منظورة. أما القنوات العراقية فإن ثمة سؤالة يطرح نفسه موجه لمالكي القنوات "من أين لك هذا؟" لا توجد قنوات عراقية تحقق الربح شأن القنوات العربية التي يلعب الإعلان التجاري دوراً هاماً من مصادر تمويلها. فمن يقف ماليا وراء تأسيس هذه القنوات. وما هي الأجندات السياسية والإعلامية التي مطلوب من صاحب القناة تحقيقها للممول؟
bull;بث وتعميق النهج الطائفي في العراق.
bull;المساهمة في تحقيق المؤامرة غير المنظورة في بث ثقافة التجهيل وبث ثقافة الخرافة وترك المواطن العراقي غافلا عن حقائق تهدد مستقبله ومستقبل الوطن العراقي.
bull;إشغال المواطن إعلامياً بأمور ثانوية تقدم على أنها شؤون مركزية للعراق وترك الحقائق الكبيرة المخيفة في الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في العراق".
bull;عدم الذهاب بعيدا في كشف حقائق النفط إستخراجا وتصديرا وإقتصاداً.
bull; عدم الذهاب بعيدا في كشف أسرار البيئة الملوثة والمياه الملوثة وما ينتظر العراق من جفاف كامل سوف يخنق البيئة والإنسان.
bull;عدم كشف أسرار الأمراض الغريبة المتفشية في العراق ومعدل عمر الإنسان ونسبة الأمية التي تزداد في المجتمع العراقي.
bull;وأخيراً،ً إعتبار موضوع الإحتلال وتفاصيله خطاً أحمر في تاريخ العراق.
هذه الحقائق مغيبة عن الإعلام العراقي، حيث كل الفضائيات العراقية منشغلة دائماً بالشؤون السياسية والمعارك والصراعات السياسية للأطراف المتنافسة على السلطة فيما صار العراق مصرفاً خرافي الحجم في إقتصاده مفتوح الأبواب لطبقة معينة مطلوب منها سرقة المال العام وتحويله للمصارف الأوربية والأمريكية وفي سويسرا.
كما أن قسماً من هذه المؤسسات الإعلامية هي مشروع غسل أموال سابقة تابعة للنظام السابق وقسم منها غسل أموال مسروقة. والإعلام هو أفضل "مغسلة" لتنظيف المسروقات مثلها مثل عملية "الحج" لدى الكثير من اللصوص في المجتمعات العربية والإسلامية!
يتدنى الوعي الإنساني والسياسي والثقافي عند الفرد العراقي وعند المجتمع العراقي وتتدنى طرائق التعليم ويتم إغتيال وتصفية العلماء والمفكرين والأكاديميين والأطباء والمثقفين من الكتاب والأدباء والفنانين والشخصيات السياسية الوطنية ودفع الآخرين للهروب خوفاً على حياتهم فيبقى العراق خاوياً من كل بناة الوطن وراسمي مستقبله ويصبح بلداً قابلاً للتشظي يتعرض للإبادة مثل ما تمت إبادة الهنود الحمر في أمريكا أو إبادة السكان الأصليين في أستراليا. وهذه حقيقة تؤكدها الأحداث وسيثبتها التاريخ في وقت تلاشى فيه الفكر التقدمي وتضاءل كثيراً وصار الشخص التقدمي أو اليساري لعبة تراثية نادرة يمكن وضعها في فاترينة التاريخ!
في كل هذا يلعب الإعلام دوراً في عملية التظليل الإجتماعي والسياسي والإنساني فتغيب الحقائق لتحل محلها رقصة لسامية جمال أو أغنية لهيفاء وهبي ينظر إليها أبناء العراق على أنها أعجوبة الزمان وسط الخراب الذي يعيشون فيه.
تنشأ كل الفضائيات برغبة شخصية سياسية ودينية وبدون قانون. والدولة والمجتمع ومؤسساته المدينة لا يدركون بأن القناة الفضائية هي مصنع سلاح خطير يمكن أن يوجه ضد الإنسان والمجتمع العراقي ولذلك لا يجوز أن يتم إمتلاكه سوى من قبل مؤسسة وطنية تحكمها قوانين إجتماعية وأخلاقية تتعلق بمستقبل وطن إسمه "العراق" ولا يجوز وفق كل المعايير العالمية أن تنشأ أية وسيلة إعلامية بتمويل غير وطني تساهم الدولة في تقديمه وفق قانون تقدمي ووطني ينظم العملية الإعلامية، لأنها الأخطر في بناء الأوطان.
ولو تأسس الإعلام وفق نظام وطني ومنع المفسدين من الهيمنة على هذه الوسيلة الخطيرة فإن الوعي يمكن أن يتأسس ويرتقي بالفرد والمجتمع ويصبح الحكم وإدارة الدولة ظاهرة صحية في المجتمع ولا يتمكن شخص مصاب بلوثة عقلية أو شخص متخلف سياسيا وثقافيا ولا يمكن لإيديولوجية سلفية متأخرة وملتبسة أن تأخذ مكانها في حياة المجتمع وتتحكم في مصيره، لأن الوعي والإرتقاء بالحس الجمالي كفيلان برفض الخلل الذي قد يقود، بل هو يقود، إلى خراب الأوطان.. وخراب العراق كبلد أصيل في حضارته وقد منحه الله الثروات التي تؤهله لأن يكون جنته القادمة على الأرض!
إن غياب وسائل الإتصال الوطنية والمتحضرة المرئية منها بشكل خاص مع الشعب العراقي يعني بقاء وتكريس الفكر المتخلف ومخطط الإعلام التدميري. وعدم توفر قناة فضائية واحدة يمكن أن تشكل إنعطافة حقيقية في مسار الحركة الوطنية والتقدمية العراقية وطرد قوى الظلام والتخلف واللصوص من أرض وسماء العراق يشكل خللاً ليس في طبيعة قوى التقدم العراقية بل في طبيعة الشعب العراقي غير القادر على تقديم النموذج الرمز وهذه مسؤولية تاريخية.
عندما حاورت قوى التقدم من أبناء الوطن ودعوتهم إلى إنشاء قناة فضائية واحدة تشكل عامل إنقاذ للمجتمع العراقي والوطن العراقي فإنهم تذرعوا بغياب المال، وهو عذرمصطنع وغير صحيح، وقلت لهم حسناً إذا لم تتوفر لكم قدرة على إنجاز قناة فضائية على الأقمار الإصطناعية فإن إنشاء قتاة على الأون لاين لا يكلف سوى القليل القليل وسيكون بالتأكيد موضع إنتباه وإستقطاب أبناء شعبنا فهم بحاجة إلى يقظة حقيقية وأن الناس التي تجلس أمام الحاسوب هم أكثر من الذي يجلسون أمام شاشات التلفزة ولذلك لا بد من العمل على إيجاد وسيلة إعلامية تنبه الناس إلى حجم المؤامرة وإلى خطورة قنوات الخرافة والجهل وإلى حجم اللصوص ومخاطر نهب ثروات الوطن وإلى القوى التي تعمل على تشظي العراق.. بدون هذه الوسيلة تبقى خيوط المؤامرة نافذة ويوما بعد يوم تدفع بالعراق نحو الخراب ونحو الهاوية وسيصبح العراقيون ذكرى في التاريخ مثل الهنود الحمر ومثل الأقوام الإصليين في أستراليا والذين إختفوا من الخارطة الإنسانية.. وهذا الذي أقوله لا يشمل العراق فقط بل يشمل المنطقة وليس العراق سوى النموذج الذي يجري عليه الإختبار الآن وليس في كلامي أدنى مبالغة لأن الواقع هو الذي يقول ذلك ولست أنا.
آمل أن يستيقظ أبناء وطني من الغفوة التي هم فيها الآن وأن يعملوا شيئاً من أجل جيل آت أو آجيال آتية. وبالتوفيق إن شاء الله.. وحفظ الله شعببنا والعراق!
السينمائي والكاتب العراقي
ألقيت هذه المحاضرة في مدينة مالمو بالسويد بتاريخ الثالث من أغسطس عام 2012.
التعليقات
عاش قلمك
عراقي -عاش قلمك استاذ قاسم ... الخراب كبير ونحن لا نستطيع فعل شيء , التهم جاهزة و المافيات كثيرة وكبيرة وخطرة وكل ما نستطيع فعله هو ان نتفرج عسى ان يمن الله علينا بلمسة الهية تنجينا او نموت الموت الزوؤام في منازلنا يقتلنا الحر والغبار والتعامل الفظ لرجال القانون الهمجيين .
عاش قلمك
عراقي -عاش قلمك استاذ قاسم ... الخراب كبير ونحن لا نستطيع فعل شيء , التهم جاهزة و المافيات كثيرة وكبيرة وخطرة وكل ما نستطيع فعله هو ان نتفرج عسى ان يمن الله علينا بلمسة الهية تنجينا او نموت الموت الزوؤام في منازلنا يقتلنا الحر والغبار والتعامل الفظ لرجال القانون الهمجيين .
تعقيب صغير
خالد -قناة (بي بي سي)البريطانية غير ممولة حكوميا، بل يتم تمويلها من قبل دافعي ضريبة التلفزيون) وهي ضريبة يدفعها مقتنو جهاز تلفزيون في كل بريطانيا، وهي بذلك غير حكومية اطلاقا ولا تتحكم بها الحكومة، شكرا للكاتب وشكرا لايلاف
تعقيب صغير
خالد -قناة (بي بي سي)البريطانية غير ممولة حكوميا، بل يتم تمويلها من قبل دافعي ضريبة التلفزيون) وهي ضريبة يدفعها مقتنو جهاز تلفزيون في كل بريطانيا، وهي بذلك غير حكومية اطلاقا ولا تتحكم بها الحكومة، شكرا للكاتب وشكرا لايلاف
تدمير العقل العراقي
أحمد أحمد -منذ بداية الغزو لفت نظري إن الحسينيات والمساجد والمنظمات الدينية للطرفين الشيعي والسني بدأت تحث على العنف ضد بعضها البعض، والتحريض للاستحواذ على السلطة والموارد النفطية والادعاء بأن الطرف الاخر عميل ومأجور وخائن...الخ. في الوقت ذاته كانت شوارع بغداد تختنق بالقاذورات والقمامة والماء الآسن. ولم أسمع من أي طرف ديني أي دعوة لتنظيف الشوارع، أو ضبط المرور أو إنشاء صندوق لدعم اليتامى والارامل أو إنشاء مدارس لتعليم الاميين. السياسيين العراقيين لم يتحدثوا عن أي شيء عدا الاستحواذ على السلطة والمنافع والمال. كان همهم السفر الى الخارج بين الفترة والاخرى للاستجمام وشراء العقار وإنشاء الاستثمارات وإيجاد مناصب وهمية للاقارب والاصدقاء ليتحولوا الى طبقة فاسدة تغترف من جيوب الفقراء المخدرين باللطم والزيارات والمناسبات الدينية اللانهائية. وللعلم والاطلاع فإن نسبة الامية في العراق عالية جدا وخصوصا بين النساء في محافظات العراق الجنوبية، ونحن نعيش في عصر صار فيه الجهل بالحاسوب يعتبر أمية فكيف بمن لا يعرف القراءة والكتابة؟ والغريب أن رجال الدين يعملون على تعميق الخلافات وإنشاء عوائق تمنع الشيعة والسنة من التقارب أو التفاهم وإدخال قضايا فقهية شكلية غير موجودة حتى في المذهب الاصلي لعزل هذه الطائفة عن تلك. المؤلم والمفزع هو أن العراق كان من البلدان المعروفة بميولها اليسارية وأكثر المثقفين العراقيين هم من اليساريين الراديكاليين، لا أدري أين صار هؤلاء؟ ولماذا السكوت على إغتيال العقل العراقي هدم الانسان العراقي بمعول الطائفية والتدين السلبي؟
تدمير العقل العراقي
أحمد أحمد -منذ بداية الغزو لفت نظري إن الحسينيات والمساجد والمنظمات الدينية للطرفين الشيعي والسني بدأت تحث على العنف ضد بعضها البعض، والتحريض للاستحواذ على السلطة والموارد النفطية والادعاء بأن الطرف الاخر عميل ومأجور وخائن...الخ. في الوقت ذاته كانت شوارع بغداد تختنق بالقاذورات والقمامة والماء الآسن. ولم أسمع من أي طرف ديني أي دعوة لتنظيف الشوارع، أو ضبط المرور أو إنشاء صندوق لدعم اليتامى والارامل أو إنشاء مدارس لتعليم الاميين. السياسيين العراقيين لم يتحدثوا عن أي شيء عدا الاستحواذ على السلطة والمنافع والمال. كان همهم السفر الى الخارج بين الفترة والاخرى للاستجمام وشراء العقار وإنشاء الاستثمارات وإيجاد مناصب وهمية للاقارب والاصدقاء ليتحولوا الى طبقة فاسدة تغترف من جيوب الفقراء المخدرين باللطم والزيارات والمناسبات الدينية اللانهائية. وللعلم والاطلاع فإن نسبة الامية في العراق عالية جدا وخصوصا بين النساء في محافظات العراق الجنوبية، ونحن نعيش في عصر صار فيه الجهل بالحاسوب يعتبر أمية فكيف بمن لا يعرف القراءة والكتابة؟ والغريب أن رجال الدين يعملون على تعميق الخلافات وإنشاء عوائق تمنع الشيعة والسنة من التقارب أو التفاهم وإدخال قضايا فقهية شكلية غير موجودة حتى في المذهب الاصلي لعزل هذه الطائفة عن تلك. المؤلم والمفزع هو أن العراق كان من البلدان المعروفة بميولها اليسارية وأكثر المثقفين العراقيين هم من اليساريين الراديكاليين، لا أدري أين صار هؤلاء؟ ولماذا السكوت على إغتيال العقل العراقي هدم الانسان العراقي بمعول الطائفية والتدين السلبي؟