أصداء

ممارسة الدهشة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ليس من مؤهلاتي بعد، الكتابة في المواضيع السياسية والغوص في غمارها، وهذا ليس تقليلاً من شأني بل ترفيعاً من شأن بعض الإعلاميين الشباب الذين استطاعوا خلال بعض السنوات تحقيق انجازات وإثبات قدراتهم، ذلك أن التحليلات السياسية والميدانية تطلب مهارةً عالية وخبرةً كبيرة لما تتوجّبه من دقّةٍ وتوخي حذر.لكن شئنا أم أبينا فإن السياسة اليوم باتت طحين خبزنا، أكسجين هوائنا الذي نتنشقه. باتت تحشر أنفها الذي يكبر كل يوم، سالباً بينوكيو شهرته في هذا المجال، وكأنّها الشيطان الذي يكمن في كل تفصيل.

أنا أبسط مما تعتقدون، أنا لم أتخرج من كلّية الإعلام، لا اقرأ الصحف اليومية، لا أشاهد النشرات الإخبارية المسائية المسهبة، لم أشترك بخدمة الخبر السريع، ولا أملك حتى حساباً على أي من مواقع التواصل الإجتماعية، لكن اسئلةً كثيرة لا تفارق ذهني. دهشةً جديدة ومختلفة بتّ أمارسها كل يوم...نعم نعم، أمارسها كل يوم في بلدٍ أخفق في تضميد جراح حربٍ أهليّة باتت تشكل الجزء الأهم من تراثه وفولكلوره. في بلدٍ لا يزال مقسّماً إلى مقاطعات ومتصرفيات ولا يزال جمال باشا يحكمه ولكنه اليوم يرتدي أقنعةً مختلفةً ويتوتر تماهياً مع العصر.


أمارس الدهشة حين أرى كيف أصبحت السياسة السوسة التي تنخر أثاث العلاقات الإجتماعية والعائلية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، زوج عمتي السني الذي ينتمي إلى إحدى القرى الشمالية واللذي يوالي تيار المستقبل بطبيعة الحال، لطالما كان فرداً من العائلة ومرحّب به في أي وقت. لا يمكن أن يخفى على أحد، النفور الذي نشأ بينه وبين والدي نتيجةً للمناقشات السياسية المطوّلة كلما إجتمعا، والتي غالباً ما تصل إلى حد الصراخ.

كذلك أخبرني أحد اصدقائي الذي يدرس في الجامعة اللبنانية الأميركية عن الإشكال الذي حصل مؤخراً،قائلاً:" ما بخبي عليكي، ما وجعتني ضربة الحجر أد ما نوجعت من إنو الشب لّي طلّع فيي منيح وبعدين رشقني بالحجر، كان جارنا وصديقي من ايام الطفولي قبل ما تفرّقنا المحروسي."


وعلى سيرة الأصدقاء فإن احدهم وصلت به الأمور إلى هجر منزل العائلة بسبب الخلافات السياسية التي تصاعدت وتيرتها بشكلٍ مجرّح، نتيجة إنتماء كل طرف إلى يوم معين من ذلك الشهر المشؤوم، ولم يقبل بالعودة إلا بعد وساطة عائلية وتعهّدٍ بعدم مناقشات أيّة مواضيع سياسية كانت.

ولا أنسى طبعا الكلمة التي "طنّت" في أذني يوم كنا نزور بعض الأقارب في بلدة برالياس البقاعية، حيث تبجّح أحدهم بما يضمره الكثيرون:" الإسرائلية ولا الشيعة"

نعم هكذا أمارس دهشتي، هكذا أسأل نفسي ما الذي يؤدي إلى كل هذا الإحتقان؟ ما الذي يميز شعبنا عن القطيع الذي يتبع الراعي دون معرفة الوجهة أو المصير؟ ما الذي يدفع بعض الناس إلى غفران جميع أخطاء زعيمهم الواضحة كقرص الشمس، والذي إن زار لبنان فهو يزوره بالمناسبات؟ ما الذي يدفع بزعيم طائفة أن يسعى إلى إعادة خونة وعملاء اختاروا أن يحتموا بمن إغتصب أرضنا ونكّل بنسائنا وأطفالنا؟ ما الذي يؤدي بالبعض إلى تفضيل العدو على شركائهم في الوطن؟ ما الذي يجعل عائلة تنسى رابط الدم بينها؟ ما الذي يجعلني أستهزئ بأستاذ الأدب العربي الذي جعلني أحفظ مقولة فولتير : " قد أختلف معك بالرأي لكني مستعد للموت في سبيل الدفاع عن حقك بالتعبير عن الرأي"؟ ما الذي يجعل مؤونات ودفء أهل القرى رهن قراراتٍ سياسيةٍ محض؟ ما الذي يجعل من يفترض أنّهم واجهة البلد فقدان أدنى إحترام وحد من اللياقات الحواريّة والتدني إلى أسفل المستويات، ضاربين بعرض الحائط كلام الله :" وجادلهم باللتي هي أحسن" سورة النحل؛ " وقل للناس حسناً" سورة البقرة؛ وكلام الأقدمين:" ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"؟ ما الذي يجعل شباباً في ريعان العمر يوظفون طاقتهم في الأعمال الحزبية والميليشيوية بدل توظيفها في إنتاجات مهنية وإبداعية تخدم هذا الوطن؟ ما الذي...ما الذي...ما الذي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ممارسة القبح
Nabil -

عفوا .. أعتذر علي عنوان التعليق سقطت سيدتي الجميلة في براثن القبح دون قصد منها و لا تعمد ... سقطت يوم ظنت أن الدهشة هي المنتهي فيما ترصد تناثر قطع الزجاج الصغيرة جراء تكسر مبادئ ظنتها راسخة داخل وجدانها و عقلها الأخضر و القبح ليس عورة .. بل في يومنا هذا صار ميزة يوم إكتسب لنفسه إسماً براقاً يجمع الناس حوله لأنه بشكل الذهب موصوم و داخله قبر أنتنت رائحته أنا الإسم فهو الساسة و أما القبر فهو القبح فيما عددت من مواقف التشرزم و التكسر بل و قتل الآخر أحيانا لمجرد الإختلاف في الرأي أو الرؤي... و المصيبة أن الراء و الرؤي نفسها تٌكتسب من قبل مستفيدين و في سبيل تعاظم الإستفادة لزم إستقطاب القطعان ... و في مجتمعاتنا العربية .. ما أيسر صيد القطعان و ترويضها بل و إعدادها للموت في سبيل المستفيدين اللذين تنتفخ أرصدتهم و بطونهم بزيادة بقع دماء القطعان ناقش المقال أحوال لبنان .. و دون قصد ناقش أحوال مصر و مس ما يحدث بها في الصميم ... و لو قرأ المقال سعودي او عراقي أو تونسي او مغربي ... إلي أخر الدول العربية لوجد كاتب المقال أنه قد تلامس مع جرح كل واحد منهم هذا حالنا .. و هذا حال بلادنا العربية عقولنا فارغة .. يأتي من يملؤها و يضمها لمخازنه كأجولة الخزين في إنتظار الإستخدام مقال جيد لكاتبة جميلة ... نصيحتي لك .. لا تمارسي الدهشة فالدهشة تقود إلي القبح .. و القبح هو الإسم الذهبي للسياسة

لم تفرقي عنهم شيئا
محمد علي -

كاتبة المقال مندهشة رغم انها اصدرت احكامها بحق مخالفيها وقراءة المقطع الاخير من مقاله,ا الشجوني الذي ابتدا بريئا وانتهى قبيحا, يجعلنا نشك في غايتها. فحسب رؤية كاتبة المقال فان الحق واضح وهو الى جانبها والمشكلة ليست في تقبل اراء الاخر وانما المشكلة في ان الاخر لا يرى الحقائق التي وصفتها بالوضوح "كقرص الشمس"وبعد كل هذا فهي مندهشة للخلافات؟ ببساطة بداية المقال تناقض تماما نهايته وما ارادت قوله هو اما ان تكون معي واما ان تكون مع الشيطان

ما الفرق؟؟!!
عبدالله العثامنه -

هذا حديث للرسول صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم"" ليس الشديد بالصرعه أنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"" كان ألأجدى بك لو كنت تحترمي عقائد الأخرين أن تنسبي القول الى قائله لا أن تقولي::وكلام الأقدمين......والا ما الفرق بينك وبين الأخرين الذين ذكريتيهم على سبيل الذم والتنقص؟؟!!.

لم تفرقي عنهم شيئا
محمد علي -

كاتبة المقال مندهشة رغم انها اصدرت احكامها بحق مخالفيها وقراءة المقطع الاخير من مقاله,ا الشجوني الذي ابتدا بريئا وانتهى قبيحا, يجعلنا نشك في غايتها. فحسب رؤية كاتبة المقال فان الحق واضح وهو الى جانبها والمشكلة ليست في تقبل اراء الاخر وانما المشكلة في ان الاخر لا يرى الحقائق التي وصفتها بالوضوح "كقرص الشمس"وبعد كل هذا فهي مندهشة للخلافات؟ ببساطة بداية المقال تناقض تماما نهايته وما ارادت قوله هو اما ان تكون معي واما ان تكون مع الشيطان