فضاء الرأي

مثقَّفون كالمثقَّفين (2): "الطاعة العدوانية"

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هما سفينتان، لهما في الوجود معنيان،
الواحدة سلامتها في الفتق،
والاخرى نجاتها في الرتق.

محيي الدين بن عربي "الاسرا الى مقام الاسرى"

انّ ما ستتناوله الملاحظات التالية مرتبط ارتباطا مباشرا بالوضع الراهن لعدد لا يستهان به من المثقفين العراقيين، دون ان يراد بالملاحظات فصل وضع هؤلاء عن اوضاع سابقة لغيرهم قد تتوغل الى زمن بعيد (سمّاهم علي الوردي وعاظ السلاطين ولكننا نحتاج الى القليل من السرد التأريخي؛ أي: ان علينا الاخذ بالدزاين: الان وههنا في المستوى الاجتماعي او مستوى الطبيعة، فما الذي ينفع من طغراء "حضارة النهرين" اذا كان النهران يتجفّفان على الارض نفسها وامام الورثة؟ وهذا هو درس التأريخ الذي ينبغي الا يكون ابعد من تكوين فكرة عنه ومنه بدلا من تلقينه، وهذا قد يعني ان نعمل على ان يكون لدينا الاكثر من خارج السرد التاريخي والقليل من التاريخ) مع اخذ الفارق بعين الاعتبار، كما انه لايراد الفصل بينهم وبين المجتمع على ما هو عليه الان، مع ادراك ان التقاليد لا تكف عن معاودة النشاط، التقاليد باوجهها المختلفة، التي تراعى والتي يتم التنصل والسأم منها ايضا على نحو ظاهري، وهذا التنبيه في ارتباط الملاحظات التالية ينطبق عل الملاحظات الاولى التي نشرت في ايلاف (6-8-2012) وعلى تلك التي ستنشر لاحقا تحت العنوان الرئيس نفسه، فالوصف، من حيث كونه خطوة منهجية وهو ما لا اريد تجاوزه، وان بدا على غير ما يكون عليه الوصف،لاستطراداته التي توحي بانه وجهة نظر قطعية، مثلما يفعل المجاز الكثير فعله في الاستغناء عن الحقيقة، هذا الوصف لا ينبغي اعتباره قدحا فقط، وهو لن يتبرأ كليا من ذلك، وانما هو تنبيه على لحظة تاريخية، الان وههنا، يمكن لاي ناقد اخر ألا يتجاوب معه، بل ان يفنّده، ولكن المهم عندي اليوم ايصال معنى لا علاقة له باطراف المحاججة التي تجعل العراقيين، لو انخرطوا فيها، بعيدين عما يعنيهم، وليسوا هم اليوم في منجى من الهدف الذي يضعه سياسيو النفوذ نصب اعينهم الا وهو: ان تكون السياسة عملا يصرف الناس عما يعنيهم، كما يعرّفها بول فاليري من غير رتوش افلاطون التي اضفى عليها باسكال سلبية غير خاملة.

انّ التقريب بين النخبة والمجتمع، في مثل هذه اللحظة، وان بدا مقاربة منهجية، غير انه موضوعيّ كذلك،... التقريب قد يساعد في الاتجاه نحو معرفة "شيفرة الفشل" حسب عبارة ياسبرز والتي عانينا من الارتطام بها، وما زالت لدينا هلوسة التكرار على طريقة فن المجادلة لدى الكلاميين القدماء، والذي لم تستطع حياتنا بكل التقلبات البشرية والطبيعية المعطاة والمحتملة ان ترد عليه او ان توقظ جذريا طريقة اخرى لتبني حياة جديدة او متجددة. واذا بقينا بحدود الالفاظ البالية، فان "شيفرة الفشل" لن تتفك بحل من الحلول، فمع اللغة يوجد دائما العمل، والاقوال التي ليس تحتها عمل - كما كان يقول مالك ابن انس - غير مستحبة.
انّ "الانتشار الداخلي" حسب ايجاز ماكس فيبر منوط بالعمل ودفعه للتخوم وهو الذي يسمح بان نقيس قيمة حضارة متقدمة ما.

ان اغلب الذين قبلوا بطاعتهم العدوانية فورا وبالتدريج، قد تدربوا في عهد البعث الثاني ولصالحه، وكان ذلك لصالحهم بمعنى من المعاني، وقد رضعوا الاذلال وتراهقوا باقنعة من الكبرياء الاعلامي، وخاصة في ظروف الحروب. وكان قسم منهم قد اختار الهجرة، وفي المهاجر تدرب هذا القسم على اخلاق اللاجئين الاضطرارية، وليس هذا متقاطعا مع التجربة الاولى، وعادوا ابطالا للحرية.. يطلبون الثمن عن هجرتهم، بذرائع متنوعة، اما الذين بقوا في البلاد، وكانوا اكثر تمرسا بالنفاق والميوعة، فان بطولتهم تتجلى بسرعة التحاقهم، وبدون تحفظ، بالركب القادم، وحجز الاماكن في سلطة الاعلام على سبيل المثال وكما قلت فقد تلقوا تدريبا صعبا ونجحوا في اثناء حكم البعث، وظهرت الحاجة اليهم بعد 9/4 ماسة، وبدا وكأن عملهم السابق كان تمهيدا "للحرية"، وما اسهل التجربة حين تحبوها الولاءات الجديدة. وبين الطاعة الاولى والثانية توجد علاقة واحدة هي الاعتداء الصارخ على الحرية الثقافية التي هي محصّل ليس من اليسير في الظروف الصحيحة المزايدة عليه، وبالتالي العدوان على الراي العام باستغفاله مرة ثانية بالهزء الجارح من ارشيفه القريب، فهؤلاء لم يكونوا بعيدين عن ذاكرته.. بل ما زالت البنوراما تعرضهم. كان التصفيق عاليا للنظام السابق وفجأة استمر ترحيبيا بالتحرير، ونشطت الايادي بالتصفيق والرجم معا. اما اولئك الذين لم يدافعوا عن البعث الثاني ولم يرحبوا بالاحتلال.. فقد وجدوا انفسهم غير قادرين على ايصال صوتهم الى الراي العام الا على نحو طفيف، بسبب من المعاودة الكثيفة للولاءات. ان المثقف الذي سجنه نظام البعث جنائيا انقلب سجنه سياسيا، واحتلّ مكانا يستطيع منه ان يامر وينهى. ولكنه المثقفين الذي حقق امن نظام البعث بهم علاقة واستمرؤوها واداموها بالخدمات مقابل ايفادات او ما اشبه، هؤلاء، ولا اشير لهم باولئك، فقد كانوا من الكثرة بحيث ملأت تقاريرهم الى الامن او وسطائه، ملفات ضخمة، وقد اتيح لي الاطلاع على ملفين من تلك الملفات بعد 2003، واثار انتباهي ان احد ابرز المثقفين، وهو ايضا اكاديمي واعلامي، كان يزود الامن يتقارير مفصلة عن شقيقه المطارد سياسيا، وكان كاسبا اضطر الى ترك عمله وعائلته في بغداد ونجا بجلده، وظل على ثقته باخيه المثقف يراسله باخباره، وهذا بدوره ينقل المعلومات الى من يعنيهم الامر، وهكذا تتحول ثقة الشقيق المطارد الى وثيقة امنية. وفي واقع الحال: ان الطاعة العدوانية بلغت مداها المتعسف حين وجد الدكتور انه اذا اختار الوظيفة المميزة والنفوذ فعليه ان يذهب حتى الى الاعتداء على الثقة الممنوحة له بالغريزة الاخوية، وربما من دون ان يكون مطلوبا منه ذلك، ولكنه اختار "توثيق العلاقة". فهو مضبوع قبل دوران الضبع، كما سياتي في القصة. ولن نسال عن مصير طاعته، التي تطورت محليا وعربيا و.. كل ذلك ولا عَجَب، فقد مضى شعبان ولمّا يمضِ علينا رجَبَ.

ان تركيب "سهولة الانقياد" له علاقة بـ"الطاعة العدوانية"، ولكن دعوا الامثال تقول قولها اولا، فان سلّما واحدا يكون صالحا للصعود والنزول، وهذا لا يشكل التباسا في وظيفة السلّم المزدوجة بين الحركة وهيكل السلّم، وتبرز الفخاخ حين نصعد وفي نيتنا النزول او حين ننزل وفي نيتنا الصعود، والفوضى هي المسؤولة عن تضارب القصد والعمل، وليس هناك من انفصال بين الفوضى والازمة، فالشلَل السياسي يقع في معمعة الفوضى الحالية.
اما المثل الثاني، وهو قصة عراقية نموذجية، فحين يريد الضبع اصطياد فريسته، لا يقوم بمطاردتها وانما بالدوران حولها، حتى اذا احسّ بان الحين قد حان، يترك الضبع الفريسة ويمضي وتمضي الفريسة اليه منجذبة بدورانه الذي ادار راسها، فهي لم تكن تدور قدر ماكانت تتابع دوران الضبع. ويسمي العراقيون الفريسة في هذه الحالة: المضبوعة.
آخر الامثلة قارّيّ آسيوي، حيث الكلب في الاسطورة يضع شرطا لكي "يقبل" بوضع السلسلة في عنقه، "الشرط" هو: ان يلقى اليه بعظم.

وضوح هذه الامثلة لا يرحم احدا. ولا ضير، فالانظمة الاجتماعية الوقائية، وابرزها العشيرة، لم تعد متلازمة، كما ان الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء يتحدثون عن تاخر بناء الدولة، ولكأنّ هذه الجهات غير معنية بالاسهام في بنائها اي كأنّ الدولة هي الخالق الذي يسبق وجوده تلكم الهيئات (!!) ولسنا بحاجة الى تعب لفهم مشاعر الكثير من العراقيين رجالا ونساء... حول انفسهم انهم يعتبرون علانية اشخاصهم في وسائل الاعلام مشاريع جثث، بكل الدلالات المنحوسة، قتلة وقتلى او موتى مأزومين بالامراض والقلق وعدم الاكتراث واليأس التام..الخ، وان من الملاحظات البارزة التي تميز "الطاعة العدوانية" للمثقفين المقصودين هو اتفاقهم مع الحكومة في ان كل مايحدث وما في طريقه الى الحدوث، على نحو غير مرض، هو بسبب عدم وجود دولة، وهنا يكون هؤلاء متفقين مع الحكومة على اضفاء غطاء من التبرير على المظاهر غير العادلة والنوازل الجرمية، وبهذا يفقد المثقف موقعه الذي من المفترض ان يكون بعيدا بعدا نقديا ولو بدرجة نسبية من السلطة (يمثّل الالتحام بالطابع الانتقالي من طرف المثقفين عيبا اخلاقيا وعقلانيا، ففي ظروف من هذا القبيل يختار الناقد، دون ان يفقد صلته بالوضع، بل ان يتصل به على نحو انفع، يختار ان يكون "على الشاطئ" كما يقول هوبز. فالطابع الانتقالي لا يسمح باعتبار التجربة الحالية نظاما ديمقراطيا فالعراق يحتاج الى تنظيم ديمقراطي اوّلا، وليس هذا تلاعبا بالالفاظ، فقد ثبت ان التنظيم اهمّ من حيث الاجراءات من النظام الذي لم تتهيأ اسبابه الضرورية، وهذا هو السبيل الذي سلكته الحداثة في التأريخ السياسي، فهي - الحداثة - ليست حربا كما تريدها الولايات المتحدة الاميركية بطريقة الاجتياح).

وهنا اوجه الانتباه الى انه قد يكون لملاحظاتي اثر تضليلي في ان المقصود بالمثقفين هم كل المثقفين العراقيين وليس ذلك هو القصد، لانني لا ابحث هنا في الاستثناءات التي لا تكون ملموسة في هذا الجو، مع انها من العوامل المامولة للالتفات الى الضمير الخصب الذي يتوقعه الناس باعتباره: خلاصا سلميا!

وبالنظر لسرعة بيع وشراء القمصان الملبوسة اختلطت الابدان بها وتعرضت نباهة العراقي العفوية الى تحريف ولم تعد كافية لملاحقة الدلالات، فالتبادل والتداول، وان كان علنيا، غير ان المصالح "الكريهة" ليست معروضة بروائحها، وعلى هذا تعتبر "الطاعة العدوانية" ملحقة بالعنف الرمزي، على حد تحليل بورديو، والذي لا تظهر نتائجه الجوهرية بسرعة، وهذا هو الخطر وفي هذا السياق يكون التعليم المتصل بالتربية - ونخص الابتدائي منه بدون ان ننسى الاستثناءات المعزولة - مسرحا للعنف الرمزي، فالاطفال يصيرون اهدافا ومواضيع للتنازع الايديولوجي: الطائفي والقومي والخ، وقد يجري هذا التنازع في المدارس تبعا للمناطق والادارات والهيئات التدريسية وحتى عمال التنظيف، وليس هناك من اهمية للعلم او العرض الموضوعي للانسانيات. فان تكون معلما (أي مثقفا بالمعنى الاصطلاحي) من الطائفة او القومية الفلانية، وانت مؤدلج بها، فعليك ان تقوم تلقائيا بالاساءة الى الاطراف الاخرى ان لم تعمل على اخفائها. وفي هذه الحالة فان المدرسة ليست مكانا لتعايش المعلومات وعرضها، ولن يعود الطفل متربيا على اسس التلقي وبالتالي متهينا للحكم، فهذه الملكة يراد تعطيلها مباشرة، وهي متعطلة اساسا عند المعلم المشبع بالنرجسية الخبيثة: الطائفية او القومية او الاجتماعية التي تقصي او تشوه كل الايجابيات المتعلقة بغيرها، وهنا لا مكان لما كان يسمى عند العرب من ان القوة تشتاق الى القوة، اوان تسمح للطفل في ان ينجذب الى افضل ما في المعلومات حسب معايير موضوعية صادقة نسبيا، بعد تعليمه مبادئ الحساب والنحو.. وان الرهاب من معلومات المعلم يتساوى مع المحرمات، ومع النجاح في مراحل الدراسة.. ويتساوى الخوف، اذن مع التصور والتصديق، في ظل ايديولوجية الطاعة التي يصحّحها ضجر الطفل ورعبه من عدوانية عدم الطاعة ايضا ويضاف الى ذلك مجون المناوشات الطائفية والقومية المنتشيتين، اين سيذهب مثل هذا الطفل في مراهقته وازدواج اهدافه ووسائله التي قد تكون مخبأة حتى عن عائلته واترابه؟ اين سيذهب في رجولته وهو ملتفع بالعنف الرمزي؟. ان طائفته او قوميته قد تكفان، في لحظة، عن الترحيب بهذه الثمرة التي افسدها الماضي ولم يعد يتقبلها المستقبل. ان الطاعة اخذت نصيبها العدواني من التربية ثم من التعليم (هل تساءلت الامم المتحدة والمستشارون الاميركيون والعراقيون مع قيادات الطوائف انه من الممكن بله الحتمي ان تفقد الطائفة سيطرتها الطائفية الداخلية في حالة المحاصصة التي اتخذت قاعدة لتوزيع المسؤوليات العددية ام ان صراع الاوزان داخل الطائفة الواحدة والحزب الواحد والقومية الواحدة سيأخذ ابعادا ليست تأريخية تقود الى الحل التنظيمي وليست على بال المراقبين الذين لم يعودوا قادرين على التحكم في ملاحظاتهم).

ومع ان تركيب "الطاعة العدوانية" قد بدا جميلا في بداية استعماله، في ندوة سوفيتية، وكان يشير الى الغالبية، ولكنه يكوّن مع "سهولة الانقياد" الفردي شيئا من قبيل المحلول والمركب معا - اذا جاز ذلك كيمياويا - ولكنه جائز من ناحية السلوك النفسي الفردي والجماعي.

وليست "الطاعة العدوانية" سلوكا ملحقا بالسلطة فقط، وانما يكون دائرا ايضا في فلك اشتقاقاتها وتناقضاتها، فأول شئ يبدأه المثقف المعني هو الاعتداء على ذاته المثقفة، وتاريخها المضطرب، والذي يكون تفسيره سياسيا وحزبيا سهلا في العادة، ثم تاخذ دائرة الاعتداء والطاعة بالاتساع والتلوّن الحربائي، ان شيئا من النفوذ المبتذل سيكتسب، من طرف السلطة حين تعتدي على استقلال المثقفين بالمال الذي يطلبه هؤلاء على شكل رواتب او مكرمات منتظمة، وهكذا يتحول استقلال المثقفين الى انفعال نقودي او مباهاة بالنفوذ، اوشهرة اعلامية تتلاعب بالهويات "الثقافية" (في الواقع تنتقل الشهرة الى ان تصير هوية الهويات وبدونها يضيع هؤلاء في لجج التبجحات الفارغة دون تانيب.. لان النسيان الثقافي قد حاق بهم.. ولا يعنيهم ذلك لان الصفح الجميل يسدد فاتورته المال واستثماراته وذكريات النجاح، مرها... وحلوها... و... و...) ولا نذهب ابعد من الثقافة.
والواضح ان السلطة والمثقفين مسؤولان عن هذا الديالكتيك الكلاسيكي، بين السيد والعبد، فشرط الكلب الاسيوي، الاسطوري، قد حقق للاسطورة: سلسلة اطول يمكن للكلب ان يصل الى عظام اكثر مادام لا يشعر بالمضايقة، او لا يريد ان يفكر انه منظور، فحشرٌ مع الناس عيد. شأنه شأن "المتعاون" السارتري.. (هل يذكره القارئ؟).
ان الشئ الوحيد، في تخارج المثقفين، والذي لا يشعرهم بالخجل او الاحراج، هو مطلب الحرية للشعب وللافراد وللثقافة، اما اكتساب القوة من السلطة والنفوذ والمال، وجعل سلطة المعرفة مركونة، فهذا نوع من الطاعة التي تسيئ الى صورة المثقف اولا، وتنشر انطباعا عن ان الثقافة يمكن ان تكتسحها السلطة السياسية بمالها ونفوذها، دونما ضير على المثقفين. فلا يعود لهؤلاء أي دور قياسي. وهكذا تتشكل " الثقة الزائفة " بين الاطراف، ذاتيا وتخارجيا.

لن اذهب الان بعيدا في الوصف، لان الاوصاف الكثيرة قد تلعب دور التحليل، كما ذكرت فيما سلف، واكتفي بهذا المستوى من الطاعة العدوانية. والذي له قابلية على الاشتقاق،وقد يكون ابرز اشتقاقاته العدوانية متأتيا من ضحالة التدين الطائفي والتدين القومي (وحتى التدين بالاحزاب...) والسعي الى الكلمات الشائعة وفرض تثبيتاتها " الاستراتيجية" عبر عدوانية التكرار الماكر، وهذا ما يعرفه،على بساطته، كل من اشتغل على علاقة اللغة المبتسرة الفقيرة، مع كونها فضفاضة وثرثارة، بالسياسة المؤدلجة وتلطيخها الناس بالطاعة" العمياء"، أي تحويلهم، بالعنف الرمزي، الى رعاع.

ان الطاعة العدوانية، وقرينتها سهولة الانقياد، وها هنا نفك الاقواس، تبدأ بالتجمعات الافقية الكبيرة، سواء كانت عصيانا مدنيا - على حد تسمية حنا ارندت - او تثقيفا سريا له وعود جماهيرية او طاعة للسلطة التي تقوم بتمثيلها سلطات عدة،وفي تلك التجمعات ياخذ الفرد بتسليم وجدانه في القليل الى المجاميع، ثم تقوم المجاميع بملاحقته نفسيا الى ان يحضر جسديا، مما يضع في النتيجة علامة الاستفهام الاخلاقية على مثل هذه الآلية، دون ان يوصم بالخطيئة السياسية او الغلط التاريخي.

(من حق القراء ان يعيبوا هذه الملاحظات بعد ان ينتبهوا الى انها لم تتطرق الى السلسلة غير المتقطعة بالفعل، اقصد المسلك والاثار التي ترتبت على الحكم الثاني للبعث، وعلى الاحتلال الاميركي وحربه الثقافية الباردة.. وعلى تدفق المسكوكات الاقليمية ثقافيا. ان الموضوع الذي اقصد اليه له علاقة محددة بفكرة المسؤولية الثقافية المحلية الان وها هنا. اماالتاثيرات والمعاودات فلها مكان وموعد اخر من الخواطر حين ياتي التعليق المناسب على " الراي العام المجهول".
ومن حق القارئ الممحِّص ايضا أن استدرك او استانف فاذكر ان التراكيب المستعملة هنا هي تراكيب غربية المنشأ، لكنها ذات محتوى سياسي - قد يكون هو المستوى السياسي نفسه - ليس بالضرورة ان يكون ايضا الوجه الرسمي للاقتصاد والمجتمع والتاريخ في الغرب فقط، وقد استدرجناالمحتوى انسانيا وان بشكل تبسيطي، والاعتقاد ان مثل هذا التبسيط لا يضر باصل الاطروحة..)


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كما عهدناك
Ako Aljaff -

انت رائع

كما عهدناك
Ako Aljaff -

انت رائع

شهادة مقلقة عن انتهازيين
جاسم الفراتي -

تحليل الاستاذ طهمازي للمثقف العراقي ليس جديدا ولقد سبق لكتاب عراقيين ان تعرضوا له قبل عشرين سنة تقريبا حتى ان مفهوم" المثقف المضبوع" قد ورد في مقالات للشاعر سعدي يوسف عن المثقف التابع، ولكن شهادة طهمازي ستكون محيرة لصنف من المثقفين المرتزقة حيث لا يمكن كما في حالة سعدي يوسف التشهير به وبسيرته وعقيدته ومزاجه!!!... لان طهمازي عاش في العراق ولكنه كان بعيدا عن المؤسسات الثقافية والحزبية في الزمن الدكتاتوري...!!! شهادته مقلقة لهؤلاء الذين اعتادوا على نهش كل من يبحث في تاريخهم المكشوف والعلني ...يتصرفون اليوم كنجوم وشعراء وروائيين ونقاد كما لو اننا بلا ذاكرة!!!

شهادة مقلقة عن انتهازيين
جاسم الفراتي -

تحليل الاستاذ طهمازي للمثقف العراقي ليس جديدا ولقد سبق لكتاب عراقيين ان تعرضوا له قبل عشرين سنة تقريبا حتى ان مفهوم" المثقف المضبوع" قد ورد في مقالات للشاعر سعدي يوسف عن المثقف التابع، ولكن شهادة طهمازي ستكون محيرة لصنف من المثقفين المرتزقة حيث لا يمكن كما في حالة سعدي يوسف التشهير به وبسيرته وعقيدته ومزاجه!!!... لان طهمازي عاش في العراق ولكنه كان بعيدا عن المؤسسات الثقافية والحزبية في الزمن الدكتاتوري...!!! شهادته مقلقة لهؤلاء الذين اعتادوا على نهش كل من يبحث في تاريخهم المكشوف والعلني ...يتصرفون اليوم كنجوم وشعراء وروائيين ونقاد كما لو اننا بلا ذاكرة!!!

ينبغي فتح كل الملفات
خلف الدواح -

المعروف طبيا ان الجروح تنظف قبل ان تغلق-والحقائق التي تدفن تصبح خطرهواذا ابدلنا الجروح بالملفات مثل الملف الذي اطلع عليه الاستاذ طهمازي فيجب ان نكون حذرين ان يتلف ابطال هذه الملفات الشائنه الى الابد فلا يتسنى لاحد فهم العاربشكله الصحيح-عن شاعره -لااهميه لشعرها تعيش في المانيا كانت وكيلة امن او جهازسري اخر-زوجها ضابط مخابرات نزع جلده وارتدى جلد جديد اشتغل بوزارة الدفاعالجديده في العقود-السرقات-ملف زوجته وتقاريرها الشعريه لنسميها هكذا مزقه احمد الجلبي صديق الزوج-هل نستمر بالدفن والتمزيق وشل الجروح التي تنطوي على كل ما هو قاتل-هل تظل تأخذنا الثنائيات المانويه بعيدا عن حقيقتنا وحقيقة ثقافتنا البائسه والمنخوره بالتخلف والكلائش واللطش من الكتب المترجمه ان الازمهتتضح بانعدام المنجر فليس لدينا فيلسوف او كاتب يعرفه العالم بعض الناس في الغربه حققوا خطوات تضيع وسط حركة الترجمه والثقافه والمستجدات اليوميه الداخل خراب الثقافه الحزبيه ذهبت غير مأسوف عليها المثقف الديني يعيش مع الموتى وكتبهم يمسك عصى التكفير يلوح بها امام عصر لايمكنه فهمه,الازمه بحاجهلجهود كثيره ومخلصه ومحاكمات ثقافيه عادله علينا ان نقول اننا امه معوقه ابداعيالان الارواح خربه والعقول تملاءها الاتربه وكلها تعيش في مستنقع واحد

ينبغي فتح كل الملفات
خلف الدواح -

المعروف طبيا ان الجروح تنظف قبل ان تغلق-والحقائق التي تدفن تصبح خطرهواذا ابدلنا الجروح بالملفات مثل الملف الذي اطلع عليه الاستاذ طهمازي فيجب ان نكون حذرين ان يتلف ابطال هذه الملفات الشائنه الى الابد فلا يتسنى لاحد فهم العاربشكله الصحيح-عن شاعره -لااهميه لشعرها تعيش في المانيا كانت وكيلة امن او جهازسري اخر-زوجها ضابط مخابرات نزع جلده وارتدى جلد جديد اشتغل بوزارة الدفاعالجديده في العقود-السرقات-ملف زوجته وتقاريرها الشعريه لنسميها هكذا مزقه احمد الجلبي صديق الزوج-هل نستمر بالدفن والتمزيق وشل الجروح التي تنطوي على كل ما هو قاتل-هل تظل تأخذنا الثنائيات المانويه بعيدا عن حقيقتنا وحقيقة ثقافتنا البائسه والمنخوره بالتخلف والكلائش واللطش من الكتب المترجمه ان الازمهتتضح بانعدام المنجر فليس لدينا فيلسوف او كاتب يعرفه العالم بعض الناس في الغربه حققوا خطوات تضيع وسط حركة الترجمه والثقافه والمستجدات اليوميه الداخل خراب الثقافه الحزبيه ذهبت غير مأسوف عليها المثقف الديني يعيش مع الموتى وكتبهم يمسك عصى التكفير يلوح بها امام عصر لايمكنه فهمه,الازمه بحاجهلجهود كثيره ومخلصه ومحاكمات ثقافيه عادله علينا ان نقول اننا امه معوقه ابداعيالان الارواح خربه والعقول تملاءها الاتربه وكلها تعيش في مستنقع واحد