جرائم النّظام والمعارضة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أُشيعت مؤخّرًا
في الكثير من المواقع، وفي اليوتيوب خاصّة، سلسلة من الأفلام التي توثّق جرائم القتل والتمثيل بجثث أتباع النّظام البعثي الفاشي الّذين يشاركون هم بدورهم طبعًا في ماكينة القمع الوحشية للمنتفضين السوريين ضدّ هذا النّظام الإجرامي ذاته. هذه المرّة تأتي هذه الأفلام على غرار تلك الأفلام الّتي وثّقت جرائم الشبّيحة وجيش النّظام بحقّ المواطنين السوريّين.
أي أنّنا قد وجدنا أنفسنا الآن أمام حقيقة هذه الحال الّتي يشهدها هذا البلد المشرقي منذ عام ونصف. إنّ هذا النّظام الأسدي القرداحي الّذي اتّخذ من الحزب العروبي الفاشي مطيّة بلاغية ليس إلاّ، هدف في نهاية المطاف إلى تكريس سلطته القبليّة والطائفيّة. وها هو النّظام ذاته يواجه الآن هذه الأنابيت البشعة الّتي هي من مخلّفات زرعه القبليّ والطائفيّ. إذ أنّنا نقف الآن أمام الحقيقة المتلخّصة في أنّ يدَيْ هذا النّظام قد أوْكَتا كلّ هذه الجرائم الطائفيّة وفاه قد نفخَ كلّ هذا الخراب الإثني والطائفي.
إنّ ما يجري على الساحة السوريّة
ومنذ شهور طويلة هو خير دليل على هذا الخراب، وهو خير شاهد على هذا الخواء الذي تتّسم به هذه البقعة من الأرض. غير أنّ هذا الخواء، الأخلاقي في الأساس، ليس جديدًا مُستحدَثًا في هذا الزّمان. إنّه جزء من طبيعة هذه المنطقة الّتي لم تتطبّع في يوم من الأيّام بطباع المدنيّة.
لقد وقف العلاّمة ابن خلدون طاب ثراه ومثواه، ومنذ زمان طويل، على هذه الطّباع الّتي لم تقبل تطبُّع العمران في يوم الأيّام: "العرب إذا تغلّبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، والسّبب في ذلك أنّهم أمّة وحشيّة باستحكام عوائد التوحّش فيهم فصار لهم خُلقًا وجبلّة، وكان عندهم ملذوذًا... هذه الطّبيعة منافية للعمران ومناقضة له... فالحَجَرُ مثلاً إنّما حاجتهم إليه لنصبه أثافي القدر فينقلونه من المباني ويخرّبونها عليه... لذلك فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الّذي هو أصل العمران..." (مقدّمة ابن خلدون، ص 146).
لقد تحدّث ابن خلدون عن العمران الماديّ في معرض تطرّقه إلى ما يتعلّق بالعرب، غير أنّه حريّ بنا أن نوسّع هذا المنهج الخلدوني إلى فضاء جديد والحديث عن عمران من نوع آخر، ونقصد به العمران الرّوحي. فإذا كان ابن خلدون قد تحدّث عن الحجر، فإنّنا نرغب في توسيع مقولته إلى الحديث عن البشر.
أيًّا كان مصدر هذه الجرائم
البربريّة البشعة التي يشاهدها العالم بأسره في وسائل الاتّصال الحديثة، أكان مرتكبوها من شبّيحة وزبانية النّظام الفاشي أو كان مرتكبوها ممّن ينتمون إلى معارضي هذا النّظام، فإنّ من ينتمي إلى فصيلة الإنسان العاقل يقف مصدومًا أمام هول هذه الحال الإنسانيّة البرّيّة.
عندما يتحدّث ابن خلدون عن الحجر كحاجة عربية لأثافي القدور، فإنّي استذكر تلك الحاجة العربيّة في استخدام البشر لأثافي القدور ذاتها. إذ أنّ ما يشاهده العرب والعالم من جرائم هذا الزّمان يمكن أن نحيله إلى هذا التراث الّذي تترعرع عليه الأجيال العربية.
لنقرأ، على سبيل المثال،
ما دوّنه لنا السّلف عن خالد بن الوليد، الملقّب بـldquo;سيف الله المسلولldquo;، وكيف أمر بقطع رأس مالك بن نويره لكي يُستخدَم أثفية لقدر يُطبخ فيها لعسكره: "كان مالك من أكثر النّاس شَعْرًا، وأنّ العسكر أثّفوا القدور برؤوسهم، فما من رأس إلاّ وصلت النّار إلى بشرته، ما خلا مالكًا فإنّ القدر نضجت وما نضجَ رأسُه من كثرة شَعْره، ووقى الشّعرُ البشرةَ من حرّ النّار أن تبلغ منه ذلك". ليس هذا فحسب، بل إنّ التّراث يعلّمنا أنّ خالدًا بن الوليد قد فعل ذلك لأنّه رغب في امرأة مالك الّتي قيل عنها "إنّه لم يُرَ أحسنُ من ساقيها". وبالفعل، "يُقال إنّ خالد بن الوليد تزوّج بامرأة مالك ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهلُ العلم" (يمكن العودة إلى هذا الخبر في تاريخ الرسل والملوك للطبري، في البداية والنهاية لابن كثير، في كتاب الفتوح لابن أعثم، في الإصابة لابن حجر وغيرها الكثير).
ولنقرأ، على سبيل المثال أيضًا، عن مصير رأس الحسين بن عليّ. فقد دوّن لنا السّلف كيف وضع عبيد الله بن زياد رأسه في طست "وجعل ينكت فيه بقضيبه" (يمكن العودة للخبر في تاريخ الرسل والملوك للطبري، في بحار الأنوار للمجلسي، وفي الكثير من المصادر الأخرى). وهناك الكثير الكثير من هذا التراث الدّموي الذي تشبّ عليه الأجيال العربية.
إنّ ما يبرز على السّطح
في هذه الأقطار العربيّة الّتي خرجت من الرّكام العثماني، ثمّ الإمبريالي، هو الفشل الذّريع في بناء العمران الرّوحي، أي العمران البشري الّذي يشدّ بعضه بعضًا. لقد خرجت هذه الأقطار من استبداد واحد إلى استبداد آخر بعباءة rdquo;وطنيّةldquo; في الظّاهر، بينما كانت قبليّة وطائفيّة في الباطن. بكلمات أخرى، لقد بدّلت هذه الأقطار الاستعمار الأجنبي باستعمار قبليّ من قِبَل هؤلاء الّذين يُطلق عليهم مصطلح ذوي القُربى.
لقد وضع الشاعر العربي القديم إصبعه على حقيقة إنسانية جوهريّة بوصفه الظّلم الجائي من ذوي القربى بأنّه rdquo;أشدّ مضاضةًldquo;. نعم، إنّه أشدّ مضاضة لأنّه يكشف زيف القربى ويحيل الإنسان إلى حال اليأس والاكتئاب. إنّ هذا الظّلم المتفشّي في ربوعه يحيله إلى حال عدم الثقة ببني البشر أصلاً. إنّ فقدان هذه الثقة بالبشر هو أساس الخراب، هو أسّ الخواء الأخلاقي، وهو الذي يُفضي إلى التفكّك والاندثار الرّوحي. نعم، إنّه النّقيض للعمران البشري أيضًا.
هذا هو، في الأساس، الفشل الكبير
لكلّ هذه الأنظمة المتهالكة في الأقطار rdquo;العربيةldquo;. إذ لم تُفلح كلّ هذه الأنظمة، على اختلافها، في بناء شعوب متعاضدة كالبنيان الذي يشدّ بعضه بعضًا. لقد انبنت كلّ هذه الأنظمة على الاستبداد القبليّ والدينيّ. ولمّا كان الاستبداد القبليّ والدّيني نقيضًا للحريّة ونقيضًا للرّوح الإنسانية فإنّه لا يدوم على حاله. إنّه حال مؤقّتة سرعان ما تتهاوى أمام انتفاضة نشود الحريّة البشرية. والحريّة هي طبيعة بشريّة في نهاية المطاف.
إنّ الطريق الوحيدة للخروج من هذه الدوّامة الدمويّة العربية واضحة للعيان ولا حاجة إلى اختراع العجلة من جديد. ما على الإنسان العربي إلاّ أن يلتفت إلى العالم من حوله لكي يتلمّس الطريق الواضحة. من هنا، تبرز هذه الحاجة العربيّة الملحّة إلى بناء المجتمعات على أسس تتخطّى تلك الانتماءات القبليّة، الإثنيّة والدينيّة. إنّ بناءً كهذا لا يمكن أن يتحقّق إلاّ في دولة مدنيّة عابرة لكلّ هذه الانتماءات. هذا لا يعني عدم الانتماء وإنّما يضع البناء المجتمعي على أسس أقوى تنبني عليها المدنيّة الحديثة. لهذا السبب أيضًا، هنالك حاجة ملحّة لإعادة تقييم للحياة العربيّة، للحضارة العربيّة منذ أن ظهرت هذه على مسرح التاريخ.
كلّ ما يتمّ نشره من جرائم تُرتكب من قبل النّظام أو من قبل المعارضة في بلاد العرب تشير إلى أنّ ثمّة خيطًا رفيعًا، غير أنّه متين جدًّا، يربط بين هذه الجرائم الآن وتلك الجرائم المُوثّقة عربيًّا منذ قديم الزّمان والّتي أشرنا إلى أمثلة منها من قبل. لهذا، فإنّ كلّ من يرغب حقًّا بالخروج من هذه الدوّامات الدّمويّة العربيّة مُطالب إنّه مُطالب بالدّعوة إلى قطع هذا الخيط وقطع هذه الصّلة مع هذه الجرائم.
إذن، هنالك حاجة ملحّة
إلى إجراء حساب نفس عربيّ. ولكي يكون لحساب النّفس هذا تأثير على مصير العرب للأجيال القادمة فإنّه من الضروري أن يتمّ هذا الحساب علانية. من الضّروري أن يتمّ بأبعد حدود الصراحة. إنّه لمن الضروري أن يتمّ وضع كلّ شيء للمساءلة والمناقشة أمام أعين الجميع، وعدم إخفاء الأوساخ تحت البساط. إذ أنّه فقط بالمصارحة يمكن أن تتمّ المصالحة مع النّفس ومع الآخر. أمّا بانعدام هذا الحساب فما من طريق أمام هؤلاء البشر سوى طريق الخراب والخواء الأخلاقي.
والعقل وليّ التوفيق!
*
موقع الكاتب: rdquo;من جهة أخرىldquo;
http://salmaghari.blogspot.com/ncr
***
التعليقات
الحائر
الطلاسم -يا سيد شلمون , ان اجترار مقطع من التاريخ - مع صحتة- لا يشكل رايا موضوعيا محايدا . لماذا هذا الحقد والتعصب الاعمى على العرب . كن محايدا مرة واحدة واكتب لنا عن فنون التعذيب عند اليهود او اساليب الاضطهاد الذي تفنن فية بنو جلدتك من ابناء عزرا .. لتكن منصفا على الاقل .. اما ما يحدث في سوريا فمن المؤكد ان هنالك تجاوزات ضد حقوق الانسان لدى الطرفين - لا احد ينكر ذلك - لا تنسى سوريا تعيش حرب اهلية قذره . ومن المتوقع حصول ذلك ولكن كل ذلك لا يعادل 1% من مجزرة ابناء العم في دير ياسين او قانا مثلا
الحائر
الطلاسم -يا سيد شلمون , ان اجترار مقطع من التاريخ - مع صحتة- لا يشكل رايا موضوعيا محايدا . لماذا هذا الحقد والتعصب الاعمى على العرب . كن محايدا مرة واحدة واكتب لنا عن فنون التعذيب عند اليهود او اساليب الاضطهاد الذي تفنن فية بنو جلدتك من ابناء عزرا .. لتكن منصفا على الاقل .. اما ما يحدث في سوريا فمن المؤكد ان هنالك تجاوزات ضد حقوق الانسان لدى الطرفين - لا احد ينكر ذلك - لا تنسى سوريا تعيش حرب اهلية قذره . ومن المتوقع حصول ذلك ولكن كل ذلك لا يعادل 1% من مجزرة ابناء العم في دير ياسين او قانا مثلا
أخطأت وأصبت
فاديا -حضرة الكاتب، كلامك جميل ورائع، ولكن المشكلة ليست حديثة حسبما أوردتها، فخالد بن الوليد فعل كذا وكذا ونحن نفخر به وأجيالنا تباركه وتقدسه وتقدس من علمه ذلك ومن كان قدوته في غزوات عدة ليس أقلها غزوة بني قريظة وقصة صفية الشهيرة. هناك هي المشلكة، والشجرة تعرف من ثمارها. ثمار شجرتنا المباركة هي الأمة الإسلامية على مختلف عصورها لم تتقدم ولم تنتج أي شيء جيد إلا عندما حادت عن طريق مؤسسها وتغلبت عليها حضارات الرومان والأوروبيين وغيرها في الدول التي تم غزوها، و إختلطت فيها ثقافة الصحراء العربية مع حضارات عريقة إن كانت في سوريا أم في مصر أم في إسبانيا. وعندما عادت هذه الأمم الإسلامية إلى إسلامها رأيناها في حضيض الأمم كما هو واضح اليوم.
أخطأت وأصبت
فاديا -حضرة الكاتب، كلامك جميل ورائع، ولكن المشكلة ليست حديثة حسبما أوردتها، فخالد بن الوليد فعل كذا وكذا ونحن نفخر به وأجيالنا تباركه وتقدسه وتقدس من علمه ذلك ومن كان قدوته في غزوات عدة ليس أقلها غزوة بني قريظة وقصة صفية الشهيرة. هناك هي المشلكة، والشجرة تعرف من ثمارها. ثمار شجرتنا المباركة هي الأمة الإسلامية على مختلف عصورها لم تتقدم ولم تنتج أي شيء جيد إلا عندما حادت عن طريق مؤسسها وتغلبت عليها حضارات الرومان والأوروبيين وغيرها في الدول التي تم غزوها، و إختلطت فيها ثقافة الصحراء العربية مع حضارات عريقة إن كانت في سوريا أم في مصر أم في إسبانيا. وعندما عادت هذه الأمم الإسلامية إلى إسلامها رأيناها في حضيض الأمم كما هو واضح اليوم.
عدم الوضوح
علي العلي -لا أدري ما ذا يريد أن يقول لنا الكاتب في مقاله هذا . اجد خلط الحابل بالنابل . ولم أخرج بنتيجة تذكر .سامحك الله .
عنصرية
محمد -رائحة العنصرية الكريهة واضحة في هذا المقال , كل الثورات تعيش هذه المخاضات , فمقاصل باريس اثناء الثورة الفرنسية قطعت من الرؤوس الكثير والحرب الاهلية الاسبانية مازالت شاهدة على وحشية الاسبان من خلال لوحة الجورنيكا التي خلدها بيكاسو , اما وحشية الغرب في الحربين العالميتين فتشهد عليها ارواح ثمانون مليون قضوا في هاتين الحربين , اما وحشية اليابانيين في الاعدامات الجماعية للشعوب التي احتلوها وخصوصا الصينيين فحدث ولاحرج .... كل الشعوب على هذا الكوكب فيها شيء من الوحشية وليس العرب فقط وهذا شيء قد يكون موجود في جينات الانسان. نتمنى من الكاتب الموضوعية اثناء تحليله للاحداث .
الى محمد 4
عصام -ما تذكره صحيح فأغلب االشعوب في العالم ارتكبت المجازر بحق شعوب اخرى وبحق بعضها البعض في الماضي واقول في الماضي وهي تلعن هذا الماضي ولكنها لم تكن شعوب متدينه مثل الشعوب العربيه التي ما زالت تعيش في الماضي وتمارس القتل والأرهاب والعنف بحق بعضها البعض في عصر يرفض العنف والقتل والأرهاب
يا عربي ابن عربي
معاوية -احتدم النقاش بيني وبين أحد الطلبة الفرنسيين في الجامعة فأراد أن يشتمني فقال لي يا عربي ، دون أن يعرف أنني عربي لأن ملامحي غير شرقية، فتفاجأ عندما أجبته بأنني عربي وأفتخر. لذلك تراجعت عن اتهامك بالصهيونية حتى لا تفتخر . يا سيد سلمان، أنت لست مع الإسلام ولا العروبة ولا المسيحية ولا مع بشار ولا مع الثوار أنت لم تر من الإسلام إلا ما يشفي غلك، ولم تر من سيرة الرسول محمد (ص) إلا بني قريظة ولم تر من المسيح عليه السلام إلا كونه يهودي، ولم تر من سيرة خالد بن الوليد سوى تلك القصة المزعومة، هل سيرة حياة كلينتون هي مونيكا؟ ماذا لو بحثنا في سيرة الحياة الشخصية لكل كاتب ولجأنا الى كل من يكرهه و يلعنه من الأهل والأقارب والجيران لتوثيق الحقائق عنه؟ ترى ما النتيجة التي سنخرج بها أنه ابن كذا وكذا. يا رجل هذا نبينا وديننا وتاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا وتراثنا ولا يضيره ولا يضيرنا حاقد ، أنت ولدت ونشأت في اسرائيل بعد٤٨ هل تتجرأ أن تنفي الهولوكوست أو تكتب عن جرائم الموساد وجيش الدفاع؟
ارهابيون بالفطرة
ابو فرات -الى المعلق رقم ٤, اتحداك ان تذكر حادثة قام بها غير العرب بذبح المدنيين وامام عدسة الكاميرة وذلك بعد ذكر عبارة الله اكبر. بالمناسبة فان عبارة الله اكبر ارتبطت باعمال ارهبية يندى لها جبين الانسانية. فعلها مجرمو القاعدة في العراق وفي ليبيا واليوم مصاصي الدماء في سوريا الذي فاق اجرامهم اجرام البعث السوري بمراتب. مافائدة ان تربح العالم باجمعه وتخسر نفسك؟
محنة العرب في الأندلس
معاوية -أنصح الدكتور سلمان وبعض المعلقين الحاقدين على العرب والإسلام بقراءة كتاب محنة العرب في الأندلس للمؤلف أسعد حومد سفير سوري سابق في الأرجنتين في عهد أمين الحافظ. ومما قيل في الكتاب : وصف ريشيليو، كاردينال فرنسا ورئيس وزرائها في عهد لويس الثالث عشر، عمل إسبانيا في إبادة العنصر العربي الإسلامي في الأندلس، وطرد جميع من تبقى منهم فيها عام 1609 و1610 بأنه "أكثر ما عرفه التاريخ في جميع عصوره من أعمال القسوة والبربرية والجرأة". والكاردينال ريشيليو عاصر آخر فصل من فصول مأساة العرب ومحنتهم في الأندلس، وعرف ما رافق عملية إخراجهم من إسبانيا من مآسي لا يمكن أن يعبر عنها وصف. فالإسبان هم شعب عرف الحضارة، وله دين سماوي يأمر بالخير والرأفة والوفاء بالعهد، دخلوا أكثر المدن الإسلامية صلحاً، وعقدوا مع الأندلسيين عهوداً ومواثيق، وقد أقسم ملوكهم وكبار رجال دينهم على الوفاء بما تضمنته تلك العهود والمواثيق؛ ولكنهم خرقوا جميع هذه العهود، بعد أن وضع الشعب العربي سلاحه، وتجرد من أسباب الدفاع عن نفسه، وقد استسلم الإسبان إلى حركة قمع رهيبة ضد هذا الشعب المسالم، الذي وثق بعهودهم وشرفهم ودينهم، وقبل الدخول في ذمتهم. واستمر الاضطهاد متواصلاً، بدون هوادة أو تراخ، مدة مئة وعشرين عاماً، لم يتركوا خلالها صنفاً من أصناف العذاب والتنكيل والنهب والاستغلال إلا وصبّوه على هذا الشعب المنكود. وكان من نتيجة ذلك كله أنه لم يبق في الأندلس كلها أحد من العرب في أواخر عام 1610؛ مع أن المؤرخين كانوا يقدرون عدد سكان الأندلس في عهد المنصور بن أبي عامر (حوالي سنة 1000) بما يقارب الثلاثين مليوناً من الناس السعداء. وأكثر ما في مأساة عرب الأندلس من إيلام، هو أن الأسبان الذين اضطهدوهم، وأمعنوا في الإساءة إليهم، وتفننوا في أساليب العسف والتعذيب والإرهاب التي استعملوها معهم، كان أسلافهم في غالبتهم العظمى من رعايا عرب الأندلس، وعاشو في ظل الدولة العربية أحراراً مكرمين، ولاقوا من العرب أطيب معاملة، وأنبلها، وأعدلها، ونعموا بممارسة جميع حرياتهم على نحو لم يعهدوه في عهد أي من الحكومات التي تتالت على الأندلس قبل دخول العرب إلى الجزيرة الإيبرية، كما لم تهده أوروبا في ذلك الحين.هذا وقد كان لدور الكنيسة في مأساة العرب في الأندلس، دور الموجه والمحرض والدافع إلى إبادة العرب وإلى اضطهادهم وإلحاق الأذى بهم، فقد دفعت الكنيسة الملوك الأ
قطع هذا الخيط
هانى شاكر -فى شرقنا ألتعيس ..تصيح الطبيعة معلنة حرمانهم من أى معالم حضارة ... باق لنا ألأهرامات فى مصر ... حلو؟ ... سنهدها قريباَ إنشاء ألله ... ثم ... نقتل ألطبيعة ..!
أكلة لحوم البشر
محمد علي البكري -لقد آن الأوان لأن يعي جميع الكتاب والمعلقين أنه لا مناص من الحوار ، وإلا فإن حوار الرؤوس المقطوعة لن يؤدي إلى نتيجة، فقد آن للشعب السوري أن يترجل، وآن لهذه النفوس أن تهدأ ، فقد أدنّا قمع الحكومة السورية واضطهادها وجرائمها، ولكن ما نراه على أرض الواقع يجعلنا نلمس أيضاً بأنها لا تواجه أناساً محبين فعلاً للحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان مثلنا، بل أناساً يرون أنهم أوصياء الله على الأرض وما خلاهم لا يستحق الحياة، والحادثة التي شاهدناها على المواقع الإلكترونية لم تكن الوحيدة ولا الأولى ولن تكون الأخيرة، فهناك حقد دفين مجبول بجهل عميق، وتعصب أعمى، ونفس خالية من أي إحساس بشري، فالثوري الحق يفضّل الموت على أن يحمل سكيناً يذبح بها إنسانا آخر على مرأى الأشهاد. والثوري الحق لا يمكن أن يحمل رشاشه ويفرغه مرة ومرتين وثلاثة على شاب في زهرة عمره دون أية محاكمة ودون أن يدري الأسباب التي تدفعه لحمل السلاح، وآكل لحوم البشر لا يمكن أن نعاقبه بأكل لحمه لأننا في تلك الحال نكون مثلنا مثله.. ولقد ذكرنا في أكثر من مقال بأنه وعلى هامش موقف كل منا إزاء الأحداث وما إذا كنا نعتبر ما يجري ثورة أو مؤامرة، فإن الحل الوحيد هو الحوار والتوصل إلى صيغة ترضي الشعب السوري بأسره، ومن يرفض الحوار ويصرّ على إبادة الآخر أو إلغاء الآخر يكون المسؤول عن استمرار حمامات الدم، ويكون هو المتآمر على الشعب المحب للسلام والأمن والاستقرار، ويكون هو المنفذ لمؤامرة خارجية، فلو جاءت المعارضة المسلحة إلى الحوار المعلن والصريح وتقدمت بمطالبها وببرنامجها بشأن البلد ومستقبله وموقفه من أصدقائه وأعدائه فإن كل العيون ستكون مفتوحة على الطرف الآخر فإذا رفض فعندها يكون لكل حادث حديث، أما الإصرار على المواجهة برغم ما يقترن به من نشر للرعب في صفوف الأكثرية، وفي صفوف الأقليات، وفي صفوف العلمانيين، فإن هذا يشكل دليلاً على أن الواقفين ورائها يلعبون لمصلحتهم الخاصة أو مصلحة أطراف بعيدة عن مصالح الأمة الحقيقية.
لا نريد حوار مع الطرشان
معاوية -سمعت مرة الشيخ الجليل عدنان عرعور يسأل أحد أئمة الشيعة، هل بايع الحسن بن سيدنا علي رضي الله عنه معاوية؟ فقال : نعم، ثم تابع : هل أخطأ؟ فلم يجب. فعقب الشيخ : إذا كان قد أخطأ فهو غير معصوم ، وإذا كان قد أصاب فالمبايعة صحيحة ومن ثم الخلافة شرعية، والشيعة برفضها خرجوا عن طاعة أولي الأمر منهم وخاصة أنه أحد سبطي الرسول الكريم. مع من يريد بشار أسد الحوار؟ مع الإخوان أم السلفيون أم الوهابيون أم التكفيريون أم الصوماليون أم الليبيون؟ هل نفهم من الموافقة على الحوار أنه إعتراف بالثورة الشعبية ومطالبها المشروعة والجيش الحر والمجلس الوطني؟ بشار أسد رئيس غير شرعي يقود منذ ١٨ شهر حرب إبادة ضد السنة في سوريا، هل يعني طلبه الحوار أنه فشل أم يريد كسب وقت وخدعة ومراوغة كطبيعته في الكذب والخداع الذي جرّبه وعرفه الجميع
أكلة لحوم البشر
محمد علي البكري -لقد آن الأوان لأن يعي جميع الكتاب والمعلقين أنه لا مناص من الحوار ، وإلا فإن حوار الرؤوس المقطوعة لن يؤدي إلى نتيجة، فقد آن للشعب السوري أن يترجل، وآن لهذه النفوس أن تهدأ ، فقد أدنّا قمع الحكومة السورية واضطهادها وجرائمها، ولكن ما نراه على أرض الواقع يجعلنا نلمس أيضاً بأنها لا تواجه أناساً محبين فعلاً للحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان مثلنا، بل أناساً يرون أنهم أوصياء الله على الأرض وما خلاهم لا يستحق الحياة، والحادثة التي شاهدناها على المواقع الإلكترونية لم تكن الوحيدة ولا الأولى ولن تكون الأخيرة، فهناك حقد دفين مجبول بجهل عميق، وتعصب أعمى، ونفس خالية من أي إحساس بشري، فالثوري الحق يفضّل الموت على أن يحمل سكيناً يذبح بها إنسانا آخر على مرأى الأشهاد. والثوري الحق لا يمكن أن يحمل رشاشه ويفرغه مرة ومرتين وثلاثة على شاب في زهرة عمره دون أية محاكمة ودون أن يدري الأسباب التي تدفعه لحمل السلاح، وآكل لحوم البشر لا يمكن أن نعاقبه بأكل لحمه لأننا في تلك الحال نكون مثلنا مثله.. ولقد ذكرنا في أكثر من مقال بأنه وعلى هامش موقف كل منا إزاء الأحداث وما إذا كنا نعتبر ما يجري ثورة أو مؤامرة، فإن الحل الوحيد هو الحوار والتوصل إلى صيغة ترضي الشعب السوري بأسره، ومن يرفض الحوار ويصرّ على إبادة الآخر أو إلغاء الآخر يكون المسؤول عن استمرار حمامات الدم، ويكون هو المتآمر على الشعب المحب للسلام والأمن والاستقرار، ويكون هو المنفذ لمؤامرة خارجية، فلو جاءت المعارضة المسلحة إلى الحوار المعلن والصريح وتقدمت بمطالبها وببرنامجها بشأن البلد ومستقبله وموقفه من أصدقائه وأعدائه فإن كل العيون ستكون مفتوحة على الطرف الآخر فإذا رفض فعندها يكون لكل حادث حديث، أما الإصرار على المواجهة برغم ما يقترن به من نشر للرعب في صفوف الأكثرية، وفي صفوف الأقليات، وفي صفوف العلمانيين، فإن هذا يشكل دليلاً على أن الواقفين ورائها يلعبون لمصلحتهم الخاصة أو مصلحة أطراف بعيدة عن مصالح الأمة الحقيقية.