مثقّفون كالمثقّفين (4): "الموافقة المضطربة"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
انّ صيغة "الموافقة المضطربة" كانت ضمن انتاجات عيادة العلاج النفسي، لكن الزبون الذي الصقت به الصيغة لم يعد سجينا في العيادة لغرض العلاج بعد موافقته المضطربة على كونه موضوعا لمرض ما؛ وبالتالي تقبله لبرنامج العلاج، فقد خرجت "الموافقة المضطربة" الى عالم اوسع صارت فيه تلك الموافقة ظاهرة للمزاعم الاجتماعية والسياسية والثقافية التشميلية والاصلاحية ايضا. ومع ان هذه المزاعم آخذة في الاتساع الا انها ظلت تقتضي الاضطراب، كما ان الاضطراب صار يستلزم الموافقة، اذا رددنا عجُز الصيغة: "المضطربة" على صدرها: "الموافقة " وهكذا تتجه البلاغة النفسية للزبون الى التعميم اللانفسي. اننا ازاء نوع من النتائج التي لا تتبع الاسباب تبعية منطقية، فالسياسة تترك اثارا لا سياسية، على سبيل المثال، والقوانين تنتج اوضاعا لا حقوقية، والماضي نفسه يغترب عن تقدمه في الزمان وهنا نجد منطقا اخر غير الذي تعلمناه نظريا ورغبنا في ان يكون الواقع مطابقا له، او ان تستطيع النظرية الحياة في مضاعفات الواقع. انّ مبادئ الواقع اغنى من البرامج "العلاجية "فهي تطلب دائما ما هو ارحب من الخطة وتطلب ايضا تكرار الوصف والكثيرمن الحذر من تدافع التفسيرات.. او تاخير التفسير اذا لم ينفع تسريعه ولم يضر ارجاؤه. ستكون محاولات الوصف، التي تنطلق من اعتبارات متعددة ومن مواقع مختلفة تضمينا لتفسير ما. ان الاطار النفسي لصيغة "الموافقة المضطربة " سينفتح دون ان يفقد صفته الاصلية، فالموضوع هو زبون مفتون بالموافقة التي يدعمها الاضطراب. او كما وصفناه بالرد البلاغي، هو(الموضوع) يعاني من الاضطراب الذي يدّعي انه قد عولج كلما تقدم الى الموافقة مهما كانت هذه "سقيمة "اي ان المريض الذي بدأ يتعالج كانت اولى خطوات " علاجه " هي الموافقة المضطربة، لكن سرعان ما تحولت هذه الى مرض خارج العيادة، ثم صارت هي الحالة المقبولة، فالموافقون السياسيون يتحكمون بالاضطراب النفسي، والمضطربون السياسيون تعالجهم الموافقة. انه مشهد ينتهي باللاعقلانية التي اعتمدها النظام الذي سبق 9/4/2003 والتي تدرب عليها "فيلق الاعلام والثقافة " لتجد ثمارها المتكاثرة بعد ذلك التاريخ. كان التدريب قد اخذ مجراه منذ الحرب العراقية الايرانية، وسبقها في التصفيات الحزبية التدريجية للبعثيين ولغيرهم، ودفع هؤلاء الاخيرين الى تنظيمات شبه ثقافية، بين الشبان والشيوخ، والى حمى التمجيد والنكوص الكاذب والصادق، ففي الحرب تجرّأت السلطة، ويبررمسلكها بثّ الشعور بالخطر على الوطن و المواطن والتاريخ الخاص، تجرات، اذن، على دفع المثقفين بشكل عام الى ما يشبه نقطة الصفر، وتحييدهم والالتفاف على الزمن، حيث التحقت الثقافة باعلام الحرب، وصارت اللغة "نثرية وشعرية" عبارة عن شعارات، لانه لابد من وجهة نظر السلطة الارادية ان يقوم الشعار بالتفكير نيابة عن الراي العام، كما برزت الحان اغاني الزحف (الهوسة) بكلماتها المستعارة من باطن الشعب (عشائره ومدنه ورموزه) وتحول الرسم الى ملصقات قريبة من الاعلانات التجارية لتمجيد الطغمة او لترويج افكارها او تلبية ثقافتها الفنية المحدودة، وهكذا، وعبر سنوات الحرب وما بعدها نشات اللغة الفقيرة باساليبها، والمحدودة باشتقاقات كلماتها، والتي تتقلص ازمة افعالها الى اضيق الحدود، وتطلب الامر العودة الى الشعر الجماهيري الذي يتطلب الايقاع والقوافي التي يتوقف عندها المستمعون ليصفقوا او يتمايلوا على موقع اشاراتها المثيرة.
وافق المثقفون، هؤلاء، على كل ذلك، لاسباب عديدة الى ان تشكلت الظاهرة، لتاخذ بانتاج ما يحتاج اليه النظام وبالتالي ما تحتاج هي (الظاهرة ) اليه باعتبارها ديالكتيكا ظرفيا واستراتيجيا في الوقت نفسه، وبانتاج ما يحتاج اليه المثقفون هؤلاء. ربما سال القارئ : لماذا تقول هؤلاء ولا تقول اولئك ؟. ان الوصف ليس كاملا مالم يوضع له اطار يتضمن حبكة القصة. فالظاهرة في شكلها وجوهرها مستمرة، وليس المثقفون المعنيون، الفاعلون اعلاميا قدانتهى دورهم بعد 9/4/2003 بل ان الظاهرة قد استفحلت بعد هذا التاريخ، فلم يعد اولئك الا هؤلاء، وهنا لابد من تشكيل الاطار، باضافة الايضاحات الضرورية : فنحن لا نصف ثقافة البلد بالكامل بقدر مانصف عددا غير قليل من المثقفين، كما انه من الواجب العناية بالتفرقة بين هؤلاء المثقفين ونقاط ضعفهم الانسانية، من حيث كونهم افرادا تعرضوا الى ما تعرضوا له ترهيبا وترغيبا، وبين الظاهرة الساحقة التي القت بظلالها على راي عام لم يكن معزولا عن هؤلاء، فالظاهرة المستمرة هي التي جعلت انتقالهم الى الظرف الجديد يسيرا من الناحية النفسية، فان خضوع بعضهم الى تجربة مباشرة قاسية مع نظام البعث، قد قاد ذلك البعض الى مقايضة الاستمرار في العيش بالمواقف الموافقة للنظام. كانت الموافقة مضطربة اخلاقيا اول الامر، لكن النظام تمادى في تصفية الهياكل التنظيمية لمعارضيه وطردهم خارج الحدود من اليسار الى اليمين، ثم التفتَ الى صفوفه، وبهذا انفرد هؤلاء المثقفون بنقاط ضعفهم، التي لا يمكن ادانتها الابعد تحولها الى نفاق وارتزاق ثم الى وظيفة في الظاهرة الاعلامية.هناك، اذن، طلب للنظام في ان يوافق هؤلاء على شروطه، اما هؤلاء فان شرطهم هو من قبيل شرط الميّت -الحيّ. فالاضطراب ليس هو الدافع الى الموافقة، بل صارت الموافقة هي سبب الاضطراب ولم يكن الاضطراب في جوهره اخلاقيا، انما هو، انتفاعي ايضا، فاليساريون، الذين نجوا من تجربة النظام السابق والذين قاموا بتهريب تاريخهم معهم الى الغرب الغربي، واستعملوا ذلك بشكل من الاشكال لاغراض قبولهم هناك ، عادوا بعد2003 بايديولوجيّات مختلفة، والى هنا لا ضير، ولكن ماضيهم بقي تحت الطلب يستخدمونه هنا لصالحهم وينبذونه هناك لصالحهم وللاساءة الى وعاء ذلك الماضي ايضا. خرجوا من البلاد بعد تجربة مضطربة مع البعث، لكنها توافق على شروط البعث وبشرط الميت -الحي، ورجعوا الى البلاد بجنسيات ثانية وبايديولوجيات مغايرة، تدعي زورا الحياد الايديولوجي، لانها تطعن في الماضي الذي مازال تحت اليد، فلولاه، ولولاه، ولولاه على وجه التحديد، لضاعوا عن ابائهم وامهاتهم وهم اشد ارتباطا بحبال السرة من ارتباطهم بالوالدات. هذا اطار لصورة من صور المثقفين -الاجانب، الذين لاتدري باي وسيلة نقل يركبون، ومن الذين سيستعملهم وسيلة لانتقاله! ويكفي هذا الاضطراب وسيلة للارتزاق.ان علاقة المثقفين بالاعلام، والمقصودون هم الذين حققوا الموافقة، كانت بعد الحصار الاقتصادي في بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى بداية القرن الحالي، هي علاقة حاجات معنوية ومادية، فقد صار اولئك ظاهرة، ولم يعودوا افرادا يحملون تانيبات ضمائر "خنثوية" كاذبة، اي لم يعد للخجل، من حيث كونه عاطفة فردية، مكان ولا مناسبة، وانتجت العلاقة علاقات وميكانيزمات وانظمة، وصارقسم من هؤلاء خبراء في الكتابة الصحفية الهزيلة التي تحتوي على كليشات تستدر لهم بعض المال من القيادة وتلك الكلائش التي تتجدد حسب الاجتهادات البائسة بين المدح وطرائقه التي يرضاها النظام وهجاء "الاعداء" بغية تمجيد البطولة وبطلها.وكان هذا المشهد هستيريا بكل الاعتبارات، ولم تكن الدناءة وحدها هي الوصف الملائم لان هناك حاجات لايمكن المزايدة عليها ولكن الحاجات الرمزية هي التي ستظل تنال اشد الانتقاد احراجا لو كان للاحراج هنا في هذا السياق المضطرب. فقد كان هناك "عرابون " يستدرجون الاخرين الى المستنقع فلا يكونون وحدهم فيه، فكلما زاد الذين يرتادون المستنقع قل احساس اولئك العرابين بالقذارة. مسالة احساس ؟. احساس مدفوع الثمن. وسيبقى مدفوع الثمن بعد 9/4/2003 , والتقى المستغرب مع المتعاون المحليّ على المعالف المشتركة :اعشاب الماضي الصفراء مع "اخلاقيات المهنة " في خليط برغماتي مسعور، والكل يرمون المجتمع ورايه بالجديد وبالتليد.لا يشبه الوضع الان ماكان عليه قبل الاحتلال الاميركي من الناحية الرسمية، اذ اننا نجد تلك الحركة للمثقفين الاعلاميين تذهب وتجئ بين "العلمانيين " والمتدينين، فهناك تاثرات طائفية، على سبيل المثال ، من غير ايمان بعقائد دينية، وهناك في الوقت نفسه ادعاءات "علمانية"من غير مسلك يدل على انقطاع عن الافكار المسبقة والسلالم التي تصلح لارتقاء وهبوط الجميع معا معا وبعد الارتقاء لا عيب من تحطيم السلّم او وضعه جانبا لحين الحاجة اليه لانك العلماني "مالكه"الوحيد، طبعا تملكه نظريا لانك تستغله عمليا.ان ما يتسلمه المجتمع من اي نظام حاكم هو اولا الاشياء المباشرة، وهو على استعداد لان يدفع البدل النقدي وغيره مقابل ما يجنيه من خدمات لا يستطيع ان يقوم بها فهو قد يكون سعيدا بان لاتزيد الوساخة لكنه لا يقدر على تنظيف الشوارع دائما، هذه مسؤولية تتولاها الادارات، فاذا لم تستطع هذه توفير تلك الخدمة فان المجتمع لن يكون راضيا في هذه الناحية، هنالك مسالة الكهرباء وهي متعلقة بالاقتصاد والصحة والاداء النفسي والحياة اليومية والبنى التحتية والتعليم والاعلام.. حين تتعطل الكهرباء لسنوات، مع وجود الاموال والامكانات ذات العلاقة.. فلن يكون المواطن متوازنا في عيشه.. وهنالك الامن.. حين تتكاثر المظاهر الامنية، سيطرات الجيش والشرطة، العوارض الكونكريتية، اغلاق المنافذ في الشوارع... خطورة البروقراطية الارتجالية لرجال الامن... مع عدم السيطرة على الامن.. فالمواطن لن يتعامل مع السلطة باحترام وقناعة. ان كل هذه التفاصيل، وغيرها كثير، له علاقة بالانسان وبنائه.. وكل التلكؤات مفهومة فما تركه الاميركان هو عجين فاسد لا يصلح للخبز، ومع ذلك وبدلا من رميه فان ادارات العراقيين تضع الطحين على ذلك العجين ويخلطون ويفسد الخليط.. وهكذا يتفاقم العجين وفساده.يتحدث المثقفون المعنيون عن صعوبة بناء الديموقراطية في العراق، وان البلاد في اول الطريق، وان امامنا بناء الدولة، والمؤسسات وهكذا، وعلينا ان نلتزم بالدستور وبروحه -اذا شئت-، ولكن الاقل من هذه الاساطير هو تلك الخدمات التي تجعل من المواطن متهيئا للامل في النظام الجديد ولا ريب ان زمن تحقق الخدمات هو اقل وابسط من زمن تحقق مشروع الديموقراطية، ولم تكن تلك الخدمات وغيرها تنتظر الديموقراطية حتى تتوفر، فهي قد توفرت في اي نظام وربما افضل مما في الانظمة الديموقراطية، ولكنها تتحسن وتشعر المواطن انها قريبة منه حين يكون مشاركا في لعبة الحكم ايا يكن حجم ومستوى مشاركته، لكن عددا من المتثاقفين، الذين تعلموا ان يقولوا بعض الكلمات من هنا وهناك يؤجلون كل ذلك الى حدوث المعجزة الديموقراطية. وبفضلهم ستتحول الخدمات الى معجزة، ومن السائد ان يقول المسؤولون ان ايصال الوقود الى المواطن يحتاج الى لجنة واللجنة تحتاج الى دائرة والدائرة تحتاج الى مؤسسة وهكذا حتى يصل الامر الى الدستور والديموقراطية. اما المثقفون فسيحاولون الارتقاء بالمسببات الى التحليلات السياسية والسيوسيولوجية، وتاريخ ما ليس له تاريخ.ان المجتمع يستمع -اذا كان يستمع - الى عشرات الاذاعات ويشاهد عددا متكاثرا من القنوات التلفزيونية، ويرى صحفا كثيرة، ولا يدري اصحيح ما يقال له ؟ هل المعلومات الجغرافية والتاريخية والعلمية صحيحة ؟هل ما تنشره الصحافة هو شئ يخصه؟ من الذي يكتبه؟ اي لغة تصل اليه؟والمجتمع الذي يرسل ابناءه الى المدارس.. يسال نوعا من الاسالة غير مختلف عن تلك.. وهكذا..لن اتحدث عن الطابع التشميلي للكتابة النثرية والشعرية وكاننا نقلب صفحات كتاب الى الوراء وبدون انتظام.. هل هذه مرحلة انتقالية حقا؟ هل هية تسبق الانتقالية؟ هل المرحلة الانتقالية هي مرحلة سياسية؟ مرحلة خدمات؟.. ادارة..؟ ام انه يجري الالتفاف على الزمن؟ ان الزبون المفتون بعيادة العلاج النفسي، حين وجد نفسه موضوعا لنفسه وللمعالج. حصلت " الموافقة المضطربة "، لكن العلاج سيبقى منتجا للموافقات المضطربة، اذا لم يتم التحرر من المرض من حيث كونه موضوعا خالدا للمريض ولمن تقبل دعوى المرض.(حين يئس ابو القاسم البغدادي الطنبوري من قدرته على التخلص من حذائه القديم ومن المازق التي سببتها محاولاته لابعاد مداسه.. اضطر الى حمل حذائه الثقيل الى القاضي.. وقدم الشكوى على الحذاء... لايداعه الحبس او النفي او اي حل من الحلول التي يراها القاضي.. حسب قصص الكتب. انني استميح من القارئ عذرا في دعوته من التخلص الرمزي من حديث النعمة ابي القاسم والى التخلص الواقعي من الارث الاصيل للاحذية التي تثاقلت ولم يصبها البلى فالمثال قد يرتقي السلّم السياسي والثقافي ثم يرمي بالسلم مجددا.. واذا اصدر القاضي القصصي حكمه على حذاء ابي القاسم، وتحرر الحذاء من صاحبه، فمن هو القاضي غير القصصي الذي سيحرر ابا القاسم من شبح حذائه ؟ هل سيذهب البطل في حملات "شركان" في الف ليلة وليلة.. حافيا لاختطاف جغرافيا تلائم قدميه؟).التعليقات
إلى الكاتب مع المحبة
ن ف -متى تنتهي هذه السلسلة؟ هل هذا كتاب أم ماذا بحق السماء؟!
إلى الكاتب مع المحبة
ن ف -متى تنتهي هذه السلسلة؟ هل هذا كتاب أم ماذا بحق السماء؟!
فهلوة لغوية
س س -المقال يذكرني بالحال الذي كنته خلال ثمانينيات القرن الفائت , كنت اتعمد الطلسمة والتقعير اللغوي والأيغال بتظيرات لا يستوجبها واقع الحال وكنت اتعمد خلق حالة من الغموض والتعقيد حتى اعطي انطباعا بعمق نظري وقدرة على التفكير الشامل ’ وكان يسرني جدا ان اصادف قراء يصارحونني بعدم فهم شيء مما كتبته . شكرا طهمازي ارجعتني لأيام الصبا
فهلوة لغوية
س س -المقال يذكرني بالحال الذي كنته خلال ثمانينيات القرن الفائت , كنت اتعمد الطلسمة والتقعير اللغوي والأيغال بتظيرات لا يستوجبها واقع الحال وكنت اتعمد خلق حالة من الغموض والتعقيد حتى اعطي انطباعا بعمق نظري وقدرة على التفكير الشامل ’ وكان يسرني جدا ان اصادف قراء يصارحونني بعدم فهم شيء مما كتبته . شكرا طهمازي ارجعتني لأيام الصبا
تكرار
سرحان -بدأت بدايات جيدة ، لكنك صرتَ تكرر مقولاتك . واحسب ُ أيضاً ان ما قلته خارج جدواه المطلوب . عذ الى الشعر واعنا بشعرك الجميل وشكراً لايلاف .....
شاهد من أهلها
ع/عطاالله -؛أرفض تجسيد الرسل صلوات الله عليهم كما تتوعدهم ايران في خاتمهم ولن أتجرأ على شاهها حتى آخرها كما أعلنت قيادتها العزيزة.نعم لقد رايت الشاه وآله وحاشيته وبطانته بالابيض والأسود وبالألوان.