فضاء الرأي

على خطى البشير

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لا يخفي أنصار حركة النهضة التونسية ذات التوجهات الإخوانية إعجابهم بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي في الحكم ورغبتهم في النسج على منواله وتحقيق نجاحات العثمانيين الجدد التي تجسدت على أكثر من صعيد. ولعل الإستقبال الحار الذي حظي به رجب طيب أردوغان أثناء زيارته للخضراء من أنصار النهضة يثبت مدى انبهار هؤلاء بسيد الأناضول وبتجربته في الحكم، وقد ذهب "غلاتهم" إلى حد اعتبار عامل تأثر أردوغان بأفكار زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي - الذي ترجمت كتبه إلى التركية وأقبل أردوغان على قراءتها باعترافه شخصيا- كان من الأسباب المباشرة في النجاحات التي حصدها العدالة والتنمية.
واستبشر كثير من التونسيين خيرا بهذا التوجه في اقتباس النموذج التركي لإخراج البلاد من عنق الزجاجة الذي وجدت نفسها فيه بفعل تراجع المؤشرات الإقتصادية وانهيار مؤسسات الدولة إثر الثورة التي أطاحت بنظام بن علي وغيرت المشهد السياسي برمته في البلاد من خلال زلزال لم يشهد له التاريخ الحديث لتونس مثيلا.
لكن مع الوقت، وبعد مرور قرابة السنة على فوز حركة النهضة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بدا جليا أن حركة النهضة لا تسير على خطى أردوغان بل تقتبس تجربة البشير في السودان التي انتهت إلى تقسيم البلاد إلى دولتين وربما إلى ثلاث إذا لم يقع التوصل لحل نهائي لأزمة دارفور. كما انتهت إلى خسارة الثروات الطبيعية التي كانت تحت إشراف الخرطوم لتذهب إلى حكومة من صنيعة الغرب في جوبا تناصب العداء للخرطوم.
أوجه الشبه كثيرة بين عمر البشير وقيادات النهضة وبين أنصار الحركة التونسية وأنصار البشير في السودان. ولعل أهمها عدم الإعتراف بالأخطاء والمضي قدما في السياسات الفاشلة دون الإلتفات للناصحين. فالسودان يقسم وأنصار البشير يصرخون في الشوارع "سير سير يا البشير". وفي تونس قسموا الشعب إلى فسطاطين فسطاط إيمان وفسطاط كفر على حد تعبير بن لادن. فمن يناصر النهضة هو مسلم وإسلامه صحيح لا غبار عليه ومن يعاديها لا يمت للديانة المحمدية بصلة وهو من الفلول وبصدد القيام بثورة مضادة. ورغم خطورة هذا التقسيم فإنك لا تسمع من أنصار النهضة سوى التطبيل والتزمير وتشجيع القيادات على المضي قدما في سياساتهم التي ستعود بالوبال على البلاد وعلى سلمها الأهلي الذي ساد لقرون إن عاجلا أم آجلا.
ويتشابه سلوك بعض قادة النهضة مع سلوك البشير في السودان في جنوح كلا الطرفين إلى الخطاب الشعبوي للتغطية على العجز في تحقيق الإنجازات والفشل في مختلف الإستحقاقات من خلال حشد الأنصار في مهرجانات خطابية لاستعراض العضلات وإرهاب الخصوم السياسيين والتباهي بالقدرة على جمع بضعة آلاف أتت بهم حافلات خصصت للغرض من مختلف أنحاء البلاد أسوة بما كان يحصل خلال العهد السابق حيث كان بن علي ميالا بدوره إلى هذا السلوك راغبا باستمرار في حشد الجماهير.
كما أن تبني حزب البشير للمنهج الإخواني يعتبر قاسما مشتركا مع حركة النهضة التونسية يضاف إلى ذلك إقصاء الخصوم السياسيين عن الحكم وعدم الإستماع إلى نصيحة هؤلاء والأخذ بها إن لزم الأمر. فالبشير أقصى الصادق المهدي وحسن الترابي رفيق الأمس القريب وحركة النهضة ابتعدت عن أحمد نجيب الشابي الذي ذاق الأمرين من نظام بن علي دفاعا عن الإسلاميين حتى لقبه بعض المأجورين أيام الإستبداد بـ"نجيب الله" رغم ميولاته اليسارية. ويصر النهضويون على أن الشابي هو من اختار التخندق مع خصومهم فيما يؤكد زعيم الحزب الجمهوري التونسي على أن حركة النهضة هي التي حسمت أمرها باكرا قبيل الإنتخابات واستبعدت فكرة حكومة الوحدة الوطنية.
ولعل ما يميز حركة النهضة في تونس عن حزب المؤتمر الوطني في السودان أن الأولى منتخبة أتت بها الصناديق في اقتراع ديمقراطي شهد بشفافيته الداخل والخارج على حد سواء فيما الثاني يعرف القاصي والداني كيف آلت إليها مقاليد الحكم في الخرطوم. لكن رغم ذلك فإن جهات عديدة هنا في تونس تخشى من تغول حركة النهضة وهيمنتها على الحياة السياسية في البلاد على غرار ما حصل مع حزب الدستور في السابق لأن ذلك سيؤدي مجددا إلى الإستبداد الذي تخلص منه التونسيون لتوهم. وما يدعم هذه الخشية هي المعركة التي تخوضها الحكومة مع الإعلام الذي يتهم قطاع واسع فيه الحكومة ومن ورائها حركة النهضة بالسعي للهيمنة عليه وتدجينة وإجباره إلى العودة مجددا إلى بيت الطاعة بعد أن تذوق لذة حرية التعبير بفعل تضحيات شهداء وجرحى الثورة. كما أن تباطؤ المجلس التأسيسي الذي تحتل حركة النهضة أغلب مقاعده في سن القانون المتعلق بالهيئة المستقلة المؤقتة التي ستشرف على القضاء إلى حين الإنتهاء من كتابة الدستور يثير الشك والريبة بما أنه يترك في الوقت الراهن ترقيات القضاة وتعييناتهم بيد وزير العدل المنتمي إلى حركة النهضة.
إذن فحركة النهضة التي تتبنى الإسلام السياسي أمام مفترق طرق، وأمام ناظريها تجربتان للإسلام السياسي كان حصادهما مختلفا إلى حد التناقض وعليها أن تختار. فإما النسج على منوال أردوغان وتحقيق الرفاه للشعب التونسي في مختلف الميادين أو السير على خطى البشير وتقسيم البلاد بسياسات خاطئة تجهض الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. وهي أقرب في الوقت الراهن إلى جماعة المؤتمر الوطني منها إلى رفاق درب رجب طيب أدوغان وعبد الله غول و داود أوغلو وغيرهم، وإلى أن تعدل أوتارها وتعيد حساباتها في أكثر مجال فلكل حادث حديث.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الله يستر
القحطاني -

الله يستر تونس وشعبها، بصراحة الوضع لا يبشر بخير فحركة النهضة أثبتت عجزا في إدارة شؤون البلاد وهي تكابر ولا تريد أن تعترف بذلك. الحل في تونس يكمن في حكومة وحدة وطنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ندم
الواثق بالله -

أنا ممن صوت لحركة النهضة في تونس. خدعونا بشعارات دينية لم نر منها شيئا على أرض الواقع. كانوا يطوفون بالمنازل ويقولون للناس صوتوا لمن يخاف الله. لم نر منهم خوفا من الله بل انخراطا في مخطط جهنمي لتقسيم تونس. ندمت أشد الندم على التصويت لحركة النهضة وكم أتمنى لوعاد الزمن إلى الوراء فأتمكن من إصلاح خطئي. أحمل المسؤولية كاملة للمخلوع بن علي الذي صنع من هؤلاء أبطالا من خلال اضطهادهم. فلو شركهم في الحكم لكنا اكتشفنا باكرا حقيقتهم وبأنهم مجرد نمور من ورق.

تأكيد
أنيس التونسي -

تأكيدا لما ورد في المقال إعلان واشنطن لكل من تونس والسودان أماكن خطرة ينصح بعدم السفر إليها.

من هو البديل؟
المهتدي -

طيب لنفترض جدلا أن إخوان تونس تونس بهذا السوء فمن هو البديل برأيكم؟ هل نعيد المستبدين إلى الحكم في تونس ومصر وليبيا وغيرهم أم ماذا؟ هل بقية الأحزاب العلمانية جاهزة للحكم في هذه البلدان؟