السلطان محمد مرسي و حريم سليمان

المسلسل الترکي المدبلج للعربية"حريم السلطان"، يبدو أنه مثلما يقطع طريق الشهرة و المجد فإنه من المتوقع في نفس الوقت أن ينتهي الى طريق مسدود و ينتهي أمره الى الافول.
أکثر من 150 مليون مشاهد تابعوا أحداث هذه المسلسلة التي يبدو أن رئيس الوزراء الترکي رجب طيب أردوغان قد إنتبه الى"تحريفها"للتأريخ الاسلامي بعد أن قدم الرئيس المصري الجديد محمد مرسي نصائحه و توجيهاته و إرشاداته القيمة بهذا الخصوص لرئيس الوزراء الترکي، وهو ماتجسد في الموقف السلبي لأردوغان من المسلسل و الذي بات في طريقه لمواجهة حکم قضائي يردي ببقية أجزائه و حلقاته الاخرى، وعلى الرغم من أن هناك ثمة عدم وضوح في القرار الذي ستصدره المحکمة بهذا الشأن، لکن الارجح أنه سينتصر لأردوغان و ناصحيه!

إعادة طرح المواضيع و الاحداث التأريخية وفق قراءات و رؤى تختلف بعض الشئ او کليا عن السياق الاصلي للمواضيع او الاحداث، أمر وارد و يتم التعاطي معه عالميا و حتى في ترکيا نفسها، وان الاضافات او إعادات الصياغة لبعض المقاطع او حذف مسائل محددة، تستدعيه في کثير من الاحيان مخية الکاتب الدرامي، ولنا هنا ثمة مثال حي يتعلق بتعامل الکاتب المسرحي وليم شکسبير مع نص تأريخ نقله المؤرخ الاغريقي بلوتارك، عندما نقل الاخير عن يوليوس قيصر مقولته المشهورة و هو يرى صديقه بروتس يشهر الخنجر ليطعنه کبقية أعضاء مجلس شيوخ روما متسائلا: حتى أنت يا بروتس؟ لکن شکسبير لم يکتف بهذه العبارة على الرغم من الاثارة التي تکمن بها وانما إضاف إليها تعبير قصير آخر أکسب تلك المقولة عمقا تراجيديا استثنائيا: إذن فليمت قيصر!

ونظرة أخرى على طريقة و اسلوب الکتاب و الروائيين و المسرحيين في التعامل مع النصوص التأريخية و حتى الدينية تبين مسألة مهمة تتعلق بالماهية و الکنه الانساني الباحث عن الاثارة و المجد من خلال إعادة إستکشاف و إستنطاق الماضي، وقد يحاول الکاتب او الروائي الاستفادة من الاجواء التأريخية و الشخصيات ليسعى لطرح مجموعة مسائل أخرى بصيغة او طريقة تختلف بعض الشئ عن الاصل المتداول او المنقول، ولاريب من أن إشارة الکاتب الى أنه قد إستفاد من النص التأريخي او بقوله أن مادته مستلهمة من أحداث و شخصيات حقيقية، يکفي له لکي يطرح رؤيته بذلك الخصوص.

دفاع الرئيس المصري عن تأريخ السلطان سليمان، والذي يريد القول بأن الحقيقة غير ذلك الذي يطرح في المسلسلة، لکن الرئيس مرسي الذي يريد الاستدلال بالجانب المشرق فقط من التأريخ و يتجاهل الجوانب المظلمة و الحالکة فيه، فهو مثلا من النوع الذي يريدنا أن ننتبه لکون المأمون العباسي فيلسوف الخلفاء لکنه يحذرنا من أن نتحدث عن 300 غلام تم شراؤهم من اسواق النخاسة في نينوى و أدخلوا الى بلاط الخليفة الامين العباسي"بإقتراح من والدته السيدة زبيدة" بملابس النساء! ويعلم الرئيس المنتخب من قبل الشعب المصري بأن کتاب"عودة الشيخ الى صباه" و کذلك"الروض العاطر في نزهة الخاطر"، تعکس جانبا آخرا من الواقع العربي الاسلامي الذي يأبى الکثيرون الاقرار به کمرآة لذلك العصر!

الحديث عن بلاطات السلاطين العثمانيين و ولعهم بالنساء، هو حديث طويل طويل يتضمن کل ما"لم يمر على البال و لا على الخاطر"، وحتى أن کتاب"عشق السلاطين"، الذي يسرد جانبا من تلك الغزوات النسائية الفريدة من نوعها للسلاطين يعکس الکثير الکثير من الجوانب الفريدة من نوعها و التي ستکون أحداث مسلسل"حريم السلطان" قياسا لها مجرد أحداث عادية.

لکن المهم هنا هو في حالة نجاح الهجمة الاردوغانية على المسلسل، فکيف ستکون تداعياته على التراث الفني المصري سابقا و حاضرا و لاحقا؟ خصوصا وان أفلاما مصرية"من ضمنها فلم أبي فوق الشجرة"، قد تم ترشيحها لکي تخضع لعمليات تقبيح کي تنسجم مع العصر الاخواني الجديد الذي إکتسح مصر ديمقراطيا، ستجعل في النهاية من محمد مرسي سلطانا ليس لعصره هذا فقط وانما لکل العصور و سيکون هو المسؤول عن إعادة کتابة التأريخ الذي يتعرض للتشويه و التحريف على يد الکتاب و الادباء و الفنانين!