فضاء الرأي

فضاء الناثر الالتباس الجاهز لماضي الاشخاص

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مللت منه لفرط غناه.
إذن يحصل الملل للغنى المفرط.

هذه العبارة قالها اندريه جيد بمناسبة كتاب اندريه مالرو "الوضع البشري "وقد ترجمت الرواية الى العربية مرتين، الاولى بالعنوان المذكور والثانية "قدر الانسان"، وظل غناها يقاوم الترجمة، فهو موجود في الموضوع وفي المضمون، اي انه هوية اضافية لهذا العمل الذي يتجاوز اسلوب الكتابة الادبية الى فن الادب حيث يزاول الخيال وظيفته الواقعية، ويقوم بنقل العمل الى مستوى الفن.(استحقت السينما تسمية الفن السابع بسبب الخيال، كما يقول رولان بارت في " الغرفة المضيئة *"، وهو الكتاب الذي أثار هذه الملاحظات).اخذ سارتر الجملة الاتية من مالرو "الحياة لا تساوي شيئا لان الحياة لا يساويها شئ" ووضعها بين قوسين لكنه وجدها فجاة خارج القوسين، وهذه الخطوة المنهجية (في الفينومينولوجيا) تقبلت خيال سارتر، سارتر الذي اهدى اليه بارت كتابه اجلالا لخياله.طوال قراءتي لكتاب بارت الصغير لم تغب عني جملة مالرو، ولا ردّ فعل جيد، ولا تمرد الجملة على تقويس سارتر، فهي جملة جوهرية في تاملات بارت الثمانية والاربعين في الفوتوغرافيا،وقد كانت كلمة الجوهر بمعناها الذي قصد اليه مؤلف "الغرفة المضيئة " هي المرافقة لما يساوي ولا يساوي، ومعادلها عند بارت هو: ماكان موجودا، فقط، اي ذلك الذي يبقى طي الماضي بالقوة. هذا تفسير يؤسف له، لان الجوهر قد يخرج من الزمن ليصير معنى بين المعاني التي لا تستجيب للزمن من حيث كونه وسيطا يتمازج مع المكان.لناخذ هذا الايضاح من الغرفة المضيئة": "عادة، يعرف الهاوي على انه عدم نضج الفنان، شخص لا يستطيع - او لايريد - الارت فاع الى مستوى اتقان المهنة. ولكن في حقل الممارسة الفوتوغرافية، الهاوي، على العكس هو الحالة الاحترافية. لانه هو الذي يمكث قريبا من جوهر الصورة ".ما - كان -موجودا.. هو الالتباس مثلما هو اليقين: لا ينقل بارت صورة حديقة الشتاء ولا الصورة التي لم يتاكد من انها لامه معه، ام لجدته مع خاله. ويفسر عدم ترويجه للصورة بالخصوصية تقريبا، لكن الالتباس حصل معه، لقد تحرر منذ الطفولة، هو لا غيره، من عين العدسة التي تحدق فيه فيما هو يحدق فيها، لكن هل نسي الجنون الذي يمثله اقوى تمثيل النظر مباشرة بين العينين؟ هذا ما يصل الى حد التعاطف المنغلق الذي يتجاوز عقلانية العقل والتسلل من "الموجة الاكثر رحابة من الحب"، والدخول في الصورة بجنون "محيطا بذراعي من مات ومن سيموت، كما فعلها نيتشه، حينما اندفع في البكاء، في الثالث من يناير 1889، على عنق جواد مقتول، اصبح مجنونا بسبب الشفقة".اُمّ بارت ماتت موتا غير جدليّ، كانت موجودة هناك، يقلب ابنها صورها التي كانت تشير الى ماكان موجودا، الالتباس حاصل، وليس الجنون، والمصور -عميل الموت- غائب عن الموضوع الذي كان حيا من اجل التصوير. الصور ليست هي الذكرى، ولا تنافسها، فهناك لحظات توقظ الذكرى من غير اتفاق (حين انحنى بروست على حذائه فاجأه وجه جدته.)، ولتجنب لحظة التورط بالجنون كان كافكا سيغمض عينيه لو ان مصورا تطفل عليه حتى لايجد عينيهما متقابلتين.(العدسة وكافكا).الصورة برمتها يقينية، وذلك قبل ان تذهب بها الخبرة (التي لا تتوقف) الى التقنيات ابتداءا من الحركة (في السينما). لا الخبرة يمكن ان توقف نفسها ولا نقدر نحن على ايقافها. هنا لابد من ان نتذكر هوسيرل، كما يذكره بارت.ان يقينية الصورة، مقارنة مع بقية المدركات التي يحيط بها تشوش ما، كما هي ملاحظة سارتر، يقينية الصورة لا تعني عدم التباس الموضوع وعائديته، وكما يقال فانّ اجمل صورة في العالم، لا يمكن معرفة اكانت لزوجة نادار ام لامه. لكن من المؤكد انها لانثى والتقطها نادار الذي قال عن نفسه بصددها وبتلميح افصح من تصريح: اتدرون من هو اعظم المصورين في العالم؟.ليست كل الصور وثائق عن مواضيعها، بل انّ العديد من الصور تحتاج الى ازالى التشوش من سطوحها، وذلك حين يتطلع المصورون الى فنون اخرى، اما حين لا نعرف من يقوم بالتصوير واي كاميرا انجزت العمل.. فذلك امر آخر.لقداستغرق بارت بالتامل في الفوتوغرافيا منذ موت امه.اي منذ الموت (اللاجدلي)،ورغب في ان يكتب نصا مستقلا عن امه، اسوة برغبة فاليري حين انكشف الغطاء عن الابن في اللحظة التي مات فيها الجسد الامومي،اي: اختفى المكان اليقيني الوحيد الذي كنا فيه، على حد عبارة واحدة من ضربات فرويد، ولكن الفوتوغراف يناسب الموت تاريخيا واجتماعيا: فالصورة " يجب ان يكون لها علاقة مع ازمة الموت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر "وتعقيبا على قول موران السابق يقول بارت "يجب ان نتساءل ايضا عن الصلة الانثربولوجية بين الموت والصورة الجديدة. لان الموت في مجتمع ما، لابد ان يكون في مكان ما.لو انه لم يعد موجودا في ما هو ديني؛ لابد ان يكون في مكان اخر. من الجائز في هذه الصورة التي تنتج الموت رغبة في الحفاظ على الحياة. ولان الفوتوغرافيا معاصرة لتراجُع الطقوس، من المحتمل ان تكون قد استجابت في مجتمعنا الحديث، لتطفل موت رمزي، خارج الدين، بعيدا عن الطقس، نوع من الغوص المفاجئ في الموت الحَرْفي... يتم اختزال هذا التصور الشامل الى نقلة بسيطة تفصل الوضع الاولي عن الورقة النهائية."وهؤلاء المصورون الشباب، كما يقول بارت، الذين يجوبون العالم للقبض على الراهن لا يعرفون انهم عملاء للموت.لقد اخذت الحياة في المجتمعات الحديثة تعاني من الاغتراب التصويري السريع، الذي فقد حميمية الفن وخياله، وانصاع الى الحياة المنظورة وهوسها الناظر، عين مقابل عين. (يذكر بارت نيويورك الاميركية وبعض اوكارها).سيطلع القارئ على رأي بارت في اصل الفوتوغرافيا: أكان في الاساس الرياضي للمنظور الالبرتي الهندسي و كوادر لوحات الرسامين، ام في املاح الفضة الحساسة للضوء. وسيطلع على توقفه عند جهاز الغرفة المضيئة الذي سبق الممر المظلم في جهاز الفوتوغراف الاولي.الخبرة التي لا تتوقف عند حدود اية تجربة اعطت امكاناتها كاملة. ذلك هو التاريخ الذي تقبله الحقيقة باعتباره تمهيدا لها او جزءا منها، اذا كانت لها اجزاء او ممهّدات. *ترجمت"هالة نمّر" كتاب بارت، واضيف تحت العنوان وبين قوسين كبيرين (تاملات في الفوتوغرافيا) وهي علاوة عربية قد تكون عاملا في تقييد القراءة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف