أصداء

ما بعد خطاب بشار الاسد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لا شك أن وجود آل الأسد عقدة الخلاف الاولى بين المعارضة والدول المساندة للثورة والسلطة، ووجود نظامه بكليته هو نقطة الصراع الرئيس بين الشعب والشريحة التي تسانده، وكل ما نطق به في خطابه الاخير، كان يدور حول هدف واحد، الحفاظ على ذاته ومن ثم الإبقاء على سلطته بالنظام المسيطر، متناسيا، الدمار البشري والاقتصادي، والجوع الذي أغرق الامة فيها، والمآسي التي تلسع المهجرين في الداخل وعلى أطراف الوطن. لم يترك شريحة في المجتمع السوري وكل الذين يقودون الثورة إلا وهاجمهم و ألحق بهم كل الموبقات، كرر التسميات التي ذكرها سابقا حول الثوار وهي نفسها التي تمسك به الطغاة الذين سبقوه. رافضا الاقتناع ان النهاية المناسبة للوطن تكمن في حتمية عدمه، حتى ولو أصبح الذين يقودون الثورة الآن هم تيارات اسلامية سياسية تكفيرية.

وإذا سلمنا جدلاً أنهم القوة المسيطرة على الثورة - وهذا تضخيم لغرض فاسد من الجهتين، من قبل بشار الاسد لتشويه الثورة ومن طرف الجهات التكفيرية لابراز ذاتها - البعض منهم فعلا وفي في ابعادهم المنهجية لا يقلون عن النظام ضحالة فكريةً لها، يتمسكون بثقافة اثنية وطائفية فاسدة، ولا نستبعد وجود البعض ضمن الثورة لها ردات فعل عكسية تفيد السلطة أكثر من الثورة، لكن الآتي سيحدد المنطق الذي سيتحاور عليه الشعب السوري، ورغم أنه لدينا قناعة أن منطق معظم هؤلاء التكفيريين جامد ولا يتقبل النقاش، مشابه بل وأفظع من منطق البعث السني الذي يتسلق على الثورة بدوره الآن، لكن معظمهم الآن جزء من الصراع ضد طاغية، وبعد سقوط السلطة هناك مد زمني، يسمح للمنتج الوطني في سوريا أن تضع الشريحة الواعية على الساحة، ومهما يكن، فإن اغلبية الشعب مدرك لمعايير الوطن النقية وهم يمثلونه، وقد كانت ثقافة التعامل الاجتماعي - الوطني الإنساني وعلى رأسها الأثني - الطائفي الحضاري من أبرز سماته قبل سيطرة البعث، هذا المفهوم الذي لايراه آل الاسد إلا من خلال منطق قرداحة والأنا العليا، والآخرين من منطق الرسالة التي لا تقبل الجدال، مع ذلك فإن الثورة مستمرة مع أو بدون هؤلاء وتتجه إلى الانتصار، وآل الاسد ونظامه أصبحوا في حكم العدم بالنسبة للحلول الوطنية القادمة، والاحكام البشرية والإلهية جميعها وبدون استثناء ترفضه كطرف إلا في اقفاص العدالة.

الخوض في تأويلات بشار الاسد عند خطابه الاخير حول الثورة انتقاص لثقافة الانسان الواعي، وعليه سأختصر، فالبحث في غايات ثورات الربيع الذي يحضن الشرق بكليته والتي هاجمها بشار الاسد بفلسفة الضياع، يبين عن الضحالة الفكرية حول ابعاد الدمج الثقافي التي أخترقت الجغرافيات وهو لا يزال قابعا في كهوف قصره الجمهوري لا يعلم أن ثورات الربيع الحاضرة لا تعترف بموانع الطغاة وجغرافياتهم، وفلاسفتها ومفكريها من كل بقاع العالم، الثورة ستبني بعد زواله، وستطور الوطن بعد اندثار ثقافته الفاسدة، كان أولى به أن يسأل ماذا يجب أن يقدمه الرؤساء لشعوبهم؟ راجمات الصواريخ! واسقاط القنابل العنقودية على بيوتهم! أم القيم الحضارية؟!.

إذا تمعن المستمع فيما وراء أبعاد الخطاب والذي لا يستحق التمعن في مضمونه، والذي كان مليئاً بالفقاعات الفلسفية، - التي يتباها بها بشار الأسد عادة - سيرى أنه يدرك ما تؤول إليه سلطته ويشعر تماماً بأنها على حافة الانهيار، لهذا بحث عن حلول للخلاص، فجدد الاستنجاد - بفلسفة سياسية ضحلة - بقوتين :

الأولى - شبيحته الذين يستولون على اقسام مهمة من الجيش السوري، فتباهى بهم ومجد شرورهم ودمارهم وفظائعهم تحت يافطة الجيش المدافع، وبين أفعالهم على إنها انتصارات على اعداء خارجيين، متجافياً حقيقة الحرب الدائرة والتي هي بين الشعب ونظامه الدكتاتوري، وقد خطط لهذه الغاية تمثيلية غوغاية، بعث بنداء الدعم من ضمن قاعة الاوبرا الى الشبيحة المجرمة، بشعارات رافقت مع شعارات التأييد لشخصه وللوطن مجازاً.

والثانية - الدعم الروسي الصيني الايراني مجدهم دون مئات الدول المعارضة لوجوده، والذين عقدوا عدة مؤتمرات لتمتين الصداقة مع الشعب السوري. وبشكل غير مباشر اثنى على دعم حزب الله له.

ومن جهة اخرى، حاول بشكل فاضح وواضح اثارة الفتنة الاثنية في الداخل السوري، عندما لمح إلى الصراع الذي جرى في المدينة الكردية ( سري كانية ) - بالمناسبة إنها مدينة ومركز ناحية جعلها بشار الأسد قرية جهلا بجغرافية الوطن الذي لا ينتمي ولم ينتمي إليه يوما ليعرفها إلا لغاية فاسدة - ورغم تهجمه على التيارات الاسلامية المتشددة، الذين كانوا فيما مضى يمولهم ويبني لهم معسكرات على اطراف طرطوس للتخريب في العراق والمناطق التي كانت ساخنة بالنسبة للهلال الشيعي، إلا أنه حاول توجيه الثورة إلى الصراع الطائفي الذي أثير واشعل بدعم مباشر من شبيحته.

الغاية النهائية من خطابه الضحل واضح لدى السياسي المدرك، وهو البحث عن تعبيد طريقين :

الأول - الطريق الذي يؤدي إلى تطويل عمر سلطته، من خلال طرحه للحلوله السياسية المهترئة، والتي لا تختلف عن الاصلاحات التي طبل لها في السنوات الماضية، عرض بنودها خارج اطار نظامه وشخصه، وبغياب تحديد كلي للزمن، حوارات مفتوحة - عقد مؤتمر وطني - ميثاق وطني - انتخابات - حكومة - إلى آخره - بزمن غير معروف قد يمتد إلى عقود، والتي هي مرفوضة من قبل الثورة مطلقا. طرح عرضه هذا بعنجهية المجرم وذلك على خلفية تكرار المقترحات الدولية السياسية عليه عن طريق شخصيات كالابراهيمي وغيره سابقا، وتلكؤ الدول الكبرى بالمساعدة الفعلية للثورة السورية، طروحات عرضت، متناسيا خلفها أن ثورة الشعب تجاوزت الحلول الشكلية وهي مستمرة لإزالة نظامه بشكل كلي، ويدرك تماما انه لم يعد جزء من الحل، لذلك ملئ خطابه بكلمات التهديد، الطغاة يهددون جهاراً يوم ينحدرون إلى الهاوية. وعند الانسداد التام لهذا الطريق داخليا ودوليا، سيكون الاتكال على الطريق الثاني.

الثاني - وهو تأمين واقع ملائم لذاته وحاشيته. كان واضحا هذا بشكل سافر بعدم تلميح بشار الاسد إلى ذاته ونظامه وكأنهما قضيتان خارج الصراع، تحدث كشخصية لا نقاش حول وجوده، رفض الثورة والثوار، وهمش الشعب، وواجه القوى الخارجية الذين سهلوا له المهمة بتقاعسهم، طالبهم بعدم ملاحقته في الزمن القادم، وذلك من خلال توجيهه معظم حديثه إلى الدول المعنية بالامر والمتمكنة من إعادته إلى قاعات المحكمة.

إضافة إلى كل ذلك، ومن خلال اقصر خطاب في تاريخه الرئاسي، طلب المحاورة من مجموعات شكلهم في خياله وحسب مقاييسه، لأنه يدرك أن أي محاور كان مع سلطتة الغارقة في الاجرام سيسير فوق جثث الشهداء، وسيحاكم امام الشعب وعلى صفحات مدونة بدماء الشهداء.

دمر بشار الاسد وشبيحته الوطن للحفاظ على سلطته، المجاعة دخلت البيوت، قطعوا معظم مقومات الحياة عن الشعب، عن سابق تخطيط بغيض، في هذا الشتاء القارس أنعدمت المحروقات في المدن المنكوبة ومعهم وبشكل منظم المنطقة الكردية من عفرين إلى ديركا حمكو، المدن بلا كهرباء وتعيش في ظلام دامس، دمروا معظم الافران إما بقطع المواد عنها أو بالقصف، ارتفعت اسعار المواد الضرورية بشكل فظيع، اطفال يموتون بسبب الامراض الناجمة عن البرد والجوع، المجاعة في وطن الحضارات... سوف يتمم هذا الطاغية مسيرة الاجرام التي بدأها والده وعمه إلى النهاية، سيجعل من سوريا جثة هامدة وارضها مقبرة، وخطابه كان ينطق بهذا الشر، وهي من أبعاد خطابه الذي ملئها بالتهديد قبل الرحيل، الوطن على ابواب مجازر قادمة قبل ان يخلع أو يقتل. وكل من لا يطالب العالم بوضع حدٍ لهذا الطاغية يكون متلاعباً بمصير هذه الأمة لغايات.

الشعب يطالب المجتمع الدولي عامة والولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية بشكل خاص لتقديم الدعم الانساني بكل انواعه، وباقصى سرعة ممكنة، اسابيعاً وليست شهوراً، وإلا ستكون المساعدات متأخرة، نطالب أن يكون دعمهم فعلياً ومستعجلا، ومرفقاً بالدعم العسكري للثورة لخلاص الشعب من الوضع المأساوي، وهذا ما يؤكده المجلس الوطني الكردستاني - سوريا لدى المحافل الدولية.

لا شك أن التدخل العسكري الدولي سيعجل من نهاية النظام، والحد من انتشار التيارات الاسلامية السياسية التكفيرية الدخيلة على الثورة - لو كان هناك اتفاق دولي وتدخل لما وصل الوضع السوري إلى هذه الهوة من الفظائع والتدخلات - بعكس ما تتبناه الجهتان، النظام والبعض من المعارضة، من حيث التدخل الخارجي، اللذان لهما غايتان متنافستان لكنهما متفقتان على هذا المطلب، الاولى للحفاظ على ذاتها، والثانية آملة بالسيطرة المطلقة الإلهية بعد سقوط النظام، والجهتان تختفيان وراء الابتعاد عن القادم الاجنبي أو الدمار الناجم عنهم، وهما اشد شراً منهم على الثقافة والتدمير للوطن.

الولايات المتحدة الاميركية

mamokurda@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
========
lolo -

من مزايا خطاب الاسد انه كشف عن مواهب دفينة بالتحليل النفسي واختراق جغرافيات المنطق والرسو على شواطئ اللامعقول