تحديات القاعدة في أفريقيا بين الصمت العربي والتنديد..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إن مخاطر القاعدة في الساحل الأفريقي، وبلدان شمالي وغربي القارة ، وحالة مالي هي الأبرز اليوم، لا تقتصر على دول الساحل والغرب والشمال الأفريقي، بل قد تمتد وتمتد عرضا وطولا لتهدد دولا أخرى معظمها من العالم الإسلامي.
إن شبكات القاعدة، التي تتخذ هناك، كما في مناطق أخرى، عناوين وأسماء شتى باسم الدين والجهاد في سبيله، قد اقترفت لحد اليوم سلسلة جرائم كبرى، عدا عن زعزعة استقرار وأمن وسيادة دول كمالي. والحالة الساخنة اليوم في مالي، وجريمة الاختطاف المروعة والقتل الجماعي في الجزائر هما آخر ما تقدمه القاعدة للمسلمين والعالم من براهين جديدة على هوس الجريمة والقتل عند هذه القوى الشريرة التي تتستر بالدين بينما تهتك كل يوم وكل ساعة أبسط القيم الروحية والإنسانية، متغذية بالدم وتهريب وتجارة المخدرات وابتزاز العزل وتضليل آخرين.
لقد أثار التدخل العسكري الفرنسي في مالي ترحيب الأكثرية من سكان مالي التي لمست كيف يتصرف الإرهابيون تدميرا للمجتمع وتهديدا للوطن، والتي عانت من عدوانهم الفظ و المتكرر على الحقوق الأولية للإنسان وكرامته. كما أن هذا التدخل لاقى تفهما وتضامنا في أوروبا، ولدى نخبة من المثقفين العرب، في حين أن أصواتا نشازا، قومانية و إسلاموية و يساروية متطرفة، سرعان ما هرعت لتغرف من الخزانة الفكرية المتهرئة من حكايات عن الاستعمار الجديد والتدخل في شؤون الآخرين. وفي مصر، نظم أنصار القاعدة بقيادة محمد الظواهري، شقيق زعيم القاعدة أيمن الظاهري، مظاهرة احتجاج صاخبة هائجة أمام السفارة الفرنسية في القاهرة. ولم يتأخر الرئيس المصري الإخواني عن المشاركة في التنديد بحجج متهافتة. ويقول بعض المثقفين المعترضين إن الإرهاب لا يحارب بالسلاح وإنما بالتنمية والفكر. كلام فيه صحة ولكنها ناقصة، وهو لا يصلح للحالة الساخنة في مالي ولتداعيات الجريمة في الجزائر وما تقترفه القاعدة في أنحاء أخرى من العالم، سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب وخارجه. فعندما يكون هناك عدوان إرهابي مسلح، فلابد من مقابلته بالقوة المنظمة، وهذا هو العلاج، أي الكيّ؛ وفي الوقت نفسه، فلابد من اتخاذ التدابير للوقاية من التطرف والإرهاب الجهادي بالتنميةن وتحديث التعليم، ومحاربة الأمية، والإصلاح الديني، والكفاح الفكري والثقافي والإعلامي المثابر ضد الأفكار التي تشجع على التزمت والتطرف الدينيين وتحرض على العنف باسم رفع راية الإسلام في العالم. وبعبارة هناك الوقاية وهناك العلاج، وهما متلازمان.
صحيح إن لفرنسا خاصة، وأوروبا عامة، كما للصين، مصالح كبرى في أفريقيا. وصحيح أيضا أن انهيارات بعض الأنظمة في القارة الأفريقية والزيادة في مساحات الهيمنة القاعدية ستشجع على مزيد من الهجرة الأفريقية للغرب، وخاصة لفرنسا، ذات العلاقات الوثيقة بأفريقيا، وحيث فيها سبعة ملايين من المهاجرين الأفارقة وذلك في وضع اقتصادي ومالي أوروبي متأزم للغاية.
الحكومة الاشتراكية الفرنسية ليست من هواة التدخل العسكري، ولكنها لبت نداء الرئيس المالي، لحماية هذا البلد الصديق وجيرانه من الانهيار وبتأييد من الدول الأفريقية الأخرى، التي تدخلت هي الأخرى عسكريا؛ وأيضا لحماية المصالح الفرنسية الواسعة في المنطقة- أي تلاقت المصالح هنا.
إن الموقف الفرنسي يستحق التأييد لا الشجب والتنديد، ولا الصمت المطبق للجامعة العربية وكان الأمر لا يعنيها.
إن الخطورة هي في أن تظل فرنسا وحدها في الميدان العسكري بدون مدد قتالي غربي قوي فتنتهي المعارك دون القضاء التام على الخطر. ولعل موقف البيت الأبيض المتردد جدا هو الأكثر خطورة، وهو موقف يشجع القاعدة وكل قوى التطرف والعدوان والتوسع، كإيران وأدواتها وكوريا الشمالية. وفي التحقيقات الصحفية كلام عن خلافات في الموضوع بين البنتاغون والبيت الأبيض حيث يحبذ الأول تدخلا عسكريا لمحاربة القاعدة في أفريقيا، فيما لا يؤيد ذلك أوباما وطاقمه الرئيسي. فهم يتصرفون في السياسة الخارجية، وخاصة مع إيران[ التي تشجع وتمول القاعدة وتتعاون معها] وفق نهج التهدئة والاسترضاء وعقد الصفقات، بحجة الانصراف لمشاكل أميركا الداخلية، وباسم أن الشعب الأميركي لا يحبذ التدخل الأميركي المباشر في الخارج، علما بأن نجاح الإرهابيين واتساع مناطق سيطرتهم في القارات الأخرى لا يمكن ألا تمتد مخاطرهما للداخل الأميركي نفسه، كما برهنت عشرات التجارب السابقة وليس فقط جرائم 11 سبتمبر. ومن هنا واجب واشنطن في رفد الموقف العسكري الفرنسي وعدم التساهل مع القوى وأنظمة التطرف والعدوان، دون أن يعني ذلك الدخول في مغامرات غير محسوبة النتائج وبلا مبرر.
ولكن قبل أن نلوم الآخرين، فلنسأل عن أسباب صمت الدول العربية والإسلامية نفسها: أليست الأخطار التي تهدد عدة دول إسلامية وعربية في أفريقيا، وتنذر بالتوسع لغيرها، مما يعني العالمين العربي والإسلامي؟! ألم يكن مطلوبا أن نرى في مالي قوات عربية إسلامية بجنب القوات الأفريقية والفرنسية؟! ولكن عن أية دول نتكلم وكل منها مشغولة بهواها، وبينها من هي متحالفة أو متآلفة مع القاعدة، دعما وتمويلا ودعاية!! وهل تنديد مصر الإخوانية بفرنسا غريب، ونحن نعلم أن القاعدة هي وليدة الإخوانية القطبية، التي تتحدث عن أمة إسلامية واحدة جاءت لإقامة دولة الخلافة في العالم كله؟!