فضاء الرأي

عن مصر..التي تشبهنا و نشبهها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عدت من مصر قبل أيام، بعد رحلة قصيرة جددت فيها العهد مع عدد من الأصدقاء الأعزاء الذين أحببت من خلالهم بلاد الكنانة منذ سنين طويلة، على رأسهم الأستاذ محفوظ عبد الرحمن، الكاتب و السيناريست المعروف، صاحب الأعمال الخالدة ك"ليلة سقوط غرناطة" و "حفلة على الخازوق" و "بوابة الحلواني" و "ناصر 56" و "أم كلثوم"، و المرشح الأبرز اليوم لنيل جائزة الدولة، فهو آخر "الكبار الأحياء" أطال الله في عمره، خصوصا بعد رحيل الكاتب أسامة أنور عكاشة قبل عامين تقريبا.
و يعتبر الأستاذ محفوظ حكم "الإخوان المسلمين" في مصر الحالية "حكما طائفيا بامتياز، و من هذا المنطلق فقد كرهه غالبية المصريين في فترة قياسية. قال لي الأستاذ: " لقد عاصرت حكم الملك فاروق و محمد نجيب و جمال عبد الناصر و أنور السادات و محمد حسني مبارك، وها أنا أعاصر حكم الإخوان المسلمين، و لاحظت أن انقساما قد ميز الناس دائما في ظل حكم الأوائل بين متفائل و متشائم، فيما بدا الإجماع واضحا في ظل حكم الإسلاميين حيث يخيم التشاؤم و الإحباط و اليأس على الجميع".
و أضاف الكاتب المصري الذي لا تخلو لغته محكية و مكتوبة من روح الدعابة، "شخصيا لدي أصدقاء ليبراليين و يساريين و قوميين و مستقلين إلا أنني لم أفلح في أن يكون لي صديق واحد من الإخوان، دمهم ثقيل يا أخي، و قد عممت السؤال على جميع من أعرفهم فكان جوابهم مشابها، أنه ليس لديهم أصدقاء "إخوانجية"، و ربما كان لبعضهم معارف من بينهم لا غير"، و هو ما سمعته أيضا في تونس حيث لا أصدقاء للإسلاميين، فاعتقادهم امتلاك الحقيقية و إيمانهم بوجود تكليف ما لهم بهداية الناس إلى السراط المستقيم عادة ما يدفعهم للتدخل فيما يعتبره الآخرون خصوصيات في حياتهم الشخصية، إن كانوا يؤدون فريضة الصلاة أم لا، و إن كانت زوجاتهم و أخواتهم و بناتهم يرتدين الحجاب من خلافه، و إن كانوا يفكرون في إعفاء اللحى و قص الشوارب؟..إلخ.
و يتوقع الأستاذ محفوظ سقوط حكم الإخوان المسلمين واقع لا محالة، لعاملين أساسيين على الأقل، أولهما الطبيعة الطائفية للحركة المشار إليها، و التي ستجعلهم باستمرار غرباء عن المجتمع و الدولة و العصر، و ثانيهما الفشل الذريع لحكمهم على كافة الأصعدة حيث تمرغ هيبة الدولة كل يوم في الوحل و يعمل حزب العدالة و الحرية على "أخونة" الدولة بكل ما أوتي من لهفة و نهم و سرعة، و حيث تداعت مرافق الحكومة الواحدة تلو الأخرى إلى الخراب و الانهيار و العجز و شعرت الشرائح الشبابية التي قامت بالثورة بمرارة سرقة مجهودها و خيانة دماء شهدائها.
الإخوان و النهضة: أيهما الأصل..و أيهما النسخة؟
و يبدو الشبه واضحا بين الحالتين التونسية و المصرية للجميع تقريبا، من سواق "التاكسي" الذين سألت كل من ركبت معه من بينهم عن رأيهم في حكم الإخوان فكانت إجابتهم واحدة، ساخطة و متذمرة و كارهة و لاعنة، حتى و إن جاءت بعبارات متباينة و من مداخل متعددة، إلى النخب من إعلاميين و سياسيين و حقوقيين، فغالبيتهم يرون أن تونس و مصر رجع صدى لبعضهما و أن كلاهما مؤثر في الآخر، و لئن كانت تونس برأيهم سباقة في إسقاط الديكتاتورية السابقة، فإنهم يتطلعون كما قالوا إلى رد الجميل بأن تكون مصر سباقة لإسقاط حكم الإخوان.
و قد لاحظ مهتمون بالشأنين التونسي و المصري أن حزب الإخوان المسلمين اختار العدالة و الحرية اسما له لكنه اختار"النهضة" أو "نهضة مصر" عنوانا لبرنامجه الانتخابي الذي لم ينفذ منه الرئيس مرسي إلى حد الآن بندا واحدا، و عموما فإن "إخوان النهضة" في تونس هم تقريبا "نهضة" الإخوان في مصر، و أن خطابات و سلوكيات و تناقضات و تخبط الاثنين واحد و لله الحمد و الأمر من قبل و من بعد.
و كما يشير التونسيون إلى هذه الازدواجية بين ظاهر يحكمه السيد حمادي الجبالي و باطن يسوده الأستاذ راشد الغنوشي، فإن المصريين قد ضجوا من حكم "المرشد" الباطني و حكم "مرسي" الظاهري، و يرفع ثوار ساحة التحرير شعارا صارخا عريضا بأن تسقط هذه الازدواجية و بأن يسقط حكم المرشد.
و يتحدث المصريون عن "خيرت الشاطر" نائب المرشد العام للإخوان المسلمين و عدد من إخوانه من رجال الأعمال الإخوانيين، ممن هبوا فجأة يأكلون الأخضر و اليابس، يستولون على الشركات المفلسة خاصة و عمومية، و يصورون مشروع حكم جماعتهم "غنيمة" توزع على الإخوة و الموالين و المؤلفة قلوبهم، و هو ما يتطابق تماما مع حديث التونسيين عن "طرابلسية جدد" بدا أن شرههم فاق كل تصور و سابق "الطرابلسية القدامى" في السرعة و الزمن.
و تحضر قطر ب"صكوكها الإسلامية" المحرمة من قبل مشيخة الأزهر الشريف، و التي قيل أن الإخوان أرادوا من خلالها بيع مصر بالتفصيل قطعة قطعة من الأبواب الخلفية المخادعة و المواربة، كما تحضر ب"قروضها البنكية" التي تبين أن الثابت منها قد منح لتونس بفوائض عالية لا تعبر عن أي أخوة أو صداقة مزعومة، و أن غالبيتها كانت وعودا زائفة لا أثر لها في الواقع و الحقيقة.
شاب ثوري و مواطن طيب
و من ألطف ما قرأت في خاتمة رحلتى المصرية، مقالا للكاتب و الأديب المشهور "علاء الأسواني"، الذي كان متعاطفا مع الإخوان قبل الثورة لكنهم خسروه كما خسروا مئات المتعاطفين مع محنتهم الماضية، من سياسيين و مثقفين و إعلاميين و عموم المصريين، و هو السلوك الذي لم يعدم التونسيون له شبيها في مآثر حركة النهضة طيلة الأشهر الماضية التي حولت بموجبها عشرات "إخوان النضال" إلى خصوم سياسيين.
و قد نشر الأسواني مقاله في "المصري اليوم" الصحيفة اليومية الأكثر انتشارا في المحروسة، و هي بنظر الإخوان من إعلام "الفلول" أو "إعلام العار" كما اختار الإسلاميون في تونس كل إعلام لم يسر في ركابهم الميمونة. و جاء المقال في شكل حوار مفترض بين شاب ثوري جاء حيا شعبيا للتعبئة لمظاهرات الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة و مواطن مصري طيب على أعتاب الشيخوخة كان يرى بعض الظلم في عدم منح الرئيس مرسي وقتا كافيا لتنفيذ برنامجه المعلن، و هو حوار تونسي ممكن أيضا.
يقول الشاب الثوري في محاولة منه لصياغة رؤيته السياسية بمعية أصدقائه للوضعية السائدة في بلاده بعد عامين من سقوط حكم مبارك و قيام حكم الإخوان، بعبارة بسيطة تكون في متناول محاوره المواطن الطيب، أن مثل الرئيس مرسي مع الشعب كمثل سائق تاكسي مع راكب اتفق معه على إيصاله للساحل الشمالي، و بعد انطلاق السيارة تبين أن الاتجاه لم يكن المتفق عليه و أن السائق يحث الهمة في اتجاه الجنوب، فما هو الموقف الصائب الذي على الراكب أن يتخذه، هل يترك السائق يصل به الصعيد ليحتج عليه و يأمره بالعودة، أم يطالبه بالتوقف فورا و تخييره بين تنفيذ وعده بإعادة توجيه السيارة إلى الساحل الشمالي، أو إيقاف الرحلة.
و لم يكن الأسواني وحده من يطالب بإيقاف رحلة الإخوان بالبلاد في الاتجاه المعاكس الخاطئ، بل إن كثيرا من الكتاب و المبدعين و المحللين يشاطرون صاحب "عمارة يعقوبيان" و "شيكاغو" الرأي، فقد جازف أحدهم بتقديم استشراف لنهاية مأسوية ممكنة لحكم الإخوان، تظهر أمارات كثيرة عليها اليوم في ميدان التحرير و الاسكندرية و مدن القنال و تحركات "التراس" النوادي الرياضية، كما تظهر في البيانين اللذين أصدرهما وزير الدفاع الجديد و قائد القوات المسلحة اللواء عبد الفتاح السيسي، و فيهما تحذير واضح بليغ بأن الجيش المصري لن يسمح بانهيار الدولة و لن يكون طرفا على حساب طرف في صراع كسر العظم بين الإخوان المعزولين و المعارضة المصممة..فماذا ترى حركة النهضة في تونس فاعلة إن سقط حكم الإخوان في مصر؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال رائع
وليد -

كتبت فأبدعت دكتور خالد شوكات وكعادتك تضع إصبعك على مكمن الداء. وبالفعل فما يحصل في تونس له رجع صدى في مصر والعكس صحيح والبلدان هما صاحبا أعظم حضارتين في الشمال الإفريقي القرطاجيين والفراعنة، وصاحبا الحركات الإصلاحية الرائدة في الوطن العربي منذ القرن التاسع عشر وهما مؤثرين جدا في التحولات الحضارية للمنطقة. مصر مع لبنان والعراق في المشرق وتونس رائدة بلاد المغرب فكرا وحضارة.

مقال رائع
وليد -

كتبت فأبدعت دكتور خالد شوكات وكعادتك تضع إصبعك على مكمن الداء. وبالفعل فما يحصل في تونس له رجع صدى في مصر والعكس صحيح والبلدان هما صاحبا أعظم حضارتين في الشمال الإفريقي القرطاجيين والفراعنة، وصاحبا الحركات الإصلاحية الرائدة في الوطن العربي منذ القرن التاسع عشر وهما مؤثرين جدا في التحولات الحضارية للمنطقة. مصر مع لبنان والعراق في المشرق وتونس رائدة بلاد المغرب فكرا وحضارة.

ميليشيات الاخوان والسلفيين
ماذا تتوقع اذن؟ -

يذكر الكاتب عبارة هامه خاصه " سقوط الاخوان " ! وهنا اود ان اعلق بالاتى : 1- رغم وجود الشرطه والجيش الا ان هناك ( شباب - ميليشيات الاخوان والسلفيين ) ولا تستغرب ان يصرح واحد من الجماعه : فى حاله التعرض للاتحاديه - القصر الرئاسى فشباب الاخوان جاهزون !! ف 2- نحن فى دوله ميليشيات سكت عنها مرسى الاخوانى حين حاصروا مدينه الاعلام والمحكمه و ...الخ فهو يؤمن بالميليشيات ! 3- مرسى وجماعته يؤمنون بتصريح اخوانى قديم ينص على : اذا ولينا فلن نترك ! " فليفهم المصريين ان الامر كما بدا بعبارة ان: ان فزنا فالشعب قال كلمته وان خسرنا فالانتخابات مزورة !! 4- الاخوان والسلفيين سيحولون مصر الى بحور دم - بحور دم - بحور دم - ولن يتركوا الحكم ! 5- مبداهم واضح ومعلن ( طظ فى مصر !!) تتحرق بجاز !! المهم مشروعنا الاخوانى ! وما هو هذا المشروع الاخوانى ! ؟ مشروع النهضه قالوا وهمى وقال المرشد البديع : النهضه هى العودة الى الله - اقامه دوله الخلافة - مصر جزء منها !!6- خطتهم هى التمكين بالاخونه : حتى ينسى الشعب اننا فى القرن 21 !! ويفكروا بطريقه القرن السادس رؤيتهم دائما (( للوراء ) للسلف !!! مشروعهم الاسلامى متكامل الغاء العقول- تحجيب المرأة وتنقيبها - صلاة الفجر حاضر - ثم جهاد الطلب !!! 7- لا تصدقوا كذب مرسى بسلام مع اسرائيل ولا ايمانه بالديمقراطيه فالكذب والتقيه هى التنفس والغذاء وليت الغرب يدرك تصريحات مرسى زمان ويقارنها بتصريحاته الان !! كان مرسى استاذ كرسى الكذب بناسا - 8-ربما ان كان هناك امل فهو فى الجيش ! مع عوده الكذبه لاماكنهم التى اعتادوا العيش بها ولا يستطيعون العيش بجو الحريه ربما والبديل : اما اقتتال وبحور دم او خنوع جمع الشعب والاستمرار فى النفق المظلم الصومالى والقندهارى الذى بداناة بوصولهم للحكم

تسقط مليشيات الكنيسة
يسقط عرش البابا -

يسقط رعاياها الخونة

تسقط مليشيات الكنيسة
يسقط عرش البابا -

يسقط رعاياها الخونة

تشبهون أرامل المخلوع
بن علي هرررررب -

وفيكم شبه من أيتام ومبارك و ارامله من فلول الشيوعيين والناصريين والملاحدة والكنيسة الأرثوذوكسية الخائنة

الاختيار الخاطيء
عدنان -

السلام عليكم الاستاذ المبدع ،د.خالد شوكات ،هناك تشابه كبير بين الثورة في مصر وتونس حتى ان الثورة في تونس كانت المحفز للثورة في مصر،اما تشابه الحكومات فهي من المفارقات التي حدثت بعد تغيير الحكومات المستبدة ،وتسنم المناصب من قبل اصحاب الشعارات والخطابات المؤثرة التي كانت تنتقد وتكيل التهم للحكام السابقين،الذين يمارسون القتل والسرقة وسوء الادارة،ولكن يعاد اسلوب اكثر تطرفا وغلوا ب(اما تكن معي او ضدي)،ومثال سائق التاكسي الذي ينحرف عن مسارة بعد ان اتفق مع الراكب الذي هو المواطن ،فعندما يرى المركب تسير بالاتجاه الخاطيء قطعا سيعترض ،وهذا الاعتراض سوف يكلف الدولة الكثير فالاقتصاد ينهار والامن يفقد ،والقوة بلا عدالة ظلم كما هو منصوص في كتبهم،ولكن المحير في الامر اختيار الشعوب وحسب ما ذكر بان الانتخابات تحت الاشراف الدولي لهؤلاء القادة الجدد!،فهل المجتمعات لازالت قاصرة في اختيار من يمثلها لانها حديثة عهد بالديمقراطية ام يتم الاختيار بالعاطفة.

الاختيار الخاطيء
عدنان -

السلام عليكم الاستاذ المبدع ،د.خالد شوكات ،هناك تشابه كبير بين الثورة في مصر وتونس حتى ان الثورة في تونس كانت المحفز للثورة في مصر،اما تشابه الحكومات فهي من المفارقات التي حدثت بعد تغيير الحكومات المستبدة ،وتسنم المناصب من قبل اصحاب الشعارات والخطابات المؤثرة التي كانت تنتقد وتكيل التهم للحكام السابقين،الذين يمارسون القتل والسرقة وسوء الادارة،ولكن يعاد اسلوب اكثر تطرفا وغلوا ب(اما تكن معي او ضدي)،ومثال سائق التاكسي الذي ينحرف عن مسارة بعد ان اتفق مع الراكب الذي هو المواطن ،فعندما يرى المركب تسير بالاتجاه الخاطيء قطعا سيعترض ،وهذا الاعتراض سوف يكلف الدولة الكثير فالاقتصاد ينهار والامن يفقد ،والقوة بلا عدالة ظلم كما هو منصوص في كتبهم،ولكن المحير في الامر اختيار الشعوب وحسب ما ذكر بان الانتخابات تحت الاشراف الدولي لهؤلاء القادة الجدد!،فهل المجتمعات لازالت قاصرة في اختيار من يمثلها لانها حديثة عهد بالديمقراطية ام يتم الاختيار بالعاطفة.