قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
البعض منَّا يعرفون ماذا تريد هذه الأمة بصورة عامة، وقليلون يعرفون ما تحتاجه بغض النظر عما تريده، وأقل منهم من لديهم تصور واضح للطرق التي علينا أن نسلكها للوصول إلى غاياتنا. . المشكلة تتركز في عدم توافر المقومات اللازمة، لكي تتحرك البلاد ولو خطوة واحدة للأمام، بداية من لحظة 11 فبراير 2011، يوم تخلى مبارك عن السلطة، وبدء عصر "إرادة الشعب". . المؤكد أن الأمة المصرية من عناصر شعار الثورة الثلاثة "عيش. حرية. كرامة إنسانية"، تريد عنصرها الأول وهو "عيش"، الذي يعني مستوى أفضل للمعيشة.أما "حرية" فأعتقد أن الشباب الذي أشعل شرارة الثورة هو من هتف به، في حين أنه لا يكاد لا يعني شيئاً للجماهير العريضة التي خرجت في 25 يناير و 30 يونيو على حد سواء، بخلاف ضيق الجميع من مشروع التوريث، الذي كان في رأي كثيرين المسمار المركزي في نعش مبارك وعهده، ثم رفضهم للإخوان والأخونة.العنصر الثالث من الشعار وهو "كرامة إنسانية"، تولى أشاوس المعارضة الناصرية واليسارية إزاحته جانباً، ليحل محله شعار "العدالة الاجتماعية"، والتي تعني كما يُفهم من صيحاتهم، توزيع الفقر بالتساوي على الجميع، ما عايشناه في عدالة عبد الناصر واشتراكيته، التي نجحت فقط في إفقار الأغنياء، وكان هذا هو المطلوب أمس، كما هو مطلوب من هؤلاء اليوم، فلو قضينا على الفقر، لن يكون هناك فقراء، وسيبحث اليسارجية لأنفسهم عن تجارة أخرى يرتزقون منها، شأنهم في هذا شأن رجال الدين.هي مشكلة أو تلوث فكري قاتل، بدأ بشعارات المرحلة الناصرية الزاعقة، وترسخ عبر الأفلام والمسلسلات التليفزيونية التي ينتجها اليساريون، تحمل العداء لرجال الأعمال، باعتبارهم عصابات مافيا، وتجعل الفقر والفقراء وحدهم مصدر الشرف والفضيلة. . في هذا الجو الثقافي المشحون بالعداء قامت ثورة 25 يناير، في ظل ما في صدور الصفوة المتصدرة للمشهد من أحقاد وأيدولوجيات مهووسة وبائدة، ما يعني أن الروح المصاحبة للثورة، كانت مضادة للمكون الجدير وحده بالتنمية الاقتصادية، ومعها التنمية الاجتماعية والسياسية، لنشهد سلسلة أحكام قضائية تعيد شركات القطاع العام الذي كان نظام مبارك قد نجح في التخلص منها، ومما تجلبه على الاقتصاد المصري من إنهاك يصل إلى حد التخريب.ربما في مصر وحدها نجد هذه الأفكار الأيديولوجية المعادية ليست فقط لليبرالية والرأسمالية، وإنما معادية لروح العصر وعلاقاته الاقتصادية، والتي أطلقنا عليها "العولمة". . ورغم الضباب الفكري الذي يغشي بصر هؤلاء اليسارجية، إلا أن بقية متبقية لديهم من قدرة على الإدراك، تدفعهم للتستر على فضيحة انتمائهم لأفكار هجرها العالم أجمع، بادعاء اعتناقهم "ليبرالية اشتراكية"، وهو الأمر الذي لو صح لكان جديراً بالترحيب والتثمين، لكن الحقيقة هي أن تلك اللافتة التي يختبئون خلفها، تستر ذات الأفكار المعادية للعصر، لتروج تعبيرات "العولمة المتوحشة" و"الرأسمالية المتوحشة"، يطلقون بها دخاناً أسود، ويخيفون بها أنفسهم والعامة، كما كانت الجدات قديماً تخيف الأطفال باستحضار "أمنا الغولة" و"أبو رجل مسلوخة".محاولة استدعاء الاشتراكية من قبرها، بإقرانها بالليبرالية المنتصرة، فاشلة وساقطة من الأساس، فالليبرالية تقوم على فكرة الرشادة، أن الفرد الرشيد يحقق صالح المجتمع ككل، خلال سعيه لتحقيق صالحه الخاص، وهي فكرة صائبة ومنطقية تماماً، لكنها كأي مبدأ تحتاج خلال التطبيق العملي إلى تدخلات ثانوية، تقوم بتدارك الفارق المتوقع بين النظرية والتطبيق، وهو ما يتصوره البعض أو يلقبه بالليبرالية الاشتراكية، وهو توصيف مغلوط تماماً، فالاشتراكية تقوم على أساس مختلف ومضاد تماماً للأساس الليبرالي، إذ تقوم بداية على ادعاء تحقيق صالح المجموع، ليصبح الفرد مجرد كسر عشري أو مليوني. . الليبرالية بعناصرها أو أجنحتها المساعدة والتطبيقية هي كل واحد، يعمل وفق وحول ذات المحور، وهو رشادة الفرد ومحوريته، وهو منقطع الصلة بتهويمات وخزعبلات الاشتراكية العلمية وأخواتها.حسمت شعوب العالم التي طبقت الاشتراكية وبشرت بها أمرها، بعدما أوصلتها اشتراكيتها للحضيض، بينما عجز الشعب المصري، أو بالأحرى نخبته عن مواجهة الواقع، وظلت أسيرة رؤى ومفاهيم كانت في الأغلب قد استظهرتها، دون وعي حقيقي، أو مقدرة على تناولها نقدياً وبجدية، وليس مجرد التظاهر بالنقد كما نشهد من البعض، فيما ينطبق عليهم في الحقيقة ما يقوله المثل الشعبي: "إللي في القلب في القلب"!!عموماً لم تعتد الأمة المصرية عبر التاريخ حسم أمورها، فقد تركت في الأغلب الأعم حياتها وثقافتها نهباً لما ينهال عليها من تراكمات ثقافية، اختلطت ببعضها البعض، دون تفاعل أو امتزاج إيجابي، ولم تجرؤ أو لم تشأ أو تستطيع أن تفرز وتختار، لتخرج بمكون خاص متجانس، لذا فمن المستبعد الآن أن تطهر نفسها بالفعل من فيروسات الانغلاق والكراهية التي غزت جسدها المنهك والمهلهل، سواء فيروسات العداء والكراهية التي تبدو علمانية، كأيديولوجيات الاشتراكية والعروبة، أو الزائر الحديث أيديولوجيا الإسلام السياسي. . الأغلب أنها لن تقدم على ما لم تقدم عليه طوال عشرات القرون من تاريخها المديد.هل نحن حقاً أمة موحدة؟. . سؤال غير استنكاري بالتأكيد، بقدر ما لا ينطلق كما قد يبدو للبعض للوهلة الأولى من افتراض أن "وحدة الأمة" تعني أن يكون أفرادها مجرد نسخة واحدة متكررة، فليس هكذا تكون الأمم الحرة، وإنما فقط تكون قطعان أو جماعات الحيوانات. . نقصد بسؤالنا عن التوحد إذن، عما إذا كنا نمتلك "الحد الأدنى" من التوافق في الرؤى، ما يجعل منَّا أمة تتجه صوب هدف أو آمال محددة، وترى بقدر من الوضوح الطريق الذي عليها أن تسلكه لتحقيق تلك الأهداف.حين نتحدث عن رؤى وتوافق، فإننا نستهدف على وجه التقريب ثلاثة قطاعات وطنية، الأولى فئة الصفوة من السياسيين والأدباء والفنانين والإعلاميين والمثقفين بصورة عامة، والثانية الجماهير التي تمتلك قدراً أو آخر من الوعي السياسي والاجتماعي، ترى بموجبه ما حولها من معالم سياسية واجتماعية، فيما هي منخرطة بكليتها في حياتها اليومية، وهذه ترتبط بتواصل مختلف الدرجات بفئة الصفوة، ويظهر فيها تأثير الإعلام بصورة ملموسة، علاوة بالطبع على تأثيرات حقائق الواقع المعاش، والثالثة التي تشكل أغلبية كبيرة في بلد مثل مصر، تنحصر رؤيتها تماماً في تفاصيل حياتها اليومية، وتتحرك وفق منظومة عادات وتقاليد وسلوكيات تتوارثها، دونما اكتراث أو قدرة، أو حتى رغبة في تشكيل صورة إجمالية للعالم من حولها، وهي تتحرك هكذا بموجب سيكولوجية قدرية مستسلمة، مدركة لهوان شأنها، ولدورها التابع دوماً لـ "الناس اللي فوق". . هذه المجموعة الأخيرة هي الأقل استجابة لأي تغيرات قادمة من خارج نطاقها الخاص، وإن كان هذا لا يعني أنها ليست كسائر التكوينات البشرية. هي تتطور أو تتغير لكن ببطء، ووفق قوانينها الخاصة، التي قد تكون مفارقة بقدر أو بآخر لقوانين تطور القطاعين الأولين، ويحلو للفئتين أو إن شئت الطبقتين والأولتين وصم هذه الطبقة بكل موبقات المجتمع، من فوضوية وعشوائية وجهل وتخلف وما شابه.التركيبة المصرية هكذا لا فرق بينها وبين تركيب أغلب الشعوب التي تنتمي لذات المستوى الحضاري، وتجري عليها ذات سنن التغيير والتطور التي تجري على الجميع، لكن إذا أضفنا إليها خاصية استشراء التيارات السياسية الإسلامية بمختلف أجنحتها، والمستندة إلى تأصل الوازع الديني في الشعب المصري منذ آلاف السنين، فإن هذا يجعل من الخليط أو الركام المجتمعي غير المتجانس، حالة تستعصي العلاج والمعالجة، فهذا التيار الفيروس يقوم بدور تدميري وتشتيتي لأي تطور طبيعي للعلاقات التي تربط بين مكونات المجتمع، تماشياً ما يفرض من الخارج من تطور حضاري مادي، يحمل في طياته قيماً وعلاقات جديدة، تبحث لها عن مكان بجوار السلع التي تنتشر في الأسواق، فاستيراد منتجات الحضارة والتكنولوجيا بدون القيم والعلاقات التي أنتجتها، هو بمثابة زواج من جثة.الصورة العامة للمجتمع المصري هكذا، إضافة إلى التجربة الأليمة التي مرت بها البلاد في العامين ونيف الماضيين، تشير إلى أن تطبيق آليات الديموقراطية، ممثلة في صورتها البداية، أي صناديق الاقتراع، لا يمكن أن يؤدي بنا إلى أي مكان، اللهم إلا إلى التراجع أو الفوضى، كما هو حادث الآن. لكن إذا كنا قد ثرنا لتونا على الاستبداد السياسي، وفشلنا في أولى مراحل التطبيق الديموقراطي، فما هو الحل؟!!kghobrial@yahoo.com