قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كان عبد الرحمن بن رستم واحدا من خمسة امنوا بالمذهب الاباضي عندما عاشوا في بلاد المغرب والتقوا في البصرة لدراسته على يد احد اشياخه الكبار لمدة خمس سنوات هو الإمام أبي عبيدة وعادوا يستنفرون جماهير المذهب الاباضي لاقامة دولة خاصة بهم عهدوا لزميلهم ابو الخطاب قيادتها وكان مقرها في منطقة صياد غرب طرابلس ، وكانت بلدة قنطرارة في جبل نفوسه قد تكرست مركزا علميا للمذهب الاباضي ومراجعه الكبرى، واستمرت الدولة الاباضية تؤسس نفسها لمدة اربع سنوات كانت خلالها قد فازت باحد اكبر المدن الاسلامية في تونس القيروان وعهد ابو الخطاب قيادتها الى زميله العالم الجليل عبد الرحمن بن رستم ولكن بغداد التي يحكمها العباسيون رسلت له جيشا بقيادة عامل الخليفة العباسي في مصر واسمه محمد بن الأشعث التقى معه في تاورغا سنة 144 هـ في الغرب الليبي ، وقتل ابو الخطاب ، وكان عبد الرحمن ابن رستم قد اعد جيشا لنجدة ولكن المعركة حسمت قبل ان يصل اليه وتحرك جيش بن الاشعت باتجاه القيروان فقرر الفرار بحياته لا يرافقه الا ابنه واحد خدمه، وافلح بعد عقد ونصف من السنين من حشد التاييد الاباضي لمباشرةتاسيس دولة للاباضيين في وسط الجزائر ، حيث اختار له اهل المنطقة ، مكانا حصينا امنا عامرا بالاودية والبحيرات والانهار، ولقى عونا ودعما من اصهاره الذين زوجهم ابنته من حكام الدولة الصفرية في سجلماسه في المغرب، كما ان الدولة الاموية التي انشاها عبد الرحمن الداخل في الاندلس قد تحالفت مع ابن رستم، وكان الرجل عالما مشهودا له بالتقوى والصلاح والزهد والتصوف ، فوضع الاسس لدولته على هذا الاساس ولم تمض غير بضعة اعوام حتى حققت الدولة ازدهارا ونهضة، بحيث استقطبت اهل الصناعة والتجارة من مناطق الجوار، ونشر الحاكم العالم جوا من التسامح بين المذاهب والاديان فعاش في كنف دولته اهل المذاهب الاخرى وعاش اليهود والنصارى وجاءوا بخبراتهم وعلمهم يسهمون في بناء الدولة الجديدة وتلقى دعما من اتباع المذهب الاباضي في المشرق عشرة احمال من الذهب انعشت اقتصاد الدولة لان صرفها كان يتم بنزاهة وامانة ودون اسراف ولا فساد، وبعد عشر سنوات كانت اركان الدولة قد تعززت بالازدهار الاقتصادي وبالنظام العادل المتسامح ، وكان حكمها قد شمل الجنوب الجزائري واجزاء من المغرب والجنوب التونسي المسمى بلاد الجريد وجبل نفوسه في ليبيا والاجزاء الجنوبية والوسطى من ليبيا وبقى الساحل في حوزة دولة الاغالبة التي جعلت من القيران عاصمة لها ، بعد عشر سنوات ادركت المنية العالم الجليل المؤسس للدولة الرستمية وعندما احس بدنو الاجل وتاسيا بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب ترك امر خلافته شورى بين سبعة من كبار علماء البلاد بينهم ابنه عبد الوهاب الذي اجمع بقية العلماء على انه الاصلح في مواصلة بناء الدولة التي انشأها والده، مما اثار احتجاج عدد من علماء الاباضية الذين يستنكرون التوريث لكنهم بعد ان رأوا مسيرة الابن واقتدائه بالاب في الزهد والتقوى والصلاح تراجعوا عن احتجاجهم .تلك كانت بداية تاسيس الدولة التي استمرت قرنا وثلاثة عقود ونيف، واسهم في دعم اركانها ان احد ملوك الاغالبة حاول الاعتداء على حدود الدولة في ليبيا فتمت هزيمته مما نتج عنه، عقد صلح بين دولة الاغالبة والدولة الرستمية ، اعترف فيه الاغالبة بسيادة الرستميين على المناطق الداخلية لطرابلس وكان ذلك عام 196ه 811 م، كان مؤسس الدولة الرستمية يعرف القيمة العلمية لبدة قنطرارة باعتبارها المركز العلمي لاباضية جبل نفوسه فعهد لها بالرئاسة لمدة خمس سنوات قبل ان يستقر النظام الذي اعتمده الرستميون في كل انحاء دولتهم وهو لا مركزية الحكم اي ان لكل بلدة او منطقة حاكما يكون باجماع العلماء هو اكثر اهل المنطقة علما، كما ان لكل منطقة او بلدة عدد من الحراسات هو الجيش الذي يتولى حفظ الامن في المنطقة ويكون جاهزا في حالة الاستنفار العام ليكون الجيش الذي يدود عن استقلال البلاد ، ويشهد المؤرخون الذين اهتموا بتاريخ الدولة الرستمية انها توفر لها من مؤهلات الدولة الرشيدة الصالحة ما لا نظير له في تلك المراحل التاريخية ، وضمن وجود العدل والاستقرار والانصاف ، ان يعيش الناس في نوع من الهارموني ينتجون ويتفوقون في عدد من الصناعات والزراعات بحيث كان انتاج بلادهم يذهب الى خارج الحدود ويصنع له اسواقا في بلاد الجوار ، مما اسهم في ازدهار البلاد وارتفاع المستوى المعيشي لاهلها .لقد تم اعتماد نظام التسيير الذاتي في تلك العمالات بحيث استقلت بلدات جبل نفوسه عن الحكم المباشرة لبلدة قنطرارة، بحيث صار لنالوت وجادو ويفرن وطمزين وغيرها من بلدات نفوسه مجلس علماء يقوده اكثر العلماء مكانة علمية ، الا ان المرجعية الدينية والمعنوية ظلت لبلدة قنطرارة وظل معقودا لها القيادة في مناطق الجبل والجنوب والوسط ، ودعمتها الدولة المركزية بانشاء المكتبات وتاسيس اول جامعة للعلوم الدينية الاباضية والتي نشا على غرارها جامع الزيتونة في تونس للعلوم المالكية وجامعة القرويين في فاس ولكن جامعة قنطرارة كانت هي التي حملت قصب السبق كما تميزت بوجود اكبر المكتبات ، وعرف التاريخ الليبي تحت قيادة قنطرارة الدينية والسياسية والعلمية ، حلقة ذهبية من حلقات التاريخ التي تحاول رواية قنطرارة ان تهتدي ببعض نفحاتها في تصوير تلك الاجواء والمناخات.لم تخلو الدولة الرستمية من الفتن ولكن حكمة العلماء الذين يديرون مرافق الحياة ومناطق الدولة واقاليمها كانت تتغلب على هذه الفتن وتطفيئها في وقت قياسي ، وكان الصلح المعقود مع اكبر دول المنطقة واكثرها اسهاما في الفتوحات والتي وصلت الى الشاطيء الشمالي من البحر الابيض المتوسط ، دولة الاغالبة ، قد ضمن اكبر سنوات من الاستقرار للدولة الرستمية ، الا انه ، وكما يحدث في تاريخ البلدان ، وصل الى حلم دولة الاغالب حاكما من اكثر الحكام هوسا وجنونا واجراما هو ابراهيم الثاني بن الاغلب ، وهو الذي شق طريقه الى الحكم بعد ان قتل عددا من اشقائه ووصل القتل الى بعض ابنائه وكل بناته ، لانه كان يكره خلفة البنات ، هذا المجنون ، لم يكن يمكن ان يحترم صلحا ولا عقدا، ولذلك بنى سياسة الدولة على الغدر والعدوان ، وحصلت موقعة شهيرة بينه وبين اهل المذهب الاباضي ، في مكان اسمه مانوا يقع داخل الحدود التونسية وقريبا من الحدود الليبية ، سنة 283هـ وانتهت المجابهة بخسارة الاباضيين ولان العلماء في الدولة الرستمية هم الذين يتولون القيادة فقد استشهد في هذه المعركة اربعمائة عالم من علماء جبل نفوسة ، وكان عدد خسائرهم في الارواح 12000 قتيل ، ولهذا كانت المعركة نكبة على اباضية تونس وطرابلس ولكن الدولة الرستمية استمرت بعد موقعة مانو لمدة قصيرة قوامها ثلاثة عشر عاما . بعد انتهاء المعركة عرف ابراهم احمد بن الاغلب ان موقع القيادة في جبل نفوسه هو بلدة قنطرارة فاتجه اليها ، وداهمها فجرا وجلب اعاليها اسافلها ووجد في مراكزها العلمية وجامعتها اكثر من ثمانين عالما ومرجعا دينيا لم يذهبوا المعركة بسبب تقدمهم في السن فلم يشفع لهم علمهم ولا شيخوختهم وانما علق على ما تبقى من اسوار قنطرارة ثمانين عالما وتركهم يموتون بهذه الطريقة الشنيعة، وتحولت قنطرارة الى انقاض وتحول اهلها الى مشردين ومهجرين، ولان مناطق الجريد في تونس كانت ما تزال تحتاج لمن يقوم بتعليم الناس اصول دينهم فاعانتهم الدولة الرستمية في بناء قنطرارة الجديدة في قلب منطقة الجريد وفي جزء من مدينة نفطة ولا تزال اثار قنطرارة حتى الان موجودة من ذلك التاريخ عندما شهدت في ارض تونس ولادتها الجديدة بدءا من عام 283 هـ .