لسنا ضحايا ولستم ملائكة الرحمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يُطالبنا المجتمع الدولي وعلى مدار سنوات وسنوات بأن نصبر، على اساس"وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم"، ولا اعرف اين هو الخير بالتحديد حينما تدمر بلادٌ بأسرها وتهدم على رؤؤس اصحابها، لا ليس هذا وحسب فحكام السخام العربي يتبجحون بدفاعهم عن القضية على المنابر والتلال التي عافت مؤخراتهم المتصدعة من هول اكاذيبهم، ويذكروننا دوماً بالمعونات التي ما فتحت بيتاً واحداً ولا اعادت لطفل فلسطيني حلماً..
ولنقل:"لا بأس"، فقد اعتدنا على هذه الديباجة التي تعفنت في حلوقهم، أما ان يبدأ "اللي يسوى واللي ما يسوى"بالشفقة علينا في كل مكان ومناسبة كأننا نشحد منه خبز يومنا بادعاء انه متضامن مع الضحية فهذه قمة الوقاحة،"فالفكرة النبيلة لا تحتاج الى الفهم بل الى احساس"، اين هم مئات ملايين العرب الذين يشفقون علينا؟ فليأتوا ليخلصوا فلسطين من "هالكم فسفوس يهودي"، وماذا يعرف "سلاطين الفول والزيت"-سلاطينكم عن الفلسطيني حتى يشفقوا عليه او يتخذونه مطية لإثراء خطابات القمم"قمم المعزى على الغنم"؟
وأين هي اتفاقيات العروبة والدفاع المشترك؟ ألم يوقع عليها سلاطينكم؟ ام ان الكروش المنتفخة لن تتذكر وعود اشباه الرجال؟
لماذا لا تقدمون زعماء السخام العربي للمحاكمات الدولية بتهمة العمالة ونقض الاتفاقيات المشتركة؟
ثم ماذا تعرفون عن الفلسطيني الذي تعتبرونه دوماً ضحية واطاراً تزينون به صورة ضمائركم النائمة؟
لا يا سادة يا كرام سئمنا ان تتزينوا بقضيتنا كي تخفوا بشاعة اعمالكم ونواياكم، فنحن لسنا ضحايا وأنتم لستم ملائكة الرحمة!
الفلسطيني انسانٌ له بيته وعائلته وحفنة احلامه وحياته اليومية، يقف في الطابور مثل اي احد، يلوم موظف شبكة الاتصالات على فاتورة جائرة،
يشرب القهوة على مائدة الصباح ويمسح بالطيب على جبهة زوجته كي يتبارك يومه..
يقبل الفلّة كلما فاح عطرها، يرسل اولاده الى المدرسة كي يعوض ما فاته فيهم، ينتظر العاشر من كل شهر كي يقبض معاشه ويشتري لزوجته باقة وردٍ وحب، يسقي حدائقه بأغانيه، يخبز نفسه مراراً على الحاجز كي يصطاد بعرق جبينه امنيةً واحدة وقوت حلمٍ له ولابنائه !
الفلسطيني يكتب على الجدران بأظافره، يفاصل البائع على ثمن كيلو الطماطم كأي عربي في هذه المعمورة، ينام تحت شجرةٍ كي يمنحها شرف الوقوف منتصبةً رافعةً يديها بخشوع نحو السماء، يستعير قالب الحلوى من جاره وأكوابه وصحونه وايوان بيته ان لم يجد مكاناً كي يحتفل بعرس ابنه الوحيد، يحتال على الوقت كي يصنع قلادة املٍ من لاشيء، يصطاد الاسماك ليشبع غريزة الانسان فيه ويترك البحر لحورياته ويمضي...
يسير في الظلام تحت عيون البلوط والسنديان مغنياً العتابا والميجانا وينتظر وردةً حمراء من شرفة بيت الحبيبة، يرسم القلوب على الجدران والاوراق والغيوم والمرايا، يفتعل "عنترة" ما مع اصحابه كي يلفت نظر امرأة عابرة في زمن عابر، يحقن الخريف بألوانه فتطلع الحساسين ضاحكةً على الاشجار..
يتابع ارضه كل يوم بدهشةٍ كما يطالع جسد امرأةٍ جميلة، يسهر على راحتها، يدللها،يداعبها،يفرك بالليمون والنعناع قدميها الناعمتين المرهقتين ويذوب كجبلٍ من السكر كلما قبّلته..
يبحث عن حقول اللوز في عيني طفل لا يعرف عن الحياة شيئاً سوى ان والده شهيد وأخاه شهيد وأمه من يوم ولدته لا تعرف الا ان تخبأه في جيبها الايمن خوفاً من صفعات الشمس على وجهه الاشقر المضيء بألف امنية وامنية ! غابته ثقافته، خموره قصائده، آماله قصره، موسيقاه ترنيمة الضفيرة الطويلة في طريقها الى المدرسة كل صباح، ميناؤه قلبه المفتوح للآخرين،
زرعه تهليلات امه قبل ان يلجأ الى عد الخرفان الملونة، عينه نجمه المطلّ على العوالم المخفية في معطف الزمن وبعشر حواسٍ يعانق تراب وطنه !
يبكي/يضحك/يغضب/يصرخ/يتعوذ/يغني/يدبك/يجرح/يضمد/يغفر/ينام/يعتذر/يخطأ/يعشق/يكره/يخاف/يسافر..لكنه يحمل بلاده دوماً في قلبه وفي حقيبة السفر !
هذا هو الفلسطيني الخارق فمن انتم ومن اي صحراءٍ جئتم؟ وما الذي تريدونه منا؟
ما الذي يملكه الفلسطيني اليوم حتى تطالبونه بالصبر والامل؟
منذ خمسين قرناً ونحن نصنع الامل ونزين به المعابد كلها حتى طلعت القرون على رؤؤسنا..وما فُتح لنا باب ولا نعمنا بآلةٍ واحدة تضخ الاوكسجين للأحياء منا كي نحمل ازهارنا ونختال بين الفراشات في مواسم الفرح !
ما الذي يملكه الفلسطيني حتى تعلقوا على عنقه شماعة اخطائكم وانسانيتكم المخلوعة؟
رواتب تأبى التسلل الى جيوبنا المهترئة، بطالة تفتك بشبابنا، عمالة تطال كل القطاعات، رهان على الحياة لا يصيب ولا يخيب، سُلطة تبحث عن الرقص على انغام الشعارات الرنانة،اراضٍ مصادرة،حقول مغتصبة،مستوطنون وحوش،حصار على المال والبر والبحر والهواء وحتى الحب!
قضية راكدة منذ الف عام،انتفاضات وأحجار واتفاقيات كاذبة، حواجز في كل مكان، جنود في كل بستان،وصواريخ تتساقط كالمطر ومضادات للصواريخ نصنعها كي نصدق اننا ما زلنا قادرين على صنع شيء ما، فما الذي تريدونه من الفلسطيني بحق السماء؟
بأن يكون وردة امام بندقية؟ بسمة حمقاء امام صفعات؟
هل من الطبيعي ان تكون "الضحية" هادئة، و"السجين" صامت لا يفكر في الهرب كل ثانية؟
لا يا سادة يا كرام فالغير طبيعي هو ان نظل طبيعيين في زمن غير طبيعي!