قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أتفهم جيدا حالة الحزن والاحباط (والشماتة أيضا) التي انتابت المصريين، عقب الهزيمة الثقيلة للمنتخب الوطني أمام المنتخب الغاني علي ملعب (بابا يارا) بمدينة كوماسي ب6 أهداف مقابل هدف واحد. فقد تحطمت أحلامهم في الوصول لمونديال البرازيل عام 2014، في الوقت الذي كانوا أحوج فيه لتحقيق (أي) فوز يعيد البهجة إليهم و(يلم) شملهم في ظل أزمات سياسية - اقتصادية متلاحقة واضطرابات اجتماعية لا تهدأ لأكثر من عامين ونصف العام.هزيمة المنتخب المصري كشفت عن " كم " الكراهية والبغضاء الذي يكنه الجميع ضد الجميع، وشماتة سياسية (ودينية) من الإسلاميين تجاه كل من يخالفهم الرأي والاتجاه، وصلت إلي حد اعتبار هذه الهزيمة الكروية المهينة (العقاب الإلهي) الحاسم والسريع علي خلع الرئيس " محمد مرسي " والثورة علي حكم الإخوان المسلمينيوم 30 يونيو الماضي.المفارقة هنا ان المنتخب الهولندي كسب المنتخب التركي في نفس المسابقة بهدفين مقابل لا شئ وأخرج " تركيا " من التصفيات نهائيا، فهل هو " غضب إلهي " وعقاب سماوي (رادع ) للراعي الأول للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين في العالم؟من الخواطر المهمة التي يجب أن نتوقف أمامها كثيرا عند الفيلسوف الفرنسي (الاستثنائي) " بليز باسكال " : " المدنية تميز، والبربرية تخلط "، ويبدو أننا أصبحنا النموذج الأبرز لهذه البربرية في العالم (اليوم)، حيث لم نعد (نملك القدرة العقلية أو نمتلك الإرادة العاقلة) علي التمييز بين الدين والسياسة، أو السياسة والدين، أو الرياضة والدين، وإنما أصبحنا (سمك لبن تمر هندي) وكله عند العرب (صابون) أو (دين) لا فرق!أهم من طور هذه الخاطرة وعمقها " مؤرخ الأفكار " الهولندي (يوهان هويزنجا) وذلك في كتابه العلامة " اضمحلال العصور الوسطي "، قال : " في نهاية العصور الوسطي أصبحت الأخطار في أوروبا لا حصر لها ، نظراً لان الدين تغلغل في داخل كل ما في الحياة من علاقات ، ما يعني مزجا متواصلا لمضماري المقدس والمدنس ، بحيث أن الأشياء المقدسة أصبحت أكثر انتشاراً من أن تدرك وتحس بعمق .ويدل التنامي الذي لا حد له للمحرمات وانتشار التفسيرات الدينية - حسب قوله - على زيادة في "الكم" علي حساب "الكيف" نفسه، مما جعل الدين مثقلاً أكثر مما ينبغي ، وانعدم " التمييز " بين التقوى الحقة والمظاهر الدينية التزيدية "." هويزنجا " أسس ما يعرف (بالتاريخ الثقافي) كفرع معرفي جديد، حيث يري صعوبة الفصل بين عنصر اللعب وعنصر الجد في مسيرة الحضارة وحياة المجتمعات، لأن النشاط الفكري لأي عصر من العصور، ينطوي بدرجة تتفاوت زيادة ونقصانًا على سمة من اللعب، ولكنه لعب جاد. وهي الفكرة التي عالجها الخبير الفرنسي (بسكال بونيفاس) مدير المعهد الفرنسي للأبحاث في العلاقات الاستراتيجية، في كتابه " الأرض مستديرة مثل الكرة " عام 1998، وأعقبه بكتاب آخر عام 2010 عنوانه " كرة القدم والعولمة ". في هذا الكتاب الجديد يرسم بونيفاس المعالم الكاملة لخريطة العلاقات الدولية في ضوء رياضة " كرة القدم " أو الساحرة المستديرة، ويكشف عبر صفحاته : كيف أن هذه اللعبة تفوقت على كل الامبراطوريات في التاريخ من حيث الهيمنة والسيطرة (باستخدام القوة الناعمة)، بل وكيف انتشرت في أركان العالم الأربعة أكثر من شبكة الإنترنت.كرة القدم - برأيه - هي النموذج المثالي للعولمة وملعبها الأساسي، فقد اخترقت الحدود وأذابت الفوارق العرقية واللغوية والدينية وحشدت المجتمعات وراء منتخباتها، ورغم تعدد المرجعيات الثقافية في العالم، فإن كرة القدم وحدت الأذواق. خصوصية المنافسة في كرة القدم، كما يقول بونيفاس، أنها مفتوحة على كل الاحتمالات، كل المتنافسين سواسية عند نقطة الانطلاق، الأمر الذي يجعل من كرة القدم نشاطا " ديموقراطيا " حقيقيا.لكن ما لم يتوقعه " بونيفاس " - علي الاطلاق - أن تشجع (جماعة) - داخل شعب من الشعوب - المنتخب الخصم (نكاية) في منتخب (بلدها)، أو تمارس الشماتة في منتخبها الوطني حين يهزم، وكأن التاريخ يعيد نفسه حين صلي كبار قادتها فرحا وشكرا حين هزم الجيش المصري عام 1967 . هذه الجماعة (العابرة للأوطان والمحطمة لها) لا يمكن أن تتوافق مع غالبية المصريين علي أرضية (الدولة القومية) المصرية لأنها تخدم (مشروعا أمميا) خاص بدولة الخلافة الإسلامية، يستدعي " المطلق " في كل ما هو " نسبي " - لقهر الآخر والمختلف في الرأي والاتجاه والعقيدة - بدءا من السياسة وانتهاء بالرياضة!