دستور مصر العتيد نسخة جديدة من وصفة الإستبداد القديمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تقترب لجنة الخمسين من وضع نسخة من الدستور الجديد بيد الشعب لتستفتيه رأيه فيه، إلا أنه يبدو منذ الآن نسخة جديدة من وصفة الاستبداد القديمة، إذ لا يزال التشريع مستمدًا من الشريعة كما كان في دستور محمد مرسي، مع إضافة واحدة هي حق اعتراض للجيش في قضايا كثيرة.
بعد أشهر من الأخذ والرد، من المقرر أن تنشر الحكومة المصرية الموقتة "المسودة الأولى" للدستور الجديد، بدلًا من الدستور الذي سنته حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي، والذي صُوُّر على انه خارطة طريق لدكتاتورية إسلامية هدفها إبقاء مصر أسيرة الاخوان المسلمين في المستقبل المنظور.
لكن ثمة تساؤلات تدور حول هذا الموضوع. هل الدستور الجديد أفضل من السابق؟ ألن يتحول بدوره خطة يتقاسم الجيش المصري وفصيل من التيار الاسلامي السلطة بموجبها على حساب الشعب المصري؟ فالمعلومات المسربة عن مسودة الدستور الجديد تقدم مبررًا لمثل هذه التساؤلات والمخاوف.
ولهذا السبب يتعين على المصريين، لا سيما أولئك الذين يسمون أنفسهم ديمقراطيين وليبراليين، أن يتحلوا باليقظة في وجه المحاولات التي تسعى إلى تضليلهم. وكان منتقدو دستور مرسي ركزوا انتقاداتهم على مادتين تتخذان من الشريعة الاسلامية مصدرًا للتشريع، وتمنحان الأزهر حق النقض في قضايا معينة.
فارق لصالح الجيش
ودعت الحشود، التي غص بها ميدان التحرير طيلة اسابيع، الجيش المصري إلى التدخل لانقاذ مصر من دكتاتورية إخوانية صاعدة على اكتاف الشريعة. وحين يُنشر الدستور الذي أعدته لجنة الخمسين، المعينة من الجيش، من المرجح أن تُصاب حشود ميدان التحرير بخيبة أمل. فالمادتان الخلافيتان ما زالتا مثبتتين في النص الجديد، ولو طرأ عليهما تعديلات طفيفة في الصياغة.
ويقول كمال الهلباوي، القيادي السابق في جماعة الاخوان المسلمين والذي شارك مع وزير الخارجية السابق عمرو موسى في رئاسة لجنة كتابة الدستور: "يريد المصريون الحفاظ على هويتهم الاسلامية".
إلا أن الفارق في هذه المرة يكمن في أن الدستور الجديد يمنح الجيش ما لم يمنحه إياه دستور مرسي. فالقوات المسلحة المصرية ستحظى باعتراف بمكانتها الخاصة، وتُمنح عمليًا حق الاعتراض على جوانب اساسية في عمل الادارة المصرية، خصوصًا في ما يتعلق بالأمن والسياسة الخارجية، وحتى السياسة الاقتصادية.
كما سيتمتع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي شُكل بعد اسقاط حسني مبارك، باعتراف الجميع بأنه هيئة مشروعة دستوريًا، ذات مسؤوليات وسلطات خاصة، تتضمن تعيين وزير الدفاع، والاشراف على الميزانية العسكرية منعًا من خضوعها للرقابة الشعبية والبرلمانية.
تعاون في الهيمنة
ينظر الجيش وبعض التيار الاسلامي إلى المسودة على انها أداة لتقاسم السلطة، تقضي باستبعاد عملي للقوى الليبرالية والديمقراطية المشتتة تنظيميًا، والملتَبَسة ايديولوجيًا. ويستطيع هذان الطرفان الهيمنة على أجهزة الدولة، لكنهما لا يستطيعان ممارسة السلطة إلا مُتعاضدين، أحدهما مع الآخر.
وهما يأملان بتحقيق ذلك من خلال الدستور الجديد، الذي سيخرج في النهاية نسخة جديدة من وصفة الاستبداد القديمة، التي اتبعتها الحكومة الموقتة في سلسلة من الخطوات التدريجية، بينها إعادة فرض حالة الطوارئ التي رزح الشعب المصري تحتها 50 عامًا، وتنفيذ قوانين جديدة بشأن حق التظاهر والتجمعات العامة، وإحياء محاكم خاصة خارج اطار النظم القانونية المتعارف عليها.
يشكل هذا وليمة شيطانية، سيكون الخاسر فيها على الأرجح المتظاهرون الحقيقيون من أجل الحرية، الذين احتشدوا في ميدان التحرير. وفي هذه الحالة، يعني ذلك أن التاريخ سيعيد نفسه إزاء المصير المماثل الذي كان مآل اجدادهم في الخمسينات، حين أقام الجيش بقيادة جمال عبد الناصر والاخوان المسلمين تحالفًا ضمنيًا ضد تطلعات مصر الديمقراطية، قبل أن يشتبكا في صراع مرير.
لنقاش حقيقي
وتقول الحكومة الموقتة انها ستتيح 30 يومًا للنقاش الجماهيري حول المسودة المقترحة قبل طرحها للاستفتاء. ومن الواضح أن 30 يومًا ليست كافية لاطلاع الناخبين واقناعهم بالمشاركة على نطاق واسع في الاستفتاء. ولعل الأهم من ذلك انه لن يكون هناك نقاش حقيقي من دون انهاء الرقابة على الاعلام، بحيث يتمكن مؤيدو المسودة الجديدة ومعارضوها من طرح وجهات نظرهم بحرية تامة.
ولطالما وقفت "إيلاف" في خندق واحد مع الشعب المصري في نضاله من أجل الحرية، وهي تفتح المجال واسعا لمناظرة شاملة حول مسودة الدستور فور نشرها رسميًا.