شارع الذكريات (5): لذكرى والدتي المرحومة مريم الملا - البصون
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أه يا قلب، لماذا أخفقتَ أن تضخ أكسير الحياة في شرايينها. لقد فتح الجراحون المسارات فلماذا لا تستجيب؟ لماذا خذلتنا؟ كل هذه السنين كافحتَ، فلماذا قررتَ أن تتوقف الآن؟ هل تعبتَ؟
ماما - احلى كلمة تنطقها الشفاه - لقد ودعتُك بقبلة على جبينك ولكن لم تبتسمِ. ابتسامتك الجميلة التي لم تفارقك في احلك الظروف، لا أجدها. لماذا هذا الجمود؟ كنت تنامين لساعات قليلة فلماذا هذا السبات العميق؟يعتصرني الألم وانا اخط هذه الكلمات. لا تطاوعني يدي أن اكتب عنك بالماضي. سأحاورك يا ماما بالحاضر والماضي، وسأتجاهل قواعد اللغة والزمن وانا اسطّر خواطري. سأحاورك رغم انك لن تجيبيني. ربما ستكون مناجاة فردية. ولكن سأسرد عليك ما يخطر في بالي بغض النظر عن التسلسل الزمني، اعذريني. أنا اعلم علم اليقين انك قد ذهبت ولن تعودي، لكنك أنت حية في ذكراي وذكرى كل من احبك.ماما لقد بدأت كتابة هذا المقال أيام بعد أن واريتِ التراب ولكن لا اعلم متى سأنهيه؟ لمن سأقرأ هذا المقال قبل نشره؟ لقد تعودت أن أقرأ لك كل مقال أكتبه. أقرأه وهو لم يكمل، أقرأه وهو خام، أقرأه بعد كل أضافة، أقرأه بعد كل تنقيح. لم تتأففِ حتى بعد سماعك له عدة مرات - من له صبرك؟ من له الوقت ليسمع صوتي كل ساعة؟! ++++ماما هاتفك لا يجيب.. لأسابيع لم استلم مقتطفات الصحف التي تعودتِ إرسالها لي يومياً. لم اسمع "بوكر طوڤ" (صباح الخير) ، "الله كريم" ، "قول خير ويصير خير" ، "خابرني مْن توصَل" (هاتفني عندما تصل)، "متسوى الدني" (لا تسوى الدنيا). مضت أسابيع لم يطل وجهك من خلال شاشة السكايب. كنا نتكلم ونتراسل بالبريد الإلكتروني يومياً. فما هذا الصمت؟ كنت تسأليني كل صباح إن كان لدي نكات جديدة (على أن تكون نظيفة). لقد تجمع لدي الكثير ولكن كيف سأسردها لك؟ ملاحظةفي فجر يوم الاثنين الموفق 16 أيلول 2013، انتقلت إلى رحمة الله، والدتي الكاتبة العراقية المولد، مريم الملا- البصون، عن ستة وثمانين عاماً. وهي زوجة المرحوم سليم البصون، أحد أعلام الصحافة العراقية في منتصف القرن الماضي ومؤلف كتاب (الجواهري .. بلسانه وبقلمي). هاجرا من العراق في صيف 1973 واتخذوا من إسرائيل وطناً ثانياً لهم.وصِفت والدتي بواحدة من رواد القصة العراقية القصيرة. نشرت بين 1945-1951 بعض القصص في الصحف والمجلات العراقية مثل الفتاة، المصور والسياسة. معظم القصص مفقودة. تضمن كتاب الأستاذ شموئيل موريه "القصة العراقية عند يهود العراق" احد قصصها، بعنوان "مأساتها. مثل" والتي كانت قد نشرت في مجلة المصور في 1951.كتبت معظم قصصها بعد أن هاجرت إلى إسرائيل. نشرت في السبعينيات بعض القصص في جريدة "الأنباء". في السنين الأخيرة، بعد اكتشافها عالم وسائل الإعلام الإلكترونية، وهي قد جاوزت سن الثمانين، عاودت والدتي كتابة القصص بغزارة ونشرت أكثر من ستين قصة في موقع الأخبار الإلكتروني - نالت إعجاب الكثيرين من القراء. كتبت والدتي آخر قصة لها قبل أسبوعين من وفاتها بعنوان " الطمع مرض يبعدنا عنه " وقد نشرت في موقع الأخبار في 2 أيلول 2013. كانت والدتي تحب نظم الشعر باللهجة العامية العراقية أيضا. ها قد مضت أسابيع منذ أن انقطع الاتصال، وصمتٌ حلّ محله. كم من مرة في الأسابيع الماضية أمسكت الهاتف لأتكلم معك، وادرك انك لن تكوني على الخط. كم من مرة وددت أن ارسل إليك ما قرأته، وادرك انك لن تستلمي الرسالة. لا تطاوعني يدي أن امسح عنوان بريدك الإلكتروني من الحاسوب، أو أرقام الهواتف. لا زلت أعيش في عالم لاواقعي.فتحت ثلاجتنا قبل أيام لأتناول من كبة البرغل التي أعدتها لنا، وادركت أن عصراً انتهى ولن نستطيع أن نأكل مما كانت تصنعه يديك. دخلت إلى غرفة الزوار في بيتنا لأرى فراشاً لن تنامي عليه.... جلسنا ليلة السبت لناكل معاً، مع عائلة أختي، فتركت كرسياً وصحناً أوقدت عليه شمعة لك، لذكراك. سافرت للشمال وفي طريق العودة، كما تعودت، وددت أن أهاتفك لأخبرك اني وصلت سالماً. لكني ادركت انك لن تردي علي ّ فهاتفت أختي كهرمان.++++ماما، لقد أحببتِ الحياة ولكن ليس بكل ثمن. كل ما رغبتِ به حدث !. كنت تقولين أنك لا تريدين أن تكوني مقعدة باي صورة كانت، وأن لا تكوني عبئاً يوماً ما على أولادك. رحلتِ إلى ربك خلال اربع وعشرين ساعة من عملية القسطرة ووضع الدعامات. رحلتِ وأنت في أوج قواك العقلية وقبل ساعات، كنت على قدميك. سمعتها مراراً في الأسابيع الأخيرة من رجال ونساء، كلهم يتمنوا أن يغادروا هذا العالم كما غادرتِ. لكن من الصعب علينا أن نفقدك هكذا سريعاً.كنت تقولين لنا أنك لا ترغبين في إن نجلس أسبوع حداد ولبى الله طلبك - كصدّيقة. حسب تقاليدنا الدينية، أخرجنا وصول عيد السكة (العرازيل) من جلوس الحداد يوم ونصف فقط بعد أن واريت التراب. كم من مرة زرنا قبر والدي وأنت ترددين انه لا يعجبك الاكتظاظ في المقابر!! تصوري يا ماما بدون أن نخطط لذلك مسبقاً، انك اليوم راقدة على بعد امتار من قبر والدي (كان هذا احتمال ضئيل لان والدي توفي قبل 18 عاما). ابتسمي يا ماما للقدر، مثواك يقع قرب حائط في بيت الأبدية (كما نطلق على المقبرة) مطلاً على حقل مفتوح اخضر وفي نهاية الصف - لا يوجد اكتظاظ !ماما - كما تعلمين أن ابنتي ميشيل (والتي تحمل اسمك - مريم) قد ولدت لي حفيد. لقد كان من المخطط أن تحضري معي مراسيم الطهور في اليوم الثامن للولادة (يعني بعد يومين من مغادرتك لهذا العالم). وبسبب فترة الحداد لم سأكن أستطيع حضور هذه المراسيم. ولكن بقدرة قادر تأجلت المراسيم لعدة أيام لأن الرضيع كان لديه لون (صفرة). هكذا تمكنتُ من حضور المراسيم مع أختي نيران وابنتي غاليه. لقد أسموا حفيدي "أبراهام" على اسم جدي (والدك) وهكذا استمرت السلسلة.لكن يا ماما بالله اخبريني، أتستمرين بإصلاح المشاكل وتسهيل المعوقات حتى بعد رحيلك؟ أنهيتِ فترة جلوس الحداد بعد يوم ونصف وأجلتِ مراسيم الطهور لأتمكن من حضورها. ماما، هل عندك وساطة معه ؟! هل يلبي طلباتك بهذه السرعة؟ تشفعي لنا لنتغلب على فقدانك.كما تنبأتِ، ولِد لي حفيد آخر من ابني دانيال (والذي يحمل كذلك اسم جدي- أبراهام) . لقد سمي آريي (أسد باللغة العربية). مع الأسف الشديد، هذان الحفيدان لن يعرفاك كما عرفك أحفادي الآخرون. سنحاول أن نترجم البعض من قصصك إلى اللغة العبرية ليتطلع أحفادك وأحفادي على ما كتبتِ.++++ماما، كنت تأخذين الحياة كما هي. لم تشتكين حتى في الساعات العسيرة التي مررت بها خلال حياتك. كنت كبطلة من احد قصصك - "اللي يدري يدري. واللي ما يدري حفنة عدس" . كنت دائما متفائلة وغرست فينا هذا التفاؤل. حتى الموت كنت تضحكين عليه. كم من مرة قلت لنا أن كل ما تريدين هو أن يكون لك ضوء واتصال أنترنت! . لم تخافِ من أي شيء وكان لك حس النكتة حتى مع الموت.قولي لي يا ماما هل هذه قصة من قصصك؟ هل كتبت نهايتها؟ لقد تكلمتُ معك نصف ساعة بعد نهاية يوم الغفران حين أخبرتني انك قد أنهيت قراءة كتابين ذلك اليوم. ثم تكلمتِ بالسكايب مع ابنتي غاليه التي كانت في باريس، لأكثر من عشرين دقيقة وكنت فرحة جداً. هل كان هذا وداعك لها؟ بعدها باقل من ساعتين كنتِ في غرفة العمليات ولم نتكلم إلا بضع كلمات. لماذا هذه السرعة في كتابة نهاية هذه القصة. لماذا لم تعطِ لي الفرصة لتعديلها، لكنت تباطأت في كتابتها، لتكوني معنا سنوات، اشهر، أسابيع، أيام بل حتى ساعات - لماذا هذه السرعة. لماذا هذا الشعور أن الملائكة قد اختطفتكِ قبل أن نستعد! لقد ولدتِ في عشية يوم الغفران وكان آخر حديث لك معنا في نهاية يوم الغفران. هكذا سُطّر اسمك في كتاب الحياة والموت - انتهت حياتك بصفحة نظيفة، خالية من كل الخطايا.++++آخر كتاب قرأتِه كان "بغداد أمس" لأستاذ الأدب العربي ساسون سوميخ والذي أهداكِ إياه. بقراءتك هذا الكتاب، كأنك ودّعتِ بغداد التي كم وددتِ أن تسنح لك الفرصة لزيارتها ثانية. ودّعتِ العراق الذي أحببته والذي يقتله أبناءه كل يوم. يقول سوميخ في كتابه أن النجوم التي كنا نرى وميضها من اسطح بغداد هي نفس النجوم التي يراها من شرفة المنزل في تل أبيب. نعم يا ماما، إنها نفس النجوم نراها في بتاح تكڤا (بوابة الأمل) حيث كان سكناك لأكثر من ثلاثين عاماً وحيث الآن مثواك. ماما كانت ليلة وفاتك مليئة بالنجوم والقمر كان يكاد يقترب من الاكتمال. هكذا ودّعتِ إسرائيل موطنك. في الذكرى السنوية لوفاتك بالتقويم العبري، قرابة منتصف الشهر القمري، سيكون مثواك، مناراً بضوء النجوم والقمر. سنذكرك يا ماما مع ضوء النجوم والقمر.++++ماما، كانت لك أذن صاغية لي ولأختاي، لأحفادك ولأبنائهم، بل لكل من أراد التكلم معك. حفيدتك غاليه بكت قبل أيام وهي تذكرك قائلة "من سيصغى لي كما أصغت جدتي؟. لم تتأففْ يوماً من أقاصيصي. كان لها الصبر" . صدقتْ بنتي - من سيصغي إلينا مثلك لإخبارنا الحلوة أو لشكوانا؟لقد حدث فراغ كبير في حياتي. كنتُ في السنين الأخيرة قريباً جداً إليك، فقد عملنا معا على إصدار كتاب الوالد عن الجواهري. كنتُ دائما أستشيرك وأنت تستشيرني في معظم الأمور. كنتُ استلم منك كل يوم العديد من الرسائل الإلكترونية التي تتضمن نخبة من المقالات من مواقع شبكة الإنترنت. هذا ماعدا ما تنشرينه من مقالات والدي وقصصك الجميلة من واقع الحياة. لقد أكملتِ قبل أسابيع تنقيح قصصكِ لكي نستطيع نشرها في كتاب. ماما لماذا ذهبتِ قبل أن نكمل المشوار معاً، قبل أن يرى كتابك النور؟ كنا نود أن نقيم أمسية تكريمية لك عندما يُنشر الكتاب، كما عملنا لكتاب والدي، وأنتِ في الحياة. لماذا لم ترغبِ في أن يكرّمكِ الناس في حياتك؟ماما، وعدنا لك إننا سننشر الكتاب وسنكرّمك.++++حضر مراسيم التشييع العشرات من أفراد العائلة المقربة، من أقاربك وأقارب الوالد. حضرها أصدقاء العائلة ومن ضمنهم الأستاذ شموئيل مورية الذي سافر العشرات من الكيلومترات ليكون معنا وكذلك داني ابن المرحوم أنور شاؤل. كان هناك العشرات من أصدقاء طفولتنا في بغداد (أنا وأختاي) ومن الأصدقاء في إسرائيل.قبل أن تبدا المراسيم، القيتُ عليك النظرة الأخيرة. قبلتُك قبلة الوداع الأخيرة، على جبينك وبين عينيك. فكرت للحظة إنك في سبات عميق في هذا الكفن الأبيض. فكرت انك ستقولين لي باللهجة اليهودية: أنا غيحي لمْكان بْعيد بْعيد (راحلة لمكان بعيد)، كما كنت تهزئين معنا عندما كنا نترجى منك أن لا تتعبي، ولكنك لم تنطقِ. ربما ستعودين من هذه الرحلة الطويلة من هذا اللا واقع!هطلت الدموع من أعين أحباك حين ابّناك في بيت الأبدية. ابتهلنا إلى الله ليرحمك ويسكنك الجنة وقرأت القديش على روحك - كم كنت ارهب وصول هذا اليوم! حملناك في كفنك الأبيض المغطى وسرنا من وراء النعش لنواريك التراب. كل شيء حدث بسرعة. لم نستطع أنا وأختاي أن نستوعب ما حدث واننا قد فقدناك. بقينا، أنا وكرميت ونيرا، ليلة حداد واحدة في بيتك وأخرجنا قدوم العيد في اليوم التالي. في هذه الفترة القصيرة لم يتمكن الكثير من الأقارب والأصدقاء زيارتنا للمواساة.فقط، بعد ثلاثين يوما من الحداد، بدأتُ أواجه الحقيقة المرة. صلواتي اليومية في الكنيس صباحاً ومساء، وقراءة القديش، كانت تذكرني بمصابي. لحيتي الكثة التي حلقتها في نهاية الثلاثين يوماً كانت تذكرني في ساعات يقظتي اني فقدتك. دُعيت عدة مرات خلال الأسابيع الماضية للمنبر حينما تقرأ لفائف التوراة لكي نصلي على روحك. كما تعلمين، إنني لست متدين، ولكني ابتهلت من الله أن يسكنك جناته وان تكوني، أنتِ الأم الفاضلة، من يحمينا.++++تقبلنا العديد من المكالمات واستلمنا العشرات من رسائل التعزية عن طريق الهواتف، البريد الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي، من أنحاء المعمورة - إسرائيل، العراق، الإمارات، إنكلترا، المانيا، فرنسا، دانيمارك، السويد، هولندا، سويسرا، أمريكا، كندا، وباللغات العبرية، العربية والإنكليزية. ارسل لنا العديد من الأدباء العراقيين من العراق وفي المهجر اجمل المراثي من الشعر والنثر. لقد رأينا فيهم الأخوة التي تعتلي القومية والدين والمذهب. العشرات من الأقارب والأصدقاء ومن الطلاب الذين درسوا في مدرستي فرنك عيني وشماش في بغداد الستينيات وأوائل السبعينيات حيث عملتِ، ذكروا في رسائلهم ابتسامتك، حرارتك، عطفك، حنانك، معاملتك ، ذكروا "ست مريم" .هذه بعض الأوصاف التي وردت في الرسائل - ملاك جميل، بنت العراق ، مثال للخلق الدمث البابلي الأصيل، سيدة جميلة، بنت الأصالة، الحبيبة الصدر الحنون، أمنا الغالية الفقيدة، مخلصة للعائلة ولجميع الأقارب والأصدقاء والمعارف، والدتنا جميعا، كان لها وقت لكل واحد في المدرسة وجعلتنا نشعر إن كل منا ولد فريد، امرأة دافئة مليئة بالحنان والحب، رائدة القصة القصيرة في العراق، الأديبة العراقية الأصيلة، كانت هادئة ولكنها استطاعت إن تشعرنا بحضورها، كنت معجبة جدا بكتاباتها ففيها روح صافية وتنبع من الصميم، حب الناس والحياة في وجدانها دائما، إنها انتقلت إلى الحياة الأبدية بعد إن بذرت فيكم حب الخير والعطاء.....رثاك الشاعر العراقي الأستاذ جبار جمال الدين معبراً عن شعورنا بأحلى وأوفى التعبير حينما قال:كنت رمز الحنان والدفء يامن لا تضاهيك في العطـاء بحورأن روحا كمثل روح مريم تبقى ما بقى العمر واستطالت دهورأن نبعــا شربتــه مستساغـــا شابـــه اليـــــوم بالاسى تكديرورثاك الكاتب العراقي سعد نادر:ماما مريم: أتذكرين أنا تؤام خضر الشجاعتخنقني العبرة والدموع.. وتقتلني كلمة وداع..يا وحشة ابنك الملتاع .. بالكاد سلـّمْتُ عليكِماما مريم .. وداعاً مع ألف آه ووصفك اخوه الكاتب سهيل نادر:لأني اعرف حكاية هذه المرأة الرائعة، من شجاعة وصبر وشرف، وذلك الشغف التي يستدعي روحا أصيلة، واعني شغف الكتابة، فقد أحسست إنني فقدت أما أخرى لم أرها. إنها الأم الرمزية التي تجمع التائهين في هذا العالم وتزرع الإحسان في نفوسهم. سنجمع ما كُتب في رثاك وننشره كملحق لكتاب قصصك. يشجعنا على ذلك، من جديد، صديقنا شموئيل موريه، كما شجعنا لعشرات السنين لنشر كتاب والدي عن الجواهري.وعدي لك يا صديقي، إننا لن ننتظر أربعين عاماً !! إن شاء الله سنكمل الكتاب لينشر في السنة القادمة. ++++اعذريني يا ماما. مرت أسابيع منذ وطأتْ قدمي عتبة دارك. عدت إليها مع أختي كهرمان والعائلة مع العشرات من الأقارب والأصدقاء لنبتهل إليه تعالى في ذكرى الثلاثين يوماً منذ أن واريناك التراب. في نفس اليوم، أقامت أختي نيران أمسية تأبينية في الكنيس في لندن، حضرها حوالي المئة وعشرين شخصاً. قرأ القديش على روحك حفيدك جوزيف عوضاً عني وبجنبه حفيدك الأصغر بنجامين. القت نيران نبذة مختصرة عن حياتك، التي سوف أقصها يوماً ما، بالإضافة إلى كلمة تأبينية باسم العائلة، وقرأ صديق العائلة أميل كوهين مشكوراً بعض مما كتبه المعزون لنا.في صباح اليوم التالي، في السابعة والنصف صباحاً، وقفتُ مع أختي كهرمان وحفيديك دانيال والون وحفيدتيك أيلا وغاليه، أمام مثواك في بيت الأبدية، بعد إكمال بناء القبر. في هذه الساعة المبكرة لم تستطع حفيدتك ميشيل الحضور بسبب رضاعتها للمولود الجديد ولبعد المسافة.ماما، وقفنا خاشعين مع العائلة، مع الأقارب، مع أصدقاء طفولتي، مع البروفسور ساسون سوميخ الذي اصّر أن يحضر ليعبر عن احترامه وتقديره لك كإنسانة أولا وكقاصة ثانيا. وقفنا خاشعين لنقرأ بالعبرية هذه الكلمات:أمنا وجدتنا العزيزة مريم بصون بنت لولو وأبراهام ملاتوفيت في 12 تشري ت.ش.ع.د (مشيرة للسنة العبرية 5774)1927- 2013وحروف ترمز لعبارة "لتكن روحها محزومة في حزمة الحياة" من سفر صموئيل الأول ثم نقرأ:بنات كثيرات عملن فضلا أما أنت ففقت عليهنّ جميعا من سفر الأمثالاخترنا نحن العائلة هذا المثل من صلواتنا لنصفك يا ماما. أتأمل إننا قد أنصفناك به. قرأنا من سفر المزامير ومقاطع من الزمور المئة والتاسع عشر التي تبدأ بأحرف اسمك "مريم بت (بنت) لولو، لتصعد صلواتنا إلى الرب الذي آمنت به طول حياتك ليحيطك برحمته. انهينا المراسيم بقراءتي القديش على روحك مع الحاضرين، معظّماً الرب جل جلاله. وقبل أن نغادر بيت الأبدية، انفردتُ أنا وبعدي كل من العائلة المقربة لوداعك ولنهمس لك ما في قلوبنا ولنتأمل. وضعنا أحجار صغار على القبر لتمثل زيارتنا لمثواك ولذكراك الأبدية، كالحجر الذي لا يموت. ماما سأحب الحياة كما أحببتِها وسأعيشها كاملة كما أوصيتني.. سأحاول قدر المستطاع أن اتّبع الحكمة التي كنت ترددينها على مسامعي دائماً وهي أن لا انظر للوراء وأتندم لان الماضي لا يمكن إرجاعه أو تبديله. كنتِ دائما تهدئيني وتشجعيني أن أتطّلع لمستقبل افضل ولكن الأهم من ذلك أن أعيش الحاضر. ماما لا تقلقي علينا، كما وعدناك سنبقى أنا وأختاي محبين ،متّحدين وداعمين. سنذكرك يا ماما الغالية: متكاملة، قوية، شجاعة، جريئة، صبورة، متفائلة، إيجابية، هادئة، مهذبة، متواضعة، مستقيمة، عادلة، داعمة، كريمة، حنونة، معطاءة، خلاقة، مرحة..... سنذكر ابتسامتك.وكما قال شاعرنا جمال الدين:أن من كنت امه سوف يبقى طول عمر الحياة فيك فخور أنني وأختاي فخورون انك من أنجبتنا ومن أنشأتنا. ستبقى ذكراك، يا أم خضر وكهرمان ونيران، كنور الشمس، كوميض النجوم، كنسيم البحر، كعبير الزهور. وداعاً يا ماما - يا أحلى أم.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف