جنيف -2 مقبرة الثورة السورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مقدسة أرض الوطن، والأقدس ما فيها مقبرة شهدائه، دفن الثورة فيها أشرف من الموت ذليلاً في أروقة الضياع السياسي، المعارضة النزيهة لا تأبى لذاتها الإرتهان لشروط غير شروط الثورة "أسقاط النظام" كانت وستبقى الهدف، بدونها لا يمكن بناء وطن نزيه ونقي، وأول الخطوات تبدأ بإزالة بشار الأسد، فمن يأمل في مؤتمر جنيف خيراً، لا يختلف عن الذين وجدوا إصلاحات السلطة في بداية الثورة خطوات نحو الديمقراطية، قاعات جنيف وممراتها تؤدي إلى أحضان مقبرة زرعت بورود تزرف دماً، لدفن الثورة هناك بعيداً عن أرض الوطن، فالقوى الدولية، وعلى رأسها روسيا وبقبول أمريكي مهزوم، تُسخر كل إمكانياتها لعقد المؤتمر الوهمي، وهو في ماهيته لا يمكن أن يكون مؤتمر للمصالحة أو لغاية بناء الوطن، ولن يؤدي لإخراج سوريا من شبه عدمية جرفوها إليه كل هؤلاء معاً، ولا يمكن أن تكون جلسات يومين أو أسبوع من المباحثات كافية لخلق بديل للسلطة الجارية، ولا نشك، في حال عقده، ولادة قيصرية لطفل غير شرعي، تابع للسلطة ليس إلا، أو ربما مارداً لابتلاع أو قتل الثورة بنفاق سياسي وخدع دبلوماسية، والأصدقاء يحفرون المقبرة هناك في الأبعاد قبل الأعداء.
خلقوا على أرض سوريا الآفات بكل ألوانها، تكفيريون يتقمصون الثورة، وإرهابيون وخريجو السجون السورية وعراق المالكي ينشرون الفساد إلى جانب السلطة وباسم الثورة، سياسيون أنشقوا جدلاً، من أحشاء النظام، يحملون يافطات، ومن كل الأطياف، رئيس الوزارة ومستشارين للرئيس ووزراء، وبعض البرلمانيون، يشكلون معارضات وهمية، يدعون الوطنية، يتباكون على قدر الشعب السوري، وجههم الحاضر "قدري جميل" مستشار بشار الأسد نفسه، قبله رئيس وزرائه وغيرهم من قادة البعث السني، وهم أحد أطراف الجبهة التقدمية المشاركة مع البعث في الحكومة. أبشع وأبغض إعلامييه والمدافع عن السلطة في كل القنوات العالمية، ينشق على عتبة مبطنة بالخبث، ليمثل معارضة في بلجيكا، الرجل الذي ترأس مناصب أمنية عديدة سابقاً، حتى البارحة، كان من أكبر المدافعين عن بشار الأسد ومجازره، وبكل المجازيات اللغوية، كل سوريا، المعارضة أو الشبيحة، وجميع الإعلام العربي يعرفون "شريف شحادة" ومنطقه ومواقفه البشعة تجاه الثورة ، إلى جانبهم معارضة السلطة للسلطة "هيئة التنسيق" بعد هذه الفوضى المخططة لا نستبعد خروج معارضات أخرى من أحشاء حكومة بشار الأسد، كقادة من الأمن أو جنرالات من الشبحية العلويين، ليعلنوا بأنهم كانوا معارضة غير معلنة أو مموهة. كل هؤلاء يمرون، ولاشك، ضمن أروقة موسكو، يتحاورون حول التكتيك المخطط لهم، أولاً، ويستلمون إرشادات أمريكا ثانياً، لحضور مقبرة جنيف، كأطراف معارضة، والأبشع من كل هذا أن تستقبلهم الدول الكبرى وتحتضنهم دول صديقة للشعب السوري وتقدم لهم الإقامة والأمان، مثلما قدموا سابقاً لعم بشار الأسد، ناهب سوريا أرضاً وشعباً، ومرجمها الأسبق، والذي لعب دوراً لا يختلف ما يفعله ماهر الأسد اليوم، حتى نهاية التسعينات، ومثله المخادع السياسي المعروف على الساحة الدولية، مدمر لبنان، عبدالحليم خدام، ليجدا استقراراً وترحيباً دبلوماسياً في عاصمة فرنسا المدافعة مجازاً عن الثورة السورية.
سوريا، تُعرَف اليوم في الأبعاد، بربع شعبها المهجر، ومخيمات البؤس والشقاء، ومجازرها البشعة ضد الإنسانية، بمدنها المدمرة، ورغم ذلك تطغى اليوم على كل الحوارات السياسية والدبلوماسية قضيتين أتفه من يذكرا أمام مآسي الوطن والشعب، أولها دبلوماسية لا تسكن لعقد مؤتمر جنيف، وليس لتغذية الآلاف من الأطفال المشردين، وثانيها كيفية تدمير الأسلحة الكيميائية التي تنازل عنها بشار الأسد بمشورة روسيا، متناسين أن الأسلحة التي ترسلها روسيا تدمر الوطن وتقتل الشعب، بعضها أشد فتكاً، والأغرب أن أمريكا تعلم مدى حيرة المعارضة الحقيقية والثوار الصادقين، أمام التيارات التي حشرت في جسم المعارضة والثورة.
لا شك، المعارضة الخارجية متحيرة ومترددة، لكثرة التناقضات، والتيارات المتضاربة فيها، لا الائتلاف نزيه، وهي غارقة بالانتهازيين والمارقين، والمتكالبين على السلطة، ولا أغلبية تيارات الجيش الحر أنقياء، لطغيان مجموعات عديدة ومن كل بقاع الأرض وبمساعدة السلطة وإيران وروسيا والتكفيريين والوهابيين، ليخلقوا البشاعة على ارض الوطن باسم الثوار الصادقين. ولا أحد يشك الأن، إلا الذين يشتركون مع السلطة في إجرامها، بأن كل هذا الفساد السياسي والثوري، ورائها خبراء روس وإيرانيين، وبعلم أمريكا المهزومة والمترددة، والدول الداعمة شكلاً للثورة، فلم تكن كلمة فورد سفير أمريكا السابق في سوريا، عندما ذكر أن المعارضة مشتتة متحيرة، ورد السناتور المناقش بأن أمريكا أمام هذه الحيرة لا تقدم من الدعم المطلوب لإخراجها من هذه الحيرة، وبالمقابل تقدم روسيا كل أنواع الدعم وعلى مرأى الجميع لبشار الأسد للبقاء والاستمرار في تدميره للشعب والوطن، ومؤتمر جنيف تندرج ضمن هذه الصفقات البذخة لبقاء بشار الأسد وإبقاء سوريا مستعمرة أبدية، فخلقهم لكل هذه الأنواع من المعارضة الملائمة للسلطة ولرغبات روسيا، تأتي كعملية مؤكدة لتقبير الثورة في نفس القاعة التي ستعقد فيها مؤتمر جنيف-2.
النزاهة الإنسانية، إن وجدت! تتطلب من الدول المتحالفة لعقد المؤتمر، إخراج حزب الله وحرس الثورة الإيراني وجيش الفضل أبو العباس ومستشاري الروس من سوريا، وإرغام بشار الأسد والمجموعة المحاطة به لترك سوريا، بها ستقف المجازر، وسيتم تشكيل حكومة انتقالية ليس للنظام فيه دور أو حضور، ومن المهم مساعدة الجيش الحر الثوري بشكل فعلي، لـ "إسقاط النظام" وفي مقدمتها التيارات التكفيرية والإسلام السياسي المتطرف أو المختفي تحت عباءة الليبرالية، والعمل ضمن المؤتمر على وضع خطة لبناء سوريا لامركزية بنظام فيدرالي، لتعطي الثقة لكل الشرائح الأمان بالعيش، والرغبة في البناء عن قناعة ورغبة، هذه البنود التي يجب أن تجتمع على أسسها الشعب السوري في قاعات جنيف، سيراها البعض طوباوية، لكن الدول المشتركة في إقامة المؤتمر لها الإمكانيات في فعل كل هذا إذا كانوا جادين فعلا على مساعدة الشعب السوري وليس البحث عن مصالحهم، والكل يدرك أن الثورة السورية تجاوزت كل الخيالات، ومتطلبات الثورة أصبحت فوق قناعات المتصارعين على السلطة، بدون هذه سوف لن تحدث جنيف المقبرة، وسيستمر الصراع، والدمارين البشري والمادي سيتفاقم.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com