أصداء

"جنيف2".. هل هو الطريق إلى اللاحلّ؟

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لا اتفاق حتى الآن بين أطراف النزاع الرئيسية في سوريا على شكل "جنيف2"، دخولاً وخروجاً. كلّ طرف يريد الذهاب إلى "جنيف2" حسب شروطه الخاصة. المشكلة السورية بالنسبة للشعب السوري هي واحدة: حرب الجميع على الجميع. لكنّ الحلّ يتعدد بتعدد الأطراف المشاركة في هذه الحرب. قلة قليلة من الأطراف الفاعلة على الأرض، معارضة وموالاة، تؤمن بالحل السلمي أو السياسي. الأطراف الأساسية في الصراع لا تزال تؤمن بخيار الحرب أكثر من السلام. كلٌّ ينظر إلى "جنيف2" من زاويته الخاصة ك"ضد" و"ندّ" للآخر، قبل أن يكون محاوراً له. فلا النظام يقبل بالمعارضة شريكةً له في "سوريا ما بعد جنيف2"، ولا هذه الأخيرة تقبل بالنظام كشريك لها ولا حتى كمشاركٍ معها في سوريا القادمة.

النظام يرفض أي حوار مع المعارضة في "جنيف2" بشروط مسبقة، والمعارضة ترفض في المقابل الذهاب إلى أيّ مفاوضات، سواء في "جنيف2" أو بعدها، بدون شروط مسبقة، أولها تحييد النظام، وتنحي رئيسه بشار الأسد عن السلطة، لئلا يكون له أي دور أو مكان في العملية الانتقالية، وهو ما يرفضه النظام وحلفاؤه وعلى رأسهم إيران، جملةً وتفصيلاً، خصوصاً بعد "صفقة الكيماوي" التي عززت موقع النظام ووفرت له ك"مفاوض قوي" مقومات الصمود و ربما البقاء أيضاً إلى حين تفكيك ترسانته الكيماوية بحلول منتصف العام 2014.

المزاج الأممي العام، خصوصاً بعد الإتفاق الروسي الأميركي، بات يتجه نحو "الحل السياسي السلمي" للأزمة السورية. لا حديث بعد اتفاق الكبار ولقاء مصالح واشنطن مع موسكو عن أيّ دعم عسكري للمعارضة، أو أي "خيار عسكري" قريب يستهدف النظام، الأمر الذي شكّل خيبة أمل كبيرة لدى أهل المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، وعلى رأسها "الإئتلاف السوري" و"الجيش الحرّ". "أصدقاء" المعارضة وعلى رأسهم السعودية وقطر وتركيا عبروا بكلّ صراحة عن استيائهم من "التماطل" الأميركي تجاه القضية السورية، وعن عدم ارتياحهم من التقارب الأميركي الإيراني والإنفراجات الأخيرة بين الجانبين بشأن النووي الإيراني، ما أدى إلى بلوغ الخلافات الأميركية السعودية إلى ذروة غير مسبوقة لم تشهد لها مثيلاً منذ سبعينيات القرن الماضي.

أصدقاء المعارضة السورية وفي مقدمتهم دول "المحور السني" (السعودية + قطر + تركيا) لا يزالون مقتنعون بأن الأسد ومعه إيران هم أصل المشكلة، أساّ وأساساً، ولا يمكن لأهل المشكلة أن يكونوا جزءاً من أيّ "حل سياسي" قادم في سوريا القادمة، فيما أميركا وروسيا ومعهما المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي يصرّون علناً، كما تبيّن من زيارة الإبراهيمي إلى طهران، على ضرورة مشاركة إيران في "جنيف2" بإعتبارها جزءً أساسياً من الحلّ.

موسكو كما يبدو من تصريحات مسؤوليها الكبار ستضمن مشاركة النظام وإيران في "جنيف2" بدون شروط، بحسب اتفاقها مع واشنطن، وكذلك معارضة الداخل "المعتدلة"، والتي توصف في أوساط معارضة الخارج ب"معارضة النظام" أو المحسوبة عليه، وعلى رأسها "هيئة التنسيق" وتوابعها. أما المعارضة السورية بشقيها السياسي (الإئتلاف) والمسلح (الجيش الحرّ)، فلا أحد يضمن مشاركتها، حتى الآن، في "جنيف بلا شروط". لا بل أن أجزاء أساسية من هذه المعارضة سواء تلك العسكرية الداخلة تحت قيادة أركان "الجيش الحرّ"، أو السياسية منها الممثلة ب"المجلس الوطني السوري"، الذي يشكّل جزءً أساسياً ومهماً من "الإئتلاف"، عبرّت في أكثر من مناسبة وبيان، بأنها لن تشارك في "جنيف2" بدون شروط وضمانات دولية. هذا الموقف "الصارم" جاء على لسان رئيس "المجلس الوطني السوري" جورج صبرا قبل أكثر من أسبوعين، وهدد بالإنسحاب الكامل من الإئتلاف إذا قرر هذا الأخير الذهاب إلى جنيف.

في آخر اجتماعٍ له مع الأخضر الإبراهيمي أكدّ رئيس "الإئتلاف" أحمد الجربا أن حضورهم في "جنيف "2 ممكن لكنه مشروط برحيل الأسد. ما يعني أنّ لا جديد على موقف "الإئتلاف" ولا ذهاب إلى جنيف بدون "رحيل الأسد". أقصى ما يمكن أن يذهب إليه "الإئتلاف" في اجتماعه المرتقب لحسم موقفه من "جنيف 2" في التاسع من نوفمبر الجاري، هو المشاركة في جنيف

مقابل "ضمانات أممية" ل"تأسيس هيئة حكم انتقالية لن يكون لبشار الأسد وأعوانه المقربين الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور مستقبلي فيها، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبوها"، كما جاء في أحدى بنود "بيان لندن 11".

ما بات شبه مؤكداً هو أن "رحيل الأسد" لم يّدرج حتى الآن، كشرط من شروط "جنيف2"، لا بل الكلّ يؤكد أنّ على كلّ الأطراف أن تشارك في جنيف بدون شروط، وهو ما أكد عليه الأميركان والروس أكثر من مرّة. في اجتماعٍ للمعارضة السورية مع السفير الأمريكي السابق في دمشق، مسئول الملف السوري، روبرت فورد، قال الأخير ردًا على سؤال حول ما إذا كانت واشنطن تضمن للمعارضة أن يرحل الأسد عن السلطة، قبل أو بعد المفاوضات: "نحن لا نضمن شيئًا وليس لدينا أي نتيجة مضمونة فى المفاوضات"، علماً أنه لم يتم ذكر أي شيء عن مستقبل أو مصير الأسد فى وثيقة "جنيف2".

ما يهم الأميركان، الآن، في "جنيف 2" وما بعدها، أنّ رياح الأزمة السورية، بعد ضمان "الكيماوي السوري"، تجري بما تشتهي سفنها وسفن حلفائها في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل. هذا ما أكدّ عليه المسؤولون الأميركان، وعلى رأسهم السفير فورد، في أكثر من مرّة. من وجهة نظر أميركا وأمنها القومي، لا خوف حقيقي الآن من الأسد، بل الخوف هو من الجماعات الإسلامية المتشددة التي باتت تشكل تقريباً نصف عديد المعارضة السورية. خوف أميركا وحلفائها الحقيقي، هو أن يقع "الكيماوي السوري" في "الأيدي الخطأ".

"جنيف2" لن يناقش على الأرجح مصير الأسد، وأميركا ستكون من أشد المتمسكين ببقائه، إلى حين تفكيك الكيماوي على أقل تقدير. فمصير الأسد هو من مصير "الكيماوي".

إزاء بقاء الأسد في السلطة وانعقاد "جنيف 2" بدون ضمانات وشروط مسبقة، لن يبقى أمام المعارضة السورية سوى خيارين، أحلاهما مرٌّ:

إما أن تشارك في "جنيف2" لتخسر السلام، بحسب "ثوابتها"، وتخسر معه "الثورة" وأهلها الذين يرفضون كلّ السلام مع كلّ النظام، ولا يتوانون في وصف كلّ من يفاوض الأسد ب"الخائن العظيم". أو تقاطعه وتسلّم أمرها ل"امراء" الحرب، ليخسر الجميع الحربَ، أو يخسر الجميع الجميع.

بين "لاءات" النظام "ولاءات" المعارضة تجري جهودٌ دولية حثيثة لعقد "جنيف2" في 23 من نوفمبر الجاري.

الطريق إلى "جنيف2" ربما يكون واحداً، لكنّ الطريق منها إلى دمشق، حتماً، سيتعدد.

ربما كلّ الطرق، الآن، تؤدي إلى "جنيف 2"، كما يريد له المزاج الدولي أن يكون. لكن السؤال الأهم هو: هل هو الطريق الممكن إلى الحلّ؟

"جنيف 2" قد يُعقد لوضع بعض النقاط على بعض حروف الأزمة السورية، مثلما عُقد "جنيف 1"، لكنّ الطريق إلى دمشق لن يعبر على الأرجح من جنيف، هذه المرّة أيضاً.

ربما ينجح النظام والمعارضة في دخول "جنيف 2"، برعاية دولية، لبحث المشكلة السورية، كمشكلة واحدة تشمل جميع السوريين، لكنّ من الصعب جداً عليهم، كما تقول المشكلة على الأرض السورية، أن يخرجوا منه بحلّ واحد يجتمع تحت سقفه الجميع.

فهل الطريق إلى "جنيف2" هو الطريق إلى اللاحلّ؟

هوشنك بروكا

hoshengbroka@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف