قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كان موضوع تشكيل الحكومة في نسختها الثانية بعد انسحاب أحد أطراف الائتلاف الحكومي، الشغل الشاغل لوسائل الاعلام المغربية بشتى ألوانها، ولما أعلن عن التشكيلة الجديدة، بدأت الصحافة تبحث عن ملفات أخرى، إلى أن أثارت -بشكل مفاجئ هذه الأيام- محتويات مذكرة رفعها السيد نور الدين عيوش، رئيس مؤسسة زاكورة للقروض الصغرى والتربية،( جمعية أهلية) إلى السيد عمر عزيمان، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للتعليم، جدلا واسعا في الاوساط الاعلامية والحزبية والثقافية "حيث دعا إلى اعتماد الدارجة / العامية كلغة في المدرسة المغربية، ونزع الطابع الديني عن التعليم الأولي في المملكة، الذي يقوم بتحفيظ القرآن الكريم لتلاميذ/طلاب ما دون السابعة..."وقبل بعث هذه المذكرة إلى صناع القرار، عقد السيد عيوش ندوة بمكتبة آل سعود بالدار البيضاء حول موضوع النهوض بالمنظومة التربوية بالمغرب، حضرها مستشار الملك فؤاد على الهمة وكذا السيد عمر عزيمان، وغاب أو غيب وزير التعليم في الحكومة السابقة السيد محمد الوفا، فضلا عن حضور ثلة من الخبراء في مجال التربية والتعليم، ومعلوم أن المملكة المغربية إلى جانب بعض الدول العربية وضعت في سلم أولوياتها إصلاح هذا القطاع الاستراتيجي، وقد عبر عن ذلك الملك في خطاب 20غشت من هذا العام، ومن النقط التي أثارها الخطاب، عدم إقحام هذا الورش المصيري في المزيدات والصراعات السياسوية إصلاحا وتدبيرا.وقد انقسمت الطبقة السياسية والثقافية حول هذا المطلب -من جمعية مدنية لا تمثل قطاعا كبيرا من المغاربة-؛ أي اعتماد الدراجة أو اللهجة العامية المغربية في التدريس، وتنحية وتخفيف تدريس القرآن في التعليم الأولي، وهما القضيتان اللتان أثارتا هذا الانقسام، فالفريق الرافض لهذه الدعوى يتزعمه الحزب الأغلبي الذي يقود الحكومة (حزب إسلامي) بالإضافة الى شخصيات يسارية وقومية ودعوية وأكاديمية، نذكر منهم الانثربولوجي المغربي عبد الله حمودي، وكذا المناضل القومي عبد الصمد بلكبير، الذي أطلق عريضة سماها "الهوية الوطنية" ردًّا على دعوات اعتماد الدَّارجة/ اللهجة المغربية، والاستقلالي (نسبة الى حزب الاستقلال حزب محافظ) امحمد خليفة الذي أصدر بيانا يتبرئ فيه من هذه الدعوى، وكذا الرئيس السابق لحركة التوحيد والاصلاح (حركة دعوية تعد العمود الفقري لحزب العدالة والتنمية) التي اعتبرها دعوى مشبوهة.. وغيرهم، وجمعيات مدنية كالجمعية المغربية لحماية اللغة العربية التي تأسست في آذار/مارس 2007 ، تعزى هذه الدعوى - بنظرها- إلى جذور استعمارية فاشلة لضرب اللغة العربية، ويحكي المؤرخون أن الاستعمار الفرنسي كان يهدف الى تعميم الدارجة المغربية إلى جانب تعميم اللغة الفرنسية، وتكريسها في الثقافة المغربية، وتجدر الاشارة أن هذه الدعوى قديمة حيث شهدت بلدان كمصر ولبنان.. نقاشا حول هذه القضية، لكن لم تسفر عن نتائج تذكر.أما الفريق الثاني المؤيد لهذه المبادرة فهو التيار الفرنكوفوني (الناطق بالفرنسية) وبعض من يعتبر ما يلي: مادام أن العامية جزء من الفصحى فلا داعى للتهويل من الامر، واستدماجها في المدرسة هو خدمة للغة الفصحى، وإلا لماذا يتم رفضها طالما انها عربية؟ يتساءل هذا الفريق ردا على المعارضين؛ ويضيفون أن اللغة العربية لا تستعمل في التخاطب الشفوي فضلا عن أن اللغة العربية لغة نخبوية لا علاقة لها بلغة الشارع على حد تبريرات هذا الفريق.أما القضية الثانية التي طرحتها ما أصبح يعرف بمذكرة السيد عيوش القاضية بتقليص الحصص الدينية وتحفيظ القرآن في التعليم الأولي، فهي مسألة مردودة، لكون القرآن يعد أحد ركائز الهوية الثقافية والدينية للمغاربة منذ القديم، ثم تنصيص دستوري على كون اللغة العربية لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة الأمازيغية، وكذا الدين الرسمي للبلاد وهو الاسلام.ولعل أغلب اطر البلاد وكوادرها الذين يسيرون كثير من قطاعات الدولة هم من الذين حفظوا القرآن كليا أو جزئيا في صغرهم، وهو تقليد دأب عليه المغاربة، مما جعلهم يحافظون على لغتهم، رغم تكوينهم الفرنسي. كما لا يخفى على القاصي والداني الدور الذي يلعبه قارئ القرآن المتمكن منه، في تمتين مستواه اللغوي، و لقد أوصى الأديب اللبناني الشهير إبراهيم اليازجي - وهو مسيحي -ابنه: بحفظ القرآن، وقراءة كتاب نهج البلاغة .لعل التساؤل الذي يطرح : لماذا طرح هذا المقترح في هذا الوقت بالذات؟ ثم هل هذه الاجراءات هي التي ستصلح أعطاب المنظومة التربوية، أم ان الأمر يتعلق بحسابات غير معلنة؟بنظري أن الموضوع المثار لا يستحق النقاش، وإهدار الوقت في مساجلات لا تفيد المواطن الباحث عن العيش الكريم، ثم ان إثارة قضية تندرج ضمن قضايا الهوية، ما هو إلا مخطط مكشوف لجر الاسلاميين لصراع يلهيهم عن مشاريع الاصلاح الحقيقية، وتحديدا الانتقال الديمقراطي الذي لم توضع بعد سكته على الطريق، ومعلوم أن مواضيع الهوية من القضايا التي تستفز التيارات الدينية بحيث تعتبرها مسألة وجودية، فتبدأ رحى الشحن والتجييش والتحشيد متوسلة بأسلوب العاطفة والاستخدام الواسع للنصوص الدينية حتى تصل - هذه الحملات التعبوية- الى ذروتها فتصبح معركة بين الكفر والايمان، وقد حصلت تجربة من هذا القبيل في ما سمي بمعركة خطة إدماج المرأة التي انشطر على إثرها المجتمع المغربي الى معسكرين معسكر الاسلاميين الرافضين لها جملة وتفصيلا، ومعسكر العلمانيين المؤيدين لها، ولولا التحكيم الملكي الذي تدخل لوضع حد لهذه المعركة، لمكث المغاربة ردحا من الزمن في مساجلات واحتراب واحتقان اجتماعيين، ستضيع معها فرصا كثيرة للتنمية والتقدم.فالمواطن العربي عموما، والمغربي خصوصا، يجب ان يكون على حذر من إهدار الزمن في معارك وهمية وهامشية، تعطل قدراته على الابداع وخدمة مجتمعه، والتصدي لقضاياه الكبرى؛ من قبيل قضية الديمقراطية والحريات والتنمية والوحدة والمعرفة، بدلا من الدوران في حلقة مفرغة، وخوض معارك في غير معترك.