أصداء

مهزلة قانون الانتخابات والمحكمة الاتحادية في العراق

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بعد مارثون طويل من محادثات ومفاوضات توصل الافرقاء السياسيون العراقيون الى اقرار قانون الانتخابات التشريعية المقبلة لمجلس النواب لعام 2014 التي من المقرر اجراؤها في شهر نيسان المقبل.

ومن يقرأ نص هذا القانون يصل الى قناعة مفادها ان الطبقة السياسية لاتسعى الى بناء الدولة وترسيخ المفاهيم الديمقراطية والمؤسساتية، وانما همها الاكبر هو ادامة وجودها الى اطول فترة ممكنة في السلطة، حتى لو إضطرها ذلك الى تجاوز الدستور والقوانين والاعراف طالما ان ذلك يحقق مرادها، والدليل في ذلك انها لجأت الى اختيار سان لاغيه بصيغة عراقية (1.6)، وقد تفاخر البعض ان هذا ابتداع عراقي، في حين ان الدول الديمقراطية الراشدة التي اتبعت طريقة سان لاغيه اختارت (1.4) المعدل بعد دراسة وتجربة لعقود طويلة، والمتخصص يعرف جيدا أن اختيار آلية (1.6) هو من اجل ترسيخ القوى السياسية المهيمنة، دون إتاحة إية فرصة حقيقة للقوى المتوسطة والصغيرة، مما يحرم قطاعات وقوى سياسية عدة من المشاركة في صناعة القرار ويقلل من فرص زيادة المشاركة السياسية، وكل ما قيل من تصريحات مخالفة لذلك من قبل بعض النواب ليست إلا تضليلا واضحا للجمهور، بمعنى ان طريقة توزيع المقاعد صممت خصيصا لمصلحة القوى السياسية المهيمنة دون اية اعتبارات اخرى.

ولعل من نافل القول، ان للعملية الانتخابية مفاعيل تتجاوز كونها اداة تعيين الهيئة الحاكمة، وهذا الادراك دفع العديد من مشرعي القوانين في الدول الديمقراطية الراشدة الى ضبط نصوصها ومسارها بدقة بالغة، لكي تضمن الانظمة الانتخابية السمة الديمقراطية وتتيح لقدر اكبر من المشاركة السياسية، بمعنى ان الانتخابات تكون المجال الحيوي الذي عن طريقه يستطيع المواطن قبول أو رفض الخيارات السياسية المعروضة عليه، وفي الوقت نفسه قبول او رفض من يعرضها، بما يسهم في بناء تراكمي يسهل مأسسة هذه العملية ويضعها في اطار سلس كي تقوم العلمية الانتخابية بإداء وظائفها على النحو الامثل.

واكاد اجزم القول، إن معظم نواب المجلس لايفقهون أثر النظام الانتخابي على النظام السياسي، والمبادئ الدستورية الناظمة للعملية الانتخابية، وهذا ما تجسد واضحا في نص القانون بدءا بالصياغة اللغوية والقانونية الركيكة، مرورا بالنصوص التي تضمنها والتي تخالف الدستور العراقي مخالفة صريحة، او القرارات التي اصدرتها المحكمة الاتحادية.

ويكفي الاشارة الى مسألتين اساسيتين هما مدعاة صريحة لنقض هذا القانون، الاولى ان هذا القانون جاء بناءا على (مقترح) مقدم من داخل المجلس، وليس (مشروع قانون) وهذا يعد مخالفة صارخة لقراري المحكمة الاتحادية المرقم (43) لسنة 2010 (44) لسنة 2010 القاضي بوجوب ارسال مقترحات القوانين المقدمة من اعضاء مجلس النواب او احدى لجانه المختصة الى السلطة التنفيذية (رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية)، اي انها عدت فيهما أن كل ( التشريع ) يجب أن يأتي من (رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء) دون أن يكون هناك حق دستوري لمجلس النواب في ذلك.

وهو الاساس الذي استندت اليه المحكمة في قرارها المرقم (64) في 28/8/2013 والذي نقض فيه قرار مجلس النواب العراقي بشأن تحديد الولايات الرئاسية الثلاثة، واشارت اليه "ان هذا القانون خالف الدستور المادة (60 اولا و 80 اولا وثانيا)، كونه جاء نتيجة مقترح وليس مشروع قانون، وان مقترح القانون لم يقدم الى السلطة التنفيذية.

وهو القرار الي اتاح لرئيس الوزراء نوري المالكي بامكانية الترشح لولاية ثالثة، وقد هلل الكثير من اعضاء مجلس النواب لهذا النقض، لاسيما من دولة القانون بوصفه انتصارا للدستور ودعوا الى احترام قرار المحكمة الاتحادية، كونه يتماشى مع روح ونص الدستور العراقي.

والمفارقة هنا ان قانون الانتخاب الحالي جاء نتيجة مقترح وليس مشروع قانون وهو ما يعني من بين ما يعنيه ان هذا القانون ينبغي ان يكون في السياق تفسه الذي تم فيه نقض القوانين السابقة.
المسألة الاخرى، تتعلق بعدد اعضاء مجلس النواب، فقد رفع القانون الانتخابي الجديد عدد اعضاء مجلس النواب في دورته المقبلة من (325) الى (328) دون الاعتماد على اي معيار دستوري في هذه الزيادة فقد نصت المادة 49/ أولا: على أن "يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي باكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه".

ولو نظرنا الى الزيادة لوجدنا انها جاءت نتيجة اتفاق سياسي يخالف نص الدستور دونما الاعتماد علي اي معيار لهذه الزيادة، وهو ما اتضح جليا في التوزيع الفوضوي والعشوائي للزيادات التي اعطيت لمحافظات دون اخرى مع عدم وجود اي تبرير مقنع لهذا التوزيع سوى الارادة السياسية والاتفاق السياسي مع تجاهل النص الدستوري.

السؤال الجوهري هنا، هل تتجه المحكمة الاتحادية فعلا نحو نقض القانون في حالة تقديم طعن لها من قبل القوى المتضررة او قوى المجتمع المدني وان تتعامل مع القانون الانتخابي كما تعاملت في قرارها المرقم (64) الخاص بتحديد الولايات الثلاث حينما اعترضت عليه دولة القانون، بمعنى اخر هل ستخضع المحكمة الاتحادية لضغوطات القوى السياسية لاسيما دولة القانون وتاجل النظر به الى ما بعد اجراء الانتخابات، ام ان المحكمة الاتحادية ستثبت مبدأ استقلال القضاء وتبت في النقض قبل موعد الانتخابات، شخصيا ان اميل للراي الاول وادعو من الله ان اكون مخطئا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف