من ليس له قصة ليس له وجوداً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من هو العربي؟ سؤال طرحه قبل أيام أحد الحاضرين لمهرجان السينما العربي في واشنطن لهذا العام مستعجبا كيف أن الفيلم المغربي "الدار البيضاء حبي" كان باللغة الفرنسية وأن الفيلم العراقي "بيكاس" باللغة الكردية. شرحت أن التعريف التاريخي هو أن العربي أي شخص يتحدث اللغة العربية ولكن ذلك التعريف المبسط أخذ أبعادا جيوسياسية فمثلا غير العربي الذي يقطن في مصر ويتحدث العربية كان يعرف بأنه "خواجه" وذلك كان الحال بالنسبة للمتحدثين بالعربية من أهل الغرب. بالنسبة لي لم يكن الطرح حول العروبة وتعريفها أهم ما أثاره المهرجان؛ ببساطة العربي هو أي شخص يحمل جنسية تلك الدول الأعضاء في الجامعة العربية وكل من تحدّر منها مثل العرب الأمريكيين من الجيل الثاني ومن تلاهم ممن لا يتحدثون العربية. ولكن المهرجان طرح عدة مواضيع حرية بالتأمل والنقاش.
معظم ما طرحه المهرجان من أبعادا هي تثقيفية للجمهور وسياسية بالنسبة للعالم العربي من ضمنها إعادة التذكير بالوضع غير الموزون للفلسطينيين من خلال فيلم "الإرث" وهو فيلم حول حياة أسرة فلسطينية في صراع من أجل الإبقاء على العادات والتقاليد في وجه التحديات اليومية في مجتمع مدني في ظل حرب بين إسرائيل ولبنان. تكاد لا تسمع عن القضية الفلسطينة في الأخبار الأمريكية لولا أن هناك تحركات متثاقلة من قبل الخارجية الأمريكية. في المقابل إسرائيل تتمتع بتغطية إعلامية مستمرة خاصة من خلال الشأن السوري المأساوي. لا أستغرب لو اعتقد المواطن الأمريكي بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد تم حله أو لو تساءل "من هم الفلسطينون؟". إختفاء الفلسطينيين من الساحة الإعلامية الأمريكية هو بالتأكيد خسارة للجانب الفلسطيني في أي محادثات لأن صانع القرار الأمريكي في نهاية المطاف يستمع إلى رغبات وآراء الناخب الأمريكي. الحال الآن أن الناخب الأمريكي يكاد لا يذكر المعاناة الفلسطينية ولكنه قلق على إسرائيل - يا ترى لصالح من سيكون الضغط الأمريكي؟!
مفاجأة المهرجان كانت في فيلم "عن يهود مصر" وهو فيلم وثائقي حطم ذلك الجدار الوهمي الذي يفرق العرب عن اليهود كأصحاب عقيدة. الكثير يستذكرون تاريخ الأندلس مؤكدين على التعايش بين الأديان ولكن التاريخ المعاصر أصدق في أنه يلامس حياتنا بتأكيده على أن مبدأ التعايش لا يعيش فقط في كتب التاريخ على رقعة جغرافية لم يعد الاسلام له فيها مكان بل في أن هناك من يعرفون باليهود العرب الذين كانوا (وقلة مازالت) يعيشون في دول عربية عديدة. بل الخلاصة تؤكد على أكثر من ذلك على أن هناك "يهود عرب" أي عرب القلب والقالب ذوي عقيدة يهودية لم يهجروا مواطنهم عن رغبة منهم ولكنهم رحلوا بعد أن خانهم القادة العرب بعد تكوين دولة إسرائيل. الفيلم خدم كنقطة نقاش حول الفرق بين اليهود كأصحاب عقيدة وبين اليهودية السياسية أي الصهيونية. هناك فرق واضح بين اليهود كأهل كتاب وبين الإسرائيليين كمواطنين (ومنهم الإسرائيليين العرب أي الفلسطينيين الذي بقوا في أراضيهم) وبين الصهيونيين وهم مجموعة ذات فكر سياسي إستعماري.
الطرح الأكثر أهمية لدى الجمهور الأمريكي هو عن تبعات الربيع العربي وكيفية تعامل صناع السينما العربية معها. المهرجان أعطى الإنطباع أن العالم العربي في صراع بين رجعيين يخافون من الآخر فانغلقوا على أنفسهم وبين من يسعى إلى الإنفتاح والتقدم. في فيلم "بيكاس" العراقي الكردي وكذلك في المغربي "الدار البيضاء حبي" كانت أمريكا وهوليوود المحور الأساس في سعي شخصيات البطولة نحو نهاية الفيلم. ولكن أمريكا هنا ليست الدولة بحد ذاتها بل نجم الشمال الذي يستعينون به في مساعيهم من أجل حياة أفضلا. فبالتأكيد لا يسعى هؤلاء إلى الغربة تحديدا ولكنهم يسعون إلى حياة كريمة تتوفر فيها الفرص لكل إنسان لديه عزيمة ورؤيا. بالفعل ذلك كان أحد ما رغبت منسقة المهرجان شيرين غريب العربية الأصل من إيصاله إلى المتلقي الأمريكي؛ أن السعي من أجل الحرية والسعادة هي قيم مشتركة بين الأمريكيين والعرب.
قالت غريب بأن "الهدف من مهرجان الفيلم العربي السنوي هو توفير تلك الأفلام العربية الأهم التي لا تتاح للمشاهد الأمريكي رؤيتها" شارحة أن ثلث الحاضرين هم من ذوي الإختصاص الإعلامي والشرق الأوسطي والثلث من المسؤولين والموظفين الحكوميين والثلث الآخر من المهتمين والممتهنين في الصناعة الفنية تتخللهم مجموعة من المشاهدين العابرين. في كل عام تواجه شيرين تحديات مالية كبيرة تهدد عقد المهرجان ولكنها على مر الثمانية عشر عام الماضية واجهت التحدي واستطاعت طرح المهرجان شكرا للتبرعات الصغيرة التي توفر بالكاد الميزانية الكافية (إنه أمر مزري أنها تواجه تحدي لجمع تبرعات لميزانية بهذا الحجم المتواضع). المضحك المبكي أن غالبية المتطوعين للعمل على المهرجان ليسوا حتى من أصول عربية. يجب أن يحكي العرب قصصهم للعالم أجمع في كتب وعلى الإنترنت وفي الإعلام وعلى شاشات التلفزيون وفي السينما وفي المسارح فمن ليس له قصة ليس له وجود.