قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تتميز منطقة القلمون بكونها منطقة استراتيجية ذات طبيعة جبلية قاحلة تسيطر على المساحة الممتدة بين دمشق وحمص، كما أنها تقع على تماس مع الحدود الشرقية للبنان، وللنظام مصلحة إستراتيجية في السيطرة على هذه المنطقة التي تشكل شرياناً حيوياً يربط دمشق بحمص وميناء طرطوس على البحر المتوسط، بوابة الجبال الساحلية التي تمتد شمالاً إلى اللاذقية. إضافة لذلكً يعتقد النظام أن سيطرته على القلمون ستساعده في عزل مناطق من الحدود الشرقية للبنان، حيث يعتقد النظام وحليفه حزب الله أنها تشكل بيئة مساعدة للثورة وخط إمداد لوجستي مهم.أما بالنسبة لقوات الثورة، فتكمن أهمية السيطرة على القلمون من كونها تشكل خرقاً لإستراتيجيات النظام التي ترتكز على إنشاء ممر أمن من العاصمة دمشق إلى الساحل، فضلاً عن كونها تشكل خط إمداد لوجستي وقاعدة إنطلاق مهمة للمعارك لتحرير المناطق الشرقية والشمالية ( برزة والقابون ).لكن، وبعيداً عن الأهداف التكتيكية للثوار في سيطرتهم على القلمون، فثمة هدف إستراتيجي خطير يسعى النظام الأسدي إلى ترسيخه في الواقع السوري، وتشكل منطقة القلمون محور ذلك الهدف، فالمتتبع لإستراتيجية قوات الأسد العسكرية، ذات الأهداف السياسية البعيدة المدى، سيلحظ وجود تركيز عسكري على قطاعات معينة من الجغرافية السورية، وهي تتشكل عبر قوس يمتد من ريف القنيطرة مروراً بدمشق والقلمون وتتوسط هذا القوس مدينة حمص وصولاً إلى غربي سورية أو ما يطلق عليه منطقة الساحل.ويشمل هذا القوس أرياف حمص الغربية وحماة وإدلب، داخل ما يسمى حوض العاصي، علماً أن هذه المناطق كانت قد تعرضت في مراحل سابقة من الثورة إلى ضغط عسكري مكثف ومقصود أدى إلى تفريغ أجزاء كبيرة منها وتهجير سكانها إلى تركيا ولبنان، وخاصة تلك المناطق الواقعة بين نهر العاصي والجبال الغربية، وبدرجة أقل المناطق الواقعة خلف العاصي، فيما بدا أنه محاولة لتحويل هذه المناطق إلى ما يسمى بالجغرافية السياسية، مناطق حيوية، يمكن مد النفوذ إليها في أي لحظة، أو في أقل الأحوال جعلها مناطق أمنة بالمعنى العسكري، مع ملاحظة تعريض هذه المناطق إلى دمار كبير في البنية التحتية لجعلها أماكن غير صالحة للسكن في محاولة واضحة لإفراغها من العنصر الديمغرافي والتواجد الاجتماعي.والسؤال ما هي دلالات هذه الوقائع وما هي مؤشراتها على واقع الصراع الجاري في سورية، وكيف يمكن فهمها في إطار المعركة الكبرى بين الثوار والنظام وحلفاءه، وما مدى أثرها أيضاً على طبيعة الترتيبات السياسية الجارية وخاصة ما تعلق منها بالعملية السياسية أو مؤتمر جنيف2؟.الإجابة عن هذا السؤال تتضمنه التسريبات المتكاثرة حول إمكانية قيام كيانات سياسية جديدة في الجغرافية السورية بديلاً عن الكيان الكبير المتجسد حالياً في الدولة السورية، فلم تعد خافية على أحد الأحاديث حول قيام كيانات على أسس طائفية أو عرقية، بل أن بعض الدوائر الغربية سربت في الآونة الأخيرة خرائط عن هذه الكيانات وحدودها، ولحظت تلك الخرائط وجود ثلاث كيانات تم تسميتها كدول: الدولة العلوية، والدولة الكردية، والدولة السنية.طبعاً لا هذه الخرائط ولا السيناريوهات التي حملتها تشكل أقداراً مفروضة على سورية، ذلك أننا في المشرق صارت لدينا خبرة بظهور هذا النوع من السيناريوهات أمام كل أزمة تمر بها المنطقة، وغالباً ما يكون هذا الأمر نتاج رؤى وتحليلات أكثر منه تقديراً لواقع حاصل أو سيحصل، لكن الإشكالية هذه المرة تأتي من انطباق تلك السيناريوهات مع الإدراك السياسي والبيئة النفسية للنظام السوري، بل أنها تعكس إستراتيجيته الميدانية والسياسية، إذ تشير إجراءاته الميدانية إلى رغبة في هذا التوجه، ليس من خلال تكريس سيطرته على القوس المشار إليه وحسب، ولكن من خلال تدميره الممنهج للمناطق خارج ذلك القوس وتحويلها إلى أرض للخراب عبر نشر الفوضى بطرق إستخباراتية مكشوفة، مما يعني أن النظام إختار كيانه وحدده، فيما ترك أجزاء كبيرة من سورية لحالة ما قبل الدولة إن على المستوى العمراني والخدماتي والإنمائي، أو على المستوى السياسي والتنظيمي.لكن أيضاً مخططات النظام وحلفاءه ليست قدراً مفروضاً، وأمامها الكثير من العقبات التي تحول دون تنفيذها، بالرغم من توفر بيئة إقليمية ودولية مناسبة، لكن ثبت أن النظام وإن كان يمتلك قدرة هائلة على التخريب، إلا أنه لا يمتلك القدرة على وضع الخواتيم المناسبة له في كل المراحل، إذ أثبتت الوقائع وجود حالة عجز هائلة لدى النظام في تحويل تصوراته إلى وقائع متماسكة، كما ستساهم قلة موارده البشرية والمالية بإعاقة تنفيذ تلك التصورات، فالقلمون وأرياف حمص وإدلب وحماه مناطق شاسعة ووعرة، إضافة إلى كون الثورة، ورغم إشكاليات قلة التنسيق والتخطيط التي تعاني منها، إلا أنها تجهزت بشكل يمنع تحقيق أي اختراق جديد للنظام في مناطقها، كما أن الثورة ثبت أن لدها القدرة أيضاً على المبادرة داخل المربع الأمني للنظام نفسه وفي المناطق التي يعتبرها خالصة الانتماء والموالاة له، مما يؤكد مقولة أن القصير كانت أخر المعارك السهلة للنظام وحلفاءه.