أصداء

اكتبي لي يا أمي.. إلى مصر

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

"بسم الله الرحمن الرحيم
السادة أعضاء مجلس قيادة الثورة
بعد تقديم وافر الاحترام، يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسؤوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية.
ولذلك فإني أطلب قبول استقالتي من المهام التي أشغلها، وأني إذ أشكركم على تعاونكم معي أسأل الله القدير أن يوفقنا إلى خدمة بلدنا بروح التعاون والأخوة."

هكذا تقدم اللواء أركان حرب محمد نجيب -أول رئيس لجمهورية مصر- بطلب الاستقالة؛ فهذه العبارات المختصرة، تسرد في طياتها معانٍ كثيرة أدت إلى تحوّلٍ جذري في مسارِ ثورةٍ قادها هو بنفسه ضد الحكم الملكي. فقام بعدها في مصر حكمٌ عسكري بحت منذ 22 فبراير 1954م، واستمر حتى 25 يناير 2011م. شاركت مصر خلالها في العديد من المعارك والحروب، معظمها في إطار الصراع العربي الإسرائيلي الذي ما زال قائماً، كما دخلت مصر منذ ثورتها ضد الملكية في معركةٍ هي الأعظم في تاريخها ضد الاستبداد - ما زالت هي الأخرى قائمة، ولكنها مختلفة عن كل المعارك.

لعل الأسباب التي أشار إليها محمد نجيب في خطاب استقالته ولم يعلنها، هي الأسباب نفسها التي تُطلب اليوم من محمد مرسي. فقد قال أيمن ناهد عضو هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول محمد مرسي إنهم قد حاولوا -لم يوضح ناهد هويتهم- الحصول على اعترافٍ منه بما جرى، مؤكِّدين استعدادهم توفير ما يطلب، إلا أن محمد مرسي رفض، وقال: "دونها الرقاب، لا أخون شعبي وبلدي أبداً"، فهل المقصود هو أن لا تُكرر الاستقالة؛ وإذا كان الأمر كذلك، فمن هؤلاء الذين يطلبون الاستقالة، ومن أولئك الذين في مرّةٍ قبلوها، ومرةٍ أخرى رفضوها. يبدو أنهما طرفا صراعٍ غير معلن، في معركةٍ ما تزال محتدمة.

لقد طُلبت الاستقالة من محمد نجيب، وقد طُلبت أيضاً من محمد مرسي. استجاب لها الأول، فسجنه قائدٌ عسكري؛ ولم يستجيب الآخر، فسجنه قائدٌ عسكريٌّ آخر.
في عام 1954م، بعد استقالة -أو إقالة- محمد نجيب، صدر قرارٌ بحلِّ جماعة الإخوان؛ وفي عام 2013م، بعد عزل محمد مرسي، صدر أيضاً قرارٌ آخرُ بحلِّ الجماعة أيضاً. لست أشير هنا إلى أن جماعة الإخوان قد تكون هي السبب الذي أشار له محمد نجيب، أو أنها من يطلب الاستقالة من الرؤساء، أو من وافق عليها مرة، ومنعها مرة أخرى. إن رأياً هذه طبيعته، من شأنه أن يعطي جماعة الإخوان صفة الحاكم المطلق؛ ولو كانوا هكذا، لما سُجن رموزها منذ نشأتها أواُغتيلوا، ولمَا صدرت قراراتُ حلها. ففي عام 1984م -أي قبل أن تكون مصر جمهورية- أعلن النقراشي باشا، رئيس وزراء مصر آنذاك، حل جماعة الإخوان، واعتقل قادتهم، وصادر ممتلكاتهم.

هناك فيما يبدو تشابه في الظروف السياسية المحيطة بمحمد نجيب ومحمد مرسي، كما أن الظروف السياسية المحيطة بجمال عبدالناصر آنذاك، تشبه ظروف عبدالفتاح السيسي السياسية.
لقد كان تأميم قناة السويس وبناء السد العالي في صميم مشروع نهضة مصر آنذاك، فهل يمكن أن يكون أحدُ الأسباب التي أشار إليها محمد نجيب ذا علاقةٍ بهذا المشروع الحيوي. أما اليوم، فإن تنمية محور قناة السويس كمنطقةٍ خدمية لوجيستية عالمية يُعتبرُ مشروعاً طموحاً سوف ينقل مصر إلى آفاق المستقبل؛ فهل يمكن أن يكون هذا المشروع من أسباب مطالبة محمد مرسي بالاستقالة؟ وفي كلا المشروعين، لم يكن أمام مصر مجالٌ للمضي قدماً فيهما سوى طلب المساعدة من روسيا.

عندما جاء الروس في عهد جمال عبدالناصر، كانوا يغنون:
"قيض الصحراء يلفح خدي
والرمال تلسع شفتي
اكتبي لي يا أمي.. إلى مصر
كيف حال حبيبي عندكم
هنا يبدو الهواء، وكأنه قد شُرِب
وللعام الثالث لا يسقط المطر
اكتبي لي يا أمي.. إلى مصر".

لقد رأينا في عام 1964م مكتوباً على أنفاق مشروع السد العالي الذي أصبح حقيقةً حينها "عاش ناصر وخروتشوف"؛ أما اليوم، فإننا نرى شعار "عاش السيسي وبوتين" يُحاك في الخفاء. إن التاريخ لا يُحسِن أن يعيد نفسه، ولكن الناس يكرِّرون أفعالهم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف