اختبار ذكاء داعش والتعبئة التكفيرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
للأمانة التاريخية المسجلة يجب أن أذكر للقارئ بأني علمتُ مؤخراً بأن كلمة داعش هي مايُطلق على( دولة العراق الأسلامية في العراق والشام)، وغرضها كما تدعي تغيير النظام السياسي للكفرة في العراق وسوريا، وتضم قطيعاً من غفاة البشر يُعول عليهم دون أختبار ذهني لمؤهلاتهم العلمية تحويل دول عربية أخرى الى نظام الخلافة الأسلامية بأمراء جدد كما يرتؤها لرفع شأنها الى ( الموقع الأسلامي الأصح والأفضل)، وتساندهم مجموعات من رعاة المواشي ومهربي الحشيش في طالبان القاعدة بأفغانستان وباكستان مروراً بالعراق وسوريا والأردن ومصر ومليشيات ليبيا و قراصنة الصومال وفرق عمياء على طول الساحة العربية.
وليس عجباً أن تواجهني الحيرة خلال دراستي الأكاديمية السياسية، قول ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني عن العالم العربي بأنه لُغز مُحير ملفوف بالغموض...
The Arab World is an enigma wrapped in a mystery.
أني على يقين أن قطع رأس محمد فارس أحد مقاتلي داعش من قبل أنصاره في الرقة لتلفضه أسم "علي" تم عن طريق الخطأ والأشتباه وأتهامات الخيانة بين فصائل المعارضة المسلحة بأنه من أنصار أعدائهم (شيعة العراق) وفاضت دموع الناس من كل الطوائف على الحدث الجلل مع الغموض العام واللغز المُحير لما يجري في الحقيقة من تصفيات وراء الكواليس.
هذا لايمنع أن نوفر، الى داعش القاعدة وأنصار الدول الأسلامية وجيش النصرة والحر والأخوان المسلمين المنتمين الى المعارضة السورية المسلحة، أختباراً ذهنياً لدرجة ذكائهم وتحصيلهم المدرسي. فأذا أردنا حقاً معالجة هذه المجموعات الغريبة الغرائز في صميم بنيتها وقدرتها على فهم التعاليم الأسلامية، فيجب علينا قبل كل شيء أن نضع لهم أختباراً دينياً لمعتقداتهم ومؤهلاتهم وأختيار الأسئلة المناسبة لهم عن الأسلام وتطور وأنتشار الرسالة الأسلامية،ويستطيع "القارئ" المشاركة، فمعرفتي ومعلوماتي العامة البسيطة تتوقف عند حكمة الرسول وقوله " بأن الاسلام الحقيقي يقوم على عدم أيذاء الناس وعدم الأشراك بالله "،كما أن مشاركة القارئ المثقف ستغنيني وتوفر لي الوقت لأكمال ماأنوي الوصول أليه في مقالتي هذه.
ولعله من المهم أن نذكر المباغتة السحرية الجسورة التي مازالت تستوقف الفلاسفة والمفكرين والسياسين عن التاريخ البشري منذ الولادة الشرعية الألهية لأبراهيم أبو الأنبياء الى داعش في عصرنا الحالي، وهي المباغتة التي أدخلتها فلسفة الأديان السماوية الثلاثة ( اليهودية والمسيحية والأسلامية) على الجنس البشري بقراءات مختلفة وكتب أيمانية متناقضة في الصور والأشكال أصابت هدفها في تراجع تاريخي عربي لايعرف أبنائه وأجياله الموقع الديني السياسي الحضاري لبلدانهم.
ويعشق رجال الدين وعلمائه هذا الواقع كي يكون لهم موقعاً متقدماً ومتميزاً في أعادة الظروف الزمنية للتاريخ السياسي وربطه بقصص آدم وهابيل وقابيل ونوح، وثم بالأخص النبي أبراهيم الذي أختطف السحرة اليهود مكان ولادته الحقيقي في بلاد مابين النهرين " العراق اليوم"، وترتيب أعادة ولادته في أراضيهم لتحبيب الرعية بالدين والأيمان وتعضيد هذه القصص بالتفاسير والفتاوي والدعاء الرباني سواء أكانت النواح والبكاء على حائط المبكي في القدس أوالفاتيكان أو في رحاب الكعبة وكربلاء، لتتناقض وتختلف القصص ولُغات المؤرخين اليهود والعرب والأغريق والفراعنة ومن دولة الى أخرى.
وشرعية الحفظ التوراتي الديني غرضه السياسي ترويض القطيع الأعمى بشلة من الجهلة، المشوهون فكرياً، يدعي بعضها بأنها جيوش مُرسلة من الله منذ العشاء الأخير، وأختفاء المهدي صاحب الزمان وظهورعصائب للحق، ويساويهم في الجهل المقابل، القطيع الاعمى الآخر للقاعدة " داعش " دولة العراق الأسلامية في العراق والشام.
وللأمانة، علينا أختبار ذكاء مقاتلي طالبان وذكاء ثوار ليبيا والأخوان المسلمين في مصر وربطهم مع "داعش" للدولة الأسلامية في العراق والشام " وتسهيل الأختبار عليهم. فمما لاشك فيه، لايستطيع أحد التقليل من شجاعة مقاتليهم في حرق الكنائس ونهب محتوياتها " كنيسة البشارة " واحدة منها، ووأد البنات وتهريب المخدرات ونجاح عملياتهم الجهادية في قطع الرؤوس وتدمير الأثار والجوامع وتخريب المدن على نحو فاقوا فيه جيوش هولاكو. وبأختبار بسيط لذكائهم وبئسهم في التخريب اليومي نستطيع أن نتعرف أذا كان عامة الناس يعتبرونهم من الجنس البشري أم مجموعات من الوحوش البشرية.
أن ماسيقف حاجزاً في عدم أِجتياز أي أمتحان مدرسي بسيط، في رأيي، هو لنشرهم الكراهية وتحليل النساء لملذاتهم، والتناحر والتنافس فيما بينهم على السلطة وتقاسم المال والنفوذ، ثم الأخفاق في تعريف كلمة ( المسلم )، الأمر الذي جعلهم في صفوف المرتزقه والوحوش البشرية التي أحلتْ القتل والارهاب باسم الدين والاسلام والأتكاء الكلي على أحاديث وفتاوى السحرة التي لا قيمة أسلامية لها أطلاقاً. فكيف تقوم دولة داعش على أنقاض التخريب والتخلف والثقافة الدموية العنصرية،ومن سيقوم بتبرئتهم، وكيف؟؟؟
وكلمة حق بشأن المشوهين للأسلام،فكرياً وتاريخياً وروحياً، هي أن مايعشقوه من الدين يُماثل مايعشقوه من مال وسلاح وعتاد لم يصنعهُ لهم عمر أو عليْ رضوان الله عليهما، ولهم مايعشقوه من نجاحهم وقادتهم من القتلة، في تدمير وتخريب المجتمعات العربية بلا هوادة. أنه التشويه المرسوم لهم والذي تتبناه المخابرات ألاسرائيلية والأمريكية وفق أستراتيجية "بأسهم بينهم ونارهم تأكل حطبهم ". أني أرى أن نجاحهم يفوق نجاح الجيش الأسرائيلي في ميدان القتال في تحطيم وتفكيك الجيوش العربية وتهجيرهم للعوائل العربية من مزارعهم وبيوتهم وأراضيهم. حقاً أن الألم النفسي دائماً أصعب من الألم الجسدي والمصيبة الكبرى أنها حلّت وأجتمعت في آن واحد في جهاديين يقتلون بعضهم.
على مر العصور تم تسخير القيم الدينية وتوريث الدين لشلة أو نخبة لإحتلال ديني قومي عنصري سياسي ولإغتصاب الأرض والتوسع السكاني وترويض القطيع الأعمى بقصص وخرافات خيالية وديعة ومدجنة وزائفة ومفبركة ومصطنعة من تصميم وصناعة وكلاء الله " علماء الدين المزعومين" في جزر أرضه. وكان اليهود من أمهر الصناع في كتابة وفبركة الدين من كتاب العهد القديم الى كتاب العهد الجديد التوراة وصياغته بطرق عقابية ربانية وصورأنسانية ووعد الله لهم بأرض الميعاد لكونهم شعب الله المختار. لم يعد توريث الدين حالة ممكنة مع أن عملية التدجين والترويض مستمرة بل ومستميته وترعاها بعض الحكومات بالمال وأحكام الشريعة أعتقاداً بأن علماء الدين هم المسؤولون عن دخول الأنسان الجنة أو النار حسب تفسيراتهم لكتب الأعتقاد الديني. ولحد الآن تستغل مخابرات الدول الامبريالية و الصهيونية " بلاد الكفار " بهذه الزمر المتشددة الطائشة وتمرير الأجندة التي تدعو المجاهد الى شريعة القتل وتزوده بالسلاح والعتاد وأجهزة الأتصالات الألكترونية الغربية الحديثة.
وفي القرآن الكريم أية توضيحية للجنة تلاقفها علماء الدين المزعومين (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ) "15 " سورة محمد
مستقبل نجاح القاعدة في أستراتيجيتها هو فشل بعض الدول في مكافحتها. فقد أظهرَ أشتعال القتال وسقوط مدنيين قتلى في المواجهات المسلحة التي شهدتها العاصمة الليبية في يوم واحد كان أكثر من 40 قتيلاً، وحوالي 240 جريحاً، على أنه الصراع على السلطة والنفوذ بين ثوار الناتو و ميليشيا مصراتة وقبائل المجلس العسكري والحكومة الخائبة التي لاتستطيع أكثر من قبول مايجري أو شجبه. أنه الصراع الخفي الدائر بين مؤسسات تمتلك وسائل تنفيذ القدرة وأمكانية البطش وتتوقف دون أنزاله نظراً وخوفاً من المباغتة التي أدخلتها الفلسفة الدينية وعشاقها من غفاة البشر لتعطيل وسائل الدولة وسبلها في صد هجمات هذه العصابات من القتلة.
وقد أصبح معروفاً ماتقوم به الدولة في محاربة الأرهاب بهيكل نظامها المتمثل في نشر نقاط السيطرة في المدن وتفتيش السيارات وكاميرات التصوير الأرضية والجوية وزيادة أعداد القوات المسلحة والأمن ونشر وكلاء المخابرات وتدريبهم للتفوق على زمر القاعدة والمجموعات الجهادية التي تعيش بينهم وفي أطر قواتهم المسلحة. فما الذي طرأ على وسائل الدولة في ميدان النجاح والفشل منذ مقتل بن لادن الى حين أعتقال أبو أنس الليبي في طرابلس في مطلع شهرأكتوبر هذا العام؟ أنه النجاح الوحيد للدولة بعد تخصيص مكافأة مالية أمريكية لتسليمه كما تم تسليم عصابة صدام. وهو ماتم تنفيذه.
التطابق الحالي لقانون الدولة مع قانون مليشيات الأرهاب غيّرَ من أستراتيجية الصراع العربي ضد قوى الأرهاب التي تقمصت أسماء الخلفاء الراشدين في دعواتهم التكفيرية، كجيش الفاروق عمر بن الخطاب ومعاوية والنصرة وأنصار الخلافة الإسلامية، وجيش علي والحسين والعباس من الجانب الأخر. تسليم القتلة من هذه الجيوش الشريرة،التي تعج بها الدول العربية، هو واجب المواطن والحكومة وبتخصيص مكافأت مالية كما فعلت الولايات المتحدة بأقتناص القتلة الهاربين.
ويأتي قطع مصر لعلاقاتها مع تركيا وطرد سفيرها دليل آخر على مدى خطورة المد الأجنبي وتخبط الدول العربية في أيجاد سبل دعم أرادتها الوطنية ومنع السلفية من فرض شرعيتهم المزعومة. وقد لفت نبيل زكي، القيادي في جبهة الإنقاذ المصرية، لـ"إيلاف" إلى أن رئيس الوزراء التركي إردوغان، تعاملَ مع مصر عقب الإطاحة بنظام حكم الإخوان المسلمين، وكأنه السلطان العثماني قد عاد للحياة، ومصر ولاية تابعة للآستانة أو الباب العالي، مشيراً إلى أن القرار جاء في التوقيت الصحيح، ولم يتأخر".
تصور مدى الفوضى السياسية في أستطاعة مقاتلي غرفة عمليات ثوار ليبيا أختطاف رئيس الحكومة الليبية علي زيدان في بداية شهر أكتوبر الماضي، ولم يُعلن عن تحريره أِلا في العاشر من أكتوبر الماضي، وأن عملية اختطافه من قبل مسلحين جاءت في إطار الصراع والأبتزاز السياسي على السلطة، ونقمة مسلحوا القاعدة لقيام القوات الأمريكية بأعتقال أبو أنس الليبي في طرابلس في مطلع الشهر نفسه. أنه الأمر الذي دعا رئيس الحكومة الليبية علي زيدان (بعد أن أطلق مختطفيه سراحه ) للنزول عند رغبات مختطفيه ( بنقل التشكيلات المسلحة الشرعية إلى رئاسة أركان الجيش)، في محاولة لضبط الأمن والقضاء على فوضى السلاح.
الدول العربية المعنية في هذا المقال وينطبق عليها فشل ليبيا ومصر وسوريا والعراق في الحرب على الأرهاب، ووجود دولة أرهاب داخل الدولة، وهي الظاهرة الواضحة من الصومال والسودان والجزائر وليبيا وتونس والأردن واليمن بالأضافة الى الدول المذكورة أعلاه. ويظهر ذلك جلياً في هروب قادة كانوا في صميم توفير الأمن للمواطن لتكتشف الرعية لاحقاً أنهم شاركوا وتواطؤا مع قوى الأرهاب وزودوها بالأموال والمفخخات والقنابل. أنه الأمر الذي أدى الى اليوم في فشل بناء دولة عصرية دون خوف ومجاملة للقوى التكفيرية ومذاهبها الطائفية والعنصرية. أنه النجاح الضئيل الذي حققته القاعدة في بناء دول الأمراء الأسلامية وشيوخها وعلمائها في العلانية والسرية بشرورها وتخريبها للمجتمعات العربية على نحومستمر.
لايجب أن تقوم البحوث العسكرية والسياسية بحسن الظن بالتركيز على طغمة مبدأها " التكبير لله" بقتل الناس،وأحياء الرسل الأموات، كلما حرقوا و دمروا بنايات، مساكن، مدارس، مصانع، معسكرات، ملاعب، ونوادي أجتماعية وقتل مواطنيهم داخلها، ولا بحسن الظن بأن هؤلاء المرتزقة قد يعودوا يوماً الى رشدهم والى قيم الاسلام الحنيف، ولابحسن الظن بأن فلول وزمر القاعدة بلا هدف أستراتيجي وتعبوي وتزهو بأنتصاراتها التكتيكية وذهاب مقاتليها الى الجنة، كما تزهو وتُنشد الأناشيد المرعبة بمقتل قائد ميداني بضربة جوية مباغتة نفذتها عليه طائرة درونز أو برديتر أمريكية. ولايجب أن تفخر دولة عربية بزهو وسائلها الأعلامية والأشادة بوضع قادة منظمات أرهابية سلفية في السجون وأخلاء سبيلهم بعد فترة زمنية وأعطائهم مراكز السيطرة الفكرية والأدبية والأخلاقية في المجتمع.
وتعريفي لهذه الطغمة التي سيطرت وأستكبرت بطيش للمبادئ أنها طغمة "داعش"، سيدها مستجدي عابد سيده مُستذلُ....أنها طغمة أبعدتْ وعزلتْ بتعاليمها المذهبية وتعبئتها التكفيرية، وجهلها بالنظم السياسية الحيثة،أبعدتْ الجيوش النظامية العربية عن الصراع الحقيقي العربي- الأسرائيلي الذي كان يعتبر من أهم تقاليد واجباتها العسكرية.
باحث وكاتب سياسي