أصداء

العروبيون و الاسلاميون يرسخون الفكر التقسيمي في العقل الكوردي

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


من أخطر القضايا التي تحاصر المجتمعات العربية و الاسلامية هو اسقاط الماضي بتفاصيله على اليوم أو محاولة الربط بين العناصر الماضوية التي فقدت مقومات حركتها لا بل و هرمت و بين العناصر العصرية التي بدأ روح الحركة فيها ينبعث للتو و بالتالي ينشاُ صراع ليس هو بين أفكار سياسية أو اجتماعية بقدر ما هو صراع فكري بين الحداثوية بمجمل مفاهيمها و بين الماضوية بمفاهيمها ليستفيد الطرف الثالث الذي هو مترصد نتائج هكذا صراعات و هو مركز القرار البشري أو الدولي أو مصدر القرارات و توزيعها إلى المراكز الاكثر ضعفا و تبعية.

إن من أكثر الاخطاء فداحة في الثورة السورية و هي ثورة المفاهيم الانسانية الحديثة، ثورة الـ 2011 و الـ 2013، ثورة الحرية و الديمقراطية... هي أنها سلمت نفسها للعقول الخمسينية و الستينية و السبعنية و حتى التسعينية التي أثبتت المعطيات العلمية و الثقافية بعدم قدرة هذه العقول على استيعاب الثورة المعرفية و العلمية و السياسية و التواصل الثقافي و الحضاري بين الامم و الشعوب بعيداً عن نظرية الانتماء الاجتماعي.

تتجلى حقيقة هذه الصورة التي قدمناه في الحالة التي وصلت إليها الثورة السورية و نتائجها الخطيرة على الشعب السوري خاصة و شعوب المنطقة عامة ذات الانتماءات الاجتماعية، و العرقية، الدينية، يضاف إليها المذهبية و العشائرية و حتى الاسرية المختلفة، حيث تثبت الدراسات النفسية المتواضعة التي قمت بها من خلال التواصل المستمر مع كافة الشرائح السورية و المحيطة بسورية عبر ما يقل عن 3 سنوات أن الفرد الذي يشكل الجماعة بدأ غير موثوق بنفسه و بمحيطه و أن الخوف من نفسه و من الآخرين غير المحددين و غير المعروفين جعل منه ضعيفاً غير قادرعلى حماية نفسه و غيره ليكون الهروب من مستحقاته الاخلاقية عنواناً للانسان السوري و هذا ما خلق بشكل عام اللاإستقرار في التكوين النفسي لديه ليبدو متخبطاً لا ثقة له بنفسه و بالأخرين و هذا أخطر الازمات التي قد تواجه المجتمعات البشرية.

بدأت الثورة قي السورية من كوردها في 2004 و المعلوم أن الشعب الكوردي من أكثر الشعوب السورية تعرضت للاضطهاد و كانت فرصة لبقية شرائح المجتمع السوري للتحرر من نظام شمولي ديكتاتوري قمعي فيما لو تم استيعاب الوضع الكوردي في سياقه الوطني و لو تجاوزت تلك الشرائح السورية عقدة الانتماء القومي العروبي التي زرعتها الانظمة البعثية العروبية السورية المتعاقبة ابتداء من 1963 و التي رسخها النظام الاسدي بعد استلامه الحكم في السبعينات من القرن الماضي و اسس لنظرية الكورد هم اسرائيل ثانية...!!! و أن حصول الكورد على أي شيء يعني تقسيم سورية...!!!

و اليوم يعيد التاريخ نفسه و بنفس الطريقة لكن بآليات مختلفة و نظريات قومجية و دينية أقل ما يمكن وصفها بميثولوجية العقل العربي و أزمته، ففي الوقت الذي تؤكد معطيات الخطاب السياسي الكوردي على أنهم جزء من التكوين الوطني السوري تصر بعض العقليات العروبية على ترسيخ ذهنية التقسيم ليس في فكره كعربي بل حتى في التفكير الكوردي و يأتي هذا الاتجاه أو التصور نتيجة للعقدة القومية و الدينية التي يتمتع به العقل العربي و أحساسه الدائم بالخوف من الانقراض في ظل العولمة و المفاهيم الانسانية الحديثة التي تجاوزت مرحلة الكيانات القومية الى مرحلة الكيانات الاقتصادية الكبرى، و هذا التثور العروبي ليس خاصاً بالشعب الكوردي و حقيقة وجوده كشعب يملك مقومات الامة وشروطها العلمية و التاريخية و التاريخية و حتى الجغرافية بل بالنسبة لمعظم الشعوب التي تعيش أو تجاور الوطن العربي، الكورد ساهموا في الثورة السورية بكافة شرائحه السياسية و الاجتماعية ضمن نطريتهم و رؤيتهم الوطنية و السياسية التي اسسوها بناءً على قراءاتهم للحدث السوري بما يحويه من عناصر فكرية و سياسية و اجتماعية و تاريخية و التي فرضت عليهم اتخاذ موقف مختلف ليس من الثورة السورية كحركة تاريخية مجتمعية غايتها التغيير نحو الافضل و ما تحمل من قيم في الديمقراطية و الحرية و حقوق الانسام بل من الجانب أو العنصر العروبي و الديني الذي ساهم أيضاً في الثورة و برؤيته و نظريته القومجية و الدينية المذهبية و المبنية تاريخياً على فكرة الاقصائية للآخر المختلف.

إن اتخاذ الكورد خطاً ثورياً مختلفا عن التيارات القومجية و الدينية الاسلامية لا يستدعي هذا العداء الشديد للعنصر الكوردي لأسباب عديدة و أولها أن هؤلاء القومجيين العروبيين و الاسلاميين لا يمكن القضاء على شعب بأكمله إلا في حالة واحدة و هي حرب ابادة شاملة على الشعب الكوردي تشنها الدول العربية " الانظمة " و هي قد تكون مستحيلة في ظل العالم الواحد، كان بامكان الاسلاميين و القومجيين فتح حوار جدي و علمي مبني على الاحترام و الوقائع سيما و أن من ضمن أهم الاهداف التي يتفق عليها بين الطرفين هو اسقاط النظام بمكوناته في إطار احترام الخصوصية الفكرية و السياسية و الاجتماعية و القومية المختلفة للشعب الكوردي و التأسيس لعلاقة وطنية جديدة لتهيئة الظروف لمستقبل سوري ديمقراطي حر و حل أزمة الثقة بين الكورد و العرب و التي زرعها النظام لعقود مضت.

إن طغيان الفكر العروبي و المذهبي على الاوساط السياسية و الثقافية العربي " و هي نسبية " أرهقت الثورة السورية و قللت من الامل في بناء وطن مدني ديمقراطي، حيث و بدلاً من الحوار مع الكورد كقومية مختلفة عن العروبة اتجهت هذه الاوساط العروبية و الاسلامية إلى محاولة زيادة الشق و المسافة التي اسس لها النظام عبر إقصائه المتعمد عن القرارات الوطنية و عدم احترام المشاعر القومية و ارتباطاته القومية مع الاجزاء الاخرى من وطنهم المقسم و اتهاماته غير الواقعية و المتواصلة لأهم الشرائح الاجتماعية السورية لا بل و إعلان الحرب و بشكل مباشر عليه في مناطقه و محاصرة مدنه و قراه حصاراً اقتصادياً خانقاً الامر الذي زاد عمقاً في ازمة الثقة حتى بات حل أو إضعاف الازمة شبه مستحيل إن لم تسرع هذه الاوساط السياسية و الثقافية العربية في استيعاب الامر و معالجته بالحوار المسؤول و الجدي و البعيد عن الاملاءات الخارجية و الاقليمية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف