أصداء

المرأة المغربية أسطورة الوفاء و النضال.. خديجة الشاوي نموذجا؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الحديث عن المرأة العربية بصفة عامة وبعيدا عن أي تصنيفات قطرية ضيقة، يعني أساسا الحديث عن أساطير حية من المعاناة و الكفاح و تحدي مختلف العوائق المجتمعية والتقليدية من اجل التحديث و العصرنة و الوصول لحياة أفضل، فاللمرأة العربية دور فاعل وعظيم في زمن النهضة الوطنية و القومية وسجلات التاريخ العربي المعاصر تحتفظ بأسماء وقامات متميزة لنسوة حفرن الصخر بأصابعهن سعيا وراء أهداف سامية ومثل عليا، ولكنني وسعيا مني لإلقاء الضوء على نماذج نسوية معينة آثرت أن تكون البداية من المغرب الأقصى وحيث للمرأة المغربية دور حافل ومجيد في البناء الحضاري و المجتمعي بما تتميز به من صبر مشهود وثقة عالية بالنفس و إستعداد جم وغريزي للتضحية و بشكل يخالف بالكامل كل الدعايات المشوهة و المشبوهة و المرفوضة و التي سوقت لصورة المرأة المغربية بشكل مزيف وفج على كونها عنوان للمتعة و الجنس الرخيص أو كونها من ممارسات السحر و الشعوذة و ما شابه ذلك من التصانيف الغريبة و البعيدة كل البعد عن عوالم الواقع و مراراته و إشكالياته المعقدة، لقد ساهمت المرأة المغربية من خلال صور و صيغ عدة في المسيرة النضالية للشعب المغربي من أجل الحرية و الإستقلال والكرامة و بناء مجتمع الحداثة و العدالة، وكان من الطبيعي جدا أن تكون المرأة بل وتتقدم ضمن صفوف المناضلين والمناضلات في حقبة النضال ضد الإستبداد وحكم العسكر وفي الفترة المعروفة بالتاريخ المغربي ب ( سنوات الرصاص والجمر ) وهي التي بدأت بعد معركة الإستقلال الوطني عام 1956 وتواصلت مع أحداث الريف المسلحة في شمال المغرب نهاية عقد الخمسينيات ثم تواصلت مع أحداث اعوام 1963 و 1965 ووصولا للحقبة الإنفجارية لأعوام 1971 و 1972 الساخنة التي شهدت أخطر محاولتي إنقلاب دموية ضد نظام الأسرة العلوية المتجذر في التاريخ المغربي ( إنقلاب قصر الصخيرات و محاولة إسقاط الطائرة الملكية ) وهي المحاولات التي تزعمها كبار جنرالات النظام نفسه كمحمد المذبوح وأمحمد عبابو و العقيد الشلواطي ثم الجنرال القوي وواجهة النظام لعقود طويلة محمد اوفقير الذي كان يخطط بمكر وبعقلية مافيوزية ليست بعيدة أبدا عن خطط ومداخلات دولية لتغيير مسيرة المغرب المعاصر بالكامل، لقد نجا نظام الملك الراحل الحسن الثاني وبأعجوبة بلغت درجة المعجزة من نتائج تلكم المحاولات ولكن الثمن كان غاليا في إرتدادات تلكم الأحداث المجتمعية وفي تورط عناصر عسكرية وسياسية كثيرة في الأحداث وفي مرحلة إختلطت فيها الأوراق و أختلط الحابل بالنابل و أخذ البريء بجريرة المسيء، فسيف السلطة و سوطها لايرحم وحملات الإنتقام الدموية لا تعرف التمييز ولا الرحمة أيضا..

منذ فترة و أنا أطالع بإهتمام سيرة ومذكرات وذكريات عدد من الذين كانت لهم أدوار في تلكم الأحداث ومنهم الذين تعرضوا لمحنة السجن في أبشع معتقل سياسي في التاريخ في أسطورية عذابه وجبروت سطوته وهو السجن القبر ( تازمامارت ) الواقع في تخوم الصحراء الجنوبية الشرقية للمغرب و الذي أقيم خلال الفترة ( 1973 /1991 ) وشهد أكل أرواح أكثر من 30 معتقلا من مجموع 58 هم حصيلة نزلائه قبل أن تفرض المتغيرات الداخلية و الخارجية تأثيراتها وتطوى صفحات تلكم الحقبة و يسدل الستار النهائي على مأساة تازممارت و التي لم تزل بعضا من ملفاتها عالقة حتى اليوم تحكي قصة الظلم و الجبروت وعدمية الصراع السياسي، وقد نشرت مؤلفات و كتب عديدة حول هذا الموضوع كان أبرزها كتاب المرحوم محمد الرايس ( تازممارت تذكرة ذهاب وعودة للجحيم ) وكذلك كتاب أحمد المرزوقي ( الزنزانة 10 ) و اخيرا كتاب عزيز بنبين حول نفس الموضوع، وكان لكتاب المرحوم الرايس صدى إعلامي و إنساني رهيب جدا لما تضمنه من فصول و روايات مرعبة حول التفاصيل اليومية التي إستمرت لأكثر من ثمانية عشر عاما لنزلاء ذلك السجن الرهيب الذي كانت السلطات الرسمية تنكر وجوده بالكامل بينما كان هو يلتهم الأرواح البشرية و يحيل الباقي لرميم قبل أن ينجح الرايس و بمساعدة بعض الحراس من ذوي الضمائر بفضح سر ذلك المعتقل و كان الفضل في ذلك لزوجة المرحوم الرايس السيدة المكافحة و الأم العظيمة و المناضلة من أجل الإنسانية و الطفولة و البراءة السيدة ( خديجة الشاوي ) تلك الأمازيغية العملاقة التي كانت غضة وطرية حين رحل زوجها لعوالم السجون كضحية لصراع الجنرالات على السلطة وبقيت هي و أولادها الست وهي في ربيع العمر و زهرة الشباب تكافح و تناضل و تخوض الصعاب للدفاع عن شريك عمرها لتنطلق من ذلك الدفاع الذاتي لتكون رمزا إنسانيا خالدا يقف بالضد من العتو و الإستبداد و التسلط و لتتحمل المصائب و الصعاب و ترفض كل مغريات الحياة لتقف وقفة عز وكرامة و إنسانية منقطعة النظير مع زوجها ورفيق عمرها تشاركه المحنة و تعيش معه بكل جوارحها عذابات قبر ( تازممارت ) و تنجح في كسب الرهان وفي تربية أبنائها وفي أن تجعل من إبنتها الكبرى السيدة ( إلهام الرايس ) لتكون سفيرة الإنسانية والصوت النسوي المغربي العالي الذي يفضح مأساة تازممارت في المنتديات الحقوقية و الإنسانية الدولية ليساهمن مساهمة فاعلة في تعبيد الطريق لقيام مغرب جديد متصالح مع ذاته ومع أبنائه و مصمم على قبر سنوات الرصاص وبناء حقبة المشاركة و الحرية وحقوق الإنسان و دولة الحق و القانون بعد إعتراف الدولة بأخطائها بحق أبنائها و البدء بمسلسل المصالحة الوطنية وجبر الضرر في أواخر العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم و الذي كان البداية الحقيقية للربيع التغييري المغربي المستمر بوسائل سلمية وحضارية، لقد أدمنت على قراءة وتتبع مذكرات السيدة خديجة الشاوي من على الصفحة الأخيرة من صحيفة المساء اليومية المغربية في زاوية ( كرسي الإعتراف ) و تتبعت بكل دقة روايتها التاريخية الشيقة و المؤلمة وهي تصارع الحياة القاسية وغول ( المخزن ) الرهيب وتشارك بقية نسوة و عوائل المعتقلين المغيبين في قبر تازممارت في محنة حياتية قاسية لم تنته أبدا حتى بعد الإفراج عن زوجها نهائيا خريف عام 1992 وحيث بدأ نضال مابعد السجن و مداراة نتائج الإعتقال التعسفي الطويل الصحية الرهيبة على جسد زوجها الذي حولته محنة السجن القبر لإنسان آخر ذو أطوار غريبة ومع ذلك لم تتخل عنه أو تتركه لمصيره و تكتفي بما عانته من معاناة بل وقفت معه وصرفت كل ما تحت يديها وباعت دارها من أجل علاج زوجها الذي حاصرته الأمراض والعلل و التي كان آخرها الفشل الكلوي وحيث توفي رحمه الله عام 2010 ليترك زوجة صالحة وأم عظيمة ورؤوم و أمرأة مجاهدة مخلصة ووفيه خلدت ذكراه وحفرت بدمها صفحات معاناته التي خلدها تاريخ القمع الشرقي، خديجة الشاوي وهي تروي اليوم ذكرياتها و تعيش أحزانها تعبر خير تعبير عن حقيقة المعدن الأصيل و الجوهر الإنساني للمرأة المغربية المكافحة التي لم تستسلم للقدر النحس و الظروف الصعبة بل كانت شعلة من الإيمان و العزيمة و الصبر على المكاره و الإصرار على الهدف.. إنها تستحق التكريم من أرفع المستويات وهذا التكريم ينبغي أن يأتي أساسا من بلدها المغرب التي لم تتخل عنه حتى وهي تعاني الأمرين من ظلم الأهل وذوي القربى، فتحية إجلال مشبعة بكل ورود الإنسانية الطاهرة للسيدة الجليلة المجاهدة العظيمة خديجة الشاوي والرحمة لأرواح أولئك المظلومين من شهداء الظلم و التعسف و الإستبداد الذين أكلهم ظلام تازممارت الرهيب، ويحق لنسوة العرب و المغرب أن يفخرن برمز إنساني حي و شامخ متجسد بالمناضلة خديجة الشاوي أطال الله في عمرها، إنها من معدن إنساني نفيس يفتخر به المرء فعلا.. وهي وسام شرف مغربي رفيع.

dawoodalbasri@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
رجعت لاصلك
عراقي حر -

خارج الموضوع

تدهور قيم أم نحس؟؟؟؟
دنيا -

أتفهم انتقاد تراجع قيم المجتمع المغربي الذي أصبحت تحل الأنانية والانتهازية والطمع والكذب فيه محل التكافل والصدق والأمانة وحسن الجوار. وهو تراجع تجده في الأردن وفي مصر وفي قطر وفي الإمارات وفي فلسطين وفي سوريا وفي لبنان، ولا يوجد مجتمع عربي واحد يمكن أن يقول إنه لا يعاني تراجع القيم وتدهور أخلاق إناثه وذكوره. ولا يمكن وصف تدهور الأخلاق في هذه المجتمعات بالقدر النحس، بل هو كما قال عالم دين مصري، نتيجة لظلم الناس أنفسهم وبغيهم بينهم، فجرى قدر الله عليهم الذي لا ينبغي الاعتراض عليه حين الدعاء لهم بأن تنصلح أحوالهم، فقدر الله ماض فيهم.

كيف ذلك؟؟
عراقي حر -

بالعكس بل من صلب الموضوع المشكله تكمن في ايلاف,. تنتقي مايناسبها فقط

سلام للمغربيات من مونتريا
sa7ar -

مشكورة السيدة الكاتبة على مقال يعكس واقع المرأه العربية التي تعاني الأمرين في مجتمعاتنا الأبوية الظالمة. المرأة التي سلب حقها في حياة كريمة سبب بؤسنا كله! بؤس المرأة إنعكس على الأسرة وعلى المجتمع بأكمله وما إستفاد منه إلا حفنة من الذكوريين الذين ما كانوا ليصلوا إلى سدة الحكم لولا جهل أغلبنا. المرأة المغربية تصدرت مواقع الإتهام (مع اننا كلنا متهمات) لأنها استحقت النقد فلا ترمى الشجرة بحجر إلا عندما تكون مثمرة. غالبية العرب يكرهون المرأة بكل حالاتها لكنهم لا يجدونها تستحق التهجم إن كانت خانعة تنتظر ما بعد الموت لتحصل حقها. نساء المغرب العربي سبقننا نحن نساء المشرق ( أصلي لبناني) في المطالبة بحقوقهن لذا حق عليهن العقاب: حق العقاب على من تجرأت أن تقول أنا إنسان ولست عورة. المغرب الذي أقر _مدونة الاسرة_ فنظم علاقات الأزواج وحافظ على حق الطفل ما كان ليفعل لولا تضحيات المرأة المغربية. سنلحق بركبكن ولو تأخرنا، فها هو الزواج المدني في لبنان تظهر بشائره! أنا ولدت بتطوان من أبوين لبنانيين عملوا في شمال المغرب عندما كنت طفلة ولهجتي بالفرنسي فيها شيء من المغربي، لذا فأن أسأل دائماً إن كنت مغربية، أجيب بلا فيكون الرد tu es charmante comme une Marocaine :)