فضاء الرأي

حتى لا يعاد إنتاج "أبو عدس" جديد في تونس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ سنوات اغتيل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في ظروف غامضة ومن قبل جهة أتقنت، ليس فقط تخطيط وتنفيذ العمل الإجرامي، بل أيضا عملية طمس أدلة الجريمة وتوجيه الأبحاث نحو جهات لا تمت بصلة للمنفذين والمخططين والمستفيدين من هذا الفعل الآثم.
وفي هذا الإطار تم إيهام الرأي العام بضلوع شخص يدعى "أبو عدس" ومن ورائه الشماعة التي يعلق عليها الجميع أخطاءهم في منطقة الشرق الأوسط، وهي تنظيم القاعدة، باعتبار أن الغاية كانت بالأساس التخلص من الرجل لأنه بات "عبء ثقيلا" على القوى الإقليمية والدولية "صاحبة الشأن" في بلد الأرز ووجب التخلص منه سريعا لفتح المجال أمام هذه الجهات لتنفيذ أجنداتها.
لقد كانت الغاية إزاحة الحريري من المسرح السياسي بأي ثمن. لأن الأمر كان يصب في مصلحة جهات لبنانية وأخرى خارجية تتربص بالبلد سواء على حدوده الجنوبية (الكيان الصهيوني) وحتى شمالا وشرقا حيث الشقيق السوري الأكبر (رغم رفض المغرقين في الطيبة تصديق الأمر)، وكذا باقي القوى الإقليمية والدولية.
فتم اختطاف أحد النكرات من مخيم فلسطيني جنوبي وأطلق عليه إسم أبي عدس، وأجبروه في تسجيل، على نسبة قتل الحريري لنفسه ولتنظيم لا يعرف له وجود في خارطة التنظيمات "الجهادية". وحتى تحبك خيوط المؤامرة بشكل جيد كفر أبو عدس رفيق الحريري ووضعه في خانة أعداء الإسلام. وكأن بالتخلص من رئيس وزراء لبنان الأسبق سيعم الدين الإسلامي الحنيف أنحاء الأرض وينتشر نوره بين البشر وستنتهي مشاكل الأمة ويعم الصلاح عوض الشرور والفتن.
وتبادل لاحقا النظام السوري الإتهامات بشأن اغتيال الحريري مع الجهات الغربية والصهيونية ولم تعرف الجهة التي زجت بالمسمى "أبو عدس". واختفى الرجل من الوجود ولم يعثر له على أثر كما لم تعرف إلى يوم الناس هذا الجهة التي قتلت الحريري وأزاحته عن المشهد السياسي، و"ضاع دم الرجل بين القبائل".
وفي تونس، التي اغتيل فيها شكري بلعيد، في ظروف سياسية وتوازنات إقليمية على غاية من الإختلاف مع واقع بلد الأرز. فإن هناك الكثير من أوجه الشبه. فكما لساسة الشرق الأوسط شماعة هي تنظيم القاعدة يسارع الجميع إلى اتهامها تفصيا من المسؤولة. لتونس أيضا شماعتها وهي "الأزلام" أو كما يسميهم المصريون "الفلول". وقد سارعت بعض الأصوات في استباق لنتائج التحقيق إلى اتهام هؤلاء باغتيال شكري بلعيد. وقد كثر اتهام الأزلام في أكثر من موضع وفهم أولوا الألباب أن الأمر يتعلق بأشباح مهمتها الرئيسية هي التغطية على الفاعلين الأصليين وعن الجهات التي تحركهم.
وإلى جانب هؤلاء تم توجيه الإتهام أيضا باغتيال شكري بلعيد، من قبل البعض، إلى جهة، أو شماعة جديدة، ويتعلق الأمر بمؤامرة خارجية وجهات أجنبية تستهدف أمن تونس واستقرارها. وكأن النظام القائم في أرض الخضراء يناصب الغرب العداء ويصطف فيما يعرف بـ"محور الممانعة" ويمثل خطرا على أمن أمريكا وإسرائيل، وهو الحائز على تزكية البيت الأبيض ومباركته شأنه شأن نظيره في مصر، الذي قال بشأنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في استجواب له بالكونغرس بأن الرئيس مرسي هو خير ضامن لأمني أمريكا وإسرائيل.
ويتوقع بالفعل، رغم التمني بخلاف ذلك، بأن توجه أصابع الإتهام باغتيال شكري بلعيد إلى إحدى هاتين الجهتين أي الأزلام والجهة الأجنبية. كما يتوقع أن يتم اختلاق أبو عدس تونسي يظهر في وسائل الإعلام ويعترف أمام الملإ بالجرم المشهود، ويقع تغييبه لاحقا "غيبة كبرى" (قتل) أو "صغرى" (نفي) لإخفائه من المشهد السياسي وعن عيون الرقباء المتربصين بالفريق الحاكم سواء "إعلام العار" (توصيف تطلقه حركة النهضة على وسائل الإعلام التي ليست في صفها) أو "معارضة الثورة المضادة" (نعت يصف به إخوان تونس معارضيهم) أو غيرهم.
وحتى لا يعاد إنتاج أبو عدس بمواصفات تونسية، هناك عديد الإجراءات التي يمكن اتخاذها على غرار وجوب تحييد وزارتي السيادة، العدل والداخلية في أسرع وقت ممكن، كما يمكن الأخذ بالرأي الذي يدعو إلى أن تباشر لجنة مستقلة التحقيقات المتعلقة بمقتل بلعيد، تمثل فيها الهيئة الوطنية للمحامين وجمعية القضاة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمة الشغيلة (الإتحاد العام التونسي للشغل) وغيرها من مكونات المجتمع المدني، لأن هناك نسبة معتبرة من التونسيين لم تعد تثق في الجهات السياسية الإخوانية الماسكة بمقاليد السلطة في البلاد.
فحياد التحقيق وإبعاده عن التجاذبات السياسية أمر مطلوب، وكذا تجنب اللجوء إلى القضاء الدولي، الذي ينادي به البعض (خصوصا حزب نداء تونس بزعامة رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي)، لأنه سيجعل هذا الملف وعلى غرار ملف الحريري عنوانا لصراعات القوى الإقليمية والدولية الراغبة في الهيمنة والسيطرة على مناطق النفوذ في المنطقة المغاربية التي باتت قبلة أكثر من طرف في الوقت الراهن نظرا لما تزخر به من ثروات.
=


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال جيد
أنيس -

مقال جيد

بالفعل
القحطاني -

فعلا لقد تم إنتاج أبو عدس جديد في تونس بحسب الأخبار الواردة اليوم في موقع إيلاف. أبو عدس التونسي ينتمي أيضا إلى التيار السلفي. لكن غباء حركة النهضة الإخوانية جعلها تسيء إختيار أبي عدس. ففي المشرق تحميل مسؤولية اغتيال الحريري للتيار الوهابي يبرئ القوى الداخلية والخارجية ومنها إسرائيل وسورية أما في تونس فإن اتهام التيار السلفي يعني اتهام حركة النهضة. فالقاصي والداني يدرك أن النهضة والسلفيين واحد. فالغنوشي سلفي ومثله حبيب اللوز وشورو وارتباكات هؤلاء بالسلفيين وشيوخهم ودعاتهم جلية للعيان. فالفريق الحاكم اتهم نفسه من حيث لا يدري وهذا الغباء الإخواني للأسف ليس بجديد.

حكم الإخوان كارثة
أبو الوليد -

تونس تعيش أحلك أيام عمرها مع الإخوان. لم نر في سلوكهم شيئا من الإسلام الذي صعدوا إلى صناديق الإقتراع بإسمه. الإسلام منهم بريء وهم أكبر خطر عليه.

النهضة قتلت تونس
إياد -

حركة النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر هم قادة الثورة الضادة في بلدان الربيع العربي. بهم أجهضت أمريكا حلم الديمقراطية في هذه البلدان.

تحامل
وليد المديوني -

كاتب المقال وأصحاب التعليقات يتحاملون على حركة النهضة ولا يتميزون بالموضوعية.