أصداء

لقاء مع صديق يهودي قديم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


أسميه صديقي القديم بالرغم من أني لم أعرفه ولم ألتق به من قبل, أما فارق العمر بيننا فيتجاوز الثلاثين عاما ً لكنه بالرغم من ذلك يبقى صديقي لأني أحسست بأن هناك أشياء كثيرة مشتركة بيننا, أولها لون البشرة الحنطي, وثانيها اللغة العربية التي يتقنها بالرغم من غيابه عن الوطن لأكثر من خمسين عاما ً, وأخيرها وليس آخرها قصة الهجرة المشتركة بيننا, فكلانا هاجر أو هجر رغماً عنه, وكأن هذا الوطن يفرط بنا, نحن أبنائه الذين نفترق عند طرقات الأرض, نسئل عن وطن ضاع منا, لكننا في الحقيقة نحمله في حقائبنا, أنا حللنا, ونفترشه على أرصفة المحطات الثلجية فنشعر بالدفء حين يغطينا.

لقد جاء ضيفاً على الجامعة يلقي محاضرة عن الديمقراطية في تركيا وإمكانية تطبيقها في مصر, لقد كان عالم الإجتماع العراقي البروفيسور سامي زبيدة واسع المعرفة مطلع على التفاصيل السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية في الشرق الأوسط, وكان يجيب على الأسئلة المطروحة بطريقة تنم عن سعة في الإطلاع ونظرة ثاقبة للمستقبل. في وقت الإستراحة وقبل وقت طرح الأسئلة سئلته هل تتقن العربية فقال بأنها لغته الأم, وقرأ أبيات من الشعر من قصيدة نهج البردة لكعب بن زهير بلسان عربي طليق بعد أن سئله أحدهم عن التشدد والإنفتاح في الرؤية الإسلامية لجسد المرأة بين الماضي والحاضر. سألته مجددا ً عن العراق فقال أنا من بغداد ولكن تركتها منذ زمن بعيد. في تلك اللحظة رأيت نفسي بلا وطن في العشرين أو الثلاثين سنة القادمة من عمري أبحث عنه في صور قديمة ولغة يتحدث بها شخص هنا أو هناك. وكما قرأت عنه, فالرجل يهودي الأصل ذو ميول يسارية, أو ربما هو من أولئك اليهود اليساريين الذين رفضوا الذهاب إلى إسرائيل وفضلوا العيش في لندن ونيويورك. قلت له هل ستذهب إلى بغداد يوما ما, فقال لا, كيف والوضع السياسي لم يستقر بعد ولايبدو بأنه سيستقر في الوقت الحالي. قلت له ستأتي معي إلى البيت حيث ستأكل الدولمة فضحك كثيرا ً وقال في فرصة قادمة فأنا مدعوا من الجامعة وهم تكفلوا بكل شيء.

في هذا اللقاء القصير, تجتمع هناك قصتان, قصة الوطن الجريح وقصة الهجرة التي جمعتنا. كل يوم في رحيل, نحن كالطيور نهاجر إلى كل مكان إلا الوطن. ولكن, حتى الطيور لها أعشاش كما يقول مظفر النواب. لقد رحُل اليهود بحجج واهية وبلعبة سياسية حقيرة ليتركوا وطننا عمروه حين عاشوا فيه آلاف من السنين, خسروا الوطن وخسرهم الوطن بخسارة تراثهم وعقولهم ورؤوس أموالهم. أما ما بعد ذلك, فقد بدأ موسم الهجرة إلى كل مكان من هذا الوطن بحجج كثيرة, وكأن هذا الوطن يطرد أبنائه. لم يكن موسما ً واحدا ً للهجرة ولاكانت هناك وجهة واحدة كالشمال, لم تكن تلك الهجرات كهجرة الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال حيث يبحث عن الإنتقام بطريقته الخاصه. رحُل كل من يحمل جنسية تبعية بحجة الإنتماء لإيران وهم أهل البلد حيث عاشوا فيه مئات السنين. هُجر بعدهم الأكراد الفيلون ليتركوا على الحدود الإيرانية وهم عشرات الآلاف بعد أن جردوا من ممتلاكاتهم في ليلة ظلماء غابت بها نجوم السماء واختفى بها القمر ليموت منهم المئات في البرد القارص. هُجر أكراد الشمال من مناطقهم من أجل تغيير الخارطة الديمغرافية وكأنهم مصابون بمرض خطير معدي ولابد من التخلص منهم. هُجر الشيعة من مناطقهم وهُجر السنة كذلك من مناطقهم وهُجر الصابئة والمسيحيون أهل البلاد الأصليون وهُجر الناس جميعا ً على حد قول عاد الإمام في مسرحية الود سيد الشغال.

لا أعرف من منا يريد أن يعيش وحده في هذا البلد حتى يبدأ بتهجير الآخر! لماذا نريد أن نتشابه في الطعام والشراب والملبس والمأكل والثقافة والعادات والتقاليد, ألا يكفينا بإننا نتشابه بحجم أنوفنا الكبيرة رغم عدم فاعليتها, فغالبية من ألتقيهم من العراقيين مصابون بالجيوب الأنفيه معطلة أنوفهم. لماذا نريد أن نكون متشابهين وقد خلقنا الله مختلفين, أليست تلك مفارقة عجيبة! هل سنهجر أبناء قبيلتنا حين ينفذ منا أصحاب القوميات والأديان والمذاهب الأخرى كما ينفذ الغاز السائل فنضطر حينها بالإستعانة بالخشب ليمنحنا بعض الدفء.

هذه قصة وطننا الواحد الذي لانعرف أن نعيش فيه ونحن عدة قليلة من الأديان والمذاهب والقوميات المختلفة التي تناغمت في عيشها منذ الآف السنين. كيف لا وأنا أعيش في مدينة صغيرة في شمال أوربا فيها أكثر من مئة وعشرين جنسية بمختلف أديانهم وأعراقهم ومذاهبهم وثقافاتهم, لكنهم رغم ذلك وجدوا طريقة للتفاهم فيما بينهم وعاشوا عيشة سعيدة بقليل من المشاكل. حتى عندما يركب أحدنا باص النقل وإذا بكل ممثلي الدول يركبون في هذا الباص وكأنه الجمعية العامة للأمم المتحدة. تلك هي قصة الوطن الذي لم نستطع أن نتفاهم ونتقاسم فيه معيشتنا فهل نتعظ من قصص الماضين, قصص من هجروا وهم لايزالون يحملون في قلوبهم اللوعة, نعم, لوعة العودة إلى الوطن والعيش بسلام مع الآخر المختلف في الدين والعرق والقومية.

Imad_rasan@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
وشكرا لاوطان المهجر !!
جوني كاكا!! -

عزيزي كاتب المقال ذكرت عن يهود العراق خسروا الوطن وخسرهم الوطن وتقصد بالوطن هو العراق والاصح في هذه الجمله العراق هو من خسرهم وهم كانوا الفائزون!! واحب ان تعرف معنى الوطن اسمع كثيرا بكلمة الوطن وكان في العراق حصة الوطن في المدارس الابتدائيه وكانت حصه مهمله وممله وبعض الاحيان درس شاغر او ياخذ الحصه مدرس العربي او الحساب حتى يخرج من المدرسه باكرا تصور عزيزي القارئ كانت حصة الوطنيه هي اكثر الحصص او الدروس اهمالا في المدارس العراقيه عشت في العراق ٤٠ سنه لم اشعر يوما بالوطن بالعكس كنت اشعر انني عبد في بلد اسمه العراق وليس لي اي حقوق ولهذا السبب تركنا بلد العبيد وجئنا للمهجر بلد الاحرار وشكرا لاوطان المهجر !!

تتبغدد علينا ههههههه
أكثرهم معجب -

هذا الانف العراقي عزيز علي لا تعير عراقي أو عراقية بانفه أزعل منك هههه حتى الموناليزا تتمنى لو كان عندها انف عراقي ههههه

وشكرا لاوطان المهجر !!
جوني كاكا!! -

عزيزي كاتب المقال ذكرت عن يهود العراق خسروا الوطن وخسرهم الوطن وتقصد بالوطن هو العراق والاصح في هذه الجمله العراق هو من خسرهم وهم كانوا الفائزون!! واحب ان تعرف معنى الوطن اسمع كثيرا بكلمة الوطن وكان في العراق حصة الوطن في المدارس الابتدائيه وكانت حصه مهمله وممله وبعض الاحيان درس شاغر او ياخذ الحصه مدرس العربي او الحساب حتى يخرج من المدرسه باكرا تصور عزيزي القارئ كانت حصة الوطنيه هي اكثر الحصص او الدروس اهمالا في المدارس العراقيه عشت في العراق ٤٠ سنه لم اشعر يوما بالوطن بالعكس كنت اشعر انني عبد في بلد اسمه العراق وليس لي اي حقوق ولهذا السبب تركنا بلد العبيد وجئنا للمهجر بلد الاحرار وشكرا لاوطان المهجر !!

لا فض الله فوك
Abu Azaad -

عاشت ايدك استاذ عماد، كأنك تقراْ ما في قلبي، الله يعطيك الصحة والعافية

مقال جميل من كاتب مجتهد
sas -

مقال جميل من كاتب مجتهد ومثقف يوصل افكارهه بطريقه شيقه....شكرا وادعو لك بالنجاح والموفقيه

لا فض الله فوك
Abu Azaad -

عاشت ايدك استاذ عماد، كأنك تقراْ ما في قلبي، الله يعطيك الصحة والعافية

الثوره
Mohammad -

السيد عماد شلون مدينة الثوره ( المنوره !!!!) .. اخويه انت منو طلعك من بلدك ؟؟؟ هسه راح تكول انت جنت قائد قوات ذيج الصفحه وجنت مسوي انقلاب على صدام حسين ؟؟؟؟ مو بالله .. ولهذا هاجرت !!! اخويه .. خلي الطبق مستور .. انت كل عمرك عايش بالثوره وبالجوادر قطاع 22 يم الفلكه ... بعد هالبطولات الفارغه شنو؟؟؟؟؟؟ بالمناسبه .. التهجير كان فقط للايرانيين التبعيه ... اما تكول الكل تهجروا فهذا الكلام عيب ... ارجو النشر كااااااااااااااااااااااااااااااااااااملا بدون حذف او تغيير

الى رقم ٥ محمد!!
جوني كاكا -

الى رقم ٥ محمد ماالعلاقه بين المقال والثوره لماذا نلجئ لاسلوب التسقيط والالغاء كفى الحط من قدر الناس وحضرتك منين اصلك من المانيا لو من النمسا!!

الثوره
Mohammad -

السيد عماد شلون مدينة الثوره ( المنوره !!!!) .. اخويه انت منو طلعك من بلدك ؟؟؟ هسه راح تكول انت جنت قائد قوات ذيج الصفحه وجنت مسوي انقلاب على صدام حسين ؟؟؟؟ مو بالله .. ولهذا هاجرت !!! اخويه .. خلي الطبق مستور .. انت كل عمرك عايش بالثوره وبالجوادر قطاع 22 يم الفلكه ... بعد هالبطولات الفارغه شنو؟؟؟؟؟؟ بالمناسبه .. التهجير كان فقط للايرانيين التبعيه ... اما تكول الكل تهجروا فهذا الكلام عيب ... ارجو النشر كااااااااااااااااااااااااااااااااااااملا بدون حذف او تغيير

تجربتي
امريكي عراقي -

بعد وصولي الى امريكا بشهور قليلة ثارت ضجة في الاعلام الامريكي حول حقوق المثليين . كوني من العراق الثوري القرارات وعربي التفكير , بثوان معدودة كان الحل عندي حلاً عنيفاً دموياً ظالماً وصرحت به لصديقي الامريكي فكان جوابه , عندما تسلب اي فرد حريته فانتظر قليلا وستسلب حريتك ...الحقيقة ان هذا القول البسيط صار قدوة لي في قراراتي كلها واعلم انه صعب التقبل في مجتمعاتنا المتعودة على قرارات فورية وظالمة في اغلب الاحيان وغبية في نتائجها. تعليقي على مقالك ان من تقبل قرار تهجير يهود العراق كحل ,سيتقبل تهجير التبعية والكرد والفيلية وووووو حتى يصله التهجير , ومن لايمانع ظلم الكرد لايرى بأس في ظلم المسيحي او الصابئ او غيرهم , خير دليل على ما اقول , احد التعليقات يدافع عن تهجير التبعية لانه غير مشمول ولكن لو كان القرار لتسفير التبعية العثمانية لكان اول المتباكين من الظلم . ختاماً عندما ندافع عن اي مظلوم فلن نظلم وبغيره لن يبقى عراقي واحد ينتمي الى هذه الارض....

تجربتي
امريكي عراقي -

بعد وصولي الى امريكا بشهور قليلة ثارت ضجة في الاعلام الامريكي حول حقوق المثليين . كوني من العراق الثوري القرارات وعربي التفكير , بثوان معدودة كان الحل عندي حلاً عنيفاً دموياً ظالماً وصرحت به لصديقي الامريكي فكان جوابه , عندما تسلب اي فرد حريته فانتظر قليلا وستسلب حريتك ...الحقيقة ان هذا القول البسيط صار قدوة لي في قراراتي كلها واعلم انه صعب التقبل في مجتمعاتنا المتعودة على قرارات فورية وظالمة في اغلب الاحيان وغبية في نتائجها. تعليقي على مقالك ان من تقبل قرار تهجير يهود العراق كحل ,سيتقبل تهجير التبعية والكرد والفيلية وووووو حتى يصله التهجير , ومن لايمانع ظلم الكرد لايرى بأس في ظلم المسيحي او الصابئ او غيرهم , خير دليل على ما اقول , احد التعليقات يدافع عن تهجير التبعية لانه غير مشمول ولكن لو كان القرار لتسفير التبعية العثمانية لكان اول المتباكين من الظلم . ختاماً عندما ندافع عن اي مظلوم فلن نظلم وبغيره لن يبقى عراقي واحد ينتمي الى هذه الارض....