في حتمية انقلاب الجيش علي الإخوان .. صدمة التفكير بالتمني!

انهيت مقالي السابق والمعنون " الخداع البصري في رخاوة الدول وفشلها.. مصر نموذجا "، بأن الخطأ الثاني في تصريحات " هنري كيسنجر " التي أدلي بها قبل أيام خلال المؤتمر السنوى لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكى فى نيويورك، يكمن في تأكيده علي (حتمية الصدام بين الجيش المصري والإخوان المسلمين). هذا التأكيد - في تصوري - (مضلل) وفي أفضل الأحوال هو نوع من " التفكير بالتمني "، لأنه لا يعبر عما يدور داخل أروقة الإدارة الأمريكية ودهاليزها ناهيك عن حركة الأحداث في الواقع المصري.

الفكرة التقليدية التي يستند إليها معظم المؤيدين لانقلاب الجيش المصري علي شرعية الرئيس الإخواني محمد مرسي، هي أن الجيش لن ينتظر كثيرا وهو يشاهد انهيار الدولة وتفكيك مؤسساتها، كما أنه لن يقف عاجزا أمام تهديد أمن مصر القومي واختراق حدودها شرقا وغربا (وفي العمق). ما يبدد هذه الفكرة من جذورها هو أن ما يحدث من فوضي منظمة (وخراب مستعجل) علي أرض مصر، منذ تولي الإخوان المسلمين للسلطة، هو بالضبط (ما يمنع الجيش) من التدخل أو حتي مجرد التفكير في الانقلاب العسكري .. كيف؟

مصر دخلت في (دائرة الحروب غير المتماثلة أو المتكافئة) وأخطر ما في هذه الحروب أنها تدار بواسطة مجموعات من المتمردين المدربين جيدا والميليشيات والعصابات المسلحة، التي لا يستطيع (أي جيش نظامي محترف) أن يواجهها بالعتاد والأسلحة الثقيلة، وهو ما يطلق عليه " الجيل الرابع من الحروب " والهدف الأساسي هو: إنهاك الدولة المستهدفة وتآكل إرادتها ببطء وثبات من أجل اكتساب النفوذ وإرغامها على تنفيذ إرادة أعدائها فى النهاية.
لقد انتهت الحروب بأشكالها التقليدية المعروفة حيث كانت تعبر الجيوش النظامية (حدود) الدول المعادية للسيطرة عليها أو على جزء منها، أو استخدام قوة النيران والطائرات والصواريخ أو المناورة والالتفاف علي العدو، وبدأت الحروب غير المتماثلة (أو قل غير المتكافئة) عن طريق " زعزعة الاستقرار " داخل الدول المستهدفة عبر (غايات عظيمة مثل: " ثورات الربيع العربي "، وشعارات كبري مثل: الخبز والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية)، ومن خلال وسائل حميدة الى حد ما ينفذها مواطنون من الدولة العدو (بما في ذلك النساء وأطفال الشوارع)، بالتزامن مع خلق مناطق داخل حدود هذه الدول ليس لها سيادة عليها (سيناء مثلا) عن طريق دعم مجموعات محاربة وعنيفة للسيطرة على هذه المناطق.

القضية أكبر بكثير من " الجيش المصري " مع كامل تقديرنا لوطنيته - ومصير الجيوش العربية المتهورة لا يجب أن يغيب عن الأذهان - بل إن التجارب المريرة للجيش الأمريكي النظامي نفسه في أفغانستان والعراق والصومال، والجيش الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة الأولي والثانية و(حزب الله في جنوب لبنان 2006) دفع كبار القادة في " البنتاغون " إلي الاستفادة من الجيل الرابع من الحروب والتخطيط لها واستخدامها .. فالحرب هي الحرب تحت أي مسمي وفي أي جيل: (إخضاع العدو وإكراهه بكل الوسائل الممكنة).

إن ما أعلنه الرئيس الأمريكي " باراك أوباما " عقب تسلمه مقاليد الحكم - في بداية ولايته الأولي والثانية - وهو: " لا تدخل عسكري بعد اليوم " وسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان بحلول (عام 2014)، لا يعني أن دولة عظمي مثل الولايات المتحدة لن تتدخل (استخباراتيا) ومن خلال الآخرين وبتحريك (أذنابها) في العالم عن طريق الجيل الرابع من الحروب غير المتكافئة، لأن مصالح أمريكا الاحتكارية لم تتغير بل زادت عن ذي قبل بعد الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 ، وأصبح (إضعاف خصومها) وعرقلة نموهم الاقتصادي (الصين وروسيا) والقوي الصاعدة الأخري عن طريق خلق الاضطرابات والتوترات في مناطق نفوذها (هدف معلن) .. ومن أجل هذا الهدف:
- لجأت أمريكا إلي المصالحة مع أكبر وأقدم جماعات الإسلام السياسي في المنطقة وهي " جماعة الإخوان المسلمين " في مقابل عدم اعتبارها (العدو رقم واحد) وخدمة مصالحها في المنطقة، وبذلك أنهت ستين عاما من حكم العسكر في المنطقة وأمرت بفتح السجون أيام ثورات الخراب والإفراج عن كافة المعتقلين من الجهاديين بما فيهم قتلة الرئيس السادات، من أجل تعزيز صفوف الإسلاميين علي اختلاف توجهاتهم وتقويتهم، وهذا هو " مصدر الثقة " التي يتكلم بها الإسلاميون مع العسكر أو غيرهم من التيارات السياسية الأخري: القومية والعلمانية والليبرالية أو حتي مع شركاء الوطن من الأقباط، من أنهم لن يسلموا السلطة أبدا وسوف يحكمون لعقود طويلة قادمة.

ملحوظة: هذا الرابط المهم هو محاضرة متداولة علي الانترنت (حول الجيل الرابع من الحروب) ألقاها البروفيسور " " ماكس مانوارينغ " الأستاذ بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب بالجيش الامريكى، في المؤتمر السنوي لأمن نصف الكرة الأرضية الغربي (أغسطس 2012)، في معهد دراسات الأمن القومي " بإسرائيل، تحت عنوان " الحروب الغير متماثلة.. مقدمة لقادة الجيوش الغربية ".

الرابط الثاني: الرئيس الأمريكي " جيمي كارتر " عراب اتفاقية " كامب ديفيد " 1979، (يستكمل مهمته) مع الإخوان المسلمين مع المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر ووزير خارجية مصر الفعلي عصام الحداد (قبل انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر !)
Dressamabdalla@yahoo.com