فضاء الرأي

واشنطن بين «طالبان» و«حماس»..ما الفروق؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

فيما تتوقع حركةُ حماس شطبَ اسمها من قائمة الإرهاب، قريبا، وترجو اعترافا دوليا، أمريكيا، وأوربيا، تفيد وسائل إعلام أمريكية بأنَّ " قطر تتوسط في محادثات غير مباشرة؛ للانفتاح على طالبان، وتعزيز قبول المجتمع الدولي لها".

وهنا تثور أسئلةٌ عن التشابه والاختلاف بين الحركتين، وعن علاقة هذا التعاطي الأمريكي وَفْقَ محددات سياستها في هذه المرحلة، وعلاقة تقبُّلها الضمني المشروط، لحركة طالبان بتعاونها مع "الإسلاميين" فيما يُسمى بدول الربيع العربي، وأهمُّها مصر- الإخوان.وكما تشترط أمريكا على حماس شروطا منها نبذ الإرهاب، فإنها تشترط لقبول طالبان حركةً سياسية نبذَها للعنف، ودخولها الكامل في العملية السياسية.

من الواضح أن مرجعية طالبان الإسلامية (المتشددة) لا تمنع واشنطن، من حيث المبدأ، من التفاوض معها، ومحاولة التعويل على (الخط المعتدل فيها) علما أن "طالبان" أكثر تشددا من "حماس"، على الصعيد المجتمعي، ولا سيما في تعاملها مع قضايا المرأة، وتعليمها، وفرض الحجاب... وهي أقوى شكيمة، وأشدُّ فتكا في عملياتها العسكرية، ومنها عمليات انتحارية ضد جنود أمريكيين.

فحركة حماس أقربُ إلى حركةٍ وطنية بثوبٍ إسلامي؛ فهي ليست بعيدةً عن المرجعيات الفلسطينية، ولا يظهر عليها الميلُ إلى الفكر الانقلابي الشمولي، بل على العكس من ذلك، فإنها عملت على الحد من نفوذ الحركات السلفية الجهادية في قطاع غزة، حتى وصلتْ إلى حربها، وقتلت قائدا من قادتها، هو عبد اللطيف موسى، أبو النور المقدسي الذي أعلن "إمارة إسلامية" في القطاع، وطالبَ حكومةَ حماس بالخضوع لأحكام الشريعة، وقد عدَّ البعضُ تصدي "حماس" لهذه الجماعات القريبة من فكر "القاعدة" تقرُّبا منها إلى الغرب، وإثباتا لاعتدالها.

و"حماس" لم تزل حريصة على نسج علاقات دولية، وشرح معاناة غزة إلى الوفود المتعاطفة إليها من أوروبا، وغيرها.

ويتساءل قادة في حماس عن معنى عزلهم أمريكيا، في الوقت الذي تتعامل واشنطن فيه مع حركتهم الأم "الإخوان المسلمين"!

فما الفرق؟

إن طالبان، وإن كانت إسلامية متزمتة، إلا أنها مع ذلك، بدر منها مواقف تدل على إمكان احتوائها، فقد كانت لها علاقات دبلوماسية وسفارات، وتعترف بها عددٌ من الدول القريبة من الولايات المتحدة والغرب، كالباكستان، والسعودية، والإمارات... فهي بالتالي لا تسعى استراتيجيا، بحسب الظاهر، إلى دولة إسلامية كبرى، فوق وطنية.

لكن من الواضح أن العقدة الأساسية في طريق اعتراف واشنطن بـ"حماس" تكمن في إسرائيل، ورفضها العميق لأية مهادنة، أو اقتراب من حماس، ما دامت الأخيرة لا تعترف بإسرائيل، وتعلن سعيها إلى تدميرها، وتتبنى العنف في سبيل ذلك.

فالوضع في أفغانستان على أهمية المنطقة لأمريكا من الناحية الجيوسياسية إلا أنه أقل حساسية من الوضع في فلسطين، بما تحمله هذه القضية، وهذا الصراع من حمولاتٍ نفسية وتاريخية، وأثارا واسعة في المنطقة العربية والإسلامية التي تقع فلسطينُ في القلب منها، جغرافيا، ووجدانيا.

فالنظرة التي ينظر منها بعض العرب والمسلمين إلى إسرائيل، بوصفها، دولةً محتلة، أو دولة غير شرعية، وغاصبة، تسعى الولايات المتحدة إلى تغييرها، هذا التغيير لا يتحقق ما دامت "حماس" تتبنى، ولو من الناحية النظرية، ما يُشعر بلا شرعية إسرائيل، فأمريكا حريصة على شرعنة كيان إسرائيل في الوجدان العربي، قدر الإمكان؛ لأن بقاءَها، على المدى البعيد، سيظل محفوفا بالخطر، ما لم يتحقق ذلك، ولا سيما مع هذه التقلبات السياسية العميقة التي تضرب نُظُمَ حكمٍ في المنطقة، وكانت، كما نظام مبارك، من أهم الذخائر الاستراتيجية لإسرائيل.

ومن هنا تكتسب جماعة الإخوان المسلمين رصيدا من الدعم الأمريكي، مع أنها تواجه تحدياتٍ داخليةً ليست هينة، وذلك الدعم؛ لأنها تعلن التزامَها بمعاهدة الصلح مع إسرائيل، وتبدر من رئيس مصر الإخواني، محمد مرسي، بوادرُ فعلية وقولية مشجعة، كما في جهوده لحفظ الأمن في شبه جزيرة سيناء، وكما في رسالته الشهيرة إلى رئيس دولة إسرائيل، شمعون بيرس، حيث ذيَّل مرسي رسالته إليه، بـ"صديقك الوفي".

والمعنى أن أمريكا ربما تؤمِّل في ممارسة إخوان مصر، وهم في السلطة، نفوذا أكبر، وأفْعَل، على حركة حماس، لتتقدم نحو مزيد من التغيير، و(الاعتدال).

من دواعي التفاوض مع "طالبان"
وإذا تحاشينا الخصوصيةَ التي يتميز به الصراع في فلسطين، فإنَّ الأزمة المالية، والدواعي البراغماتية، ولا سيما مع الفريق الحالي للإدارة الأمريكية، برئيسها باراك أوباما الجانح إلى التفاوض، حتى مع الأعداء، وخفض سقف الأهداف، ووزير دفاعه، تشاك هيجل، الذي يتبنى خفض موازنة الدفاع، فإن المنطق السياسي يقود إلى التفاوض مع "طالبان"، حيث يقدر باحثون أن الجندي الأمريكي يكلف الخزانة مليون دولار سنويا.

وخلاصة الأمر أن الحرب في أفغانستان قضيةٌ أمريكية، مباشرة، وقد أصبحتْ، بعد مُضيّ ما يزيد عن أحد عشر عاما، مصدرَ تعبٍ، للشعب الأمريكي، ومصدرَ استنزافٍ مالي، دون أن يكون ثمة أفقٌ لنصر عسكري قريب، مع تحديات تتعلق بالفساد الحكومي، في كابول، وعدم سيطرة، أو قدرة قوات الأمن الأفغانية على حفظ الأمن، بعد الانسحاب الأمريكي المقرر نهاية 2014م.

وبعد نجاح أوباما في تصفية زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، فإنه يستطيع أن يشهر هذا النجاح، فقد كانت الحرب على أفغانستان؛ بسبب إيواء "طالبان" لأسامة بن لادن، وتنظيم القاعدة، بعد تفجير برجي التجارة في نيويورك.

ومن ناحيةٍ أخرى، تتوافق هذه السياسةُ التقاربية من "طالبان" مع المناخ السائد، في هذه المرحلة، حيث الانفتاح الأمريكي، على "الإسلاميين" الذي يمكن استيعابُهم، ضمن الرؤية الأمريكية الأشمل للعالم، والمنطقة العربية والإسلامية، من خلال محور (الاعتدال الإسلامي) الذي على رأسه تركيا، والسعودية، وقطر، وغيرها، ومن دول الربيع العربي، مصر، وغيرها.
o_osaamah@hotmail.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف