قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في البدء كان المخيم، وعلى مدار عقود من عمر سورية، شكلت المخيمات، وفي القلب منها اليرموك، الرابط التفاعلي الذي لا بد من التشابك معه للإطلال على عالم الثورات التي كانت تأخذ دائماً طابعاً تحررياً، في ظل المفهوم العالمثالثي للتحرر من الإستعمار والنضال ضد الصهيونية.في البدء كان المخيم، وهو أصل الحكاية، صحيح أن الزمن السياسي السوري الرسمي طالما جرى تصنيع سياقاته في ثكنات الجيش والمقار الأمنية، غير أن سياقات الثورة وتشكلات الحدث الشرق أوسطي كانت تتم في سخام المخيم وبين زواريبه حينما كانت بندقية فتح والقوميين العرب، ترسم جيو إستراتيجية الشرق الأوسط عبر نقله بحركة ميكانيكية من السكون الرسمي النظامي إلى الحراك الشعبي على وقع أغاني العاصفة الشهيرة .ليس سراً أن قلب سورية كان دائماً معلق في جنوبها، كان الحدث الفلسطيني داخلياً بإمتياز وبيتوتياً بإمتياز حدث خاص بكل بيت سوري من درعا إلى حلب، وليس سراً أن تعبيرات هذا الحدث من منتجات ثقافية" أشعار درويش وقاسم ونثر كنفاني وحبيبي وجبرا" وصوره الثورية، شكلت الوجدان الثوري السوري وأضافت للذهنية السورية رافداً إضافياً في ثقافة المقاومة والتحرير.اليوم، وبعد سنتين من إنطلاقة الثورة السورية،يصدر كل ذلك الخزين السوري ببعده الفلسطيني، وحيث يشكل المخيم حدود التماس الأولى لهذا البعد، تصير مخيمات اللجوء أصل الحكاية ومنتهاها، فمجرد بقاءها منتصبة في جغرافية العرب وسورية يمثل الإدانة الصريحة لأنظمة الإستبداد التي حاولت أن تركب قضية فلسطين للوصول إلى رقاب شعبها وإستعبادهم مديداً.ليس تكريماً للمخيم أن يتحول إلى عنوان لأسابيع الثورة السورية ولا هو مجرد إستدعاء لتعاطف قومي، فات أوانه، بل هو إقرار بواقع عملاني لوجستي، إذ أن المخيمات كانت شريكاً في الثورة منذ إنطلاقتها الأولى، ليس في الوجع وحده الذي عم الجغرافية السورية بكل أركانها، ولكن أيضاً في الحلم بالحرية والكرامة، وقبل ذلك في العمل للوصول إلى هذه المبتغيات الجميلة.في البدء كان مخيم درعا الذي أقدم على عملية جريئة تمثلت بالقبول بخيار إزالته مقابل أن يؤدي دوره في تطبيب أبناء الأحياء المجاورة ومشاركتهم الخبز والدواء في مدينة تمت محاصرتها من كل الجهات، لم يستطع مخيم البؤس والفقر أن ينأى بنفسه عن مداواة جرح نازف وإطعام طفل جائع في وقت منع نظام الأسد حتى حليب الأطفال عن درعا، وتكر السبحة فيأوي مخيم " العائدين" في حمص أولئك الذين تدمرت بيوتهم، ويصبح " مخيم الرمل" في اللاذقية جزيرة الأمان للهاربين من عواصف نظام الأسد الهائجة.وكان اليرموك حكاية الحكايات، حيث سيتحول موطناً لمئات ألاف السوريين، الفارين من حمص ودرعا وريف حماة ، ومن الجوار الجنوبي للعاصمة، وبصبر الكبار وجبروتهم، يصبح مخيم اللاجئين هذا جمعية أمم متحدة، تنظم وتوفر الإقامة والإغاثة والطبابة بعملية إعجازية تنوء دولاً ومجتمعات عن حملها، سيجند كل أبناءه وطاقاته وموارده، وبما خبأته نساؤه لليوم الأسود، فدوى لكرامة الأشقاء" الأهل".أذكر أنني سألت مرة صديقاً لي من درعا عن سر هذا الإندفاع في الوقوف إلى جانب السوريين، فلفت إنتباهي إلى مسألة لم تخطر ببال الكثيرين رغم ترسخها كحقيقة إجتماعية، وهي ذلك التداخل في الجغرافية الإجتماعية بين الطرفين الذي صار إندماجاً مع الزمن إذ أن يندر ان تجد عائلة فلسطينية غير مرتبطة بالسوريين، قال لي نحن نأوي أبناء أخواتنا وأخوالنا وعماتنا، لسنا برانيين، نحن وهم نسيج إجتماعي واحد، فتذكرت ذلك الشعار" واحد واحد واحد فلسطيني وسوري واحد" وأدركت أن جمعة المخيمات تأخرت كثيراً.