فضاء الرأي

الثورة السورية وسؤال المعنى!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في ظل تداعيات الثورة السورية، ومسار العنف الي جره إليها النظام المجرم، والوقائع الفظيعة من مجازر ومذابح بحق المدنيين تنشأ الكثير من التساؤلات، وعلامات الحسرة ــ تلك التي تستغلها بعض الأنظمة العربية في توظيف ثبات أوضاعها ــ لدى مختلف الفئات، لاسيما السوريين، وتتضاعف تلك الحسرة لدى كثيرين أضاعوا بوصلة التأمل المفضي إلى القبض على حقيقة المعنى وراء كل تلك التداعيات المفجعة ؛ ليقعوا في اليأس والإحباط.
صحيح أن الوقائع الآن في مسار العنف الاضطراري الذي يخوضه الجيش الحر وكتائب المعارضة السورية، تشير إلى الكثير من الخراب وشبه الفوضى، والعذابات اللامتناهية لفئات المجتمع السوري؛ لكن الأكثر صحة : أن هذا النظام المجرم هو السبب الأصلي والأولي في ذلك العنف والخراب الذي يتداعى على خلفية الصراع الدموي في سوريا. وسيكون من العبث التفكير عن معنى لهذه الأوضاع الخطيرة التي تمر بها سوريا بدون إدراك هذه الحقيقة البديهية، والتي تغيب عن كثير من الأذهان بفعل الوتائر المتسارعة للموت والخراب والتفسخ الذي يلف الوضع في سوريا.
ثمة سبب آخر يفسر ذلك الذي يحدث الآن من خراب ودمار في صيرورة الثورة السورية، وهو : البنية التاريخية للاستبداد في هذه المنطقة، وهي بنية لا يمكن الخروج منها إلى الحرية إلا عبر التحلل من عقابيلها وآثارها المكلفة. فلنتساءل مثلا : ما الذي يجعل شخصا مثل بشار الأسد يتصرف حيال الشعب السوري في مطالبه المشروعة نحو الحرية والرشد السياسي بمثل هذا العنف والقتل والدمار المديد ؟ هل كان من الضروري أن تؤدي الاستجابة لمثل هذه المطالب المشروعة إلى هذا الخراب، لولا بنية الاستبداد التي عششت لقرون على تصورات الناس في هذه المنطقة، والمتمثلة في سكوتهم عن الظلم المتطاول من ناحية، وإحساس بشار نتيجة لذلك بأن ما يقوم به من قتل ومجازر ردا على تلك المطالب بأنه الواجب والتصرف الطبيعي ؟ سنجد انفسنا، حين نتأمل في هذه الحالة، أمام استحقاق طويل لتصفية الاستبداد، ومخاض عسير وضروري للخروج منه.
قد يبدو هذا الكلام في ظل الكلفة الدموية الهائلة للموت والدمار المصاحب لمقاومة هذا النظام المجرم أشبه بحديث خارج السياق، لكن لا مفر من ذلك لكل متأمل إذا أراد أن يقف على المعنى الذي يدل عليه الصراع في هذه الثورة بالرغم من كل ذلك الخراب . وإذا كان القتل والسحق هو مصير من يطالب بشروط العيش الكريم؛ فإن أول ما يتبادر في ذهن كل متأمل حصيف هو أن هذا المصير كان سيأتي عاجلا أم آجلا، في ظل البنية التاريخية للاستبداد مادامت هناك ضرورة للخروج من ذلك الاستبداد الذي يحول الحياة الإنسانية إلى جحيم. والحقيقة هي أن مواجهة ذلك الاستبداد والإصرار على الخروج منه بهذه الأكلاف الفظيعة إنما هي الضمانة الوحيدة في المستقبل لمنع عودته، وقطع الطريق عليه. وإذا ما تساءل البعض هل تحقيق تلك المطالب المشروعة يستحق كل هذه التراكمات الخطيرة من القتل والدمار والدماء، فإن الإجابة لن تكون بمثل هذه المقابلة المباشرة بين الطرفين؛ لأنه إذا سلمنا، بديهةً : أنه لا يختلف شخصان على أن ما يليق بمطلق البشر لكي تصبح حياتهم ذات معنى، وقيمة هو؛ فقط : الحرية والكرامة، والعدل، وإذا ما بدا أن ثمة نظام يمنع تحقيق هذه القيم الضرورية للإنسان بالقتل والتدمير والمجازر الفظيعة، فهل يمكن أن تكون الآثار المدمرة لفعل القتل والذبح والخراب الواقع عليهم من النظام سببا لتغيير تلك البديهية ؟
ما يمكن أن يفسر لنا حالة الاحباط واليأس التي تصيب فئات من السوريين لا سيما بعض المثقفين والمثقفات منهم؛ هو فقط تأويل الجانب الشخصي لذلك الخراب، فالإحساس بالخراب على المستوي الشخصي لذاكرة فرد ما حيال وطنه احساس فظيع. وإدراك آثار ما بعد الحرب والخراب في الحياة المستقبلية للناس أمر أفظع، لكن ذلك لا يمنع أبدا رؤية المعنى البديهي لضرورة الثورة ــ رغم أكلافها تلك ــ والذي يغيب أحيانا بفعل تطاول الموت والخراب، وتجدد الأحداث الفظيعة. قد لا يكتمل تصور المعنى في التناقضات التي يفجرها الصراع، لكن جزء من إدراك ذلك المعنى يرتبط بالصيرورة والنتائج الاستراتيجية للثورة.
هذا ما حدث لجميع الثورات التاريخية، وهذا للأسف هو ثمار الخبرة الإنسانية في تصفية الاستبداد في كل زمان ومكان. ويمكننا أن نقرأ،على سبيل المثال، مشاعر المبدعين الفرنسيين من أمثال الشاعر الكبير آرتور رامبو وخيباتهم السوداوية على فشل ثورة كومونة باريس التي راح ضحيتها الالاف في سبعينيات القرن التاسع عشر بعد أكثر من نصف قرن على قيام الثورة الفرنسية. لكننا وبنفس القدر يمكننا اليوم إدراك النتائج الاستراتيجية والتاريخية للثورة الفرنسية على الأجيال التالية، وما تتمتع به فرنسا اليوم من حرية ورفاهية نتيجة لتلك التضحيات الضرورية في المسار التاريخي لثورتها. إن الإبقاء على جذوة المعنى في خضم الخراب، والذي ينبغي أن يكون رهان المثقفين المتفائلين، هو ما يمنح الأمل الحقيقي بالنجاح في هذه الثورة السورية العظيمة.
Jameil_2004@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
للاخ محد
محمد -

مقالاتك رائعة وتحليلاتك اروع اتابعك دائماً شكراً لك

للاخ محد
محمد -

مقالاتك رائعة وتحليلاتك اروع اتابعك دائماً شكراً لك

مرجع شيعي يؤيد شعب سوريا
د.فاطمة التميمي -

والله بصراحة فقط أعجبني موقف واحد وصريح ووطني وتاريخي من مرجع شيعي يقيم في العراق كربلاء المقدسة اسمه السيد الصرخي الحسني وهو الوحيد من علماء الشيعة بالعالم الذي أيد الثورة السورية وقال كلمة الحق وهذا ماجاء في بيانه الذي أسماه الموت ولا المذلة ... هيهات منا الذلةسماحة المرجع السيد الصرخي السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهوبعد :-منذ فترة طويلة تقترب من السنتين انطلقت الثورة السورية ، ولم نسمع أو نقرأ شيئا صدر من سماحتكم بخصوصها ، وهذا خلاف ما نعرفه عنكم من التفاعل مع الآخرين ونصرة المظلومين والمطالبة بالحقوق وتشخيص وتمييز الحق عن الباطل ، خاصة ونحن اطلعنا على تأييدكم ومباركتكم للثورات الأخرى في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها من بلدان ، ونأسف عن نقل كلام يقوله البعض بأن سماحتكم سكت بخصوص الثورة السورية بدافع طائفي ؛ لأن الصراع في سوريا صراع طائفي بين العلويين والسنة أي بين الشيعة والسنة فنرجوا منكم الإجابة والتوضيح قدر الإمكان ولكم الأجر والثواب ونشكركم على تقبل السؤال ؟ بسمه تعالى::أولا : إن عدم اطلاعكم على شيء لا يستلزم عدم صدور أي شيء ، فقد صدر الكثير من الكلام بهذا الخصوص ، ومنذ الأيام الأولى لانطلاق ثورة ابنائنا الأعزاء في سوريا الشام قد أيدناها وباركناها ودعونا لدعمها ونصرتها بكل ما يستطاع ؛ لأنها ثورة شعب جائع مقهور مظلوم على سلطة ظالمة متجبرة ، فكيف لا نكون مع المظلوم ضد الظالم ؟ فهل نخرج عن الاسلام ومنهج الرسول الأمين وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) ؟ وهل نخرج من الأخلاق والإنسانية ؟ثانيا : وقد ذكرنا ونكرر أن شعار ثورة شعبنا في سوريا ((الموت ولا المذلة))هو تجسيد واقعي حي لشعار كربلاء شعار الحسين عليه السلام وآله وصحبه الأطهار ((هيهات منا الذلة)).....((وإنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت أريد الإصلاح في أمّة جدّي))....((والله لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً))...ثالثا : إن دعوى كون الصراع في سوريا الشام صراعا شيعيّا سنّيّا فهي دعوى باطلة جزما ، فهي من مخترعات ومختلقات السياسة الباطلة والسياسيين الضالين الظالمين ، سياسة التكفير القاتل من مدّعي التسنن والتشيع معا ، سياسة الانتهاز والانتفاع والمكاسب الشخصية و السحت والحرام والفساد, فالصراع هناك هو في أصله وأساسه صراع بين شعب جائع مظلوم مقهور و

سوريا شعبكِ سينتصر
د. زمن الديراوي -

ان الصراع السوري في أصله هو صراع بين شعب مظلوم وحكومة ظالمة ويريد أرباب السياسة أن تنحرف الثورة الجماهيرية السورية المباركة عن مسارها بمساندة مدعي التسنن ومدعي التشيع فهم جميعا يحاولون تأطير القضية السورية بإطار طائفي رغم أنها ثورة شعب مظلوم ضد حكومة ظالمة ,, كما عبر عنها المرجع الصرخي صاحب الموقف الشجاع في بيانه الذي يخص الثورة السورية ومساندته للثوار .... فقد وضع النقاط فيه على الحروف في زمن كثر فيه الخنوع والعمالة والسكوت المطبق , فالاحداث التي تعصف بالامة الاسلامية كثيرة ومتنوعة ولا نرى من رعاتها سواءً السياسيين او رجال الدين من ينطق ويتكلم ويقول للظالم ابتعد وتنحى جانباً فانك ظالم كما يقول ويفعل هذا المرجع العراقي وشعوره بألم الشعوب العربية المسلمة .. نسأل الله تعالى ان ينصر الشعب السوري على الحكومة الظالمة المتجبرة أنه سميع مجيب الدعاء .

سوريا شعبكِ سينتصر
د. زمن الديراوي -

ان الصراع السوري في أصله هو صراع بين شعب مظلوم وحكومة ظالمة ويريد أرباب السياسة أن تنحرف الثورة الجماهيرية السورية المباركة عن مسارها بمساندة مدعي التسنن ومدعي التشيع فهم جميعا يحاولون تأطير القضية السورية بإطار طائفي رغم أنها ثورة شعب مظلوم ضد حكومة ظالمة ,, كما عبر عنها المرجع الصرخي صاحب الموقف الشجاع في بيانه الذي يخص الثورة السورية ومساندته للثوار .... فقد وضع النقاط فيه على الحروف في زمن كثر فيه الخنوع والعمالة والسكوت المطبق , فالاحداث التي تعصف بالامة الاسلامية كثيرة ومتنوعة ولا نرى من رعاتها سواءً السياسيين او رجال الدين من ينطق ويتكلم ويقول للظالم ابتعد وتنحى جانباً فانك ظالم كما يقول ويفعل هذا المرجع العراقي وشعوره بألم الشعوب العربية المسلمة .. نسأل الله تعالى ان ينصر الشعب السوري على الحكومة الظالمة المتجبرة أنه سميع مجيب الدعاء .