أصداء

سوريا "الكيماوية"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


أكثر ما بات يقلق المجتمع الدولي بشأن الأزمة السورية التي مضى على اشتعالها حوالي 26 شهراً، هو الترسانة الكيماوية الضخمة التي تمتلكها سوريا. بعد تبادل النظام السوري ومسلحو المعارضة الاتهامات بشن ثلاث هجمات بالاسلحة الكيميائية، احداها قرب حلب والاخرى قرب دمشق، وقعا في مارس آذار، والثالثة في حمص في ديسمبر كانون الاول، تحوّلت "سوريا الكيماوية" إلى كابوسٍ يقضّ مضجع العالم، خصوصاً الدول الإقليمية المجاورة "غير الصديقة" لبشار الأسد، وفي مقدمتها إسرائيل.

دخول إسرائيل على خط المواجهة المباشرة مع النظام السوري، عبر قيامها بتنفيذ غارتين جويتين في ظرف 24 ساعة على ثلاث مواقع عسكرية، يُقال أنها متخصصة في صناعة وتطوير الأسلحة الكيماوية، قرب دمشق (شمال شرق جمرايا وميسلون) نهاية الإسبوع الماضي، هذا التطور الخطير على مسار الأزمة السورية، إن دلّ على شيء فهو يدلّ على شيئين: الأول، هو دخول سوريا من دائرة الحرب الأهلية إلى دائرة الحرب الإقليمية، ولعل التصريحات النارية للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في الآونة الأخيرة، هي خير دليل على اكتمال دائرة هذه الحرب وشروط نضوجها، واحتمال انزلاق المنطقة بالتالي إلى هكذا سيناريو خطير، انطلاقاً من الجيب الإيراني في الجنوب اللبناني. أما الثاني، فهو قلب إسرائيل لقواعد اللعبة مع النظام السوري، من "جارة محايدة" في الأزمة السورية، إلى طرفٍ أساس فيها، أو الأصح من "عدوّة صديقة مستترة" للنظام، إلى "عدوة صريحة" ضده. وهو الأمر الذي سببّ إحراجاً كبيراً لدى أهل المعارضة السورية.

دخول إسرائيل على خط الصراع الدائر في سوريا، يعني أنّ المشكلة السورية لم تعد مشكلة الداخل السوري فقط، وإنما هي وبذات القدر ربما، مشكلة الداخل الإسرائيلي أيضاً، الذي بات يخاف على أمنه واستقراره، في ظلّ مخاوف أممية من تحوّل الحرب التقليدية الدائرة في سوريا إلى "حرب كيماوية" خارجة عن السيطرة. فإسرائيل لطالما قالت وبالصوت العالي أنّ همّها الوحيد في ما يجري من صراع دموي في سوريا وعليها، هو "سوريا الكيماوية" أولاً، ومنع وصول أسلحة نوعية ومتطورة إلى حزب الله ثانياً. إسرائيل، كما يبدو من "انقلابها" المفاجئ على الأسد، لم تعد تثق بهذا الأخير الذي ظلّ إلى جانب والده، طيلة أكثر من أربعة عقودٍ ونيف من حكميهما "صمام أمانها". في المقابل، هي لا تثق بالمعارضة السورية الفاعلة على الأرض أيضاً، التي فشلت حتى الآن، في إثبات نفسها ك"بديل مقبول" أممياً، والتي تسيطر عليها جماعات إسلامية متشددة، لعلّ أهمها وأخطرها "جبهة النُصرة" القاعدية.

أممياً، بات شبه مؤكداً أنّ احتمال دخول الحرب الأهلية السورية إلى مرحلة أكثر فتكاً وخطورة كسيناريو "الحرب الكيماوية"، بات أمراً وارداً جداً، خصوصاً بعد توصل المجتمع الدولي إلى قناعة ومعلومات شبه مؤكدة عن استخدام النظام والمعارضة، على حدٍّ سواء، للأسلحة الكيماوية.
ففي الوقت الذي أكدت فيه جهات استخبارية دولية، إلى جانب منظمات حقوقية أممية، بالأدلة شبه القطعية، أنّ النظام السوري متورط في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة، قالت كارلا ديل بونتي عضو لجنة التحقيق المستقلة التابعة للامم المتحدة، في شأن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الانسان في سوريا، ان المحققين جمعوا شهادات من ضحايا الحرب الاهلية الدائرة في سوريا وموظفين طبيين تشير الى ان مسلحي المعارضة استخدموا غاز الاعصاب السارين. ما يعني أنّ احتمال دخول سوريا في "حرب كيماوية"، بات قاب قوسين أو أدنى من الوقوع، خصوصاً وأنّ كلا الطرفين مرشحان لصناعة هذه الحرب أو البدء بها ضد خصمه، حسب حاجة كلّ طرف لذلك، لكسر "توزان الرعب" القائم لصالحه.

انقلاب إسرائيل على الأسد الذي ظلّ طيلة أكثر من عقدٍ ونيف من حكمه "ملِكاً" لها، يعني أن أمنها القومي قد بدأ يدخل في دائرة الخطر، الذي هو "خط أحمر" أممي، أميركي وأوروبي بالدرجة الأساس. من هنا جاء دفاع الأميركيين والأوروبيين عن "مشروعية" الهجوم الإسرائيلي على "سوريا الكيماوية"، رغم تنفيذه بدون علمهم، لأنه "دفاع عن أمن إسرئيل القومي"، على حدّ تعبير وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ. ومن هذا الباب تحديداً يمكن قراءة تصريحات الرئيس الأميركي الأخيرة، بهذا الخصوص، والتي أكدّ فيها بأنّ استخدام الأسلحة الكيماوية "خط أحمر" من شأنه أن "يغير أصول وقواعد اللعبة في المنطقة".

من حق إسرائيل بالطبع، كأي دولة في العالم، أن تخاف على أمنها واستقرارها، وأن تقوم بما يجب القيام به، لحماية شعبها من امتداد الحريق السوري إلى داخلها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ب"خطر كيماوي" قد يهددها في عقر دارها.

الملفت للنظر، هو تحوّل التدخل الإسرائيلي الأخير في الشأن "الكيماوي" السوري، لأول مرةّ منذ اشتعال الأزمة السورية، إلى أفقٍ للجمع بين الأضداد والأنداد، بين سوريا النظام وسوريا المعارضة من جهة، وبين العرب المعتدلين والعرب المقاومين الممانعين من جهةٍ أخرى، وبين أهل "الهلال الشيعي" وأهل "القمر السني"، وبالتالي بين إيران الشيعية وتركيا السنية من جهة ثالثة. الكلّ المتضاد، اتحدّ هذه المرّة في خندق واحد مع سوريا (نظاماً ومعارضة) ضد إسرائيل، بحجة أنها "انتهكت بعدوانها حرمة السيادة السورية".

لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه ههنا، هل بقي في سوريا من "حرمة" أو "سيادة" لم تُنتهك، يميناً وشمالاً، شرقاً وغرباً، منذ حوالي 26 شهراً؟
هل بقي شيء في سوريا اسمه "وطن" أو "وطنية" أو "مواطن"، لم يُداس على مرأى العالم ومسمعه، سواء من جهة أهل النظام أو من جهة عكوسه من أهل المعارضة، ومن حولهما من أصدقاء وأعداء؟

هل بقي شيء في سوريا إسمه "سيادة وطنية" أو "حرمة سورية" أصلاً؟
هل بقيت دولة واحدة من دول الجوار وجوار الجوار، لم تتدخل في الشأن السوري، سراً أو علناً، سواء مع النظام ضد المعارضة، أو مع هذه ضد ذاك؟
ألم تدمر "الجيوش السورية" الحرّة"، أضعاف أضعاف ما دمرته إسرائيل من البنية التحتية ل"الجيش العربي السوري"؟
ألم يدمر هذا الأخير بإسم "حماة الديار" أكثر من نصف البنية التحتية لسوريا؟

ألم يترك هذا الدمار وراءه ما يقارب 100 ألف قتيل، وأضعاف هذا الرقم من المعتقلين والمفقودين والمغيّبين، وملايين المهجرين والمشردين واللاجئين؟
أليس للدمار نتيجة واحدة، أياً كان فاعلها وضحيتها؟
ثم هل هناك "دمار حلال" و"دمار حرام"؟
لماذا يكون تدمير سوريا بأيدي أهل السوريتَين؛ "سوريا النظام العلوية" و"سوريا المعارضة السنية"، حلالاً، فيما يكون تدمير إسرائيل ل"الكيماوي السوري" حراماً ما بعده ولا قبله حرام؟
لماذا كلما تعلّق الأمر بإسرائيل، فسرعان ما تتوحد الأضداد، ويغلب الشعار الشعور، والإنفعال الفعل، والعاطفة العقل؟
ماذا لو كان الفاعل الذي ضرب "سوريا الكيماوية" غير إسرائيل، ك"جبهة النُصرة"، أو أخواتها في المعارضات السورية المسلحة مثلاً؟
ماذا لو كان الفاعل تنظيماً أرهابياً عالمياً كالقاعدة وأخواتها..ألم نكن سنرى الشوارع العربية والإسلامية تقوم دون أن تقعد، فرحاً بهذا "الفتح أو النصر الإلهي" المبين؟

من المستفيد في ظل الفلتان السوري المرعب، حيث الأزمة مفتوحة على كلّ الإحتمالات، من امتلاك سوريا أو السوريتَين (النظام+المعارضة) لأكبر ترسانة كيماوية في الشرق الأوسط بحسب تقارير غربية وأممية؟
أليس في "سوريا الكيماوية" خطرٌ على كلّ السوريين وسوريا(هم) أكثر من غيرهم، حيث سيخرج الكلّ من "حربٍ كيماوية"، فيما لو وقعت بين السوريتَين، خاسراً صفر اليدين؟

ثمّ لماذا لا نقرأ في الضربة الإسرائيلية ل"سوريا الكيماوية"، من باب "ربّ ضارةٍ نافعة"، على اعتبار أنّ استخدام الكيماوي كسلاح فتّاك، بغض النظر عن الفاعل الجلاد أو المفعول به الضحية، هو من وجهة شرعة حقوق الإنسان، جريمة ضد الإنسانية، لا حق ولا أحقية، لا شرعة ولا شرعية في استخدامه ضد الخصوم، تحت أية ذريعةٍ كانت؟

لا شكّ أن إسرائيل كدولة جارة لسوريا ومحتلة لجزء من أراضيها، هي المستفيدة الأولى من ضرب الكيماوي السوري، لكنّ المستفيد بالنتيجة في ظلّ "توازن الرعب" القائم بين "جيش الأسد" ذات العقيدة العلوية و"جيوش المعارضة" ذات العقيدة السنية، هو الشعب السوري المغلوب على أمره أيضاً، الذي تحوّل من شعب أراد أن يكون حرّاً، إلى "شعبٍ عبدٍ" ليس له إلا أن يكون حطباً بين نارين: نار النظام ونار المعارضة.

هوشنك بروكا

hoshengbroka@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف