أصداء

بين البرازيل ومصر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لم تعد البرازيل اسما لامعاً في كرة القدم أو منتجاً كبيرا للبن، بل أصبحت عملاقاً اقتصادياً، هي سادس اقتصاد على مستوى العالم، والأول في قارة أمريكا الجنوبية، كانت البرازيل بالأمس القريب على شفا الإفلاس، والانهيار الاقتصادي، ينتشر فيها الفقر المدقع، والعشوائيات، ومنازل الصفيح، والأمية، والانفلات الأخلاقي، وتعتمد في غذائها على الخارج، تغلبت على كل هذه المشاكل في فترة قصيرة، وباتت لاعباً رئيساً في تجمع "بيركس" أحد أهم التجمعات الاقتصادية العالمية، الذي يضم في عضويته إلى جانب البرازيل روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا، مصر ترغب في الانضمام لهذا التجمع كما أعلن مرارا الرئيس (محمد مرسي)، لكن ليس كل ما يتمنى الرئيس "مرسي" يدركه، لسبب بسيط وهو أن مصر لا تزال كما هي استبداد وفساد، ولا تملك مؤهلات،ولا تتوافر فيها شروط اقتصادية واجتماعية وسياسية لقبولها في عضوية "بيركس".

رئيسة البرازيل (ديلما روسيف) في لقائها مع الرئيس (محمد مرسي) أثناء زيارته للعاصمة البرازيلية الأسبوع الماضي، بعثت برسالة طمأنينة إلى المصريين مفادها أن الأوضاع التي تمر بها مصر حاليا هي أمر طبيعي مرت به بلادها في الثمانينات، وتوقعت لمصر تقدماً كبيراً، وبعيدا عن المجاملات الدبلوماسية، فأنني أعتقد أن التحول الديمقراطي في البرازيل لا يشبه ما يحدث في مصر، وإن تشابهت الظروف، ومن الصعوبة بمكان استنساخ التجربة البرازيلية، لكن يمكت الاستفادة منها فمثلا الرئيس (لولا دا سلفا) الذي تولى السلطة من 2003 إلى 2010، لم يسع للهيمنة على البلاد، واقصاء الكفاءات، وتجاهل التيارات السياسية بل، دعا الجميع للمشاركة في نهضة بلاده، وحين طالبه شعبه بالترشح لولاية ثالثة، رفض تعديل الدستور، والترشح لولاية ثالثة، رغم التقدم الاقتصادي المذهل الذي حققه لبلاده، لأنه يؤمن بأن في بلاده كفاءات قادرة على مواصلة قصة النجاح، فجاءت انتخابات نوفمبر 2010 بخليفة (دا سلفا) الرئيسة الحالية (ديلما روسيف)، وبعد مرور عام على توليها الرئاسة، حقق الاقتصاد البرازيلي نسبة نمو بلغت 5.2 وتحرك الاقتصاد من المرتبة التاسعة، ليحتل المرتبة السادسة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين واليابان والمانيا وفرنسا.

في ذلك الحين كتبت مقالا في هذا المكان تحت عنوان( لماذا تقدمت البرازيل وتراجعت مصر) وتحديدا في الاول من نوفمبر 2010، ولأن ظروف مصر لم تتغير رغم مرور نحو ثلاث سنوات رغم قيام ثورة 25 يناير 2011 أود إعادة جزء من هذا المقال ليتذكر من يحكمون مصر الأن قصة نجاح البرازيل.

كانت الصورة سوداوية حين تولى "دا سلفا" حكم البرازيل، فقر، وبؤس، وتضخم، صاحبه ارتفاع في الأسعار، وديون خارجية متراكمة، وبطالة، وجريمة وعنف على نطاق واسع جعل الحياة جحيماً لا يُطاق، وهو نفس الوضع التي تمر به مصر الآن، لكن في فترة قصيرة لا تتعدى الثماني سنوات، تغيرت الصورة، حقق الاقتصاد طفرات مذهلة، فبقيت بعيدة عن تداعيات الأزمة المالية العالمية، سددت ديونها كاملة، وحققت الاكتفاء الذاتي في الغذاء، وطورت قطاع الزراعة والتعليم والصحة، وشيدت صناعات ضخمة، ووفرت احتياطيا ماليا كبيرا من العملات الأجنبية، حيث بلغ الناتج الإجمالي تريليون دولار أمريكي، وجذبت المستثمرين من مختلف أنحاء العالم، وأصبحت ثامن قوة اقتصادية على مستوى العالم والأولى في أمريكا الجنوبية.

لم يأت هذا التقدم من فراغ، فالرجل عايش المجتمع بكل تفاصيله منذ أن كان عاملا بسيطا في مصانع الحديد، وخاض نضالا ضد الديكتاتورية، واعتقل عدة مرات، وتصدى للفساد، ونهب ثروات البلاد، وكون رؤية للإصلاح تنسجم مع واقع المجتمع، شرع في تطبيقها حين انتخب رئيسا للبلاد، فطور سياسات اقتصادية واجتماعية ناجحة بدأها سلفه "فرناندو كاردوسو"، عكس ما يحدث في مصر، حين يأتي مسئول جديد يهدم سياسات سابقيه، والاهم أنه لم يترك البرازيل لرجال الأعمال يقسمون أراضيها فيما بينهم، ويمارسون الاحتكارات بشكل مقيت، ويثنون القوانين والتشريعات التي تخدم مصالحهم، ولم يدعهم يسيطرون على الحكومة والبرلمان، كما هو الحال الآن في مصر المحروسة، بل حثهم على المشاركة في تطبيق رؤيته السياسية والاقتصادية التي تقوم على احترام قواعد السوق، ودعم سياسة التصنيع بدلا من الاستيراد، مع الالتزام بتنفيذ برامج واقعية تكافح الفقر والبطالة والفساد، مع الإيمان الكامل بأن هذا هو السبيل الوحيد لتتبوأ البرازيل المكانة اللائقة في قارتها وبين دول العالم.

أدرك "دا سيلفا" أن مشكلة البرازيل الحقيقية ليست في أنها دولة فقيرة، فهي تمتلك مساحات شاسعة تقدر بثمانية ونصف المليون كيلو متر مربع، وموارد طبيعية هائلة، وثروة بشرية ضخمة نحو مئة وثمانين مليون نسمة فأحسن استغلالها لتصنع المعجزات، وبلغت معدلات النمو ستة في المائة، ونجحت سياسته في الحد من الفقر"وصلت نسبة إلى أكثر من أربعين في المائة " وارتفع الناتج المحلي ليساوي ثلث الناتج المحلي الإجمالي لقارة أمريكا الجنوبية، وانتعشت الطبقة الوسطى بعد أن كادت تتلاشى، ودخلت عصر تصنيع الطائرات والسيارات والحاسبات.

انتخب البرازيليون" دا سيلفا" مرتين لأنه قدم برنامجا طموحا للنهوض بالبلاد، وعمل على تحقيقه، على الرغم من أن الرجل كان عاملا بسيطا في صناعة الصلب، ترك بلاده قوية لها صوت مسموع داخل الاتحاد الجمركي "ميركوسور" الذي يضم الأرجنتين والاورجواي والباراجواي، ومجموعة العشرين، ودور فعال في مجموعة" ألبريكس" مع الهند وروسيا والصين وجنوب أفريقيا، وتنادي حاليا بزيادة عدد الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وتدخلت لحل الخلاف بين الغرب وإيران بشأن برنامج إيران النووي، هذه بعض من انجازات رجل أراد لبلاده أن تأخذ مكاناً تحت الشمس، خرج من قاع المجتمع، وذاق الفقر وأدرك مشاكل بلاده، التي تتشابه مع مشاكلنا في مصر، ولكي تصل مصر إلى ما وصلت إليه البرازيل تحتاج إلى رجل مثل "دا سلفا"، بعد أن فقد الشعب الثقة في حكامه، مع توالي النكبات والتراجع في كل شيء، وحتى نعثر علي مثل هذا الزعيم،سيظل المصريون في سبات عميق، مع تجاهل الحكومة دعوات الإصلاح والتغيير لأنها تصر على أن الشعب قاصر، ولا يعرف مصلحته، والى أن يبلغ الشعب مرحلة الرشد، ويطالب باسترداد حقوقه، فما عليه سوى الانتظار لعل الله يُحدث بعد العسر يسرا.

إعلامي مصري

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ربنا يسهل
لافض فوك -

لا اعتقد ان مصر في زمن الاخوان ستحقق ما حققته البرازيل ، اختلاف الفكر هل يستطع من يسمع ويطيع ويلغي عقله ان يحقق تجربة اقتصادية ناجحة اشك في ذلك بعد زوال حكم الاخوان يمكن ان يخرج من بيننا دا سلفا او مهاتير لكن الان اشك في ذلك.

دعوات الاصلاح
احمد عمر -

اذا استجاب المرشد لدعوات الاصلاح وجلب الخبراء في الداخل والخارج ربما يتغير شي ، وحيث ان المرشد لا يهمه امر مصر ولا تقدم مصر فلن يفعل ذلك هو عاوز ناس تبوس يده ورأسه .

جريمة وعنف على نطاق واسع
متابع -

القتال في الإسلام كما يكون لأهل العدوان والاضطهاد، والفتن، يكون أيضاً، لمن يهددون الأمن، ويقلقون السلم. ويكون لمن يدسون الدسائس، ويزرعون الوقيعة، ويبثون الخدع، وينشرون الأراجيف، وينفثون السموم، ويروجون لأساليب الهدم والدمار، من المذبذبين، وذوي الضمائر الفاسدة، والذمم الخربة، وأهل النكث والخيانة. ومن لديهم الاستعداد إلى الانسلاخ من كل مبدأ، والتلون بكل لون، وتغيير جلودهم ، حسب الملابسات والظروف.

البرازيل برازيل ومصر مصر
مخلد الشمري -

لا اعتقد ان بإمكان مصر ان تكون شيئ ولو بسيط فما بالك وهي تحت حكم اكثر تخلفا جاء بعد حكم متخلف سابق. بصراحه المصريون مخدوعين بانفسهم لا تعليم حقيقي ولا رغبه اصلا بوجوده مهما اتحفونا بإسطواناتهم المشروخه عن اهتمامهم بالتعليم وما تشاهدونه اليوم عن فشل مصري على جميع الأصعده هو اكبر دليل عن فشل التعليم بمصر وعندما يفشل التعليم يكون هناك فشل بكل شيئ ولا تستثنى زيارة الرئيس مرسي للبرازيل من هذا الفشل حتى لو خدع المصريون انفسهم مجددا. ورجاء ان تكون تعليقات المصريون على هذا الكلام منطقيه وليس عاطفيه عمياء كالعاده