الصراع الديني والجنس
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مناصب دينية للبيعولم تكتفِ الكنيسة بالأموال الطائلة، التي كانت تجمعها من مبيعات صكوك الغفران، بل سوَّقت المناصب الدينية، وجعلت للأبريشات والكاردينالات، والمناصب الدينية الأخرى، وحتى منصب البابوية نفسه أسعاراً محددة ومعلومة، كما يقول لنا المؤرخ توينبي (تاريخ البشرية، ص 99). ولا ندري ما هي لائحة أسعار تلك المناصب الدينية في ذلك الوقت.وهو نفسه، ما كان يحصل في بلاد الشام ومصر في عهد المماليك وعهد الولاة العثمانيين كذلك، حين كان منصب القاضي ومدير الأوقاف، يُباع، ويُشترى.بل إن البابا، في بعض الأحيان، كان يبيع الرخص الدينية للزواج بأكثر من واحدة للفرد الواحد، رغم مخالفة ذلك للشرائع المسيحية، كما هو معلوم. ثورة " لوثر" ضد البيعوقد حمل لوثر (المصلح الديني الثائر)، حملة شنيعة على المصالح الاقتصادية البابوية، التي كان البابا يجمع من ورائها كميات هائلة من الأموال، حتى أن الإمبراطور الألماني مكسمليان الأول (1459-1519م) قال ذات مرة، أن دخل البابا السنوي في ألمانيا يساوي مائة مرة، دخل الإمبراطور نفسه.ومن هنا، هاج الأباطرة الأوروبيون ضد البابا، وشجعوا حملة لوثر على الكنيسة، ومميزاتها المالية، وترفها، وبذخها، الذي كانت تتمتع به.ومن هنا، يتبين لنا، أن الحملة اللوثرية على الكنيسة، كانت بتشجيع من الساسة الأوروبيين. وأن سبب تبني "الاصلاح الديني"، كان سبباً اقتصادياً في الدرجة الأولى.فلو أن الكنيسة كانت تمنح صكوك الغفران مجاناً، دون مقابل مادي، لما قام - ربما - لوثر بحركته "الإصلاحية" تلك، ولما كان هناك موجب لها. ولما استطاع لوثر أن يستميل في دعوته الأمير، والخفير، والاقطاعي، والفقير، ولما تبنَّت دعوته، وحمتها، وشجعتها، قصور السياسة، وأباطرتها في أوروبا.وهكذا، ظهرت فئة جديدة في تاريخ الديانة المسيحية، وهي فئة "البروتستانت" أو "المحتجين"، على قرارات الكنيسة الكاثوليكية، التي كانت قد صدرت ضدهم في الماضي. هجوم على "الاعتراف" الكنسييقول فوكو:إن "الاعتراف" في الغرب، أصبح إحدى التقنيات الأكثر تقديراً لإنتاج الحقيقة - ولا ندري ما هي هذه الحقيقة - إلى جانب الضمانات التي تعطيها سلطة التقاليد، وإلى جانب الشهادات، وطرق المراقبة والبرهنة العلمية.ولكن حقيقة دوافع "الاعتراف" الكنسي، كما عرضناها آنفاً، تدحض علمياً وتاريخياً مقولة فوكو هذه.فراح فوكو، يشن هجوماً مضاداً على الجنسانية المسيحية، التي جعلت من الحضارة في الغرب حضارة "اعتراف". اعتراف يرافقه التعذيب كظله، وذلك في إطار بحثها عن حقيقة الجنس.ويدفع فوكو إلى الواجهة بين حين وآخر، إلى مقارنة تستبطن مشروعه بين الحضارة المسيحية الرعوية، والتي يصفها فوكو من أنها لا تملك فناً شبقياً، وبين الحضارات الكبرى ومنها الحضارة العربية الإسلامية، التي كانت تملك خطاباً صريحاً حول الجنس كفن شبقي، يثير حيرة المثقف العربي، ولامبالاته، وخجله من نفسه أمام الآخر، كما يقول الباحث السوري الراحل تركي الربيعو (العنف والمقدس والجنس في الميثولوجيا الإسلامية، ص 130.) ابن حزم و"الاعتراف" الكنسيو"الاعتراف"، الذي تحدث عنه فوكو في العهد المسيحي من قبل الكنيسة، قال به ابن حزم في القرن الحادي عشر في كتابه (طوق الحمامة). وابن حزم هو مُنظِّر الغزل الأندلسي. وقد ترجم جانباً كبيراً من حياته في هذا الكتاب، وأعطانا صوراً طريفة من "أدب الاعتراف"، قلَّ نظيرها في آداب عصره.و"أدب الاعتراف"، الذي تحدث عنه فوكو، تجلّى بأصدق صوره في (طوق الحمامة). ولا شك أن مقومات "أدب الاعتراف"، أو ما يسمى اليوم (الأدب المكشوف)، قد تكوَّنت في (طوق الحمامة).ولم تقتصر كتابات ابن حزم الجنسية على الاستشهاد أو الوصف الجامد، كما فعل الجاحظ في (رسالة النساء)، ولكن تعدته إلى أن تصبح هذه الكتابات جزءاً من الحدث الجنسي، تؤثر فيه، وتتأثر به. برمجة الأشكال العلمية للاعتراف الكنسيوقام فوكو في هذا الشأن - كفيلسوف حديث- ببرمجة الأشكال العلمية للاعتراف الكنسي، على الوجه التالي:1- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة الترميز العيادي، حيث دمج العلماء "الاعتراف" بالفحص العيادي.2- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة مسلمة وجود سببية عامة، ومنتشرة. من حيث قول كل شيء، وإمكانية السؤال عن كل شيء. وقد تم تبرير كل هذا، كون الجنس متمتع بقوة سببية متعددة الأشكال، لا تزول.3- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة مبدأ الاستتار الباطني للجنسانية، إذ كان يجب انتزاع حقيقة الجنس بواسطة تقنية "الاعتراف"، ليس لصعوبة قول الحقيقة، ولكن لغموض الجنس واحتجاب آليته.4- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة التأويل. وكان على المرء أن يعترف، لا للحصول على العفو والمواساة والتوجيه، ولكن لأن الحقيقة لا تخرج إلا من خلال "الاعتراف". والكاهن في هذه اللحظة، سيكون سيد الحقيقة.5- تمَّ انتزاع "الاعتراف" بواسطة (طبننة) نتائج "الاعتراف"؛ أي وضع "الاعتراف" بصيغ طبية علمية بحجة إيجاد طرق علمية للعلاج، ولطبابة ما وقع من أخطاء جنسية. وقد ذكر فوكو كل ذلك في كتابه (إرادة المعرفة، ص 79، 80). السلام عليكم.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف