قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لا أتفق مع من يستبعدون احتمالات التغيير في إيران، إنطلاقا من البنية الأساسية الحاكمة، لكون المعارضة السياسية والدينية من خارج النظام لم تبلغ بعد الحد الذي يهدد بقاءه أو حتى يضطره إلى إجراء تعديلات في مساره، كما أن تشكيلات المعارضين في أوروبا وأميركا ليس لها تواصلاُ مؤثراً مع الداخل، بحكم الطبيعة الإستبدادية والدموية لأجهزة الأمن، بالإضافة إلى ذلك فأن الترابط العضوي بين الدين والدولة مازال محكماً ويتمثل أولاً بحاكمية المرشد الأعلى شبه المطلقة، باعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة، ومسؤولاً عن صياغة السياسة العامة للدولة، وهو الذي يجيز بتوقيعه لرئيس الجمهورية المنتخب أن يمارس عمله، ومن حقه إقالته، بالإضافة إلى مهام أخرى، ثانياً بمؤسسات تضمن لرجال الدين أقصى درجة من الرقابة والتحكم بأداء رئيس الجمهورية، وعمل الوزراء ومجلس الشورى، وأقصد هنا مجلس الخبراء المكون من ستة وثمانين فقيها، ينتخب شعبياً كل ثماني سنوات لدورة واحدة، ويتولى انتخاب المرشد، ومراقبة أدائه، وله صلاحية عزله، هذا حسب الدستور، ولكن لم يحصل أن اعترض الخبراء على أي من قرارات الولي الفقيه الأول آية الله الخميني، ولا الثاني آية الله خامنئي، ثم أن اجتماعات المجلس لا تصدر عنها أي بيانات، وليس لأحد أن يراجع قراراته. هناك أيضاً مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يعينه المرشد الأعلى، ويعتبر هيئة استشارية تعينه في رسم سياسات الدولة، ومن مهامه الفصل في الخلاف في الحالات التي يعترض فيها مجلس صيانة الدستور على قرارات مجلس الشورى. ومجلس الصيانة هذا يعتبر أعلى سلطة دستورية، ويتكون من اثني عشر عضواً، يعين المرشد نصف أعضائه من الفقهاء، والنصف الاخر من الحقوقيين، يقترع عليهم مجلس الشورى، من أهم واجباته النظر في أهلية المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية، والأهلية هنا تعني درجة ولائهم للمرشد، والإيمان بنظرية ولاية الفقيه، والتشدد في فهم الإسلام، ما يعني منع كل من لديهم نوعاً من الإستقلالية في التفكير، أو الإعتدال في التدين، أو الرغبة في إصلاح النظام السياسي، من أن يشاركوا في السباق الإنتخابي، حتى لو كانوا من أبناء النظام ومؤسسيه. وهكذا استبعد مجلس صيانة الدستور عدداً كبيراً من المرشحين للرئاسة، وأبرزهم علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وصاحب الأدوار الكبيرة في تأسيس دولة آيات الله، وترسيخها، فإليه ينسب الفضل في إقناع الخميني بقبول قرار مجلس الأمن بإنهاء الحرب مع العراق، كما أنه تولى رئاسة الجمهورية في أصعب سنوات إيران خلال الأعوام (1989-1997)، وعمل على إعمار البلاد بعد ثماني سنوات من الحرب المدمرة، و نجح في توفير فرص عمل للنساء، ومعالجة الإقتصاد، فضلاً عن جهوده في تهدئة النبرة العالية للخطاب الثوري، الذي كان من أسباب توتر العلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا. الشخص الثاني الذي استبعده مجلس الصيانة، هو أسفنديار رحيم مشائي مستشار الرئيس محمود أحمدي نجاد وصهره.استبعاد الإثنين لم يكن مسبباً، فقط بالنسبة لرفسنجاني، أُشير إلى تقدمه في السن (76)، في ذلك يقول المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، عباس كادخدائي : "إذا كان أحدهم يطمح إلى الإهتمام بمسائل تتعلق بالإقتصاد، لكنه لا يستطيع العمل إلا لبضع ساعات يومياً، فمن الطبيعي أن يرفض ترشيحه"، وكأن المرشد الأعلى الذي بيده الحلّ والعقد، يصغر رفسنجاني بعشرين عاماً. واضح إن الأمر لا يتعلق بكبر سنه، وإنما بقدراته السياسية، ومكانته الدينية، وعلاقاته، داخلياً وخارجياً، تفصّل ذلك الكاتبة كاميليا إنتخابي فارد، فتشير إلى أن كبار رجال الدين المعارضين في قُم، يدعمون رفسنجاني، وأنه إذا ما توفرت له فرصة الفوز في الإنتخابات فانه سيصالحهم مع خامنئي، كما سيعيد الحرية إلى الزعيمين الإصلاحيين، مهدي كروبي، ومير حسين موسوي، اللذين ترشحا للإنتخابات الرئاسية في العام 2009، وطعنا بفوز نجاد، ثم قادا ما عرف في حينه بالثورة الخضراء، وكان رفسنجاني قد شاركهما التشكيك بنزاهة تلك الإنتخابات. تضيف الصحافية ومؤلفة كتاب "أنقذ نفسك من خلال قول الحقيقة"، إن التخوف من رفسنجاني يكمن أيضاً من احتمالات تحكمه بسياسة الدولة، في حال رحيل خامنئي، باعتبار الرئيس هو الرجل الثاني في الدولة. كما تلفت الإنتباه إلى سلطة الحرس الثوري المتزايدة، وطموحه إلى السيطرة على القصر الرئاسي، ولا يتأتى له ذلك إلا مع شخصيات محافظة ومطيعة، لذلك فقد مارس ظغطاً كبيراً على مجلس صيانة الدستور، والمرشد معاً، لاستبعاد رفسنجاني من سباق الرئاسة. بالنسبة لمشائي، الوضع أكثر خطورة، فهو شاب وقريب من الطبقات الفقيرة، وسائر على نهج نجاد في التمرد على سلطة رجال الدين، وحسب المحافظين فإنه "منحرف وليبرالي أكثر من اللازم بشأن مسائل حساسة كالحجاب"، وقيل أنهم سبق أن انتقدوه لسماحه بإقامة احتفالات شاركت فيها فتيات برقصات فولكلورية، يرتدين الملابس التقليدية، عندما كان نائباً للرئيس اللإيراني السابق محمد خاتمي، لشؤون السياحة والثقافة.والمحافظون مستاءون أيضاً، وغاضبون على مشائي لأنه يروج لشعار "إسلام بدون رجال دين"، ولذلك فقد باشرت الأجهزة الأمنية مؤخراً إلى اعتقال بعض من أنصاره. كيف يسمح لهذا المرشح الذي تربى في ظل آيات الله أن يتمرد عليهم، بالتأكيد سيكونون منسجمين مع أنفسهم، وطبيعة نظامهم الإستبدادي، ولن يغامروا بفقدان سلطتهم الدينية بعد أن قضوا أربعة وثلاثين عاما في نعيم السلطة، وتهيأ لهم أنهم أقنعوا الناس بشرعية الولاية عليهم، وأن ولاية الفقيه هي من صلب الدين.النظام الديني في حالات قوته لا يجد صعوبة في القضاء على خصومه من ذوي المرجعية المدنية، كاليساريين مثلاً، لا أسهل عليه من تكفيرهم، وتأليب الرأي العام عليهم، وباعتقادي إن المؤسسات الحاكمة في طهران مازالت قوية، ففضلاً عما ذكرته أعلاه من مجلسي الخبراء ، وصيانة الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، هناك الحرس الثوري الذي تضخمت قوته بسبب دعم المرشد الأعلى، كي يكونوا جنداً له، والمجلس الأعلى للأمن القومي، والتحدي الأصعب أمام جميع هذه التشكيلات هو كيفية التعامل مع من يحاولون الإصلاح أو التغيير من داخلها، فقد استغرق أعضاء مجلس صيانة الدستور وقتاً أطول من المعتاد في إصدار لائحة المرشحين الرئاسيين، ويبدو أن بعضهم لم يكن موافقاً على استبعاد رفسنجاني ومشائي. وبقدر ما يزيد الخلاف بين المؤسسات الحاكمة، وما يمكن أن يعقده المعارضون الإصلاحيون من تحالفات فيما بينهم، وما يسعون إليه من تأييد من قوى داخل الجيش، يمكن أن تنفتح نافذة أو نوافذ أمل لتغيير النظام أو في الأقل تخفيف طابعه الديني القهري.في إشارة إلى أدعاء المرشد الأعلى قدسية قراراته، يقول خامنئي : "أي شيء أقوله من الأمور العامة هو مرسوم" (أمير طاهري- الشرق الأوسط)، قد يقتنع كثيرون من مؤيديه بهذا الكلام، لكن ما لا يريد أن يفكر فيه هو أن هناك كثيرون في بلاده يعارضون نظرية حكمه، ولا يؤمنون بحقه في الولاية، منهم علماء دين أعلم منه، ومنهم مستقلون أحرار يرفضون شرائع الإستبداد، ومنهم نساء جعلهنّ نظامه في درجة أدنى من الرجال، بعد أن بلغن مكانة كبيرة في المجتمع من قبل، وهناك بالتأكيد من يرسمون ضده.إن منع مشائي ورفسنجاني من خوض الإنتخابات لن يمر بسلام، فقد هدد الرئيس نجاد بكشف ملفات فساد تتعلق بخصومه، كما وصف رفسنجاني من يهاجمونه، دون أن يحدد أشخاصاً بعينهم، بأنهم جهلاء "لا يدركون ما يفعلون"، وفي تعليق له على إقصائه، قال: "لا أعتقد أن البلاد يمكن أن تدار بشكل أسوأ من هذا حتى لو كان خطط لهذا مسبقاً". إن غضب المؤيدين لهذين الرجلين ستكون له تداعيات، ليس بالضرورة أن تأتي النتائج سريعة، فالتفاعلات في المواقف تحتاج إلى وقت، وبالنظر لخيبة الأمل التي نعيشها من جرّاء انكفاء الإنتفاضات في تونس ومصر وسوريا وليبيا، والعراق من قبل، فإن ما كان يعرف سابقاً بانقلاب القصر، يبدو أكثر رحمة بالشعوب من ثورات أو حروب تزيل طغاة، ليتناسل فوق حطامهم أمراء حرب، ومرشدون ودعاة، وكتائب طائفية، أو ينشأ نظام بديل يتعثر في "ديمقراطية" لم تكمل سنوات حملها. bdourmohamed@ymail.com