الرقميون الجدد والمرجعيات الثقافية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا شك في ان العالم اليوم يشهد دخول مرحلة جديدة مغايرة عما شهدناه في العقد الاول بعد عام ألفين الذي غلب عليه "امتثالية ثقافية شديدة" ذات طابع تسلّطي، وذلك مع ولادة ما بات يُعرف بالرقميين الجدد الذين أحدثوا فارقا واضحا في معادلة الثقافة والاعلام وتأثيرها على مجريات الوقائع الاجتماعية وغيرها.
لقد حاول النموذج الثقافي الذي ساد مطلع قرن واحد وعشرين التهرب من أي حسّ نقدي في سياق محاولة دؤوبة لمنح شرعية فلسفية للقوّة الساعية إلى فرض رؤية ذات بعد واحد.كما ان النزاعات حملت في طياتها قدرا لا يستهان به من "الأدلجة"، وهو امر مغاير تماماً لنموذج قرن عشرين الذي طغى عليه الطابع الأوروبي لفلسفة الأنوار الذي اتسم بالانفتاح على القيم الانسانية.
وأمام واقع تواصلي جديد فرض نفسه بات بإمكان كل فرد ان يتحول الى اعلامي وصحفي وكاتب وشاعر... يؤدي المعلومة على الوجه الذي يريد، بحيث تراجعت سطوة الاعلام التقليدي والاحتكار الذي مورس عقودا طويلة، و بقدر ما يشكل ذلك من ارباكٍ وفوضى لجهة دقة المعلومة وجودتها وسط واقع اقل ما يقال فيه انه منفلت، فإن ثمة أفق انفتح في عالم سيبيري افتراضي ألغيت من خلاله المرجعيات الاعلامية التقليدية كما الثقافية على حد سواء.
علاقة الرقميون بالمفردات الثقافية و مرجعياتها وثيقة وان لم يعي بعضهم عمق ذلك، غير اننا نلاحظ بوضوح من خلال الحوارات الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي كيف ان الخلفيات الفكرية للمتحاورين تنعكس في السجالات للتحول الى حرب كلامية و سجالات اتهامية. و ايًّا تكن المضامين السائدة والمنتشرة لا سيما في منطقتنا، فإن التفاعلات تلك افرزت بلا شك فكرا جديدا وثقافة مولدة وممتزجة سواء لجهة اللغة ام لجهة المضامين، كما نلمس التداخل بين المفاهيم العملية والاجتماعية ومفهوم الأيديولوجيا بوصفها مجموعة الأفكار والخطابات والتصورات التي يعتنقها الافراد لشرعنة وجودهم او لممارسة عمليات الإقناع بأحقيتهم في الوصول إليها، ولعل اوضح مسرح لتلك العمليات هو الشرق الاوسط.
لقد باتت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحا حيًّا لكافة الأفكار بما فيه الأصولي والديني والليبرالي والحداثي..منها الغث ومنها الثمين لعل أخطرها ما يستخدم "المعتقدات" لأغراض أخر.
وامام تلك التحديات لا بد من إعادة طرح جملة من الأسئلة عن مآل الحداثة والثقافة وأزمتها، وإعادة الاعتبار إلى فلسفة الأنوار بمبادئها الأساسية، والاستناد إلى ما قدّمته الحداثة من تقدّم وتطوّر، والاعتراف بالآخر رغم الفروقات والاختلافات.
كاتبة واعلامية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr