بعد الفراغ اللبناني... ايران تملأ الفراغ السوري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا يمكن اعتبار دخول "حزب الله" على خط تدمير بلدة القُصير السورية القريبة من حمص والتي لا تبعد كثيرا عن الحدود اللبنانية حدثا عابرا. انّه تطور في غاية الخطورة لاسباب عدة لبنانية وسورية واقليمية.
يتمثّل ما فعله الحزب، وهو لواء في "الحرس الثوري الايراني" عناصره لبنانية، في ازالة الحدود الجمهورية اللبنانية مع الجمهورية العربية السورية من جانب واحد. ازال الحزب، بطلب ايراني مباشر، الحدود بين دولتين عربيتين مستقلتين من منطلق مذهبي. سعى الى اقامة رابط، على الارض بين المناطق التي يسيطر عليها في البقاع اللبناني، حيث جمهوره الشيعي، بمناطق ساحلية سورية، يعتقد أن فيها أكثرية علوية. كان ذنب القُصير أنها ذات موقع استراتيجي، كما شكلت حاجزا بين دويلة "حزب الله" في لبنان والساحل السوري، خصوصا أنها بلدة سنّية- مسيحية.
يُعتبر ما ارتكبه "حزب الله" في حجم جريمة توقيع لبنان اتفاق القاهرة المشؤوم مع منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969. وقّع الاتفاق، الذي كان بمثابة ضربة قاضية تلقاها لبنان، بضغط مباشر استمرّ ستة أشهر مارسه رشيد كرامي، رحمه الله، رئيس الوزراء السنّي وقتذاك، على رئيس الجمهورية الماروني شارل حلو، رحمه الله أيضا.
غيّر اتفاق القاهرة الذي سمح للفلسطينيين بشنّ عمليات على اسرائيل من منطقة، يفترض أن تكون تحت السيادة اللبنانية، طبيعة التوازنات الداخلية في الوطن الصغير. غيّر لبنان الى الأبد بعدما بدأ النظام السوري يرسل المسلحين الفلسطينيين الى اراضيه وبعدما باشر باغراق اللبنانيين، من كلّ الطوائف، بالسلاح بحجة أن الجيش اللبناني غير قادر على حماية السيادة الوطنية وحده...
معروف الى أين أخذ السلاح الفلسطيني، ثم سلاح الميليشيات اللبنانية المختلفة، لبنان واللبنانيين. معروف أيضا الخراب الذي تسبب به "حزب الله" الذي ورث السلاح الفلسطيني، أو على الاصحّ الدور الذي كان مطلوبا من هذا السلاح لعبه على صعيد جعل لبنان دولة لا سيادة لها على اراضيها.
الجديد الآن، بعد تطوّرات القُصير، أن "حزب الله" انتهى من الدولة اللبنانية كلّيا. لم يعد يقيم وزنا للمؤسسات اللبنانية، بل ازال الحدود اللبنانية بعدما تبيّن أن الرابط المذهبي أهم بكثير من الرابط الوطني وأن مصلحة ايران فوق كلّ مصلحة، بما في ذلك مصلحة ابناء الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان...في المدى الطويل!
على الصعيد السوري، كشف تورّط "حزب الله" في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه مدى افلاس هذا النظام سياسيا وعسكريا. صار عليه الاستعانة بقوى خارجية من أجل متابعة الحرب التي يخوضها. صار تحت رحمة القوى الخارجية في دمشق نفسها. بكلام أوضح، لم يعد النظام السوري قادرا على متابعة حربه على شعبه من دون "حزب الله" بصفة كونه ميليشيا مذهبية ايرانية ومن دون الايرانيين انفسهم، الذين لم يعد وجودهم الكثيف في دمشق سرّا عسكريا.
في السنة 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، اضطر النظام السوري الى الانسحاب من لبنان عسكريا وأمنيا. لعب الشارع السنّي دورا ضاغطا عليه بعدما طرأ تحوّل اساسي على الطائفة اللبنانية الاكثر عددا. تمثّل هذا التحوّل في اعتماد أهل السنّة شعار "لبنان أوّلا" الذي يؤمن به معظم المسيحيين، أي المسيحيين الوطنيين الذين يرفضون أن يكونوا اداة لدى "حزب الله" وايران، كذلك معظم الدروز وعدد لا بأس من الشيعة الذين يعرفون أهمّية لبنان كوطن لجميع ابنائه من دون تفرقة وتمييز.
بعد السادس والعشرين من نيسان- ابريل 2005، تاريخ انسحاب القوّات السورية من لبنان، لم يعد للنظام السوري أي نفوذ يذكر فيه من دون "حزب الله"، أي من دون اداة ايرانية. لم يعد للنظام السوري وجود في لبنان الاّ عبر ايران. الآن، لم يعد للنظام السوري نفوذ في سوريا وقدرة على متابعة حربه على شعبه من دون ايران.
استطاعت ايران وراثة النظام السوري في سوريا ولبنان. لا شكّ أن ما ساعدها في ذلك كان وضع يدها على قسم من العراق الذي ترسل الاحزاب المذهبية فيه، وهي الاحزاب المسيطرة على حكومة نوري المالكي، مقاتلين الى سوريا ومساعدات للنظام.
يضعنا ذلك أمام مشهد شرق اوسطي جديد يفسّر الى حد كبير ذلك الاصرار لدى "حزب الله" على منع تشكيل حكومة لبنانية برئاسة شخصية وطنية جامعة اسمها تمام سلام وتمسكه بحكومة تصريف الاعمال برئاسة نجيب ميقاتي. هذه الحكومة هي حكومته. يقتصر دورها في المرحلة الراهنة على تغطية ارتكابات الحزب في حقّ لبنان واللبنانيين من جهة وتكريس الفراغ على كل المستويات من جهة أخرى.
لم يعد السؤال المطروح: لبنان الى أين أو سوريا الى أين؟ السؤال صار اكبر من ذلك بعد وضع ايران يدها على البلدين فضلا عن تحكّمها بالقرار العراقي. السؤال الى أين سيأخذ الشرخ المذهبي الذي استثمرت في ايران الشرق الاوسط؟ هل اسرائيل بعيدة عن هذه السياسة؟ اليس مستغربا أن تطرح روسيا فكرة ارسال قوات الى الجولان لطمأنة اسرائيل الى أن لا مسّ باتفاق فك الارتباط في الهضبة المحتلة وأن الهدوء المستمر منذ 1974 لا يمكن الاّ أن يترسخّ اكثر ما دام النظام السوري لا يزال مسيطرا على دمشق؟
نزعت الثورة السورية كلّ الاقنعة. لم يعد هناك ما يتلطى به "حزب الله" ولا الذين يصدرون اليه التعليمات في طهران.
هناك بكلّ بساطة حلف جديد-قديم في المنطقة يمتد من طهران الى جنوب لبنان. هل في استطاعة هذا الحلف المذهبي، الذي يحظى بمباركة اسرائيلية وروسية، القضاء على الشعب السوري؟
الجواب أن من الصعب نجاحه في ذلك، مهما طال الزمن. في النهاية من كان يتصوّر أن القوات السورية ستخرج من لبنان يوما؟
مثلما خرجت هذه القوات من لبنان سيخرج الايراني من دمشق بغض النظر عن كلّ الشعارات التي يستخدمها ويرفعها على رأسها "المقاومة" و"الممانعة"، وحتى لو انضمت اسرائيل الى رافعي هذه الشعارات...