قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
نص الكلمة التي القيت في الأمسية الثقافية التي أقيمت في لندن بدعوة من منتدى مير بصري للمعرفة، بمناسبة صدور كتاب المرحوم سليم البصون "الجواهري بلسانه وبقلمي". سأتحدث بصورة مقتضبة عن والدي، عن بعض ذكرياتي معه وعن قصة الكتاب وكيف صدر في بغداد.بدأ والدي كتابة ما اعتبره - أهم مشروع له - في ربيع 1971 وانهى مسودة الكتاب في صيف 1973، أسابيع قبل هجرته إلى إسرائيل مع والدتي - وقد اهدى الكتاب بقوله "هذا الكتاب عن الجواهري اهديه إلى شعب الجواهري".يتحدث والدي في الفصل الأول عن الجواهري الأنسان، الشاعر، الصحفي، المتمرد. يذكر بصورة مقتضبة حياته وآرائه السياسية والاجتماعية. لب الكتاب - الفصل الثاني يتضمن سلسلة الحوارات المطولة بين الجواهري ووالدي بصورة أسئلة وأجوبة جرت خلال ست جلسات في دار الجواهري وخلال مراسلات معه. هذه الحوارات تأخذنا عبر حياة الجواهري، يتحدث فيها عن جذوره، نشأته في النجف الأشرف ثم إلى رحيله إلى بغداد ورميه العمامة، عن عمله في الصحافة، عن آرائه المتحررة في المرأة، رأيه في الأشكال الشعرية (العامودي والحر) والشعراء القدامى والجدد. هناك بعض الأسئلة والأجوبة التي تعالج اكثر المواضيع الشائكة في حياة الجواهري. والدي وسع على هذه الحوارات بإعطاء معلومات إضافية من خلال الملاحظات المفصلة في نهاية كل من الفصلين الأول والثاني. الكتاب كذلك يتضمن نماذج من شعر الجواهري، نثره، رسائله وكذلك نسخ مصورة من نماذج خط الجواهري من القصائد والرسائل التي نحتفظ بنسخها الأصلية. عندما حاور والدي الجواهري في أوائل السبعينيات، افصح له الجواهري عن الكثير من الحوادث التي مر بها وعن وثائق غير منشورة فضلاً عن قصائد ورسائل خاصة لم تكن معروفة للجمهور العام، عن وصيته في أن يدفن إلى جوار شقيقه جعفر والى جانب والدته. فالكتاب يصف حقبة مهمة من حياة الجواهري ولكن ليس كلها. من الناحية الأدبية والتاريخية على القارئ أن يتخيل الكتاب كما كتب في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.بعد أن وصفت الكتاب، سأرجع لأكثر من خمسين سنة إلى الوراء، إلى نهاية الخمسينيات لأتحدث بعض الوقت عن والدي، قبل أن أتكلم عن قصة صدور كتابه في بغداد.كان والدي على علاقة حميمة مع الجواهري وموضع ثقته وكان مدير التحرير الفعلي لصحيفته الرأي العام في الفترة التي عمل فيها 1959-1961. كانت غرفة والدي مقابل غرفة الجواهري في راس القرية في شارع الرشيد. اذكر كنت في العاشرة أو الحادية عشر عندما عرفني والدي إلى هذا الشخص الطويل النحيف الذي لم تفارق السجائر شفتيه واسمه الجواهري. في العطل كنت احب أن أزور والدي وانظر إلى الناس الذين يدخلون ويخرجون، يسلمون عليه، يعطوه المقالات وبين الحين والحين يحيون الجواهري. كنت احب رؤيته وهو ينقح عشرات المقالات بقلمه "الباركر" الذهبي- لا يمكن أن ينشر شيء بدون موافقته.طبعا لم اقدّر من هو الجواهري في طفولتي إلى أن قرأت شعره في الثانوية وأعجبت به بالرغم من صعوبته. أتذّكر أن والدي كان يقول لنا انه كان يكتب بين الحين والحين مقالات الجواهري الافتتاحية. وفي الكثير من المرات كان يخفف أو يلطف من لهجة بعض المقالات لكي لا يكون هناك شكوى على الجواهري أو حتى سبب لأغلاق الرأي العام، خاصة بعد أن تأزمت العلاقة بين الجواهري وعبد الكريم قاسم والتي أدت بالنهاية لان يترك الجواهري العراق في 1961. ولم يعود حتى سنة 1968.في السنين الأخيرة وبانتشار الصحف الإلكترونية، بدانا نقرأ من كتاب آخرين (من القلة التي كانت أو لا تزال على قيد الحياة) من الذين عرفوهم في تلك الحقبة من الزمن عن هذه العلاقة المتكافلة. كمثال وعلى اثر نشر سيرة والدي التي كتبها الأستاذ مازن لطيف، كتب احد معارف والدي و"عائلتنا" والذي لا نعرف هويته حيث وقع باسمه المستعار "المنسي القانع": "عزيزي مازن وددت أن أضيف معلومة لطيفة عن قوة العلاقة والثقة بين الجواهري والبصون، ففي جريدة الرأي العام التي كان يديرها بالكامل أبو خضر والجواهري يكتب المقال الافتتاحي الذي كثيراً ما كان ينسى كتابته وإرساله لذا أعطى الجواهري الحق لأبي خضر بكتابة المقال الذي ينزل في الجريدة بتوقيع الجواهري !! هكذا كانت الثقة بينهما وهكذا كان البصون قادرا على قراءة فكر الجواهري ونبض الشارع العراقي".لا اذكر متى اتصل والدي بالجواهري بعد عودته إلى بغداد ولكنني اذكر زيارتنا له كعائلة في بيته في حي القادسية في ربيع 1971 ثم عقد أول جلسة حوار مع الجواهري في 28 نيسان والتي استغرقت سبع ساعات. في صيف 1973 انهى والدي كتابة مسودة الكتاب. وكان قد بدأ قبل اشهر محادثات مع أصدقائه في وزارة الثقافة عن إمكانية طبع الكتاب برعاية الوزارة. لكن في هذه السنة (لا نتذكر متى بالضبط) استُدعي والدي من قبل مديرية الأمن للتحقيق معه ومن ضمن الأسئلة التي سألوه أين هم أولاده، مع العلم أننا كلنا خرجنا بجوازات سفر من العراق. بسبب التدخل السريع من بعض الأصدقاء المسلمين، اُطلق سراح والدي في نفس اليوم والا لكانت العاقبة وخيمة. كما يقال، هذه القشة التي قصمت ظهر البعير. (مو كل مرة تسلم الجرة).بعد هذه الحادثة مع الأمن، اقتنع والدي أخيرا أن عليه الخروج من العراق "قبل فوات الأوان" وفي غضون أسبوعين من حصول والدي على جواز سفر، قفل والدي الدار بما فيها واستقل مع والدتي الطائرة إلى إسطنبول ومن هناك إلى إسرائيل تاركين بغدادهم للابد. بين بغداد وإسطنبول فقدوا البعض من حقائبهم ولكن لحسن الحظ لم يفقد والدي مسودة الكتاب التي حملها شخصيا معه. هكذا اسدل الستار على هذه الفصل من حياة والديّ.فكر والدي في نشر الكتاب في إسرائيل ولكن لم يفلح بسبب صعوبات واعتبارات سأتطرق لها. كان هناك ثلاثة عوالم متوازية: عالم من خليقة والدي - كاتب يثّمن نفسه ويثّمن كتابه المهم الذي استثمر فيه وقت طويل وجهد كبير والذي كان يتضمن آنذاك معلومات لم تنشر من قبل عن الجواهري. عالم ثان هو عالم إسرائيل الأساسي الذي لا يعرف والدي، ولا يعرف الجواهري وأهميته في الأدب العربي. المعرفة قاصرة على المثقفين اليهود والعرب الضالعين بالأدب العربي في القرن العشرين أو الذين قرأوا للجواهري حين عاشوا في العراق. وأخيراً عالم ثالث هو العالم العربي وخاصة العراق حيث أغلبية القراء، مقطوعاً عن العالمين السابقين. في سنة 1980 تأسست رابطة الجامعيين النازحين من العراق وبدأت في نشر ذكريات وأعمال أدبية ليهود العراق. الأستاذ شموئيل موريه الذي يرأس هذه الرابطة اقترح أن تطبع الرابطة كتاب والدي ولكن سرعان ما أصاب والدي مرض عضال جعل من الصعوبة أن يأخذ على عاتقه مهمة الإشراف على طبع المسودة والتصليح والتنقيح. ومضت السنين كغمضة عين. والدي توفي في 1995 والجواهري توفي في 1997 في المنفى في سوريا بعيداً عن دجلة الخير.لعشرات السنين طمرت أسماء الكثيرين من يهود العراق. اختفوا من الذاكرة العراقية، إن كانوا سياسيين، أدباء، صحفيين، فنانين، رجال قانون، أطباء، أو رجال أعمال.... لم يكن من الممكن للمثقفين والباحثين التطرق لهذا التاريخ والى الشخصيات اليهودية العراقية التي أسهمت في بناء الدولة أو شاركت في العطاء في مختلف المجالات بدون أن يتهموا بالعمالة أو الخيانة.في الست سنوات الأخيرة حدث ما يمكن وصفه بانقلاب ثقافي بالنسبة ليهود العراق. بدأت إيلاف الصحيفة الإلكترونية المستقلة في 2007 نشر كتابات الأستاذ موريه "يهود العراق ذكريات وشجون" وأعادت نشر هذه الذكريات متزامنةً صحيفة الأخبار. كانت هذه الذكريات والتعليقات التي أعقبت كل مقال والتي استمرت ثلاث سنين احدى الأسباب الرئيسية لازدياد الاهتمام لدى المثقفين العراقيين بالتعرف على تاريخ يهود العراق والكتابة عنه، وهذا موضوع بحد ذاته. بدأ الكثيرون من المثقفين العراقيين يكتبون عن مساهمة يهود العراق في بناء الدولة العراقية. كتبوا أيضاً عن دور الأدباء والصحفيين اليهود أمثال أنور شاوول، مئير بصري ووالدي سليم البصون، نعيم طويق، مراد العماري، منشي زعرور، نعيم قطان.في شباط 2010 كتب مازن لطيف، والذي يعتبر الأن من اهم المؤرخين باللغة العربية لتاريخ يهود العراق وشخصياته، مقالاً بعنوان "سليم البصون - سجل حافل في الصحافة العراقية" ونشره في موقع الحوار المتمدن. ربما على اثره ذُكر والدي في العديد من المواقع الإلكترونية من قبل كتاب مثل كاظم حبيب، جاسم المطير، مجيد القيسي. لكن من اجمل ما كتب عن والدي كان شعراً، كتبه الأستاذ جبار جمال الدين أستاذ الفكر السياسي في جامعة الكوفة ومختص بالفكر السياسي والتراث اليهودي والذي نشره في موقع الأخبار في أيار 2010 وفيها قال:أصيـلٌ فـي عِـطائكَ يا سـلـيمُ أيَـا جُـرحًـا بـذاكِـرتِـي قـَـديـمُأيَـا رَمْـزًا لأحـْلام كـِـبـار يَـحـارُ بَكـُـنـْهها الفـَطِنُ الفهـيمُكأنـّكَ في عَطائكَ نارَ موسَى يـُضاءُ بـِنـُورِها اللـَيْـلُ البهيمُنَهَــلَـْتَ مِياهَ دِجلةَ وَهْيَ تَحْنو عـَـلـَيـْك كـَـأنـّهـا أمٌ رءومُثم يصف العراق :سـَـلِيمُ! بـِلادُنـا ذَهـَبـَتْ هـبـاءًاً وَعاثَ بـِحُسْنِها وَحْشٌ ظلـومُتَـَجمّعـتْ المَصائبُ والرّزايَـا عَـلى وَطَن تـُحاصِرُهُ الكلومُويعود ليقول:عـَمـِيـدُ صِحـَافـَة وَأمـِيرُ فِكـْرٍ وَنـَجْـمٌ لا تـُطاوِلـُهُ الـْنـُجـُومُكأنَ هـَواكَ دَرْبُ نـَجـاةِ قـَوْم بهِ تشـْفَى الجَوارِحُ والجُسُومُعلى اثرها كتبت تعليق اشكره بالنيابة عن العائلة لهذه الالتفاتة الرائعة في كتابة قصيدته وقلت "أن هذه القصيدة وبما فيها من أحاسيس جياشة بأحلى معانيها قد أعادت إلينا الذكريات الطيبة عن العراق وشعبه. نحن كيهود انتهى تاريخنا في العراق، أملنا أن يتذكرنا أبناء العراق الآن وفي المستقبل لما قدمه أجدادنا وأباءنا من خدمة مخلصة لوطنهم وحب مازلنا نحن الأحياء نكنه للعراق أينما كنا. نأمل أن يصحى أبناء العراق الشرفاء لينقذوا هذا الوطن من الدمار وحمام الدم الجاري." وكانت هناك عدة تعليقات إيجابية على هذه القصيدة.بالمناسبة، اصدر الدكتور جمال الدين ديوان شعر اطلق عليه "قصائد من شعر الإخاء الإنساني والوطني" وتضمنت قصائد يذكر فيها العديد من الشخصيات اليهودية التي برزت في تاريخ العراق، سياسيين مثل ساسون حسقيل و مناحيم دانيال، أدباء وصحفيين مثل أنور شاؤول، مراد العماري، ووالدي ، فنانين أمثال حسقيل قصاب وشخصيات اخرى من الذين هاجروا من العراق ولكن حبل سرتهم لم يقطع أمثال موريه.هذا الاهتمام بيهود العراق وبإنتاجاتهم شجعنا أن نبدأ الطريق في نشر كتابات والدي وتعريف الجيل الجديد من المثقفين العراقيين به. كان هدفنا الأعلى هو نشر كتاب والدي عن الجواهري ربما في حلقات في احدى الصحف الإلكترونية المهتمة بالأدب. ومن يشق الطريق هذا غير والدتي التي قررت وهي في الثمانيات أن تبدأ تعلم برنامج الوورد. ثم بدأت بطبع ونشر مقالات معظمها مما كتبه والدي في إسرائيل في الثمان سنين الأولى قبل مرضه والنادر مما احتفظ به من مقالات كتبها في العراق. ومن الجدير بالذكر أن والدتي تكتب القصص الصغيرة وقد نشرت العشرات من قصصها في السنوات الثلاثة الأخيرة في موقع الأخبار.متزامناً مع نشر هذه المقالات، بدأت والدتي في نهاية سنة 2010، المشروع الأكبر وهو طبع مخطوطة الكتاب (300 صفحة). بعد أن أنهت أول مسودة اشتركنا أنا وأختي كهرمان في تنقيح ما طبعتَه وترتيب الفصول والملاحظات والأشعار ثم استثمرنا أنا ووالدتي عشرات الساعات في تدقيق الطبع لكى تكون هناك نسخة معدة للنشر. هكذا اصبح لنا إمكانية نشر الكتاب الكترونياً أو طباعته في أي مكان في العالم. أرسلت النسخة بالبريد الإلكتروني لنيران في لندن لتنظر في إمكانية طبع ونشر الكتاب خارج إسرائيل.كان لدينا عرض لطبع ونشر الكتاب من قبل الرابطة التي يرأسها شموئيل موريه والمهتمة بكتابات يهود العراق. ومن المهم أن اذكر هنا أن شموئيل لم يتوقف كل هذه السنين عن تشجيعينا في أن يُنشر الكتاب. طلبنا منه وهو أستاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية وكصديق لوالدي أن يكتب مقدمة الكتاب وكتبتُ أنا كلمة عن الكتاب نيابة عن العائلة وسيرة مفصلة عن حياة والدي بعنوان "لقطات من حياة المرحوم سليم البصون (خلد الله ذكراه) وتفاعلها مع الصحافة والسياسة في عراق القرن العشرين".لم يكن اختيار أختي نيران اعتباطاً وهي التي ادعوها "مسؤولة العلاقات الاجتماعية في عائلة البصون". نيران معروفة كناشطة في أوساط الجالية العراقية في لندن من خلال اهتمامها في السنوات الأخيرة بإحياء فعاليات مختلفة أغلبيتها متعلقة بالعراق وبتراث يهود العراق وقد ظهرت في بعض قنوات التلفزيون العربية. هي على اتصال مع الكثير من الكتاب العراقيين في العراق وفي دول أخرى وكذلك مع دور نشر.بعد سماع الأستاذ مازن لطيف الذي يمتلك دار ميزوبوتاميا للنشر في العراق بان الكتاب جاهز، عرض على نيران أن يأخذ على عاتقه مهمة طبع ونشر وتوزيع الكتاب. هذا العرض جعلنا نفكر انه ربما هذا هو الحل الصحيح لتحقيق حلم والدي وكذلك بما وعدت به والدتي الجواهري في لحظة تسرع! كان من اهم الاعتبارات لدينا كعائلة هو صدور الكتاب بصورة لائقة، أن لا يُحذف منه شيء أو يُغير، وطبعا تعريف اكثر عدد ممكن من المثقفين والباحثين بوالدي. توصلنا إلى قناعة أن هذا لن يتم اذا تم طبع ونشر الكتاب في إسرائيل وخاصة انه كتاب أدبي وليس ذكريات أو مذكرات وسيكون من الصعوبة إيصال الكتاب إلى القراء في العراق والعالم العربي. ووافقنا في هذا صديقنا شموئيل.لم يعد لنا ما نفكر فيه عندما عاد الينا مازن بعرض لم نكن نحلم به وهو أن ينشر الكتاب برعاية وزارة الثقافة العراقية ومن ضمن منشورات مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013. وهكذا وافقت العائلة بأجمعها على أن يقوم مازن بهذه المهمة. أرسلت نيران له نسخة الكترونية من الكتاب الكامل وقام هو مع رفقائه بإعداد الكتاب وتصميم غلاف جميل جداً. تمت كل التنقيحات بالاتصالات الإلكترونية الآنية. من الناحية التقنية هذا عالم أخر ليس العالم الذي تركه والدي.وفي هذه المناسبة ونيابة عن عائلة البصون نتقدم بالشكر العميق للأخ مازن لطيف لتبنيه لهذه المبادرة الطيبة في نشر الكتاب. كذلك نود أن نشكر وزارة الثقافة العراقية لمساهمتها في أحياء ذكرى صحفي عراقي وطني اسهم معظم حياته المهنية في العطاء وناهض لعراق حر وديمقراطي.يمثل لنا طبع الكتاب في بغداد غلق حلقة - ولد الكتاب في بغداد ورجع إلى بغداد بعد أربعين عاما". من مفارقات القدر أن ناشره مازن لطيف عمره أربعون عاما، ولد في نفس السنة التي تركت فيها عائلتي بغداد. في سورة الأحقاف ورد عن الأنسان ..."حتى اذا بلغ اشده وبلغ أربعين سنة قال ربي أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ وان اعمل صالحا ترضاه."كما قاد نبينا موسى شعبه لأربعين عاما في صحراء سيناء ليصل إلى ارض الميعاد، تاه كتاب والدي أربعون عاما ليصل لأرض ميعاده - بغداد. أربعون سنة هي الفترة الزمنية ليقوم جيل جديد.من ناحية شخصية أقول اني فخور باني ساهمت في إخراج كتاب والدي إلى النور وأحياء ذكراه. أنا فخور بوالدتي التي كانت القدوى، المحفز والمشجع لي وأختاي في أن نتعاون في هذا المشروع ليكون مثالا لنشر كتب أخرى لوالدي ولوالدتي في المستقبل، أدامها الله لنا.صدور هذا الكتاب شجعني أن أكتب أنا الآخر بالعربية، اللغة التي لم اكتب بها منذ إنشاءات الثانوية في الستينات. بدأت بحوار خيالي مع والدي كتبته ونشرته في موقعي إيلاف و الأخبار قبل شهرين كوسيلة للإعلان عن صدور الكتاب والترويج له. لكني لم اعلم اني سوف أُصاب بالعدوى! واكتب مقالا ثانياً ثم ثالثاُ.انهي كلمتي بان اقرأ ما كتب لي أديب عراقي في المهجر اسمه سعد سامي نادر، تعرفت عليه قبل أسبوعين فقط بعد أن كتب مقالة تحليلية رائعة عن حواراتي الخيالية التي نشرتها - يقول سعد " وبمناسبة كتاب "الجواهري بلسانه وبقلمي"، لعل الأغرب في روح التحديات العديدة الكامنة في فقيدنا البصون ، هو كيف استطاع أن يوفق ما بين وداعة حمامة مسالمة يحملها في داخله، وبين مزاج نرجسية عبقري و"رب الشعر" مهدي الجواهري ؟نعم، كيف استطاع الصمود في العمل مع روح هائمة في الأفق، مع ملكوت وشياطين شعره.؟ كيف التعامل مع شاعر عبقري يقدس أهواءه "الصغرى والكبرى" ومزاجه العبقري غير المفهوم أحياناً !؟ ماذا أغراه ؟ ما المسافة التي وضعها هذا المسالم الجسور بينهما كي يقاوم..؟أتأمل أن هذه القصة كانت مشوقة لكم كما كانت لي. أنني أسف لعدم استطاعتي الحضور. كم كنت أود أن ألتقي بزميل والدي د. فائق بطي وسماع كلمته، أدام الله عمره. شكراً للأخ ضياء كاشي لإلقاء كلمتي واشكر كل الذين حضروا هذه الأمسية لسماعكم إياها والسلام عليكم.