فضاء الرأي

"الإسلاموفبا"… وثقافة التفخيخ والذبح والسحل باسم الإسلام..

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بتزامن عفوي مع نحر الجندي البريطاني في لندن، نشرت "الحياة" مقالا بتوقيع أكاديمي سعودي بعنوان " الإسلامفوبيا" تهديد للسلم العالمي".
وقبل جريمة لندن الوحشية المرعبة، كانت جريمة الشيشانيين في بوسطن، وتبعتها جريمة محاولة نحر جندي فرنسي في باريس. واليوم مجزرة قتل الشيخ حسن شحاتة ومن معه، وسحل جثثهم في محافظة الجيزة المصرية. وفي كل يوم مفخفخات في العراق وباكستان وأفغانستان وغيرها، تدمر المساجد والمدارس، وعمليات إرهابية "إسلاموية" ضد غير المسلمين في دول إسلامية ونيجيريا ودول أخرى.
جرائم متتابعة بلا وقف تطال المسلمين وغير المسلمين في العالمين العربي والإسلامي، وكل هذا باسم "الجهاد" الدموي من أجل الإسلام، أو باسم هذا المذهب الإسلامي أو ذاك. وقد أحسن الأستاذ خالد شوكات بتعليقه النافذ على جريمة الجيزة، المتصفة بمنتهى الوحشية والجبن معا، على أيدي رعاع منفلتين مسعورين غسل سلفيون أدمغتهم الجاهلة بالكراهية العمياء، ونحروا كل ما في أعماقهم من بقايا ضمير وحس آدمي.
إن ما يدعى بالإسلاموفوبيا يقصد به أساسا ليس بعض المجموعات العنصرية المحاصرة في الغرب، والمرفوضة من غالبية المواطنين، بل يقصد بها غالبية من الموطنين الغربيين، الذين تراكمت عندهم، خلال العقدين الأخيرين، مشاعر الخوف والقلق من تصرفات فئات متزايدة من المسلمين في الغرب تناهض القيم والمبادئ العلمانية والديمقراطية، وتخالف القانون، وتتصرف بتحد من يقولون: " نحن هنا فافعلوا ما تشاؤون"، وسبق أن توقفنا عند كتاب كالدويل، وتوقعه بثورة ردة إسلامية في أوروبا الغربية لو استمرت التنازلات للمطالب المناقضة للقيم والمبادئ والقوانين السارية في الدول الديمقراطية الغربية الأوروبية.
في مقالات كثيرة سابقة طالبنا من الحكومات والنخب الدينية والتربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية في العالم الإسلامي أن ننظر جيدا في المرآة قبل اتهام الآخرين: أن نعترف بما يقترف عندنا وخارج بلداننا من جرائم وانتهاكات باسم الإسلام. كل الإرهابيين المسلمين، والذين تحولوا للإسلام[ نقطة ضوء: هل تساءلنا لماذا أنحرف أكثر من تحولوا للإسلام في الغرب نحو التطرف والإرهاب؟! أي نوع من الإسلام تعلموه؟؟ وعلى أيدي من ؟؟]، يقترفون الجريمة باسم الإسلام والقرآن. فكيف يراد من المواطن الغربي أن لا يربط بين التطرف والإرهاب وبين الإسلام نفسه، وأن يتساءل، كما تساءل توني بلير مؤخرا، " إذن فثمة مشكلة في الإسلام". وهذا ما يعبر عنه مؤلفون وكتاب وصحفيون تعبيرا قاسيا كالقول إن الإسلام مستعص على الديمقراطية، وهو عنوان أحد الكتب الجديدة في فرنسا. ومثل ذلك عناوين أخرى تعتبر الإسلاميين [ لا المسلمين جميعا] الخطر الداخلي الأول في الغرب.
لا يظنن أحد منا أن الغربيين لا يتابعون ما يجري من جرائم الإرهاب في بلداننا، بضحاياها، ولاسيما من بين المسلمين أنفسهم، من شيعة ومن سنة وعلويين- ناهيكم عن غير المسلمين. ولا يتوهمن أحد أن قصة ملالا الطفلة الباكستانية لم تثر الضمائر في الغرب، وأن قيام مسلح قاعدي معارض في سوريا بقتل جندي وأكل كبده، وغيرها من الجرائم البشعة، لم تزد الهواجس عن الإسلام نفسه.
من يحرص حقا على نزع وتبديد هذه الهواجس، التي جعلت ثلاثة أرباع المواطنين في دول غربية كبرى ومنها فرنسا يعتقدون أن الإسلام لا ينسجم مع القيم الغربية والديمقراطية، عليه -كما قلنا- النظر لما يجري عندنا في المدارس ووسائل الإعلام والمساجد والفتاوى النابية والمتخلفة والمحرضة على كراهية الآخر. إن الرعاة الحقيقيين لما يدعى " إسلاموفوببيا" هم فقهاء العنف والكراهية، والثقافة المبنية على أن الإسلام هو الدين الصحيح الأوحد وأن الجهاد من أجل نشره ولو بقوة السيف فريضة دينية، وأن من يغير دينه يستحق الموت، وأن المرأة مجرد لعبة للجنس- ناهيكم عن دعاة الطائفية من الجانبين، والذين يحصرون الإسلام الصحيح إما في التسنن أو في التشيع.
وأما قتل وسحل المسلم بحجة سب بعض الصحابة، فالمجرمون ليسوا فقط الغوغاء الهمج المنفذون، وإنما، وقبلهم، من حشوا أدمغتهم بسم الكراهية وبالخرافات. وإذا كانت هيئة كبار العلماء في السعودية تطالب اليوم بإدانة من يسب الصحابة و آل البيت، فالمطلوب قبل ذلك تحريم وإدانة القتل بحجة السب؛ وحتى لو كان ذلك قد حدث فعلا، فإن هناك دولة وقانونا.
إن المؤلم حقا انفلات الموجة الطائفية في المنطقة، وخصوصا مع الحدث السوري. والنافخون في نار الطائفية هم تنظيمات ودول وفقهاء ومثقفون وصحفيون يغلفون الحساسات والمنافسات والصراعات السياسية بغلاف الدين والمذهب ليكسبوا الجهلة والرعاع، فيكون المواطنون الأبرياء هم الضحايا. إيران" الشيعية" لا تتورع عن استخدام القاعدة التي تكفر الشيعة لحسابها في العراق وغير العراق، ولو كان بين الضحايا أعداد كبيرة من الشيعة. وتصريحات الجنرال الأميركي كيسي [ القائد لأسبق للقوات الأميركية في العراق] في باريس مؤخرا رهيبة؛ إذ اتهم إيران علنا بجريمة تفجيرات مرقدي الإمامين الشيعيين في سامراء، وهي التي أشعلت الحرب الطائفية في العراق في أعوام 2006- 2008، وقوله إنهم أخبروا المالكي في حينه. وطبعا المعلومة أخفيت، ونسبت الجريمة للسنة كطائفة. كذلك التستر على تصريحات وزير الدفاع العراقي السابق عن تفجيرات الأربعاء الدامي قبل سنوات، وتأكيده أن الأسلحة المستخدمة كانت إيرانية الصنع.
هكذا يجري، وعلى الجانبين، سباق لتوتير الجو باستمرار وإشعال الفتن الطائفية لإخفاء الحسابات والصراعات السياسية الكامنة والمحركة تحت عناوين المذهب والإسلام.


[ملحق: تناقضات حادة في التنظيم الإسلامي بفرنسا:
نشرت صحيفة الفيجارو قبل أيام على صفحتها الأولى وبمانشيتات كبيرة أخبار المنافسات والصراعات على المراكز الهامة داخل "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، كما نشرت تصريحات عميد مسجد باريس الكبير في إدانة " التدخلات". ويظهر أن الصراع السياسي الجزائري- المغربي وراء الكثير من هذه الحالة المزرية نتيجة تدخل الدولتين في شؤون التنظيمات الإسلامية والمجلس، وانعكاس المنافسات على موضوع انتخاب الرئيس- دون نسيان دور أممية الإخوان المسلمين، التي لها فرع قوي في فرنسا. وهكذا تغلب السياسة ما عداها في حياة هذه التنظيمات والمساجد التابعة لكل منها.]

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف