أصيلة بعد 35 عاما..."الربيع العربي ليس مؤامرة"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لدى اصيلة القدرة الدائمة على التجدد والابتكار من دون السقوط في الابتذال. هذا سرّ المدينة المغربية الصغيرة الواقعة على المحيط الاطلسي ليس بعيدا عن طنجة. هذا السرّ هو الذي يجعل من موسمها السنوي نجاحا يتجاوز المدينة نفسها وصولا الى المغرب كلّه الذي يتأكد كلّ يوم أنه يمتلك كلّ مقومات "الاستثناء" الذي يصفه السيّد محمد بن عيسى الامين العام لمؤسسة منتدى اصيلة ورئيس بلديتها بـ"الثورة الهادئة" التي "اطلقها ويقودها ملكنا (محمّد السادس)".
لا شيء صعبا على اصيلة، بدليل أن ندوة انعقدت في اطار موسمها الثقافي الرقم 35 للحديث عن "فصول الربيع العربي من منظورنا ورؤية الآخر". جاءت الندوة بالكثير من الجديد. لم يكن ذلك بفضل الشخصيات التي شاركت في الندوة وليس بفضل الاختيار الموفق لعنوانها(فصول الربيع وليس فصل الربيع) فحسب، بل لأنّ المغرب قادر أيضا، على خلاف بلدان كثيرة في المنطقة، ان لم نقل معظمها على توفير اجواء تسمح بحوارات مفتوحة يمكن أن يقال فيها كلّ شيء عن اي شيء.
كان يمكن أن تكون ندوة أصيلة عن الربيع العربي تكرارا لندوات أخرى في هذا البلد العربي أو الاوروبي أو ذاك. لكنّها تفادت التكرار نظرا الى أنّ معظم المشاركين في الندوة أجادوا منذ البداية الخروج عن المألوف.
سمحت الندوة بالتعلّم كثيرا من التجارب التي تمرّ بها بلدان معيّنة اضافة الى الظروف التي احاطت بالثورات العربية. الاهمّ من ذلك كلّه، كان هناك من استطاع التعاطي مع الثورات العربية المرتبطة بما يسمّى الربيع العربي من زاوية نقدية.
لم يتردد مشاركون في انتقاد الذهاب الى انتخابات قبل أن يمرّ بعض الوقت على الانتهاء من التحرّك الثوري. فالانتخابات نتيجة لوضع مستقر تسود خلاله حياة سياسية سليمة. انها على الاصح تتويج للاستقرار السياسي والاجتماعي والحياة السياسية السليمة. الانتخابات لا يمكن أن تكون هدفا بحدّ ذاته. هذا ما خلص اليه مشاركون في الندوة وفي النقاشات التي دارت على هامشها.
استمع الحضور باهتمام كبير الى الدكتور مروان المعشّر وزير الخارجية الاردني السابق وأحد العقول النيّرة القليلة في المنطقة يشرح أهمّية ما يشهده العالم العربي حاليا والذي سمّاه بـ"اليقظة الثانية". قال أن ما نراه "بداية جدّية لمعركة التعددية، وهي أهمّ المعارك التي يخوضها عالمنا العربي". ذكّر العرب بتاريخهم الحديث وبشخصيات ممثل محمد عبده والكواكبي مفضلا استخدام عبارة "المدنيين" بدل "العلمانيين". كانت خلاصته أن "المعركة بين من يؤمن بالديموقراطية ومن لا يؤمن بها".
كذلك كان هناك اهتمام شديد بكلام السيد محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي السابق في المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا. اثبت جبريل مرّة أخرى أنه رجل دولة بكلّ معنى الكلمة،هو الذي سعى في مرحلة معيّنة الى انقاذ ما يمكن انقاذه في ليبيا وأثبت انّه صاحب شعبية حقيقية على الارض وأن هناك ليبيين يرفضون العنف ويؤمنون بالديموقراطية. اثبت ذلك عندما تقدّم حزبه على الاخرين في الانتخابات الليبية التي لم تفرز الى الآن ما كان مفترضا بها أن تفرزه، أي قيادة سياسية قادرة على وضع الاسس لدولة حديثة.
لم يمنع ذلك محمود جبريل، الذي يركّز على اهمية التعليم والبرامج التربوية وثقافة المعرفة، من اصلاح بعض المفاهيم الخاطئة التي كان لا بدّ من اصلاحها. من بين هذه المفاهيم وجود "مؤامرة" كانت وراء الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا وسوريا. قال، مستندا الى أنّه كان شاهدا على ما يدور في ليبيا في اثناء الثورة: " استطيع أن اجزم أنّ الولايات المتحدة كانت تريد أن تعرف من هم هؤلاء". وأضاف:" سألتنا هيلاري كلينتون من أنتم؟ آن لنا أن نتوقّف عن وصف الربيع العربي بأنّه مؤامرة".
كانت هناك مداخلات كثيرة قيّمة مثل مداخلة الزميل صالح قلاب وزير الاعلام الاردني السابق والدكتور فهد العرابي الحارثي رئيس مركز "اسبار" الذي عرض بالتفاصيل مأساة الشعب السوري وما يتعرّض له.
كان ملفتا ان هناك من تحدّث صراحة عن سلبيات الربيع العربي على دول الساحل الافريقي الممتدة من موريتانيا الى جنوب السودان.
تفرّد السنغالي الشيخ تيجان غاجو، وهو وزير سابق للخارجية، بالتركيز على الوضع في مالي وخطورته على مستقبل المنطقة كلّها. واشار في هذا المجال الى أن انهيار النظام الليبي سمح للمرتزقة الافارقة الذين كانوا يشكلون احد الالوية الموالية لمعمّر القذّافي بالتجمع في جنوب ليبيا حيث توجد كميات كبيرة من السلاح وصاروا شركاء في عملية نشر الارهاب وضرب الاستقرار في طول الساحل الافريقي وعرضه.
كان ذلك، بكلّ بساطة، احدى النتائج السلبية للربع العربي ولانهيار النظام الليبي ما أدّى الى كلّ تلك الفوضى المنتشرة في مناطق عدة بينها مناطق جزائرية وتونسية، اضافة الى مضاعفة عدد العمليات الارهابية في منطقة شاسعة وهي عمليات تترافق مع زيادة نشاطات العصابات المختصة بالتهريب.
تظلّ اصيلة مختلفة. انها تعبير عن الفضاء المغربي الواسع والمنفتح الذي لا يسمح بالحوار الحرّ فحسب، بل يساهم أيضا في كشف حقائق قائمة يتجاهلها كثيرون. من بين هذه الحقائق التي يركّز عليها محمد بن عيسى أن "ثلثي العالم العربي ينتمي جغرافيا وسكانيا الى القارة السمراء".
من هذا المنطلق، يتبيّن أن لا شيء يحصل بالصدفة. ليس صدفة أن المغرب في صلب المعادلة العربية- الافريقية التي تعني أوّل ما تعني ضرورة توسيع الحوار والتفاعل بين الجانبين وفي اتجاه الضفة الاوروبية من المتوسط. لم تكن أصيلة يوما بعيدة عن هذا التفاعل الذي يشمل كلّ الاتجاهات. كانت دائما مبادرة. كانت دائما مختلفة. كانت دائما خلاّقة...فبعد خمسة وثلاثين عاما، لا تزال اصيلة في عزّ شبابها!