إعلانهم بيان الدولة الوطنية الثانية
أبناء عبد النّاصر و أبناء بورقيبة
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اعتقد أن أحد أهم أسباب سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، و سقوطهم القادم في تونس لا محالة، كفرهم بالدولة الوطنية المستقلة و الكراهية الشديدة التي أظهروها لرموزها و لحظاتها التاريخية التأسيسية، و تجاوزهم لحقيقة أن شباب الثورة الّذين كانوا سببا في إيصالهم للسلطة، كانوا شبابا وطنيين رفعوا شعارات وطنية جامعة في وجه الأنظمة السابقة، التي كانت بدورها أنظمة وطنية و إن كانت مستبدّة.
لقد أصرّ الإخوان المسلمون في مصر و تونس على التشبّث بحالة الغربة عن الدولة الوطنية، و بوضعيّة الانفصام عن الشعب، و بعقلية التصادم و التآمر على المؤسسات و السعي الحثيث إلى "أخونتها"، ظنّا منهم ربّما أن النّاس تشاطرهم خواطرهم المريضة و أفكارهم المنحرفة بأن العقود الماضية كانت "عقود استبداد و فساد" و أن رؤساءها كانوا مجموعة "مخلوعين"، و هو ما قامت بتصحيحه لهم بكل وضوح و جسارة حركة 30 يونيو/جوان المصرية.و لا شك أن حقيقة صادمة سيدركها الإخوان ابتداء من الآن، و لو أن الرئيس المصري محمد مرسي لم يظهر ما يثبت أنه وعاها في خطابه الكارثي ليلة الثلاثاء الماضية، و هي أن عبد النّاصر هو صانع الدولة الوطنية المصرية المعاصرة، تماما كما أن بورقيبة هو باني الدولة الوطنية التونسية المعاصرة، و أن المصريين في غالبيتهم "ناصريون" بالقوّة، تماما كما أن التونسيين "بورقيبيّون" بالفعل، و أنهم لن يقبلوا أبدا حاكما أصرّ على الاستهتار بهذه الحقيقة، فالحاكم المصري لا بد أن يكون "ناصريا" بمعنى من المعاني، و الحاكم التونسي سيكون بورقيبيّا بالضرورة.و يجب أن لا يغفل كل متابع لما يجري في مصر، و ما شهدته تونس طيلة الأشهر الماضية، عن المكانة التي تحتلها الراية الوطنية المصرية و الراية الوطنية التونسية في تظاهرات الاحتجاج و تحرّكات المعارضة و دعوات تصحيح مسار الثورتين المصرية و التونسية، فالدولة الوطنية في مصر و تونس تخوض حرب وجود ضد مشروع الإخوان المسلمين القائم على نكران هذه الدولة و تهميش الهويّة الوطنية و الحط من قيمة الرموز المؤسسين لها و التآمر على صورتهم الثابتة اللامعة المتألّقة في قلوب أبناء شعوبهم، و هي صورة انبثقت عن الإحساس الجماهيري بصدقهم و إخلاصهم و ارتباطهم المتين بأمتهم، أيا كانت الملاحظات المشروعة عن أخطاء ارتكبوها أو عثرات مرّوا بها.لقد استخفّ الإخوان المسلمون في مصر و تونس، و في كل مكان وجدوا فيه، بمشاعر النّاس الوطنية، و ظنّوا أن الانتخابات التي انتصروا فيها في غفلة تاريخية من شعوبهم، هي انتخابات لمرّة واحدة تمنح شرعية و حاكميّة أبدية، تمكّن من قلب طبائع الدولة و المجتمع و تبيح معارضة التاريخ و المستقبل و تتيح قلب الأمور رأسا على عقب، و كأنما كان على نخبهم و عامّتهم أن تراهم يقيمون قواعد دولة دينية و يمارسون ديكتاتورية غاشمة بإسم الرئاسة المنتخبة أو الأغلبية النيابية، و يتركونهم ينقضون العرى عروة عروة و يزيّفون التاريخ صفحة صفحة.و لقد ضرب الإخوان في تونس و مصر أروع الأمثلة في استعداء النّاس و زرع الأحقاد و الكراهية تجاههم في أسرع وقت ممكن، فقد كان كافيا أن يحكموا بضعة شهور ليكتشف مواطنوهم كافة مظاهر زيفهم و تحريفهم، تديّنهم المغشوش و أخلاقهم الفاسدة و علوّهم و استكبارهم و غرورهم و قلّة كفاءتهم و عدم إخلاصهم لأهداف الثورة و تلاعبهم بملفّات الأنظمة السابقة و دخولهم في آلاعيب تصفية الحسابات المضللّة و مسعاهم في الهيمنة على الإدارة و مؤسسات الدولة و تقسيمهم الشعب و تهديدهم للوحدة الوطنية و عدم وفائهم العقود و الالتزامات و العهود و المواثيق و سخريتهم من الخصوم و استهتارهم بالحوار و عدم سلام النّاس من ألسنتهم و أيديهم.و قد ظنّ الإخوان أن مجرّد مسكهم بمقاليد السلطة كاف لتمرير مشروعهم، غير أن الشعوب لقّنتهم درسا قاسيا ابتداء من التجربة المصرية، فاستعانتهم بوصايا الفاسدين في الأنظمة السابقة و محاولتهم تأليب المعارضين بعضهم على بعض و استغلال التناقضات القائمة في برامجهم، لم يفدهم في شيء، و تبيّن لهم أن النّاس ليست مستعدّة للخضوع لهم أو لغيرهم، و أن ثوابت الأمة و الدولة و رموز الوطنية ليست قابلة لتحويلها إلى متغيّر.بقيت الإشارة إلى أن تجربة حكم الإخوان المسلمين لمصر و لتونس و لسواهما، ستظل تجربة مفيدة جدّا للدولة الوطنية و للمشروع الديمقراطي و لمخططات التقدّم و التنمية و التحديث، فبعد هذه التجربة لن يكون بمقدور أحد أن يضحك على عقول النّاس بشعارات دينية و لن يقوى أحد على التجرؤ على منوال الحياة و المجتمع و لن يستهزئ أي تيّار سياسي مهما أوتي من شعبية بآباء الدولة الوطنية و لن يصادم أحد اتجاه التاريخ، فالتاريخ البشري لن يقبل بأي حكم يكفّر الفنون و الآداب و الإبداع و الحرّية، و لن يقبل بدولة لا تحترم التنوّع و حقوق الإنسان و تفرّق بين مواطنيها و تجعلهم أشتاتا لا بشرا متساوين.التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف