أصداء

وانقلب المصريون على الإخوان المسلمين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مرة أخرى فعلها المصريون. مرة أخرى، وبعد عامين ونصف فقط من إجبارهم النظام السيء للرئيس الأسبق حسني مبارك على الرحيل، نجح المصريون في إزالة نظام أكثر سوءاً وهو نظام حكم الإخوان المسلمين. في الخامس والعشرين من يناير ذاك اليوم الشهير من عام ألفين وأحد عشر هب المصريون بعدما فاض بهم الكيل من نظام عتيق ومتهالك لم يتصد للفساد الذي استشرى في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. أما في الثلاثين من يونيو من هذا العام فقد ثار المصريون ليس فقط للتخلص من فساد نظام الإخوان المسلمين ولكن أيضاً لإنقاذ بلادهم من حكم جماعة وضعت الوطن على حافة الانهيار، جماعة هددت وحدة مصر وسلامتها ومصالحها الاستراتيجية.

كانت لهبة يناير أهداف رائعة ولكن لم تكن لدى القوى المدنية الخبرة الكافية لإدارة مجرياتها، وكانت النتيجة أن سيطرت القوى الإسلامية المتطرفة على ميدان التحرير وفوضت نفسها ممثلاً وحيداً لها، فتحول ما كان يفترض أن يكون ثورة إلى فوضى تقودها جماعة الإخوان. وقد أساء الإسلاميون كثيراً للمباديء التي هب على أساسها المصريون عندئذ. قام الإخوان بأعمال عنف ضد المجتمع لإشعار المصريين بعدم الأمان وتهييجهم ضد نظام مبارك، وشنوا، مستعينين بعناصر من حركة حماس الفلسطينية، هجمات ضد قوات الشرطة حتى أرهقوها وحيّدوها، وأقدموا على عمليات إطلاق سراح لمساجين وإرهابيين، وتؤكد دلائل على أنهم ارتكبوا اغتيالات لثوار بهدف دفعهم لعدم القبول بحلول وسطى مع نظام مبارك.

كان ثمن انفراد الإسلاميين بالساحة بعد تنحي مبارك باهظاً إذ نجحوا بسهولة مطلقة في تمرير كل مشاريعهم وتحقيق كل أهدافهم عبر انتخابات عامة واستفتاءات شعبية أعطتهم الغطاء الشرعي الذي كانوا يريدونه. ودعونا نكون صرحاء، فقد ساهم المصريون، بحسن نية، في إفشال هبتهم الأولى حين اختاروا جماعة الإخوان المسلمين لحكم البلاد ومنحوهم شرعية الوجود والحكم للمرة الأولى في تاريخهم. ويتحمل مسئولية هذا الخطأ بالدرجة الأولى إعلاميون ومثقفون وفنانون وثوار روّجوا للإخوان وقدموهم للشعب المصري على أنهم الحل الأوحد لقيادة البلاد بعد سقوط نظام حسني مبارك.

بعد أن أحكم الإخوان قبضتهم على سلطتي الدولة التنفيذية، ممثلة في رئاستي الجمهورية والحكومة، والتشريعية، ممثلة في مجلسي الشعب والشورى، تصرفوا على طبيعتهم ولم يتجملوا. خان الإخوان من صدّقوهم ومن صادقوهم. أعطى الإخوان ظهورهم للمصريين وتنكروا للتيارات المدنية التي ساعدتهم في الوصول إلى سدة الحكم. عزل الإخوان قادة القوات المسلحة، فضلاً عن النائب العام، ووضعوا إعلاناً دستوراياً يحصن منصب رئيس الجمهورية وقراراته، ثم وضع الإخوان دستورهم المشبوه، واعتدوا على القضاء وأهانوه وحاولوا تهميشه بعدما فشلوا في أخونته بالكامل، كما تربص الإخوان بالإعلام وأغلقوا بعض قنواته وأحالوا عدداً كبيراً من رجاله لنائبهم العام الذي عينوه من رجالهم لمساعدتهم في تحقيق مرادهم.

رفض الإخون الإنصات لصوت العقل، وأبوا أن يتعاونوا مع القوى المدنية وكل من اعترض على أسلوب إدارتهم للبلاد. ثم بادروا باستخدام العنف ضد معارضيهم فقاموا بتسليح ميليشياتهم التي عذبت وسحلت واغتالت أعداداً من الشخصيات التي اختلفت معهم.

يضاف إلى كل هذا فقد شكل سوء إدارة الإخوان للبلاد خطورة كبيرة على مصر على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. على الصعيد المحلي وصلت الأوضاع في مصر إلى أدنى مستوياتها اقتصادياً ما أدى لمعاناة الشعب المصري بمختلف فئاته وطبقاته من اختفاء الخبز والوقود وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية. يضاف إلى ذلك أن غاب الأمن واستشرى العنف وانتشرت عمليات الاختطاف والابتزاز. كما انتشرت حالات العنف الطائفي بصورة لم يسبق لها مثيل وكان المسيحيون والشيعة على رأس ضحايا التطرف الذي شجعته الإدارة الإخوانية. وعلى جانب أخر، فقد بدا أن الإخوان سلموا شبه جزيرة سيناء لحركة حماس والجماعات الإرهابية المتحالفة معها. كما اتخذ الإخوان خطوات للتنازل عن منطقة حلايب وشلاتين الحدودية لنظام البشير الحاكم في السودان. وعلى الصعيد الإقليمي تحولت مصر من دولة رائدة في المنطقة العربية إلى دويلة تنفذ مشيئة حكام إمارة قطر. كما دخلت مصر في صراع علني على المياة مع إثيوبيا بعدما تمت إذاعة حوار فاضح لرجال الإدارة الإخوانية. أما على المستوى الدولي فقد فقدت مصر الكثير، وكان رفض صندوق النقد الدولي منح مصر قرضاً مهماً لمساعدتها في النهوض من كبوتها الاقتصادية دليلاً على عدم ثقة المجتمع الدولي في مصر ونظام حكمها.

كان كل هذا كافياً لانقلاب المصريين على الإخوان المسلمين. لم يستطع الوطنيون الشرفاء الانتظار طويلاً على نظام حكم الإخوان. انضمت الملايين التي صوتت للإخوان في الانتخابات الرئاسية والتشريعية لصفوف المعارضة، ولم يتبق لجماعة الإخوان إلا أعضائها وشركائها من المتطرفين والإرهابيين. كان الحل الوحي للتخلص من نظام الحكم الإخواني هو الثورة الشعبية. وقد فعلها المصريون بقيادة شباب حركة "تمرد" الشجعان. جاء موعد ثورة تصحيح مسار الثورة في الثلاثين من يونيو، في الذكرى الأولى لاعتلاء الإخوان سدة الحكم. وأعطت مساندة القوات المسلحة والشرطة الثورة الجديدة كل القوة المطلوبة لاتخاذ وتنفيذ قرار إزالة نظام حكم الإخوان. ورغم ذلك فقد توفرت أمام الإخوان عدة فرص لخروج مشرف، ولكنهم رفضوا واختاروا الانعزال عن الغالبية العظمى من الشعب المصري والتمسك بشرعية فقدوها شعبياً حين خانوا عهودهم مع من ناخبيهم. ومنذ اليوم الأول لثورة الثلاثين من يونيو كان واضحاً أن نظام الإخوان لن يصمد أمام هدير هتافات الملايين من رجال ونساء وشباب وأطفال مصر الرافضين له.

إن ثورة الثلاثين من يونيو فخر لكل مصري لأنها كانت إنقلاباً شعبياً، لا عسكرياً كما تزعم قلة، على نظام فاشل جرى انتخابه بصورة شبه حرة. أثبت الانقلاب الشعبي أن المصريين واعون بما يفيدهم وما يضرهم. صحيح أن انقلاب المصريين على تيار الإسلام السياسي لا يعني أن كل المشاكل التي واجهتها مصر بسبب حكم الإسلاميين قد انتهت، وصحيح أن الانهيار الاقتصادي الذي شهدته مصر في السنة الأخيرة ساهم بشكل كبير جداً في حشد الحشود واصطفاف الصفوف ضد نظام حكم الإخوان، ولا تعني أن المصريين أصبحوا ينبذون تماماً فكرة دمج الدين والدولة، ولكن من المؤكد أيضاً أن السنة الماضية، التي حكم فيها الإخوان، أضعفت كثيراً من تيار الإسلام السياسي، وأثبتت للبعض أن الحكم الديني لا يصلح مطلقاً لإدارة شئون مصر لأنه الإسلاميون يضعون نصب أعينهم أهدافهم التنظيمية والعقائدية ولا يبالون بالوطن ولا المواطنين.

سيبقى الثلاثون من يونيو على الدوام أقرب إلى القلوب من الخامس والعشرين من يناير لأنه أعطى الحرية لمستحقيها ولأنه فضح زيف الإسلاميين. تحية لك من شارك في هذه الثورة ومن رتب لها وقادها. تحية خاصة للمرأة المصرية التي شاركت في الثورة بقوة، وأكدت بمشاركتها على أن المرأة تاج المجتمعات الحرة، وإن العقول المظلمة هي عورة المجتمعات المتخلفة.ونتمنى أن تكون هذه الثورة بداية حقيقية لمصر على طريق الحرية والعدالة والمساواة والتسامح والتعايش والاعتدال والتنمية.


josephhbishara@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف