أصداء

تمهيداً لإقامة دولة الأقباط تحويل مصر إلى سوريا أخرى

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

قبل حوالي عقدين ونصف، قامت جنرالات في الجزائر بالإنقلاب على الإنتخابات التي جرت هناك. ولأن الإسلاميين كانوا الفائزين، فقد بدا أن الشرط الخفي في الإنتخابات هو عدم فوزهم، وإلا فإنها ستعاد، أو ستنقض بأي وسيلة "شرعية" من الوسائل التي رأينا أهوالها (إما أفوز وإما نعيد اللعبة)!

اليوم وعلى مسمع ومرأى العالم، يتكرر بالضبط نفس الأمر ونفس الإنقلاب، على يد عسكر مدعومين من العَلمانيين والأقليات الدينية، في مصر، لتكتمل الصورة التي ينبغي لنا جميعا إدراك تفاصيلها وجوهرها.

من المفروض أن لا ندع أي صخب، يشتت لدينا الرؤية الواضحة والفهم الدقيق للأحداث. لكن المعضلة هي أن الوعي المطلوب لم يزل راكدا عند فئة قليلة، ويعاني المراوحة في الظل الكثيف، بسبب هيمنة اليومي لضجيج الأحداث على الشعور الجمعي. لذلك فإن النتائج الحقيقية للوقائع، تتأخر كثيرا في الفهم العام، على تلك الحيثيات التي تُتداول في الراهن من الأحداث وجرياناتها. فمثلا، إن ما يجري اليوم في مصر، هو صراع بين الإخوان المسلمين والجبهة التي يقودها العسكر. نعم هذا صحيح. لكن هذا ظاهر الحدث، إلا أن عمقه يمتد الى إستراتيجيات متعددة تتقاسمها قوى دولية وإقليمية ومحلية.

كل ما يجري اليوم في مصر، معد سلفا من أجل أهداف عدة، على رأسها ومن أهمها إطلاقا هو التمهيد لصناعة دويلة قبطية على ساحل مصر، والحدود التي تفصل إسرائيل عن مصر. قد يطول هذا المشروع أعواما طويلة، لكن ذلك هدف استراتيجي ضمن مشروع أوسع بدا الشروع في تطبيقه منذ سبعينيات القرن الماضي، في مرحلته الثانية، بعد المرحلة الأولى: إنهيار الدولة العثمانية وقيام الدول الإقليمية القومية.

في رأيي، فإن المرحلة الثانية دخلت حيز التنفيذ مع عودة الخميني إلى إيران في عام 1979، وقيام النظام المذهبي الشيعي الممزوج بالروح القومية الفارسية.
هناك مراكز قوى تاريخية في منطقتنا. فإلى جانب تركيا و سوريا والعراق وإيران، تقف مصر في موضع القلب، كمركز هام للعالمين الإسلامي والعربي. لقد تم تسليم سوريا والعراق إلى الشيعة، دمروا الأولى ووطدوا أركانهم في الثانية بعد تخريب هائل، وهي التي أصبحت اليوم جزءا لصيقا بالقطب الشيعي في إيران وعمقه الإستراتيجي. هذا القطب يحظى بدعم روسيا والصين علنا، وبتشجيع غربي ماكر وصامت.

تاريخيا، شكلت الغالبية الساحقة من المسلمين هوية الخلافة السنيــّة، التي دخلت في صراعات مع الغرب امتدت لثلاثة عشر قرنا. لكن حظ الشيعة في ذلك الصراع قليل جدا، أو معدوم لأسباب معلومة، مع إستثناء المنعطف التاريخي الذي بدأ مع الثورة الخمينية، ليحمل التيار الشيعي مفرداته ولغته الجديدة التي تناغمت مع الجوهر التاريخي للتيار الشيعي، وتناسقت في نفس الوقت مع إستراتيجيات خارجية، بالرغم من المفارقات الظاهرة التي أوحت بالصراع بين المسارين مع أنه لم يكن في المضمون سوى فرقعات صوتية أدت إلى إبراز الشيعة كطرف مقاوم، صانعة لعبة ذكية مع الأطراف الخارجية، عرف الشيعة كيف يلعبون في ساحتها. والسبب في عدم وجود مفردات الصراع التاريخي بين الشيعة والقوى الغربية (الصليبية/الإستعمارية تاريخيا)، هو أن الشيعة كمكون، ظهر كطرف معادي للداخل الإسلامي، وهو ما أمدّ هذا المكون بمفردات الصراع والعدواة مع الداخل المذكور الذي ظل منشغلا بالصراعات الخارجية لقرون طويلة جدا. إذن أدبيات الهوية الشيعية لا تمت بصلة إلى مفهوم صراع الأمة الإسلامية مع القوى الخارجية، إلا ما يتعلق باللعبة المتناغمة بين هذه الفئة والقوى الخارجية منذ ثورة الخميني، وهي لعبة تمارس بدقة متناهية ودهاء شديد.

إذن فإن الخط الإسلامي العام (الأمة الإسلامية) شكل الخطر الدائم للقوى الخارجية، ورأس حربتها، إسرائيل، منذ عام 1948. هذا الخط/الأمة واجه مرحلتين كارثيتين. أولاها سقوط مركز الخلافة العثمانية والعواقب الوخيمة التي رافقت السقوط، من تشتت، وتشرذم وإنقلابات (الثقافية والسياسية والإجتماعية)، فظهرت كيانات إقليمية متناحرة ومتخاصمة و مستلبة الإرادة من قبل القوى الدولية المعادية تاريخيا لمنطقتنا. المرحلة الثانية مستمرة إلى يومنا هذا. وبدأت هذه المرحلة في خضم تلك التحولات الدرامية التي ذكرتها. فحروب الإستنزاف العربية مع إسرائيل، والنزاعات الإقليمية التي جذبت الأطراف نحو حروب عدة أهمها الحرب الإيرانية العراقية، والحروب اللبنانية، والحروب الداخلية في العراق وسوريا وفلسطين، أنتجت معضلات مستعصية على العلاج: صعوبة العيش المشترك داخل هذه الكيانات، إستنزاف عظيم في الموارد والطاقات البشرية وبالتالي تخلف وفقر ومزيد من الوقوع تحت الهيمنة الخارجية (بتناسق ظل يكبر يوما بعد آخر، بين قوى محلية وقوى خارجية طامعة)، وأخيرا وليس آخرا فقدان الثقة بين مكوناتنا المختلفة. هذه القوى المحلية (المتآلفة مع الخارج) تشكلت من الأحزاب العلمانية (بعضها كان واجهة لجوهر الأقليات الدينية وأطماعها)، والعسكر الإنقلابيين، وقوميين ويساريين (هذا التيار الأخير ظل مشدودا نحو المعسكر الإشتراكي، قبل أن يدخل هو الآخر ضمن اللعبة الدولية، إبان حرب الكويت في عام 1990) والأنظمة الوراثية التي حظيت بدعم الغرب حتى الآن. هذه القوى المحلية وقعت تحت هيمنة الثقافة الخارجية ونمت بها لأكثر من قرن. هذا النمو اكتسب عداءا شديدا جدا ليس للتيارات الإسلامية فحسب، بل للإسلام نفسه. وسُخرت في سبيل ذلك طاقات جبارة، ودعم متواصل من قبل القوى العالمية. ومن أكبر الكوارث في هذا المجال، أن النمو المذكور خلق لدى هذه القوى المحلية ذهنية ثابتة ترى في الإسلام مصدر المشاكل والأزمات، لذلك فمواجهتها مع التيارات الإسلامية ليست نابعة في الأساس من السياسات الداخلية وإفرازاتها، بل نابعة من التكوين النفسي والذهني الذي نشأ تاريخيا في حضن الأقليات المسيحية في لبنان ومصر، اللتين أنتجتا تيارات علمانية معادية للإسلام. وهذا الطابع ظل مهيمنا على الساحتين العربية والإسلامية من قبل التيارات التي تبوح بنفسها على أنها علمانية.

لذلك فإن هذه التيارات، في العالم العربي، لا ترى في القوى الدولية خطرا، ولا في إسرائيل تهديدا، بل تجد أن الحركات الإسلامية هي الخطر والتهديد الكبيرين لها، في عملية الإمساك بزمام هذه الدول الإقليمية.

هناك إرادة دولية مستمرة تهدف إلى تفتيت منطقـتـنا بشكل مستمر، وخلق حالة الصراع والفوضى بين مكوناتها. لكن دعم وإحياء الصراع الشيعي مع الخط الإسلامي العام (الأمة) يشكل أولوية الخارج لإستنزاف عظيم في هذه المنطقة، وهو ما تقوم إيران بتطبيقه حرفيا عبر دعم القوى المذهبية في العراق و سوريا ولبنان. وفي ظل هذه الأوضاع، وفي غياب الأمن والإستقرار والتطور، ومع إستمرار الحروب وتفاقم الأزمات، فإن فكرة إنكفاء الأقليات الدينية نحو الحكم الذاتي (الإستقلال) تبدو جذابة، وتملك عناصرها على أرض الواقع بدعوى الإنهيار الذي أصاب جسد الدول الإقليمية، كما هي الحال في سوريا اليوم، والتي يبني فيها العلوييون بدقة وتفان دولتهم على المناطق الساحلية والجبلية، التي يشكلون فيها نسبة كبيرة. لذلك فإن الدكتاتور والجزار المدعوم من قبل إيران والشيعة عموما، مازال يـبـيد السكان الآمنين في سوريا دون أن تتحرك شعرة واحدة من ضمير "المجتمع الدولي". لكن المجتمع المذكور سارع حثيثا للتدخل في إسقاط نظام صدام حسين، بكل ما أوتي من قوة. مع العلم، أن "المجتمع الدولي" نفسه، يقف صامتا أمام إزاحة رئيس منتخب عبر إنقلاب عسكري.

في الواقع يفرّك العالم الغربي يديه سرّا، فرحة بما ستؤول إليه عواقب مصر في فوضى ودمار، عبر صراع قد يكرر المشهد السوري وربما بدموية أفظع. وهذا المآل طبعا يخدم الإستراتيجية القديمة الجديدة، ليس لتفتيت المنطقة فحسب، بل وتمهيدا لخلق كيانات دينية: مسيحية في لبنان، قبطية في مصر (على حدود إسرائيل والبحر الأبيض المتوسط)، ودرزية في سورية ولبنان، وعلوية و شيعية في نفس البلدين، كما حدث الأمر نفسه عبر مخاضات عسيرة في العراق والسودان.

وهكذا واقع يصب في مصلحة إسرائيل والغرب. فالغرب يعمل من أجل هذا المصير منذ قرون ونجح في ذلك في مرحلة الحملات الصليبية، ومرحلة الإستعمار والمرحلة الراهنة حيث الإحتلال الخارجي فتح الباب على مصراعيه للتدخلات، متى وكيفما شاء، وهو يمتلك قواعد عسكرية وسياسية ثابتة في منطقتنا.

أما إسرائيل، فستكسب نتيجتين مهمتين. الأولى، أنها لن تبقى الدولة المؤسَّسة على أسس الدين إلى جانب دولة فاتيكان. فستنضم إلى هذه الجوقة دول مسيحية، علوية، قبطية، شيعية، درزية تتأسس على الأسس الدينية كتشكيل لهوية الكيانات الوليدة. ومن ثم كأمر واقع لابد وأن تقوم دول إسلامية سنيـّة. ثانيا، إن قيام الدول الدرزية والعلوية والقبطية سيشكل حاجزا جغرافيا استراتيجيا مهما بين إسرائيل والعرب. هكذا دول، في الأساس، لا تملك اي مشكلة تاريخية مع إسرائيل. لذلك فإنها ستغدو بمثابة الحامي لحدود إسرائيل، وبالتالي فإن الترابط الجغرافي بين العرب المسلمين وإسرائيل سيظل محدودا جدا، وهو ما يريح إسرائيل ويفك رباطها القانوني بأي نوع من الإلتزامات، تجاه ما كان العرب والمسلمون يدعونه من حقوق تاريخية في فلسطين. إن بداية هذا المشروع ستكون بخلق حرب أهلية في مصر (على سبيل المثال جر الإخوان نحو العنف بقوة)، وإفتعال الهجمات على الأقباط بمرور الأيام، لتهيئة نزوحهم نحو مناطق على ساحل الأبيض المتوسط، والقريبة من حدود إسرائيل، تمهيدا لتدخل دولي تحت دعوى حمايتهم، ومن ثم إقامة مناطق آمنة لهم لتتحول إلى دولة واقعية، بمرور الزمن، متمتعة بالحماية والإعتراف الدوليين. إن إنقلاب العسكر والمعسكر العلماني الذي يقوده أمثال محمد البرادعي وحمدين صباحي وآخرين، وهم جميعا لا يعيشون تلك المفردات التاريخية التي مازالت تشكل العنصر الأساس في تكوين التيار الإسلامي والشعبي العام، لهو الخطوة الأهم لدفع مصر والمنطقة نحو المصير الذي تم شرحه في هذا المقال.

ويبقى في الوقت الحاضر، تضعيف الكيانات الإسلامية السنية (أكثرية العرب) الهدف الأساس للغرب وإسرائيل وإيران. فقد تم قص أجنحة العراق وليبيا وسوريا وتدميربناها التحتية. أما إيران فتحارب حروبها الإستباقية في سوريا، على أرض الإسلام السني، أي محاربة العدو في عقر داره، تماما كما فعلت أمريكا في العراق وأفغانستان!

وتبقى القوى المحلية، والأنظمة الموالية للغرب، والأحزاب العلمانية، والتيارات التابعة للأقليات الدينية مطايا طائعة للأعاصير التي تهب من قبل الغرب وإسرائيل وإيران، والتي تجمعها أهداف مشتركة وهي ضرب الإسلام السني وتدمير مناطقه وتفتيت كياناته الهزيلة على اي حال!
أما الدروس والعبر لجماعة الإخوان المسلمين فهي كثيرة نتناولها في مقال آخر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف