قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"إن السّاعي إلى الحقيقة يجب أن يكون أكثر تذلّلا من التراب" (المهاتما غاندي)لا دليل في أفق الإسلاميين يشير إلى وعيهم الدرس المصري، و ما هو بيّن إلى حدّ الآن أنهم ما يزالون واقعين تحت تأثير الصدمة، و أن تصرّفاتهم و مواقفهم لا تعدو أن تكون ردود أفعال على مصاب جلل لم يصدّقوا بعد أنه وقع، فقد كانت الفكرة المسيطرة على عقول قادتهم أن زمنهم لتوّه جاء، و أنّهم سيحكمون بأي طريقة لعدّة عقود، كما حكم غيرهم من قبل، و أنه ليس ثمّة مبرّر واحد يحوّل حلم ثمانية عقود و نيف إلى يباب في سنة واحدة.و سيكون الحاجز الأساسي الذي قد يعطّل استيعاب الإخوان للدرس، نزعة "القدرية" و عقليّة "المحنة" التي طالما وسمت تفكير الإسلاميين، فقادتهم لم يعتادوا تحمّل "المسؤولية" و الاعتراف ب"الخطأ"، بل تعوّدوا على الاستنجاد بالقدر للتهرّب من الإجابة عن أسئلة التاريخ المحرجة و استسهلوا استغلال نظرية "الابتلاء" لدعوة أتباعهم للصبر على الكوارث التي هي في حقيقتها نتاج خيارات القيادات الخطأ و اعوجاج تشخيصهم و فساد خطابهم و برامجهم و محدودية كفاءتهم و قلّة تواضعهم و كثرة غرورهم و تعاليهم و عنجهيتهم في التعامل مع غيرهم.و ما تابعناه إلى حدّ الآن في تصريحات القيادات الإخوانية، و في مقدّمتهم أولئك الذين طالما صنّفناهم على أنهم حمائم، جنوح إلى تصوير الحدث باعتباره "انقلابا" و "مؤامراة خارجية" على الأمّة، و مخطّطا لـ"قوى الشرّ" الدولية و على رأسها الولايات المتّحدة و إسرائيل الّتي حرّكت جهات داخلية عميلة لضرب مشروع "النهضة" الذي كانت الجماعة قد انطلقت للتوّ في تنفيذه، و أن الحلّ لن يكون سوى الاستمرار في رفض الواقع و مقاومة آثاره و معارضة الأطراف الجديدة الفاعلة فيه بكل شراسة ممكنة.و الأقرب للظنّ انطلاقا من خبرة سنين في متابعة و دراسة حركات الإسلام السياسي، خصوصا الجناح الإخواني فيها، أن المصيبة التي حلّت بالجماعة لن تجبر المرشد محمّد بديع على الاستقالة بناء على النتائج الكارثية التي أدّت إليها سياساته، كما لن تفضي إلى مؤتمر استثنائي للحركة تطرح فيه القضية على طاولة التحليل و التشخيص و النقد، ثم تتّخذ فيه قرارات تاريخية تجعل الإسلاميين يصومون على العمل السياسي عشرة سنين مثلما دعا إلى ذلك في تغريدة خارج السرب نائب المرشد محمد حبيب، يعيدون فيه مراجعة أفكارهم و إيجاد أجوبة مقنعة عن سرّ كراهية قطاع واسع من النّاس لهم في ظرف قياسي، بل الأرجح أنهم سيعاندون و يرفضون الواقع و يصرّون على العيش مجدّدا في عالم افتراضي، و هو ما سبق للجماعة الإسلامية في تونس أن فعلته عندما انتهت إلى فشل ذريع و محنة قاصمة أوائل التسعينيات من القرن الماضي.لقد كسب الإسلاميون طيلة عقود المعارضة و المواجهة مع الأنظمة السابقة عددا كبيرا من الأصدقاء و المتعاطفين، كانوا يظنّون بالقيادات الإخوانية ظنّا حسنا، غير أن أشهرا قليلة من السلطة فرّقت الجميع من حول الحركات الإسلامية الحاكمة، و جعلت الإخوان في مصر و النهضة في تونس في عزلة مطبقة، و تحوّل كافة أصحاب و رفاق الأمس تقريبا إلى أعداء حقيقيين شرسين للإسلاميين، و لم يجد الإخوان تقريبا من سند إلا تلك النواة الأصلية العميقة لتنظيماتهم شبه المغلقة، تلك التي شبّهها بعض الكتّاب و المحللّين بجماهير النوادي أو "التراس" الرياضية، المتعصّبة على الدوام لفرقها بصرف النظر عن الوضع و النتيجة.يجب أن يتساءل الإخوان في مصر و النهضة في تونس، لماذا خسروا كل هذه الشخصيات السياسية و الفكرية التي طالما دافعت في السابق عن حقّهم في الكرامة و العمل القانوني، و لماذا عادتهم شرائح الفنّانين و المثقفين و الأساتذة الجامعيين و الأكاديميين و الإعلاميين، و لماذا خافت منهم النساء و جفلت من وجوههم العابسة و برامجهم الخادعة الشرائح الشابّة و اليافعة، و لماذا لم ترتح لهم الدوائر الخارجية و لم تف لهم الدول التي عدّوها صديقة بوعودها، و لماذا لم تستقم معهم هم بالذّات الدورة الخلدونية، و لماذا لم ير عامّة الناس في سلوكهم القيم و المثل و الرموز الإسلامية؟و لعلّ بعض منظّريهم سينتبهون إلى أن تجربة الحكم القصيرة التي مرّ بها الإخوان المسلمون، ربّما أكدت على حقيقتين لا يمكن تجاوزهما بالنسبة لأي مشروع حكم يطرح نفسه على مجتمعات كتلك القائمة في تونس و مصر، أولاهما "الدولة الوطنية" إذ بدا الإسلاميون في نظر غالبية مواطنيهم "لا وطنيين" في رؤيتهم لهوية الدولة و المجتمع بامتياز، و ثانيهما "العصر" حيث ظهر الإخوان بمظهر من يحاول كسر نسق التاريخ و العودة بالبلاد إلى الوراء، فإذا ما كتب للإسلام السياسي أن يستوعب هاتين الحقيقتين فسيكون بالمقدور تخّيل هيئة الجيل القادم من الإسلاميين، باعتباره جيلا وطنيا و حداثيا أكثر، يستلهم من الإسلام قيما ثقافية و أخلاقية و روحية، لا يزعم أبدا النطق باسمه أو يأتي ما يقود إلى إفزاع النّاس منه.