فضاء الرأي

ما لم يقله العراقي "الأوفر حظاً": د. خضر سليم البصون في قراءاته!!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في قراءته الأخيرة "قراءات في قراءات" أعادنا د. خضر سليم البصون من حيث بدأ، إلى محاور حواراته السابقة، حيث مفاهيمه العصرية حول: الانتماء، الوطن، الموطن، المواطنة. ومن خلال مفاهيمه العولمية، سنكتشف أن خضر منتمي أصيل من جهة، وأخرى لامنتمي: "لا أعرف ما هو الانتماء وما معنى الوطنية. أنا اعتقد أنها ربما مصطلحات بالية بمفهومها التقليدي في زمن العولمة وسهولة وسرعة الاتصالات".

منها نفهم ان شعور اللا انتماء لديه لا علاقة له بالمفهوم الفلسفي الوجودي لكلمة - OUTSIDER- اللامنتمي العبثي المتمرد لكولن ولسن، حيث يكون فيه شعور الاضطراب وفوضوية التمرد، أكثر تجذرا في النفس البشرية من النظام السائد الذي يحيط حياة الإنسان. وكون خضر لبرالي علماني، فهو يفسر كل المفاهيم من داخل منظومته المعقدة تلك: "الانتماء لي هو صورة مركبة تعتمد على الزمان والمكان". وحين تكون الحرية لديه هي: "كيف اعبر عن أفكاري ومشاعري، ثقافاتي، مجتمعي.." يكون مفهوم الانتماء لديه قد حسم أمره كموقف كوني إنساني بحت: " أنا أؤمن بمفاهيم إنسانية تتعدى الحدود السياسية والقومية والدينية والثقافية". وهنا يكون وطن خضر مجرد مكان آمن حيث يجد سعادته فيه: "إن كنت سعيدا فهذا هو موطني ولا أقول وطني".كل هذا يتفق مع ما كنا قد حسمناه سوية في حواراتنا السابقة من كون الوطن تجريد سياسي يتمثل بالسلطة السياسية وما يقدمه هذا النظام من حقوق غير منقوصة، مقابل واجبات مواطنة دون تقصير. دعونا نرى لماذا يعيد خضر نفس محاوره علينا هذه المرة؟ تعمد خضر إعادة طرح مفاهيمه اللبرالية، تمهيدا كي يقدم لنا جزءً مهماً من سيرته الذاتية، وكي يضع لنا و بهدوء، فخاخه العقلانية التي نثرها هنا وهناك فيها. فخاخ تُفجر تساؤلات لئيمة في داخلنا ليس إلا، طرحها على شكل أمثلة حية معاشة من تجارب أسرته وهي في رحلتها السندبادية القسرية الشاقة، من بغداد إلى لندن لينهيها في إسرائيل. حقيقة فخاخ خضر تكمن فينا، كيف نقرأ ونفهم ونفسر ونقارن. فهو لم يفعل سوى وصف مقارن بين ما لقاه في وطنه الأم من شقاء ورفض وإسقاط الجنسية له ولقومه الذين لم تشفع لهم كونهم سكنة العراق مذ فجر سلالات بابل، مقارنة بما لقاه من ترحيب وحياة حرة كريمة وتجنس سريع في موطنه الثاني انكلترا. وكذلك حال الاحتضان في خياره الثالث، وطنه كيهودي: إسرائيل.وصف لنا خضر كيف تنساب الحياة فيهما بسهولة ويسر، مثل نظام أوتوماتيكي تجري الحياة فيه دون جهد مذل أو نكد منغصات إدارية أو اجتماعية كارثية، وكيف يتم عبرها تحقيق ذلك الشعور بالمواطنة والانتماء الحق، والذي تلبّى فيه كل أماني وأحلام ورغبات بناته وأبناءه وأحفاده وطموحات أسرته وللتي لا تتعدى ضمان متطلبات حياة حرة كريمة أفضل لهم و لأجيالهم القادمة. شعور الانتماء والمواطنة الجديد، إضافة لمتعة الحرية والكرامة الإنسانية الخلاقة، إحساس خلاق بذاته، شعرت به وأنا في مخيم اللاجئين! هنا في الغربة، منحني مداركا أخرى لفهم معاصر أوسع لمفهوم الوطنية والمواطنة، مفهوم قد أختصره بواجب التضحية للدفاع عن كينونة هذا المنجز العظيم: حرية وكرامة المواطن.لذا، فكل ما فعلته نماذج خضر الحياتية المعاشة، لا سوى إثارة تساؤلات ومقارنات لئيمة فجرت بداخلنا تلك المقاربات البائسة التي لا تقبل الجدل، فمحصلات نتائجها الحضارية ماثلة للعيان، منجزات تثير فينا الحسد والغيرة والحسرة وتعيد تساؤلاتنا على ما ضاع على شعوبنا المقهورة من فرص، وما آلت اليه أوطاننا من خراب بسبب أنظمة عشائرية متخلفة فاسدة، وحماقات قادة لا يعنيهم سوى تمجيد الدين والتاريخ وتلبية نزواتهم الدنيوية النرجسية. لكن خضر كعادته، تحاشى الخوض بعمق في الملابسات ومسبباتها السياسية الأكثر إيلاما وإثارة للجدل في شرقنا المضطرب، فقد اعتمد على نفس أسلوبه منذ أن بدأ بحواراته: طرح أمثلة وأسئلة حوارية مع النفس، تاركا لنا التفكير والمقارنة واكتشاف المسببات والإجابة عليها. ! فهل يعتقد انها كانت كافية لفهم كل حقائق وملابسات التاريخ المغيبة ؟! ها هو خضر يعود مزهواً ليذكرنا بحقيقة لئيمة فاضحة: كوننا الأسوأ حظاً.! ليؤكد: "نحن يهود الدول العربية، وعلى الرغم من سقوط الكثير منا ضحايا الطريق، وفقدنا الكثير من تراثنا وثقافتنا، كنا أوفر حظاً من بقايا أبناء الشعوب العربية ذاتهم." فهل من شك كوننا الأسوأ حظاً.؟ يا لمكر التاريخ ! بقى السؤال الوجودي الأهم دون إجابة: لماذا اليهود هم الأوفر حظاً منا.؟! سرّ الإجابةوحدها ثقافة الحسد الإبراهيمية مَنْ يمكنها تفسير حسراتنا وخيبات أملنا على ما أضاعه ساستنا من فرص النهوض بأوطاننا ضمن إمكانات ثروات بلداننا الهائلة. حتى وصمي تأكيداته باللئيمة، واحدة من إفرازات هذه الثقافة. فإن لم تكن قسوتي هذه نابعة من حسرتي وحسدي.! فهي ربما ردة فعل على قسوة وخز تذكيراته المتكررة اللئيمة!! ولعلها مديحاً عراقياً يفسر درجة دهشتنا من فارق المنجز الحضاري بين الأسوأ والأوفر حظاً، أو من شدة يأسنا المرّْ وحسرتنا الأمرْ، لكنها في كل أحوالها، تجني مني على أخوة التوأمة التي جمعتني مع خضر، حسب اعترافه: "...أمعنت في قراءاته الأربع وشعرت أننا توأمان.. كل واحد منا علماني، ليبرالي يكتب بأسلوبه. شعرت كأننا شخصية واحدة أصابها انفصام". انفصام!! أنا لا أشك في صحة عقلي. يقينا أن خضر لا يقصد بالفصام: المرض العصابي النفسي Schizophrenia"" بقد ما كان يرغب بتقريب صورة فهمنا المشترك لبعضنا، كوننا نكتب بنفس النهج الفكري المتحرر من أفق الأدلجة المتعصبة والتطرف الديني، لكن كلّ منا يكتب بأسلوبه المختلف. هو اللبرالي الهادئ المتفائل، وقد حسمت كل مخاوفه منذ عقود. وأنا لبرالي الغربة ! كتلة من سخط وخوف وقلق وتشاؤم حد النخاع. فهل هناك بارقة أمل تنعشني بها الآن، مدرسة اللا عنف الجديدة: ثورة شباب مصر الحالمة برؤية نموذج عربي علماني واحد على الأقل! و بدولة مواطنة مدنية ديمقراطية، تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة وتسعى للسلام. حلم يشبه تماما ما ينعم به الآن في إسرائيل، "توأمي الجميل الهادئ، الدكتور " الأوفر حظاً" خضر سليم البصون!! لعل حلمنا يكمن في سؤاله السياسي الوجودي المهذب، الأكثر إثارة للدجل، والذي تركه خضر لقرائه كي يجيبوا عليه: كيف نكون " الأوفر حظاً" .؟؟ ولمن يعود الفضل الأكبر الذي جعل من يهود العراق "الأوفر حظاً" منا ؟؟يقينا جواب الفضل! يعود لعلمانية دولتهم الإسرائيلية، وجه الصهيونية الناصع الوحيد!! لعله ترك لـ"توأمه" الساخط المتشائم، قول هذه الحقيقة، حقيقة ناطقة بمنجزات ما حققوه، ونابعة من فروقات البعد الحضاري الذي يفصل إخفاقات وخراب أنظمتنا الشامل، عن انجازات دولتهم المتحضرة. لقد أقحمني توأمي خضر في جو من الحسد والبخور الهندي، قبل أن تأتيني بلاوي وسكاكين سوء الفهم التاريخي! رغم معرفته المسبقة، بموقفي الأخلاقي والسياسي من الصهيونية، واختلافي الفكري مع عنصرية يمينها المتطرف "محترف" ومحتكر الدين اليهودي، ويسارها الذي " لم يفعل بما فيه الكفاية من اجل السلام مع العرب" -دايان - ولم يدعم التوجهات الديمقراطية في بلداننا. إضافة لموقفي الصريح من ملابسات ومؤامرات تشكيل دولة إسرائيل، قبل أن تصبح نموذجا علمانيا أمثل لواقع سياسي مغتصب! لا فكاك منه.! لكن! في الوقت الذي افصح عن رؤيتي هذه، أرى أنه من العيب والغباء، تحميل الغرب والصهيونية كما لو أنهم وحدهم السبب في تخلفنا الحضاري، والمسؤولون عن كل مشاكلنا ومآسي تخلفنا الفكري والسياسي والاجتماعي. هنا ارجوا من توأمي اللبرالي خضر، أن يتقبل مني الاعتذار عن قول حقيقة عن لسانه! كان قد تحاشا خوضها دوماً، حقيقة كونهم كيهود عراقيين "أصبحوا" أوفرَ حظاً منا، لانهم يحصدون الآن نتاج ونعيم دولة "علمانية" مثلى بكل مفاصلها، لا أكثر ولا أقل، وهو ليس بالشيء الهيّن.فإن كنت قد أصبت الحقيقة! فتلك مصيبة! فعلى اليهود الدفاع عن منجزاتهم الحضارية تلك! وان لم أصب كبدها! فتلك هي المعضلة: انتظار المزيد من خيبات الأمل لمشاريعنا "الوطنية" الصوتية الصاخبة.؟! هولندا

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف