أصداء

كيف أصبح الإسلاميون "إسلاميين"؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

رفض الإسلاميون مصطلح "إسلاميون" مع بدء الأدبيات الغربية استعماله وإطلاقه عليهم، ففي أواخر الثمانينات وفي الجزائر وجَّه عباس مدني رئيس جبهة الانقاذ إنتقاداً للكاتب الفرنسي فرنسوا بورغوا لاستعماله الكلمة في كتابه Lrsquo;ilamism au Maghreb وطلب منه في لقاء معه تغييرها رغم أن الكتاب كان متعاطفاً مع الإسلاميين، وتبعه في رفض استعمال كلمة "إسلاميين" حسن الترابي في السودان وراشد الغنوشي في تونس، أما السيد محمد حسين فضل الله في لبنان ففي مقابلة له عام 1992 مع المجلة الأسبوعية الـ Monday morning رفض استعمال هذا المصطلح لأنه قائم على مقياس غربي يفصل من هو على مزاج الغرب من المسلمين عن غيرهم، لكنه لاحقاً وبعد ستة أشهر غيّر موقفه من استعمال مصطلح "إسلاميون Islamist" بعد أن وجد أن الغربيين المتعاطفين مع الحركات الاسلامية يستعملونه في مقابل كلمة " أصوليين Fundamentalists ". وفي هذه الأجواء بدأ هذا المصطلح "إسلاميون" يحلّ مكان كلمات ومصطلحات كانت أقرب إلى قلب الإسلاميين مثل: "أبناء الحركة الإسلامية" و "رجال الصحوة الإسلامية" وهذه العبارات كانت الوحيدة التي تتداول في أدبيات الحركات الإسلامية وفي الأبحاث والمقالات التي كتبت عنهم طوال فترتي الثمانينات وحتى منتصف التسعينات. أضف أن بعض الليبراليين العرب وأصحاب الاتجاهات المناوئة للإسلاميين كانوا قد بدأوا يستعملون في هذه الفترة مصطلح "أصوليون" لكنهم لاحقاً استخدموا مصطلح "إسلاميون" للتفريق بين الإسلام السياسي والأصولية الجهادية التي نشأت بعد حرب أفغانستان.

هذا على الصعيد العربي-الإسلامي، أما على الصعيد الغربي فكيف تشكّل هذا المصطلح ومن أين جاء ولماذا؟
أول ظهور للفظ Islamism كان في أواخر القرن السابع عشر على شكلين؛ الأوّل في عام 1696 وفي أحد القواميس الإنجليزية وبلفظ Islamismus. والثاني عام 1697 في القاموس الفرنسي le petit Robert وبصيغة islamisme واللفظين وُضِعا للدلالة على الدين الإسلامي. لكن هذين المصطلحين بقيا في القواميس واستخدم مكانهما في أدبيات ودراسات هذه الفترة كلمة Mohammadism "المحمدية"، إلى أن جاء فولتير وكتب دراسات متعددة حول الاسلام وكان أول من استخدم بشكل واسع وواضح كلمة Islamisme للإشارة إلى الدين الإسلامي. أما استخدام كلمة Islam فقد أتى بعد زيارة جمال الأفغاني إلى فرنسا عام 1883 وإلقائه محاضرات عن الإسلام، حيث نجد أن صديقه المستشرق إيرنست رينان بدأ يستعمل مصطلح Islam إلى جانب Islamisme. وإثر إنتهاء المستشرقين من العمل على الموسوعة الإسلامية عام 1938 بدا واضحاً اختفاء كل المصطلحات المختلفة التي تشير للدين الإسلامي وبقاء مصطلح واحد هو Islam.

مع صعود حركة الأخوان المسلمين في الأربعينات وظهور الحركات الإسلامية لاحقاً كان وصف Islamic هو الذي يضاف في الحديث عنهم، إذ لم يكن تأثير الإسلام السياسي قوياً وواضحاً في الأحداث الكبرى في العالم إلى أن جاءت الثورة الإيرانية ومعها الجمهورية الإسلامية، وعندها بدا واضحاً أن هناك مُسلماً أو إسلاماً جديداً لم يألفه الغرب كثيراً من قبل، مما أوجد حيرةً عند الأكاديميين والصحفيين الغربيين وخاصة الفرنسيين، فقامت الأكاديمية الفرنسية مطلع الثمانينات باعتماد مصطلح Islamisme و Islamist مقابل مصطلح Fundamentalism "الأصولية" الذي شاع في الصحافة الأميركية والذي اعتبره الأكاديميون الفرنسيون مصطلحاً خاصاً بفئة مسيحية ولا ينطبق على الحالة الاسلامية السياسية المستجدة. أما المؤرخ الفرنسي ماكسيم رودنسن وهو أهم من كتب عن تاريخ الاسلام فقد عارض الأكاديمية وطلب عدم وضع مصطلح مشتق من كلمة إسلام إذ سيكون له أثراً سلبياً في النظر إلى المسلمين لاحقاً.

بقي مصطلح Islamist فرنسياً إلى أن بدأت ترجمة الكتب الفرنسية التي تتناول الحركات الإسلامية إلى الإنجليزية، حيث أن المترجمين الأميركيين وجدوا صعوبة في فهمه واستيعابه في البداية التي كانت مع كتب الباحث الفرنسي المتخصص في الحركات الاسلامية جيل كيبيل. وبعد أن تم تسلل المصطلح الفرنسي إلى البيئة الأميركية، برزت مع عام 1988 نقاشات أكاديمية عديدة تنتقد الاستعمال المكثف لـ Fundamentalist في الثقافة الأميركية، وهذه النقاشات قادها عالم الأنثروبولوجيا هنري مونسون إلى جانب غراهام فولر ولويس كانتوري. وفي 1994 بدأ التغيير يدخل على قاموس السياسة الخارجية الأميركية على يد مساعد وزير الخارجية روبرت بيليترو، الذي فصل بين جماعات الإسلام السياسي المعتدل الـ Islamists والمتشددين الـ Extremists. لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 لم تعطي مجالا لهذه المصطلحات الجديدة في التطور والتبلور وأعادتها جميعها لمفهوم واحد وهو
Islamist = Extremist fundamentalist

اليوم يبدو الإسلاميون مرتاحين جداً مع لقبهم "الإسلاميون" رغم غضبهم منه في البداية ورفضهم القوي له ولمصطلح "الأصوليون"، فما الذي جعلهم يلبسون الثوب الذي خاطه الغرب لهم وكانوا يعتبرونه شراً وتلبيساً من تلبيسات المؤامرات الشيطانية وغايته فصلهم عن مجتمعهم؟! هل اقتنعوا بأنه أفضل تعبير عنهم وعن حركتهم في مقابل كلمة "أصولية"؟ أم أنه يعطيهم ميزة يبتغونها في أدبياتهم. فهم ليسوا "مسلمين عاديين" بل مسلمين أصحاب دعوة ورسالة، والأهم أنهم فسطاط الحق فيما الآخرون في فسطاط الباطل والجهالة أو بحسب شروط سيد قطب إسلام وجاهلية، إسلاميون ربانيون مقابل مسلمين جاهليين متقاعسين.
الواضح أن هذا المصطلح قد ساهم في فصل الاسلاميين عن مجتمعاتهم وبإرادتهم، وباتوا لا يحسنون مخاطبة غيرهم إذ هم منغلقون على الداخل أكثر من انفتاحهم على الخارج. وأمام تسمية جديدة لم ترد في القرآن ولا في السنة ولا في التاريخ الإسلامي، يجد المسلم العادي هذه الأيام نفسه غير مرتاحة إلى كلمة "إسلامي" إذ باتت عنواناً للتشدد والدموية وللتغيير الذي بوصلته تتجه صوب الماضي والوراء أكثر منها نحو المستقبل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف